الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فضائل مصر
أنها تمير الحرمين الشريفين، ولولا مصر لما أمكن أهل الحرمين وأعمالهما المقام بهما، ولما توصل إليهما من يرد من أقطار الأرض.
ومنها أنها فرضة الدنيا، يحمل من خيرها إلى سواحلها، وذلك أن من ساحلها بالقلزم ينقل إلى الحرمين، وإلى جدّة، وإلى عمان، وإلى الهند، وإلى الصين، وصنعاء، وعدن، والشّحر، والسّند، وجزائر البحر.
ومن جهة تنّيس، ودمياط، والفرما فرضة بلد الروم، وأقاصى الأفرنجه، وقبرس.
وسائر سواحل الشام، والثغور إلى حدود العراق.
ومن جهة الإسكندرية فرضة أقريطش، وصقلّيّة، وبلد الروم، والمغرب كلّه إلى طنجة، ومغرب الشمس.
ومن جهة الصعيد فرضة بلد النّوبة، والبجة، والحبشة، والحجاز، واليمن.
وفيها من ثغور الرّباط: البرلّس، ورشيد، والإسكندرية، ورباط ذات الحمام، ورباط البحيرة، ورباط إخنا، ورباط دمياط، وشطا، وتنّيس، والأشتوم، والفرما، والورّاده، والعريش، والشّجرتين، ورباط الحرس. وجهة الحبشة، والبجة.
ورباط أسوان على النّوبة. ورباط الواحات على البربر والسّودان. ورباط قوص.
وبها من المساجد والمشاهد والآثار الصالحة، ما لم يكن فى غيرها. ولو استقصينا ذلك، لطال به الشرح وانبسط القول.
وقال سعيد بن عقبة: كنت بحضرة المأمون حتّى قال، وهو فى قبة الهواء:
لعن الله فرعون حين يقول (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)
فلو رأى العراق!. فقلت:
يا أمير المؤمنين لا تقل هذا فإن الله عز وجل قال (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)
. فما ظنّك يا أمير المؤمنين بشىء دمره الله، هذا بقيّته؟.
قال: ثم قلت: لقد بلغنى أن أرضا لم تكن أعظم من مصر، وجميع أهل الأرض يحتاجون إليها. وكانت الأنهار بقناطر وجسور وتقدير حتّى إن الماء يجرى تحت منازلهم وأفنيتهم: يحبسونه متى شاءوا، ويرسلونه متى شاءوا. وكانت البساتين بحافتى النيل من أوّله إلى آخره، ما بين أسوان إلى رسيد إلى الشام متصلة لا تنقطع.
ولقد كانت الأمة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط من الشجر. وكانت المرأة تخرج حاسرة لا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر.
ومن فضائلها النيل، وقد تقدّم ذكره فى باب الأنهار.
ومن عجائبها الهرمان وسيأتى ذكرهما فى باب المبانى القديمة إن شاء الله تعالى.
ومن عجائبها أن أهلها مستغنون عن كل بلد، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا بسور، استغنى أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.
وفيها ما ليس فى غيرها، وهو حيوان السّقنقور، والنّمس. ولو لاه لأكلت الثعابين أهلها؛ وهو لها كقنافدّ سجستان لأهلها.
وفيها سمك يسمّى الرّعّاد. وهو سمك إذا أمسكه إنسان أو أمسك ما يتصل به من خيط الصّنارة أو الشبكة التى يقع فيها، ارتعدت يده.
والحطب السّنط الذى لو وقد منه يوما وجمع ما وجد من رماده كان ملء كفّ. وهو صلب العود، سريع الوقود، بطىء الخمود. ويقال: إنه الآبنوس، وإنما البقعة قصّرت عن الكيان فجاء أحمر شديد الحمرة.
ودهن البلسان. والأفيون، وهو عصارة الخشخاش. وكان بها اللّبخ، وهو ثمر فى قدر اللوز الأخضر إلا أن المأكول منه الظاهر. ورأيته أنا بها وأكلت منه سنة ثلاث وتسعين وستمائة.
وبها الأترجّ الأبلق.
وبها من المعادن: معدن الزّمرّد، ومعدن النّفط، والشّبّ، والبرام، والرّخام.
وقيل: إن بها سائر المعادن كلّها.
وأهلها يأكلون صيد بحر الرّوم وبحر فارس [1] طريّا.
وفى كل شهر من شهور القبط صنف من المأكول والمشروب والمشموم، يوجد فيه دون غيره. فيقال: رطب توت، ورمّان بابه، وموز هاتور، وسمك كيهك، وماء طوبة، وخروف أمشير، ولبن برمهات، وورد برموده، ونبق بشنس، وتين بئونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى.
ومنها أن صيفها خريف، وشتاءها ربيع؛ وما يقطعه الحرّ والبرد فى سائر البلاد من الفواكه يوجد فيها فى الحرّ والبرد: لأنها فى الإقليم الثالث والرابع، فسلمت من حرّ الأوّل والثانى، وبرد السادس والسابع [2] .
ويقال: لو لم يكن من فضل مصر إلا أنها تغنى فى الصيف عن الخيش والثلج وبطون الأرض، وفى الشتاء عن الوقود والفراء.
[1] يشير إلى البحر الأحمر المتصل بالخليج الفارسى بواسطة بحر الهند.
[2]
قارن ذلك بما ورد فى المقريزىّ (طبع بولاق ج 1 ص 28) .