الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واتخذ لها دارا بعابدين. وبعدها أسس مجلة الهدي النبوي فنفع الله بها النفع العظيم.
قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل: لقد ظل إمام التوحيد (في العالم الإسلامي) والدنا الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله أكثر من أربعين عاما يجاهد في سبيل الله، ظل يجالد قوى الشر الباغية في صبر، مارس الغلب على الخطوب، واعتاد النصر على الأحداث، وإرادته تزلزل الدنيا حولها، وترجف الأرض من تحتها، فلا تميل عن قصد، ولا تجبن عن غاية، لم يكن يعرف في دعوته هذه الخوف من الناس، أو يلوذ له، إذ كان الخوف من الله آخذا بمجامع قلبه، كان يسمي كل شيء باسمه الذي هو له، فلا يدهن في القول ولا يداجي، ولا يبالي ولا يعرف المجاملة أبدا في الحق أو الجهر به، إذ كان يسمي المجاملة نفاقا ومداهنة، ويسمي السكوت عن قول الحق ذلا وجبنا.
توفي رحمه الله فجر الجمعة سابع رجب سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة على إثر عملية جراحية أجراها بمستشفى العجوزة.
موقفه من المبتدعة:
كان هذا الإمام شوكة في حلق المبتدعة في زمنه. ونفع الله به نفعا عظيما. وأخرج كثيرا من كتب السلف وزينها بتعاليقه الجيدة. وهي وإن كانت مختصرة، لكنها مفيدة.
منها ما جاء في هامش 'اقتضاء الصراط المستقيم':
- قال: وكذلك المقلدون على عمى: قد أطاعوا من قلدوهم في أخطائهم، وردوا بها صريح نصوص الكتاب والسنة، زاعمين أنها لم يأخذ بها
معظمهم. (1)
- وقال: الجاهلية: هي الحالة الناشئة عن الجهل والإعراض عن أسباب العلم التي أقامها الله في آياته الكونية في الأنفس والآفاق وفي النعم المتتالية؛ فهذه الحالة الجاهلية ملازمة للإعراض عن الفهم والتفقه لما أنزل الله في كتبه وأرسل به رسله، وللإعراض عن التدبر والتأمل لسنن الله الكونية، وآياته العلمية. وهذه حال يعمد الشيطان إلى إركاس الناس فيها بصرفهم عن الحق والهدي الذي جاءهم به رسل الله. وقد أركس الشيطان الناس اليوم فيها بالتقليد الأعمى وتعطيل عقولهم وأفهامهم، وحرمانهم من تدبر سنن الله وآياته، ومن الفقه في كتاب الله وسنة رسوله، فغلب عليهم العقائد الزائغة، والأخلاق الفاسدة، وانعكست بهم الأحوال، فغلبت النساء بسفههن الرجال، ونفقت سوق الشرك والبدع والخرافات، والفسوق والعصيان، وتحاكموا إلى الطواغيت، وتقطعت الصلات، وتباغضت القلوب، وتعاونوا على الإثم والعدوان، وأصبحوا شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، وضل سعيهم في كل شئون الحياة الدنيا. وعلى الجملة: أصبحوا في حياة لا ينبغي أن تنسب إلا إلى الجهل والسفه والغي، والإسلام دين الحكمة والرشد والفطرة السليمة، ودين العزة والقوة: برئ منها كل البراءة. (2)
- وقال: لا يمكن أن تكون بدعة إلا ولها سلف وقدوة خبيثة من دين
(1) هامش اقتضاء الصراط المستقيم (9).
(2)
هامش اقتضاء الصراط (79).
الكافرين وخبث أعمالهم التي أوحاها إليهم شياطين الإنس والجن. (1)
- وقال: والذي أعتقده -والله الموفق- هو أن شرع الإسلام بعقائده وعباداته وشرائعه شرع تام بما أتمه الله غير محتاج إلى غيره {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2) بل جعله الله مهيمنا على غيره. بحيث يجب على المؤمن أن لا يرجع إلى غيره، ولو أنه عرض له في حياته أمر أي أمر -فيجب أن يرده إلى الله ورسوله. فهو الشريعة التي حفظ الله أصولها ونصوصها، بحيث لا يتطرق شك ولا ريبة إلى أي أصل من أصولها، ولا نص من نصوصها، وهي الشريعة التي ارتضاها الله ربنا سبحانه -وهو العليم الحكيم الرحيم- لعباده من كل بني آدم من وقت نزولها إلى آخر الدهر، واختزن ربنا في طوايا نصوصها ما فيه الهدى والرحمة، والرشد والحكمة، والشفاء لما في صدور جميع الناس من كل داء ومرض من أمراض الشبهات والشهوات في الفرد والأسرة والحكومة والمجتمع. (3)
- قال الشيخ رحمه الله عقب كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع: من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا".
قلت: كيف يكون لهم ثواب على هذا وهم مخالفون لهدي رسول الله
(1) هامش اقتضاء الصراط (116).
(2)
المائدة الآية (3).
(3)
هامش اقتضاء الصراط (170).
- صلى الله عليه وسلم ولهدي أصحابه؟! فإن قيل: لأنهم اجتهدوا فأخطأوا، فنقول: أي اجتهاد في هذا؟ وهل تركت نصوص العبادات مجالا للاجتهاد؟! والأمر فيه واضح كل الوضوح. وما هو إلا غلبة الجاهلية وتحكم الأهواء، حملت الناس على الإعراض عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين اليهود والنصارى والوثنيين. فعليهم ما يستحقونه من لعنة الله وغضبه، وهل تكون محبة وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن هديه وكرهه وكراهية ما جاء به من الحق لصلاح الناس من عند ربه، والمسارعة إلى الوثنية واليهودية والنصرانية؟ ومن هم أولئك الذين أحيوا تلك الأعياد الوثنية؟ هل هم مالك أو الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو السفيانان أو غيرهم من أئمة الهدى رضي الله عنهم؟ حتى يعتذر لهم ولأخطائهم، كلا، بل ما أحدث هذه الأعياد الشركية إلا العبيديون الذين أجمعت الأمة على زندقتهم، وأنهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى، وأنهم كانوا وبالا على المسلمين، وعلى أيديهم وبدسائسهم وما نفثوا في الأمة من سموم الصوفية الخبيثة انحرف المسلمون عن الصراط المستقيم، حتى كانوا مع المغضوب عليهم والضالين؟ وكلام شيخ الإسلام نفسه يدل على خلاف ما يقول من إثابتهم، لأن حب الرسول وتعظيمه الواجب على كل مسلم: إنما هو باتباع ما جاء به من عند الله. كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} (1)
وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا
(1) آل عمران الآية (31) ..
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (1)،
وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ
(1) النساء الآيات (60 - 65) ..
يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} (1).اهـ (2)
وله كلام جيد على بدعة قراءة القرآن على الموتى:
جاء في اقتضاء الصراط المستقيم: "والوقوف التي وقفها الناس على القراءة عند قبورهم فيها من الفائدة: أنها تعين على حفظ القرآن، وأنها رزق لحفاظ القرآن، وباعثة لهم على حفظه ودرسه وملازمته، وإن قدر أن القارئ لا يثاب على قراءته، فهو مما يحفظ به الدين، كما يحفظ بقراءة الكافر وجهاد الفاجر. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» (3) ".
- قال حامد الفقي عقب هذا القول: لقد كان هذا من أقوى أسباب إماتة القرآن فقها وعلما وعملا وإن حفظوه حروفا وألفاظا، لأنهم يحترفون قراءته للموتى، على مثال كهنة قدماء المصريين الوثنيين، وبذلك هان القرآن ونزل من نفوس القادة والرؤساء، بل والعامة، حتى أصبح أقل منزلة في نفوسهم من قول الشيوخ وآرائهم، وعادات الآباء وتقاليدهم، وحتى أصبح في زمننا هذا أقل من قوانين الفرنجة وضلالهم. ولم يبق له في العقائد والعبادات والأخلاق والأدب والأحكام والدولة والأسرة أي أثر ولا قيمة،
(1) النور الآيات (47 - 52).
(2)
هامش اقتضاء الصراط (294 - 295 دار الكتب العلمية).
(3)
أحمد (2/ 309) والبخاري (6/ 220 - 221/ 3062) ومسلم (1/ 105 - 106/ 111).