الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويروى أن عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل له ندّت فوقع عليها، فحمل ما قدر عليه، فبلغ معاوية خبره، فاستحضره وسأله فقصّ عليه قصته. فبعث معاوية إلى كعب الأحبار، فقال: هى إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك:
أحمر قصير، على حاجبه خال، وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له ندّت.
ثم التفت فرأى ابن قلابة فقال: هذا والله ذاك الرجل.
وزعم الأخباريون أنه كان بها أربعمائة ألف وأربعون ألف عمود، ولهذا سميت ذات العماد. وقد ذهب قوم إلى أنها دمشق.
وسنذكر إن شاء الله تعالى خبر إرم ذات العماد بما هو أبسط من هذا عند ذكرنا لخبر شديد وشدّاد، ابنى عاد؛ وهو في الباب الخامس من القسم الأوّل، من الفن الخامس في التاريخ، وذلك في السّفر الحادى عشر من هذه النسخة من كتابنا هذا فتأمله هناك. والله تعالى أعلم.
ذكر خبر سدّ يأجوج ومأجوج
هو في الإقليم السادس في آخر الجزء التاسع من تجزئة عشرة أجزاء.
قال [1] صاحب كتاب «نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق» إن الواثق بالله لما رأى فى المنام كأنّ السّدّ الذى بناه ذو القرنين مفتوح، أحضر سلّاما الترجمان وقال له:
[1] ان ابن خرداذبة هو أوّل من روى خبر هذه البعثة العلمية عن نفس رئيسها ثم استملاه منه من الكتاب الذى كان كتبه في هذا المعنى الخليفة الواثق بالله (انظر المسالك والممالك طبع ليدن سنة 1306 هـ- سنة 1889 م من صفحة 162- 170) . وعن ابن خرداذبة نقل جميع المؤلفين الذين جاءوا بعده مثل الإدريسى وابن رسته وابن الفقيه الهمذانى والمقدسى. وقد نقل النويرى عن الإدريسى. وكلهم قد يزيد وينقص بعض الكلمات أو يبدلها بغيرها.
اذهب فانظر إلى هذا السدّ وجئنى بخبره وحاله وما هو عليه، ثم أمر له بأصحاب يسيرون معه، عددهم خمسون رجلا، ووصله بخمسة آلاف دينار، وأعطاه ديته عشرة آلاف درهم، وأمر أن يعطى كل واحد من أصحابه الخمسين ألف درهم ورزق سنة، وأمر لهم بمائة بغل تحمل الماء والزاد. قال سلام الترجمان: فشخصنا من سامرّا بكتاب الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية بالنظر إلى تنفيذنا من هناك؛ فكتب لنا كتابا إلى ملك السّرير وأنفذنا إليه، فلما وردنا عليه، أشخصنا إلى ملك اللّان. فلما وصلنا إليه، أشخصنا إلى صاحب فيلان [1] شاه. فلما وردنا عليه [أرسلنا إلى ملك الخزر وهو] اختار لنا خمسة أدلّاء يدلّون على الطريق.
فسرنا من عنده سبعة وعشرين يوما في تخوم بلاد بسجرت إلى أن وصلنا إلى أرض سوداء طويلة ممتدّة كريهة الرائحة، فشققناها في عشرة أيام. وكنا قد تزوّدنا لقطعها أشياء نشمها خوفا من أذى روائحها الكريهة. ثم انفصلنا عنها. فسرنا مدّة شهر في بلاد خراب قد درست ابنيتها ولم يبق منها إلا رسوم يستدل بها عليها. فسألنا من معنا عن تلك المدن، فأخبرونا أنها لمدن التى كان يأجوج ومأجوج يغزونها ويخرّبونها.
ثم سرنا إلى حصون بالقرب من الجبل الذى في شعبة السدّ وذلك في ستة أيام.
وفي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية والفارسية. وهناك مدينة يدعى ملكها خاقان بن أدكش، وأهلها مسلمون لهم مساجد ومكاتب. فسألونا من أين أقبلنا، فأخبرناهم أنّا رسل أمير المؤمنين الواثق بالله، فعجبوا منا ومن قولنا «أمير المؤمنين» ثم سألونا عن أمير المؤمنين: أشيخ هو أم شابّ؟ فقلنا: شابّ، فعجبوا أيضا.
ثم قالوا: وأين يكون؟ قلنا: هو بالعراق بمدينة سرّ من رأى. فعجبوا أيضا
[1] فى الأصل: «قبلاه شاه» . والتصويب عن ابن خرداذبة.
من ذلك، وقالوا: ما سمعنا هذا قطّ. فسألناهم عن إسلامهم من أين وصلهم ومن علّمه لهم؟ فقالوا: وصل إلينا منذ أعوام كثيرة رجل راكب على دابة طويلة العنق طويلة اليدين والرجلين، لها في موضع صلبها حدبة، (فعلمنا أنهم يصفون الجمل) قالوا: فنزل بنا وكلمنا بكلام فهمناه، ثم علّمنا شرائع الإسلام فقبلناها، وعلمنا أيضا القرآن ومعانيه فتعلمناه وحفظناه. قال سلام: ثم خرجنا بعد هذا إلى السدّ لنبصره، فسرنا عن المدينة نحوا من فرسخين، فوصلنا السدّ. فإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا، وله في وسط هذا الفناء باب من حديد طوله خمسون ذراعا قد اكتنفه عضادتان، عرض كل عضادة منهما خمسة وعشرون ذراعا. والظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب. وكله مبنىّ بلبن الحديد مغيب بالنّحاس. وارتفاع العضادتين خمسون ذراعا، وعلى أعلى العضادتين دروند حديد، طوله مائة وعشرون ذراعا. والدّروند للعتبة العليا، وقد ركب منها على كل واحدة من العضادتين مقدار عشرة أذرع. ومن فوق الدّروند بنيان متصل بلبن الحديد المغيب بالنحاس إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدّ البصر. وفوقه شرّافات حديد، فى طرف كل شرّافة قرنتان تنثنى أطراف كل واحدة منهما على الأخرى [1] ، وللباب مصراعان مغلقان، عرض كل مصراع خمسون ذراعا في ثخن خمسة أذرع؛ وقائمتاهما في دوّارة على قدر الدروند. وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع في الاستدارة؛ وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعا. وفوق القفل بخمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل،
[1]- هذه رواية ابن حرداذبة. وفي الأصل «قرنان مشى الأطراف بعضها الى بعض» . ورواية المقدسى: «قرنان ينثنى كل واحد في صحبه» .
وعلى الغلق مفتاح طوله ذراع ونصف، وله اثنتا عشرة دنداجة [1] ، كل دنداجة منها كأغلظ ما يكون من دساتج [2] الهواوين، معلق كل واحد منها بسلسلة على قدر حلقة المنجنيق [3] . وعتبة الباب السفلى عشرة أذرع بسط مائة ذرع سوى ما تحت العضادتين، الظاهر منها خمسة أذرع. وكلها مكتالة بالذراع السوادىّ. ورئيس ذلك الحصن يركب فى كل جمعة مع عشرة فوارس، مع كل فارس إرزبّة حديد، كل إرزبّة خمسة أمنان.
فيضرب القفل بتلك الإرزبّات في كل يوم ثلاث مرات ليسمع من خلف الباب.
فيعلم أنّ هناك حفظة، وليعلم هؤلاء أن يأجوج ومأجوج لم يحدثوا في الباب حدثا.
وإذا ضرب أصحاب الإرزبّات القفل، وضعوا آذانهم ليسمعوا ما وراء الباب، فيسمعون من ورائه دويّا يدلّ على أن خلفه بشرا. وبالقرب من هذا الموضع حصن يكون عشرة [فراسخ] فى عشرة [فراسخ] . ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتى ذراع في مائتى ذراع؛ وبين هذين الحصنين عين ماء عذبة، فى أحد الحصنين آلة البناء التى بنى بها السدّ من قدور الحديد ومغارف الحديد؛ والقدور فوق ديكدانات [4] على كل ديكدان أربع قدور مثل قدور الصابون؛ وهناك أيضا بقايا من لبن الحديد
[1]- هذه رواية الإدريسى. والذى في ابن خرداذبة «دندانكة» وهى كلمة فارسية معناها «سن» والمراد أسنان المفتاح.
[2]
الدستج كلمة فارسية معناها «يدالهاون» أى المدقّ الذى تدق به الأشياء في الهاون.
[3]
فى ابن خرداذبة ما يفيد أن المفتاح وحده هو المعلق في السلسلة وهذا نص روايته: «معلق فى سلسلة ملحومة بالباب طولها ثمانى أذرع في استدارة أربعة أشبار والحلقة التى فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق» وهى رواية معقولة أكثر مما ورد في المتن لان المفتاح فقط هو الذى يصح تعليقه دون القفل والغلق.
[4]
كلمة فارسية يقابلها عند العرب «الأثافى» .
التى بنى بها السدّ وقد التصق بعضها ببعض من الصدإ، وطول اللّبنة ذراع ونصف فى ارتفاع شبر.
قال سلام الترجمان: وقد سألنا من خاطبناه من أهل تلك الجهات هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج قطّ، فأخبرونا أنهم رأوا منهم [مرّة] عددا فوق شرفات الردم، فهبّت عليهم ريح عاصفة، فرمت منهم ثلاثة إلى ناحيتنا. [1] وكان مقدار الرجل منهم شبرين ونصفا.
قال سلام: فكتبت هذه الصفات كلّها، ثم انصرفنا مع الأدلّاء من تلك الحصون، فأخذوا بنا على ناحية خراسان. فسرنا إلى مدينة بختان، إلى غربان، إلى مدينة برساخان، إلى انطرار، إلى سمرقند، فوصلنا إلى عبد الله بن طاهر، ثم وصلنا إلى الرىّ، ثم رجعنا إلى سرّ من رأى بعد خروجنا عنها. فكان مغيبنا في سفرنا ثمانية وعشرين شهرا.
قال: فهذا جميع ما حدّث به سلام.
وقال الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبىّ في تفسيره: إن ارتفاع السدّ مائتا ذراع وخمسون ذراعا. قال: وروى في طوله ما بين طرفى الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسون ذراعا. نقله عن وهب بن منبه.
وسنذكر إن شاء الله تعالى من أخبار السدّ وكيفية بنائه وطوله وعرضه، وغير ذلك مما هو متعلق به عند ذكرنا لأخبار ذى القرنين. فتأمّله هناك، وهو في الباب
[1] فى ابن خرداذبه: «فهبت ريح سوداء فألقتهم الى جانبهم» أى الى الجهة التى ظهر منها أولئك الناس، وهو المعقول، لانه عقب بأن طول الرجل كان شبرين ونصفا، ومعنى ذلك في رأى العين من هذا العدو فتنيه.