الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثلاثون سنة شمسية تقريبا. وذلك لتحرزهم من الوقوع فى النسىء الذى أخبر الله عز وجل أنه زيادة فى الكفر. وهذا الازدلاف هو الذى نسميه فى عصرنا هذا بين كتاب التصرف «التحويل» . لأنا نحوّل السنة الخراجية إلى الهلالية، ولا يكون ذلك إلا بأمر السلطان.
وسنة العالم- على ما اتفق عليه المنجمون- هى من حين حلول الشمس رأس الحمل، وهو الاعتدال الربيعىّ. ومنهم من يجعل أوّلها من حين حلول الشمس رأس الميزان، وهو الاعتدال الخريفىّ.
وابتداء سنة القبط قطع الشمس اثنتى عشرة درجة من السنبلة، وابتدؤا بفعل ذلك فى زمن أغسطش، وهو قيصر الأوّل على ما ذكره أصحاب الزيجات.
وأما الفرس، فأوّل سنتهم عند حلول الشمس أوّل نقطة من الحمل [1] .
وأما السّريانيون، فأوّل سنتهم عند قطع الشمس من الميزان ستّ عشرة درجة.
6- ذكر النسىء ومذهب العرب فيه
يقال إن عمرو بن لحىّ، وهو خزاعة- ويقال اسمه عمرو بن عامر الخزاعىّ- هو أوّل من نسأ الشهور، وبحر البحيرة، وسيّب السائبة، وجعل الوصيلة، والحامى. وهو أوّل من دعا الناس إلى عبادة هبل، قدم به معه من هيت.
ومعنى النسىء أنهم ينسئون المحرم إلى صفر، ورجب إلى شعبان.
[1] وهذا اليوم هو عيد نيروزهم إلى الآن.
وكان جملة ما يعتقدونه من الدّين تعظيم الأشهر الحرم الأربعة، وكانوا يتحرّجون فيها من القتال. وكانت قبائل منهم يستبيحونها فإذا قاتلوا فى شهر حرام، حرموا مكانه شهرا من أشهر الحلّ، ويقولون نسئ الشهر.
وحكى ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة والسلام) أن أوّل من نسأ الشهور على العرب، وأحلّ منها ما أحلّ، وحرّم ما حرّم، القلمّس.
وهو حذيفة بن فقيم بن عامر بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خزيمة.
ثم قام بعده ولده عباد، ثم قام بعد عباد ابنه قلع، ثم قام بعد قلع ابنه أمية، ثم قام بعد أمية ابنه عوف، ثم قام بعد عوف ابنه أبو ثمامة جنادة، وعليه ظهر الإسلام.
فكانت العرب إذا فرغت من حجها، اجتمعت عليه بمنى، فقام فيها على جمل، وقال بأعلى صوته:«اللهم إنى لا أخاف ولا [1] أعاف، ولا مردّ لما قضيت! اللهم إنى أحللت شهر كذا (ويذكر شهرا من الأشهر الحرم، وقع اتفاقهم على شنّ الغارات فيه) وأنسأته إلى العام القابل (أى أخرت تحريمه) وحرمت مكانه شهر كذا من الأشهر البواقى!» وكانوا يحلون ما أحلّ، ويحرّمون ما حرّم.
وفى ذلك يقول عمرو بن قيس بن جذل الطّعان، من أبيات يفتخر:
ألسنا الناسئين على معدّ
…
شهور الحلّ، نجعلها حراما؟
وحكى السهيلىّ فى كتابه المترجم «بالروض الأنف» أن نسىء العرب كان على ضربين: أحدهما تأخير المحرّم إلى صفر لحاجاتهم إلى شنّ الغارات وطلب الثأر، والثانى تأخير الحج عن وقته تحرّيا منهم للسنة الشمسية. فكانوا يؤخرونه فى كل عام
[1] فى اللسان: «أنا الذى لا أعاب ولا أجاب ولا يرد لى قضاء» .