الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس من القسم الخامس من الفن الأوّل
(فيما وصفت به القصور والمنازل)
ولنبدأ بذكر ما بناه المتوكل من القصور وما أنفق عليها، ثم نذكر ما قيل فى وصفها، وما وصفت به المنازل الخالية، وما قيل فى حبّ الوطن.
فأما قصور المتوكل، فهى: الكامل، والجعفرىّ، وبركوانا [1] ، والعروس، والبركة، والجوسق، والمختار، والغريب، والبديع، والصّبيح، والمليح، والقصر، والبرج، والمتوكّليّة، والقلّاية.
حكى المؤرّخون أنه أنفق فى بنائها مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار عينا، ومائتا ألف ألف وثمانية وخمسون ألف ألف وخمسمائة ألف درهم.
قالوا: وكان «البرج» من أحسنها. كان فيه صور عظيمة من الذهب والفضة، وبركة عظيمة غشّى ظاهرها وباطنها بصفائح الفضة، وجعل عليها شجرة من الذهب فيها طيور تصوت وتصفّر سماها «طوبى» بلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار.
وقد وصفه الشعراء، فمن ذلك قول السرىّ:
مجلس فى فناء دجلة، يرتا
…
ح إليه الخليع والمستور.
طائر فى الهواء، فالبرق يسرى
…
دون أعلاه والحمام يطير.
فإذا الغيم سار، أسبل منه
…
حلل دون جدره وستور.
وإذا غارت الكواكب صبحا،
…
فهو الكوكب الذى لا يغور!
[1] كذا بالأصل. وفى معجم ياقوت «يزكوار» .
وقال أيضا:
منزل كالرّبيع حلّت عليه
…
حاليات السّحاب عقد النّطاق.
يمتع العين في طرائف حسن
…
تتحامى بها عن الإطراق.
بين ساج كأنّه ذائب التّب
…
ر على مثل ذائب الأوراق.
وقال أيضا:
والقصر يبسم عن وجه الضّحى، فترى
…
وجه الضّحى- عند ما أبدى له- شحبا.
يبيت أعلاه بالجوزاء منتطقا،
…
ويغتدى برداء الغيم محتجبا!
وقال أبو سعيد الرستمىّ، يصف دارا بناها الصاحب بن عبّاد:
وسامية الأعلام تلحظ دونها
…
سنا النّجم في آفاقها متضائلا.
نسخت بها إيوان كسرى بن هرمز،
…
فأصبح في أرض المداين عاطلا.
فلو أبصرت ذات العماد عمادها،
…
لأمست أعاليها حيا، أسافلا.
ولو لحظت جنّات تدمر حسنها،
…
درت كيف تبنى بعدهنّ المجادلا.
متى ترها خلت السماء سرادقا
…
عليها وأعلام النجوم تماثلا.
وقال علىّ بن يوسف الإيادىّ، يذكر دارا بناها المعز العبيدىّ بمصر وسماها «العروسين» :
بنى منظرا يسمى «العروسين» رفعة،
…
كأنّ الثّريّا عرّست في قبابه.
إذا الليل أخفاه بحلكة لونه،
…
بدا ضوءه كالبدر تحت سحابه.
تمكّن من سعد السّعود محلّه،
…
فأضحى ومفتاح الغنى فتح بابه.
ولو شاده عزم المعزّ ورأيه
…
على قدره في ملكه ونصابه.
لكان حصى الياقوت والتّبر مفرغا
…
على المسك من أجّره وترابه.
وقال عبد الجبار بن حمديس الصقلىّ، يصف دارا بناها المعتمد بن عبّاد من أبيات:
ويا حبّذا دار قضى الله أنّها
…
يجدّد فيها كلّ عزّ ولا يبلى!
وما هى إلا خطّة الملك الّتى
…
يحطّ إليها كلّ ذى أمل رحلا.
إذا فتحت أبوابها، خلت أنّها
…
تقول بترحيب لداخلها: أهلا.
وقد نقلت صنّاعها من صفاته
…
إليها أفانينا، فأحسنت النّقلا.
فمن صدره رحبا، ومن نوره سنا،
…
ومن صيته فرعا، ومن حلمه أصلا!
فأعلت به في رتبة الملك ناديا،
…
وقلّ له فوق السّماكين أن يعلى.
نسيت به إيوان كسرى، لأنّنى
…
أراه له مولى من الحسن لا مثلا.
ترى الشّمس فيه ليقة تستمدّها
…
أكفّ، أقامت من تصاويرها شكلا.
لها حركات أودعت في سكونها،
…
فما تبعت من نقلهنّ يد رجلا.
ولما عشينا من توقّد نورها،
…
تخذنا سناه في نواظرنا كحلا.
وقال أيضا من قصيدة يصف فيها دارا بناها المنصور ببجاية، جاء منها:
واعمر بقصر الملك ناديك الّذى
…
أضحى بمجدك بيته معمورا!
قصر لو انّك قد كحلت بنوره
…
أعمى، لعاد على المقام بصيرا.
واشتقّ من معنى الحياة نسيمه،
…
فيكاد يحدث للعظام نشورا.
فلو أنّ بالإيوان قوبل حسنه،
…
ما كان شيئا عنده مذكورا.
نسى «الصّبيح» مع «المليح» بذكره،
…
وسما ففاق «خورنقا» و «سديرا» .
أعيت مطالعه على الفرس الألى
…
رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا.
ومضت على القوم الدّهور وما بنوا
…
لملوكهم شبها له ونظيرا.
أذكرتنا الفردوس حين أريتنا
…
غرفا رفعت بناءها، وقصورا.
فلك من الأفلاك، إلّا أنه
…
حقر البدور فأطلع «المنصورا» .
أبصرته فرأيت أبدع منظرا
…
ثم انثنيت بناظرى محسورا.
وظننت أنّى حالم في جنّة
…
لمّا رأيت الملك فيه كبيرا.
وإذا الولائد فتّحت أبوابها،
…
جعلت ترحّب بالعفاة صريرا.
عضّت على حلقاتهنّ ضراغم
…
فغرت بها أفواهها تكشيرا.
فكأنّها لبدت لتهصر عندها
…
من لم يكن بدخوله مأمورا.
تجرى الخواطر مطلقات أعنّة
…
فيه، فتكبو عن مداه قصورا.
بمرخّم الساحات تحسب أنّه
…
فرش البها وتوشّح الكافورا.
ومحصّب بالدّرّ تحسب تربه
…
مسكا تضوّع نشره وعبيرا.
يستخلف الإصباح منه إذا انقضى
…
صبحا على غسق الظّلام منيرا.
ضحكت محاسنه إليك كأنّما
…
جعلت له زهر النّجوم ثغورا.
ومصفّح الأبواب تبرا نظّروا
…
بالنّقش بين شكوله تنظيرا.
تبدو مسامير النّضار كما علت
…
فلك النّهود من الحسان صدورا.
خلعت عليه غلائلا ورسيّة
…
شمس تردّ الطّرف عنه حسيرا.
فإذا نظرت إلى غرائب حسنه،
…
أبصرت روضا في السّماء نضيرا.
وعجبت من خطّاف عسجده الّتى
…
حامت لتبنى في ذراه وكورا.
وضعت به صنّاعه أقلامها،
…
فأرتك كلّ طريدة تصويرا.
فكأنّما للشّمس فيه ليقة
…
مشقوا بها التّزويق والتّشجيرا.
وكأنّما فرشوا عليه ملاءة
…
تركوا مكان وشاحها مقصورا.
يا مالك الملك الذى أضحى له
…
ملك السّماء على العداة نصيرا.
كم من قصور للملوك تقدّمت
…
فاستوجبت بقصورك التأخيرا.
فعمرتها وملكت كلّ رياسة
…
منها، ودمّرت العدا تدميرا.
وقال عمارة اليمنىّ، يصف دارا بناها فارس الإسلام من أبيات:
فتملّ دارا شيّدتها همّة،
…
يغدو العسير بأمرها متيسّرا.
فاقت على الإطلاق كلّ بنيّة،
…
وسمت بسعدك عزّة وتكبّرا.
أنشأت فيها للعيون بدائعا
…
دقّت، فأذهل حسنها من أبصرا.
فمن الرّخام: مسيّرا، ومسهّما،
…
ومنمنمّا، ومدرهما، ومدنّرا.
وسقيت من ذوب النّضار سقوفها
…
حتّى يكاد نضارها أن يقطر.
لم يبق نوع صامت أو ناطق
…
إلا غدا فيها الجميع مصوّر.
فيها حدائق لم تجدها ديمة،
…
كلّا ولا نبتت على وجه الثّرى.
لم يبد فيها الروض إلا مزهرا،
…
والنخل والرّمان إلا مثمرا.
والطّير مذ وقعت على أغصانها
…
وثمارها، لم تستطع أن تنفرا.
وبها من الحيوان كلّ مشبّه [1]
…
لبس الحرير العبقرىّ مصوّرا.
لا تعدم الأبصار بين مروجها
…
ليثا ولا ظبيا بوجرة أعفرا.
أنست نوافر وحشها لسباعها:
…
فظباؤها لا تتّقى أسد الشّرى.
وكأنّ صولتك المخيفة أمّنت
…
أسرابها أن لا تخاف فتذعرا.
وبها زرافات كأنّ رقابها
…
فى الطّول ألوية تؤمّ العسكرا.
نوبيّة المنشا تريك من المها
…
روقا، ومن بزل المهارى مشفرا.
جبلت على الإقعاء من أعجازها،
…
فتخالها في التّيه تمشى القهقرى!
[1] فى الأصول «مسبهن» . ولعلها تصحيف.
وقال أبو الصلت أميّة بن عبد العزيز، يصف قصرا بناه علىّ بن تميم بن المعزّ بمصر:
لله، مجلسك المنيف! فبابه
…
بموطّد فوق السّماك مؤسّس.
موف على حبك المجرّة تلتقى
…
فيه الجوارى بالجوار الكنّس.
تتقابل الأنوار في جنباته
…
فاللّيل فيه كالنّهار المشمس.
عطفت حناياه دوين سمائه
…
عطف الأهلّة والحواجب والقسى.
واستشرفت عمد الرّخام وظوهرت
…
بأجلّ من زهر الرّبيع وأنفس.
فهواؤه من كلّ قدّ أهيف،
…
وقراره من كلّ خدّ أملس.
فلك تحيّر فيه كلّ منجّم،
…
وأقرّ بالتقصير كلّ مهندس.
فبدا للحظ العين أحسن منظرا،
…
وغدا لطيب العيش خير معرّس.
فاطلع به قمرا، إذا ما أطلعت
…
شمس الخدور عليك شمس الأكؤس.
فالناس أجمع دون قدرك رتبة،
…
والأرض أجمع دون هذا المجلس!
وقال الوزير أبو سليمان بن أبى أميّة:
يا دار، آمنك الزّما
…
ن خطوبة ونوائبه.
وجرت سعودك بالّذى
…
يهوى نزيلك دائبه.
فلنعم مأوى الضّيف أن
…
ت، إذا تحاموا جانبه.
خطر شأوت به الدّيا
…
ر، فأذعنت لك قاطبه.
وقال أبو صخر القرطبىّ:
ديار عليها من بشاشة أهلها
…
بقايا، تسرّ النّفس أنسا ومنظرا.
ربوع كساها المزن من خلع الحيا
…
برودا، وحلّاها من النّور جوهرا.