الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقرية من ناحية پنجهير [1] من بلاد خراسان بحيرة، ما غمس فيها شىء إلا ذاب:
حديدا كان أو خشبا.
وكذلك بركة النّظرون التى بأرض مصر ما وقع فيها شىء إلا صار نطرونا حتّى العظم والحجارة.
ذكر ما يتمثل به مما فيه ذكر البحر
(ما جاء من ذلك على لفظ أفعل) يقال: أعمق من البحر. أندى من البحر.
ويقال: حدّث عن البحر ولا حرج.
ويقال: جاء بالطّمّ والرّمّ. والطّم البحر؛ والرّم البر.
ومن أنصاف الأبيات:
وهل يملك البحر أن لا يفيضا؟
ومن ورد البحر استقلّ السّواقيا!
أنا الغريق، فما خوفى من البلل؟
ومن الأبيات:
هو البحر إلا أنّه عذب مورد،
…
وذا عجب أنّ العذوبة فى البحر!
وقال ابن الرومىّ:
كالبحر يرسب فيه لؤلؤه
…
سفلا، وتعلو فوقه جيفه.
[1] فى الأصل «پنجهير» وهى على ما قال ياقوت مدينة بنواحى بلخ. فلذلك أظن أن ذلك الاسم محرف عن «پنجديه» التى قال ياقوت إنها من نواحى خراسان وهو الصقع الذى أشار إليه المؤلف.
نعم إن ياقوت لم يذكر هذه البحيرة عند كلامه على كل من المدينتين ولكن المسعودىّ نص على أن ينجهير من أرض خراسان (ج 2 ص 15 طبع أوروبا) .
ومثله قول الآخر:
كمثل البحر يغرق فيه حىّ،
…
ولا ينفكّ تطفو فيه جيفه.
وقال ابن الرومىّ:
ألا فارجه واخشه إنه
…
هو البحر: فيه الغنى والغرق!
وقال أبو نواس:
من قاس غيركم بكم،
…
قاس الثّماد إلى البحور!
وقال آخر:
إذا كنت قرب البحر مالى مخلص
…
إليه، فما يغنى اقترابى من البحر!
وقال آخر:
كالبحر يقذف للقريب جواهرا
…
منه، ويرسل للبعيد سحائبا.
ذكر شىء مما قيل فى وصف البحر وتشبيهه قال ابن رشيق عفا الله عنه:
البحر مرّ المذاق صعب
…
لا جعلت حاجتى إليه.
أليس ماء ونحن طين؟
…
فما عسى صبرنا عليه؟
وقال ابن حمديس:
لا أركب البحر، أخشى
…
علىّ منه المعاطب!
طين أنا وهو ماء،
…
والطّين فى الماء ذائب.
وقال آخر:
وزاخر ليس له صولة
…
إلّا إذا ما هبّت الرّيح. فهو إذا ما سكنت ساكن
كأنما الرّيح له روح.
وقال أمية بن عبد العزيز بن أبى الصلت:
تناهى البحر فى عرض وطول،
…
وليس له على التحقيق كنه.
وأعجب كلّما شاهدت فيه
…
سلامتنا على الأهوال منه.
فحسبى أن أراه من بعيد
…
وأهرب فوق ظهر الأرض عنه.
ومما وصف به البحر والسفن قول بشر بن أبى خازم:
أطاعن صفّهم ولقد أرانى
…
على زوراء تسجد للرّياح.
إذا اعترضت براكبها خليجا،
…
تذكّر ما عليه من جناح.
ونحن على جوانبها قعود،
…
نغضّ الطّرف كالإبل القماح.
وقال ابن تولو من أبيات:
تحثّ بنا فيه قلاص كأنها
…
وعال، تبدّت من جبال شواهق.
لها كافلا ماء وريح كلاهما
…
يعلّمها فى الجرى سبق السّوابق
. إذا انحدرت؛ فالماء ألطف قائد،
…
وإن صعدت، فالريح أعسف سائق.
وقال السلامىّ:
وميدان تجول به خيول
…
تقود الدّارعين ولا تقاد.
ركبت به إلى اللّذّات طرفا
…
له جسم، وليس له فؤاد!
جرى فظننت أنّ الأرض وجه،
…
ودجلة ناظر، وهو السّواد.
وقال محمد بن هانئ:
معطّفة الأعناق نحو متونها
…
كما نبّهت أيدى الحواة الأفاعيا.
إذا اعملوا فيها المجاذيف سرعة،
…
ترى عقربا منها على الماء ماشيا.
إذا ما وردن الماء شوقا لبرده،
…
صدرن- ولم يشربن- غرثى صواديا.
وقال الرستمىّ:
لم نزل مشفقين مذقيل: سارت
…
بك دهم قليلة الأوضاح.
أصلها البرّ وهى ساكنة فى ا
…
لبحر سكنى إقامة لا براح.
هى فى الماء وهى صفر من الما
…
ء سوى نضح موجها النّضّاح.
فإذا أوقرت، فذات وقار؛
…
وإذا أخليت، فذات جماح.
وتراها فى اللّجّ ذات جناحي
…
ن وإن لم تكن بذات جناح.
من مطايا لا يغتذين ولا يس
…
أمن سير البكور بعد الرّواح.
منشآت من الجوارى اللّواتى
…
لسن من صنعة الجوارى الملاح.
والدات مولّدات بلا ح
…
ل نكاح ولا حرام سفاح.
لا من البيض بل من السّود ألوا
…
نا وذات الألواح والأرواح.
طائرات مع الرّياح، وطورا
…
كاسرات بالجرى حدّ الرّياح.
سائرات لا يشتكين سرى اللي
…
ل ولا يرتقبن ضوء الصّباح.
ساكنات بلا خضوع سكون،
…
جامحات بلا غرام جماح.
لا يخفن الغمار يقذفن فيها،
…
ويخفن المرور بالضّحضاح.
إن صدمن الحصى عطبن ولا يع
…
طبن إمّا صدمن حدّ الرّماح.
ما رأى الناس من قصور على الما
…
ء سواها يسير سير القداح.
يتسبسبن كالأساود فى الخف
…
ة لا فى معادة الأشباح.
فإذا ما تقابلت، قلت: ذود
…
من كباش تقابلت للنّطاح.
شرعها البيض كالغمامات فى الصّي
…
ف صحاحا منها وغير صحاح.
كم مدلّ بالجاه والمال فيها،
…
وبه حاجة إلى الملّاح!
قائد جنده لهم أدوات
…
نفعها ثمّ فوق نفع السّلاح.
فإذا البحر صال، صالوا عليها
…
بمواض تمضى بغير جراح.
يكثرون الصّياح حتّى كأنّ الس
…
فن تجرى من خوف ذاك الصّياح.
ومما وصفت به البحار والسفن نثرا قال أبو عمرو صاحب الصلاة القرطبىّ يصف شانيا [1] سافر فيه:
«فارقت مولاى حين أخذت للسّفر عدّة الحزم، وشددت عقدة العزم؛ وانتظمت مع السّفر فى سلك، وركبنا على اسم الله ظهر الفلك؛ فى شان عظيم الشان، أحدقت به النّطق إحداق الحيازم، وأمسكته إمساك الأبازم؛ ثم تتبّع خلله فسدّ، ورخوه فشدّ؛ حذرا على ألواحه من الإنخاع، واتصلت بعرانيسه اتصال الجلود بالأضلاع؛ ثم جلببت جلبابا من القار، وضمّخ فى المتنين والفقار؛ فامتاز بأغرب ميسم، وعاد كالغراب الأعصم؛ [2] قد حسن منه المخبر، وكأنّ الكافور قد قرن فيه بالعنبر. له من التماسيح أجنابها، ومن الخطاطيف أذنابها؛ واستقلّت رجله بفراشها، استقلال السّهام برياشها؛ وقد مدّ قلعيه ذراعيه متلقيا من وفد الرياح مصافحه، ومستهديا منها منافحة. تقلّد الحكم عليها إشتيام [3] ذو تيقظ واستبصار، واستدلال على الأعماق
[1] الشانى اسم لنوع من السفن التجارية والحربية عند المسلمين وجمعه شوانى.
[2]
أى الأبيض الجناحين (عن تاج العروس) .
[3]
الإشتيام هو رئيس الملّاحين، لفظ أعجمىّ أخذه العرب (راجع الجواليقىّ)
والأقصار؛ يستدلّ باختلاف المياه إذا جرى، ويهتدى بالنجوم إذا سرى؛ قد جعل السماء مرآة ينظر فيها، ويحذر من دجن يوافيها؛ فإذا أصدأها الظلام بحنادسه، وصقلها الضياء بمداوسه؛ يسبّح الله فى مصبحه وممساه، ويبسمل فى مجراه ومرساه، ويذكر ربّا يحفظه ولا ينساه. قد اتخذ فيه مواتيه، من أنجد النّواتيه؛ مشمّرين الأثواب، مدبّرين بالصواب؛ يفهمون عنه بالإيماء، ويتصرّفون له تصرّف الأفعال للأسماء؛ ويترنّمون عند الجذب والدّفع، والحطّ والرفع: بهينمة تبعثهم على النّشاط.
والجمام [1] ، وتؤدّيهم فى عملهم بالتمام. فخرجنا ونفح الريح نسيم، ووجه البحر وسيم؛ وراحة الرّيح تصافح عبابه مصافحة الخلّ، وتطوى جناحه طىّ السّجل؛ وتجول من لججه أبرادا، وتصوغ من حبكه أزرادا: كأنما ترسم فى أديم رقشا، أو تفتح فى فصوص نقشا. فلما توسطنا ثبج البحر، وصرنا منه بين السّحر والنّحر؛ صحت الريح من سكرها، وطارت من وكرها؛ فسمعنا من دوىّ البحر زئيرا، ومن حبال الثانى صفيرا؛ ورأيناه يزبد ويضطرب، كأنّه بكأس الجنوب قد شرب؛ واستقبلنا منه وجه باسر، وطارت من أمواجه عقبان كواسر؛ يضطرب ويصطفق، ويختلف ولا يتّفق؛ كأن الجوّ يأخذ بنواصيها، ويجذبها من أقاصيها؛ والشانى تلعب به أكفّ الموج، ويفحص منها بكلكله فوجا بعد فوج؛ ويجوب منها ما بين أنجاد وأغوار، وخنادق وأسوار؛ والبحر تحتنا كأرض تميد بأهلها، وتتزلزل بوعرها وسهلها؛ ونحن قعود، دود على عود؛ قد نبت بنا من القلق أمكنتنا، وخرست من الفرق ألسنتنا؛ والرّشّ يكتنفنا من كل جانب، ويسيل من أثوابنا سيل المذانب. فشممنا ريح الموت، وظننّا التلف والفوت؛ وبقينا فى همّ ناصب، وعذاب واصب؛ حتّى انتهينا
[1] ذهاب الإعياء والتعب.
إلى كنف الجون، وصرنا منه فى كنّ وصون؛ وهدأ من البحر ما استشرى، وتنادينا بالبشرى؛ ووطئنا من الأرض جددا، ولبسنا أثواب الحياة جددا! ......»
ومن رسالة لأبى عامر بن عقال الأندلسىّ عفا الله عنه جاء منها:
«
…
وكان جوازه، أيده الله على بحر ساكن، قد ذل بعد استصعابه، وسهل بعد أن رأى الشامخ من هضابه؛ وصارحيّه ميتا، وهديره صمتا؛ وجباله لا ترى بها عوجا ولا أمتا؛ وضعف بعد تعاطيه، وعقد السلّم بين موجه وشاطيه. فعبر آمنا من لهواته، متملّكا لصهواته؛ على جواد يقطع البحر سبحا، ويكاد يسبق الريح لمحا؛ لا يحمل لجاما ولا سرجا، ولا يعرف غير اللّجّة سرجا؛ فلله هو من جواد، له جسم وليس له فؤاد؛ يخترق الهواء ولا يرهبه، ويركض فى الماء ولا يشربه! ......»
ومن رسالة للأستاذ ابن العميد فى مثل ذلك جاء منها:
«
…
وكأن العشاريات وقد ردّيت بالقار، وحلّيت باللّجين والنّضار؛ عرائس منشورة الذوائب، مخضوبة الحواجب؛ موشحة المناكب، مقلّدة الترائب؛ متوّجة المفارق، مكلّلة العواتق، فضّية الحلل والقراطق؛ أو طواويس أبرزت رقابها، ونشرت أجنحتها وأذنابها؛ وكأنها إذا جدّت فى اللّحاق، وتنافست فى السّباق؛ نوافر نعام، أو حوافل أنعام؛ أو عقارب شالت بالإبر، أودهم الخيل واضحة الحجول والغرر؛ وكأن المجاديف طير تنفض خوافيها، أو حبائب تعانق حبائب بأيديها......»