الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه كعب الأحبار فقال: اخبرّنى عن البيت الحرام. فقال كعب: أنزله الله من السماء ياقوتة مجوّفة مع آدم، فقال له:
يا آدم إن هذا بيتى أنزلته معك، يطاف حوله كما يطاف حول عرشى، ويصلّى حوله كما يصلّى حول عرشى. ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة ثم وضع البيت عليه. فكان آدم يطوف حوله كما يطاف حول العرش، ويصلّى عنده كما يصلّى عند العرش. فلما أغرق الله تعالى قوم نوح، رفعه إلى السماء وبقيت قواعده.
وقال وهب بن منبه: كان البيت الذى بوّأه الله تعالى لآدم عليه السلام يومئذ من ياقوت الجنة. وكان من ياقوتة حمراء تلتهب، لها بابان: أحدهما شرقىّ والآخر غربىّ. وكان فيه قناديل من نور آنيتها ذهب من تبر الجنة. وهو منظوم بنجوم من ياقوت أبيض. والركن يومئذ نجم من نجومه وهو يومئذ ياقوتة بيضاء.
والله أعلم.
ذكر فضل البيت الحرام، والحرم
قال أبو الوليد، يرفعه عن وهب بن منبه أنه قال: إن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها ما رأى من سعتها ولم يرفيها أحدا غيره، فقال: يا رب، أما لأرضك هذه من عامر يسبّحك فيها ويقدّس لك غيرى؟ قال: إنى سأجعل فيها من ذرّيتك من يسبّح بحمدى ويقدّس لى، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكرى ويسبّحنى فيها خلقى، وسأبوّئك فيها بيتا أختاره لنفسى، وأخصّه بكرامتى، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمى، فأسمّيه بيتى، وأنطعه [1] بعظمتى، وأحوزه بحرماتى، وأجعله أحق بيوت الأرض
[1] أنطعه: بسط له النطع بالكسر، بساط من أديم (تفسير بهامش الأصل) . وفى بعض النسخ «وأنطفه» بالفاء» .
كلها وأولاها بذكرى، وأضعه فى البقعة التى اخترت لنفسى، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السماوات والأرض؛ وقبل ذلك قد كان بعينى: فهو صفوتى من البيوت، ولست أسكنه، ولبس ينبغى لى أن أسكن البيوت؛ ولا ينبغى لها أن تسعنى، ولكن على كرسىّ الكبرياء ولجبروت؛ وهو الذى استقلّ بعزتى، وعليه وضعت عظمتى وجلالى، وهنالك استقرّ قرارى؛ ثم هو بعد ضعيف عنّى لولا قوّتى؛ ثم أنا بعد ذلك ملء كل شىء، وفوق كلّ شىء، ومحيط بكلّ شىء، وأمام كلّ شىء، وخلف كلّ شىء، وليس ينبغى لشىء أن يعلم علمى ولا يقدر قدرتى، ولا يبلغ كنه شانى. أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرما وأمنا، أحرّم بحرماته ما فوقه وما تحته وما حوله. فمن حرّمه بحرمتى فقد عظّم حرماتى، ومن أحلّه فقد أباح جرماتى، ومن أمّن أهله فقد استوجب بذلك أمانى، ومن أخافهم أخفرنى فى ذمتى، ومن عظّم شأنه عظم فى عينى، ومن تهاون به صغر فى عينى؛ ولكل ملك حيازة ما حواليه مما حواليه، وبطن مكة خيرتى وحيرتى؛ وجيران بيتى وعمّارها وزوّارها، وفدى وأضيافى فى كنفى وأفنيتى، ضامنون على ذمتى وجوارى؛ فأجعله أوّل بيت وضع للناس، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض:؟؟؟ نه أفواجا شعثا غبر على كل ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق، يعجّون بالتكبير عجيجا، ويرجّون بالتلبية رجيجا، وينتحبون بالبكاء نحيبا. فمن اعتمره لا يريد غيره، فقد زرنى ووفد إلىّ ونزل بى؛ ومن نزل بى، فحقيق علىّ أن أتحفه بكرامتى؛ وحقّ على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته. تعمره آدم من كنت حيا، ثم تعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء: أمة بعد أمة، وقرن بعد قرن، ونبىّ بعد نبىّ، حتّى ينتهى ذلك إلى نبىّ من ولدك وهو خاتم النبيين، فأجعله من عمّاره وسكّانه وحماته، وولاته وسقاته، يكون أمينى عليه من كان حيا. فإذا انقلب إلىّ،
وجدنى قد ذخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به القربة منى والوسيلة إلىّ، وأفضل المنازل فى دار المقام. وأجعل اسم ذلك البيت ودكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبىّ من ولدك يكون قبل هذا النبى وهو أبوه يقال له إبراهيم، أرفع له قواعده، وأقضى على يديه عمارته، وأنبط له سقايته، وأريه حلّه وحرمه ومواقفه، وأعلمه مشاعره ومناسكه، وأجعله أمة واحدة قانتا لى، قائما بأمرى، داعيا إلى سبيلى؛ أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم؛ أبتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر؛ وينذر لى فيفى؛ ويعد لى فينجز؛ أستجيب له فى ولده وذرّيته من بعده وأشفّعه فيهم، وأجعلهم أهل ذلك البيت وولاته وحماته وسقاته وخدّامه وخزّانه وحجّابه حتّى يبتدعوا ويغيروا؛ فإذا فعلوا ذلك فأنا الله أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء. أجعل إبراهيم إمام أهل ذلك البيت وأهل تلك الشريعة، يأتمّ به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن؛ يطئون فيها آثاره، ويتبعون فيها سنّته، ويقتدون فيها بهديه.
فمن فعل ذلك منهم أوفى نذره، واستكمل نسكه؛ ومن لم يفعل ذلك منهم ضيّع نسكه، وأخطأ بغيته. فمن سأل عنى يومئذ فى تلك المواطن: أين أنا؟ فأنا مع الشّعث الغبر الموفين بنذورهم، المستكملين مناسكهم، المبتهلين إلى ربهم الذى يعلم ما يبدون وما يكتمون. وليس هذا الخلق ولا هذا الأمر الذى قصصت عليك شأنه؛ يا آدم، بزائدى فى ملكى ولا عظمتى ولا سلطانى ولا شىء مما عندى إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت فى سبعة أبحر تمدّها من بعدها سبعة أبحر لا تحصى، بل القطرة أزيد فى البحر من هذا الأمر فى شىء مما عندى. ولو لم أخلقه لم ينتقص شىء من ملكى ولا عظمتى ولا مما عندى من الغناء والسّعة، إلا كما نقصت الأرض ذرّة وقعت من جميع ترابها وجبالها وحصاها ورمالها وأشجارها، بل الذرّة أنقص للأرض من هذا الأمر لو لم أخلقه. ليس مما عندى ويعدّ هذا مثلا للعزيز الحكيم.