الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال البحترىّ عفى عنه:
واعلم بأنّ الغيث ليس بنافع
…
ما لم يكن للنّاس فى إبّانه.
وقال أبو الطّيّب:
ليت الغمام الّذى عندى صواعقه
…
يزيلهنّ إلى من عنده الدّيم!
وقال كثيّر:
كما أبرقت يوما عطاشا غمامة.
…
فلمّا رجوها، أقشعت وتجلّت.
وقال آخر:
أنا فى ذمّة السّحاب وأظما!
…
إنّ هذا لوصمة فى السّحاب!
وقال آخر:
والله ينشى سحابا تطمئنّ به النّ
…
فوس من قبل بلّ الأرض بالمطر.
8- ذكر شىء مما قيل في وصف السحاب والمطر
قال أبو تمّام الطائى:
سحابة صادقة الأنواء
…
تجرّ أهدابا على البطحاء.
تجمع بين الضّحك والبكاء:
…
بدت بنار وثنت بماء.
وقال أبو عبادة البحترىّ عفا الله تعالى عنه:
ذات ارتجاس بحنين الرّعد
…
مجرورة الذّيل صدوق الوعد،
مسفوحة الدّمع بغير وجد
…
لها نسيم كنسيم الورد،
ورنّة مثل زئير الأسد
…
ولمع برق كسيوف الهند.
جاءت بها ريح الصّبا من نجد
…
فانتثرت مثل انتثار العقد.
وراحت الأرض بعيش رغد
…
من وشى أنوار الثّرى فى برد.
كأنما غدرانها فى الوهد
…
يلعبن ترحابا بها بالرّند.
وقال أبو الحسن علىّ بن القاسم القاشانى من شعراء اليتيمة عفى عنه:
إذا الغيوم ارجحنّ باسقها
…
وحفّ أرجاءها بوارقها،
وعبّيت للثّرى كتائبها
…
وانتصبت وسطها عقائقها،
وجلجل الرعد بينها فحكى
…
خفق طبول ألحّ خافقها،
وابتسمت فرحة لوامعها
…
واختلفت عبرة حمالقها،
وقيل: طوبى لبلدة نتجت
…
بجوّ أكنافها بوارقها.
أيّة نعماء لا تحلّ بها؟
…
وأىّ بأساء لا تفارقها؟
وقال القاضى التّنوخىّ:
سحاب أتى كالأمن بعد تخوّف
…
له فى الثّرى فعل الشّفاء بمدنف.
أكبّ على الآفاق إكباب مطرق
…
يفكّر أو كالنّادم المتلهف.
ومدّ جناحيه على الأرض جانحا
…
فراح عليها كالغراب المرفرف.
غدا البرّ بحرا زاخرا وانثنى الضّحى
…
بظلمته فى ثوب ليل مسجّف.
فعبّس عن برق به متبسّم
…
عبوس بخيل فى تبسّم معتف.
تحاول منه الشمس فى الجوّ مخرجا
…
كما حاول المغلوب تجريد مرهف.
وقال ابن الرومىّ:
سحائب قيست بالبلاد فألفيت
…
غطاء على أغوارها ونجودها.
حدتها النّعامى مقبلات فأقبلت
…
تهادى رويدا سيلها كركودها.
وقال أبو هلال العسكرىّ:
وبرق سرى، واللّيل يمحى سواده
…
فقلت: سوار فى معاصم أسمرا!
وقد سدّ عرض الأفق غيم تخاله
…
يزرّ على الدّنيا قميصا معنبرا.
تهادى على أيدى الحبائب والصّبا
…
كخرق من الفتيان نازع مسكرا.
تخال به مسكا وبالقطر لؤلؤا
…
وبالرّوض ياقوتا وبالوحل عنبرا.
سواد غمام يبعث الماء أبيضا
…
وغرّة أرض تنبت الزّهر أصفرا.
أتتك به أنفاس ريح مريضة
…
كمفظعة رعناء تستاق عسكرا.
فألقى على الغدران درعا مسرّدا
…
وأهدى إلى القيعان بردا محبّرا.
تخال الحيا فى الجوّ درّا منظّما
…
وفى وجنات الرّوض درّا منثّرا.
وأقبل نشر الأرض فى نفس الصّبا
…
فبات به ثوب الهواء معطّرا.
إذا ما دعت فيه الرّعود فأسمعت
…
أجاب حداة واستهلّ فأغزرا.
ويبكى إذا ما أضحك البرق سنّه
…
فيجعل نار البرق ماء مفجّرا.
كأنّ به رؤد الشّباب خريدة
…
قد اتّخذت ثنى السّحابة معجرا.
فثغر يرينا من بعيد تبلّجا
…
ودمع يرينا من بعيد تحدّرا.
وقال مؤيد الدين الطّغرائى:
سارية ذات عبوس برقها
…
يضحك والأجفان منها تهمل.
كحلّة دكناء فى حاشية
…
فيها طراز مذهب مسلسل.
إذا دنت عشارها، صاح بها
…
قاصف رعد وحدتها الشمأل.
وقال عبد الله بن المعتزّ:
ومزنة جاد من أجفانها المطر:
…
فالرّوض منتظم والقطر منتثر.
ترى مواقعه فى الأرض لائحة
…
مثل الدراهم تبدو ثم تستتر.
وقال أيضا:
ما ترى نعمة السّماء على الأر
…
ض وشكر الرّياض للأمطار؟
وكأنّ الرّبيع يجلو عروسا
…
وكأنّا من قطره فى نثار!
وقال ابن عوف الكاتب فى إطباق الغيم وقربه:
فى مزنة أطبقت فكادت
…
تصافح التّرب بالغمام.
وقال آخر:
تبسّمت الرّيح، ريح الجنو
…
ب فيها هوى غالبا وادّكارا.
وساقت سحابا كمثل الجبال
…
إذا البرق أومض فيه، أنارا.
إذا الرّعد جلجل فى جانبي
…
هـ، روّى النّبات وأروى الصّحارى.
تطالعنا الشّمس من دونه
…
طلاع فتاة تخاف اشتهارا،
تخاف الرّقيب على نفسها
…
وتحذر من زوجها أن يغارا.
فتستر غرّتها بالخما
…
ر طورا، وطورا تزيل الخمارا.
فلمّا رآه هبوب الجنو
…
ب وانهمز الماء فيه انهمارا،
تبسّمت الأرض لمّا بكت
…
عليها السّماء دموعا غزارا!
وقال الأسعد بن بليطة من شعراء الذخيرة:
لو كنت شاهدنا عشيّة أمسنا
…
والمزن تبكينا بعينى مذنب،
والشمس قد مدّت أديم شعاعها
…
فى الأرض تجنح غير أن لم تذهب
خلت الرّذاذ برادة من فضّة
…
قد غربلت من فوق نطع مذهب!
وقال أبو عبد الله محمد بن الخياط من شعرائها:
راحت تذكّر بالنّسيم الرّاحا
…
وطفاء تكسر للجنوح جناحا.
أخفى مسالكها الظلام فأوقدت
…
من برقها
كى تهتدى، مصباحا.
…
وكأنّ صوت الرّعد خلف سحابها
حاد إذا ونت السحائب، صاحا.
…
جادت على التّلعات فاكتست الرّبا
حللا أقام لها الرّبيع وشاحا.
وقال ابن برد الأصغر الأندلسىّ من شعرائها:
وما زلت أحسب فيه السّحاب،
…
ونار بوارقها تلتهب:
نجاتىّ توضع فى سيرها
…
وقد قرعت بسياط الذّهب.
ومما ورد فى وصفها نثرا قال بعض الأندلسيّين من رسالة:
ثم أرسل الله الرياح من كنائنها، وأخرجها من خزائنها؛ قجرّت ذيولها، وأجرت خيولها؛ خافقة بنودها، متلاحقة جنودها؛ فأثارت الغمام، وقادته بغير زمام؛ وأنشأت بحريّة من السحاب، ذات أتراب وأصحاب؛ كثيرا عددها، غزيرا مددها،
فبشّرت بالقطر كلّ شائم، وأنذرت بالورد كلّ حائم، والريح تنثّها، والبرق يحثّها، كأنه قضيب من ذهب، أو لسان من لهب؛ وللسحاب من ضوء البرق هاد، ومن صوت الرعد حاد؛ والريح توسع بلحمتها سداها، وتسرع فى حياكتها يداها. فلما التحم فتقها، والتأم رتقها؛ وامتدّت أشطانها، واتسعت أعطانها؛ وانفسحت أجنابها، وانسدلت أطنابها؛ وتهدّل خملها، وتمخض حملها؛ ومدّت على آفاق السماء نطاقها، وزرّت على أعناق الجبال أطوافها، كأنها بناء على الجوّ مقبوب، أو طبق على الأرض مكبوب؛ تمشى من الثقل هونا، وتستدعى من الريح عونا؛ ومخايلها تقوى، وعارضها أحوى. فلما أذن الله لها بالأنحدار، وأنزل منه الودق بمقدار، أرسلت الريح خيوط القطر من رود السحائب، وأسبلتها إسبال الذوائب. فدرّت من خلف مصرور، ونثرت طلّها نثر الدرور. ثم انخرق جيبها، وانبثق سيبها؛ وصار الخيط حبلا، والطلّ وبلا. فالسحاب يتعلّق، والبرق يتألّق؛ والرعد يرتجس، والقطر ينبجس؛ والنّقط تترامى طباقا، وتتبارى اتساقا؛ فيردف السابق المصلّى، ويتصل التابع بالمولّى؛ كما يقع من المنخل البر، وينتثر من النظام الدّرّ؛ فجيوب السماء تسقطه، وأكفّ الغدران تلقّطه؛ والأرض قد فتحت أفواها، وجرعت أمواها. حتّى أخذت ريّها من المطر، وبلغت منه غاية الوطر، خفى من الرعد تسبيحه، وطفئت من البرق مصابيحه، وحسرت السماء نقابها، وولّت المطر أعقابها؛ وحكت فى ردّها طلق السابق، وهرب الآبق.
ومن رسالة لمحمد بن شرف القيروانى:
برئ عليل البرى، وأثرى فقير الثرى، وتاريخ ذلك انصرام ناجر [1] ، وقد بلغت القلوب
[1] رجب أو صفر. وكل شهر من شهور الصيف (قاموس) .
الحناجر، محمارّة احمرت لها خضرة السماء، واغبرّت مرآة الماء، حتّى انهلّ طالع وسمىّ، وتلاه تابع ولىّ، دنا فأسفّ، ووكف فما كفّ. فما فتئ مسكوبا قطره، محجوبا شمسه وبدره، وجليت عروس الشمس، معتذرة عن مغيبها بالأمس. فعندها مزّق عن الدقعاء صحيح إهابها، واختزن درّ البر فى أصداف ترابها. فما مرّت أيام إلا والقيعان مسندسه، والآكام مطوّسه.
ومن رسالة لأبى القاسم، محمد بن عبد الله بن أبى الجد فى وصف مطر بعد قحط:
قال: لله تعالى فى عباده أسرار، لا تدركها الأفكار، وأحكام، لا تنالها الأوهام.
تختلف والعدل متّفق، وتفترق والفضل مجتمع متّسق. ففى منحها نفائس المأمول، وفى محنها مداوس [1] العقول. وفى أثناء فوائدها حدائق الإنعام رائقه، وبين أرجاء سرائرها بوارق الإعذار والإنذار خافقه. وربما تفتحت كمائم النوائب، عن زهرات المواهب.
وانسكبت غمائم الرزايا، بنفحات العطايا. وصدع ليل اليأس صبح الرجاء، وخلع عامل البأس والى الرخاء. ذلك تقدير اللطيف الخبير، وتدبير العزيز القدير! ولما ساءت بتثبط الغيث الظّنون، وانقبض من تبسط الشك اليقين، واسترابت حياض الوهاد، بعهود العهاد، وتأهبت رياض النّجاد، لبرود الحداد، واكتحلت أجفان الأزهار، بإثمد النقع المثار، وتعطلت أجياد الأنوار، من حلى الديمة المدرار، أرسل الله بين يدى رحمته ريحا بليلة الجناح، مخيلة النّجاح، سريعة الإلقاح. فنظمت عقود السحاب، نظم السّخاب، وأحكمت برود الغمام، رائقة الأعلام. وحين ضربت تلك المخيلة فى الأفق قبابها، ومدّت على الأرض أطنابها، لم تلبث أن انهتك رواقها،
[1] جمع مدوس [أى مصاقل العقول] :
وانبتك وشيكا نطاقها، وانبرت مدامعها تبكى بأجفان المشتاق، غداة الفراق، وتحكى بنان الكرام، عند أريحيّة المدام، فاستغربت الرياض ضحكا ببكائها، واهتزّ رفات النبات طربا لتغريد مكّائها، واكتست ظهور الأرض من بيض إنائها، خضر ملائها. فكأنّ صنعاء قد نشرت على بسيطها بساطا مفوّفا، وأهدت إليها من زخارف بزّها ومطارف وشيها ألطافا وتحفا. وخيّل للعيون أن زواهر النجوم، قد طلعت من مواقع التّخوم، ومباسم الحسان، قد وصلت بافترار الغيطان. فيا برد موقعها على القلوب والأكباد! ويا خلوص ريها إلى غلل النفوس الصّواد! كأنما استعارت أنفاس الأحباب، أو ترشّفت شنب الثنايا العذاب، أو تحملت ماء الوصال، إلى نار البلبال. أو سرت على أنداء الأسحار وريحان الآصال. لقد تبين للصنع الجليل، من خلال ديمها تنفس ونصول، وتمكن للشكر الجميل، من ظلال نعمها معرّس ومقيل. فالحمد لله على ذلك ما انسكب قطر، وانصدع فجر؛ وتوقّد قبس، وتردّد نفس؛ وهو الكفيل تعالى بإتمام النعمى، وصلة أسباب الحياة والحيا بعزته! وقال الوزير أبو عمرو الباجىّ فى مثل ذلك:
إن لله تعالى قضايا واقعة بالعدل، وعطايا جامعة للفضل؛ ونعما يبسطها إذا شاء إنعاما وترفيها، ويقبضها متى أراد إلهاما وتنبيها؛ ويجعلها لقوم صلاحا وخيرا، ولآخرين فسادا وضيرا. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)
. وإنه كان من امتساك السّقيا، وتوقّف الحيا؛ ما ريع به الآمن، واستطير له الساكن؛ ورجفت الأكباد فزعا، وذهلت الألباب جزعا؛ وأذكت ذكاء حرّها، ومنعت السماء درّها؛ واكتست الأرض غبرة بعد خضرة، ولبست شحوبا بعد نضرة؛ وكادت برود الرياض تطوى، ومدود نعم الله تزوى؛