الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- ذكر بحار المعمور من الأرض
وبحار المعمور ثلاثة: أعظمها البحر المحيط، ثم بحر ما نيطش [1] ، ثم بحر الخزر.
فأما البحر المحيط وجزائره، ويسمّى باليونانية أوقيانوس، ويسمّى بحر الظلمات، سمّى بذلك لأن ما يتصاعد من البخار عنه لا تحلله الشمس لأنها لا تطلع عليه. فيغلظ ويتكاثف فلا يدرك البصر هيئته. ولعظم أمواجه، وتكاثف ظلمته، وغلظ مائه، وكثرة أهوائه، لم يعلم العالم من حاله إلا بعض سواحله وجزائره القريبة من المعمور.
والذى علم به من الجزائر ستة من جهة المغرب، تسمّى جزائر السعادات، والجزائر الخالدات.
قال أبو عبيد البكرىّ فى كتابه المترجم «بالمسالك والممالك» : وبإزاء طنجة الجزائر المسماة باليونانية، فرطناتس أى السعيدة. وسميت بذلك لأن فى شعرائها [2] وغياضها كلّها أصناف الفواكه الطيبة من غير غراسة ولا فلاحة، وأن أرضها تحمل الزرع مكان العشب، وأصناف الرياض بدل الشوك. وهى متفرّقة متقاربة.
ويقال إن بعض المراكب عصفت عليها الريح فألقتها إلى جزيرة من هذه الجزائر، فنزل من فيها من الركاب إليها، فوجدوا فيها من أنواع أشجار الفواكه وأشجار الأفاويه وأنواع اليواقيت كل مستحسن. فحملوا منه ما أطاقوا ودخلوا به بلاد الأندلس.
فسألهم ملكها من أين لهم هذا. فأخبروه بأمرهم، فجهز مراكب وسيرها، فلم يقفوا على حزيرة منها. وعدمت المراكب لعظم البحر وشدّة عصف الريح فلم يرجع منها شىء.
[1] كذا فى الأصل، وفى كثير من كتب الجغرافية العربية: وهو المعروف فى كتب الجغرافية العربية مثل أبى الفدا ببحر أزق، وعند الأتراك ببحر آزوف.
[2]
الشعراء: الأرض ذات الشجر.
ويقال إن هذه الجزائر مسكونة بقوم هم بالوحوش أشبه منهم بالناس. وبينها وبين ساحل البحر عشرة أجزاء.
ويقال إن فى جهة المشرق مما يلى بلاد الصين ستة جزائر أخرى، تسمّى جزائر السيلى. يقال إن ساكنيها قوم من العلويين، وقعوا إليها لما هربوا من بنى أمية.
ويقال إن جزائر السيلى لم يدخلها أحد من الغرباء وطاوعته نفسه على الخروج منها لصحة هوائها ورقة مائها، وإن كان منها فى عيش قشيف.
وفى هذا البحر من الجزائر العامرة جزيرة برطانية، وهى تحاذى جزيرة الأندلس، وأهلها صهب الشعور، زرق العيون.
ومما يلى بلاد إفرانسية جزائر يغمرها خلق من الفرنج، لا ينقادون لبلد، ولا يدينون بدين.
وفيما يلى الأرض الكبيرة جزيرة ذات أبرجة، يحيط بها سبعمائة ميل وخمسون ميلا، وفيها أربع مدائن، فى كل مدينة ملك.
وجزيرة برفاغة. يحيط بها أربعة آلاف ميل، وفيها ثلاث مدائن عامرة.
والدّاخل إليها قليل. وهى كثيرة الأنواء والأمطار. وأهلها يحصدون زرعها قبل جفافه لقلة طلوع الشمس عندهم، ويجعلونه فى بيت ويوقدون النار حوله حتّى يجف.
وجزيرة أنقلطرة. فيها مدائن عامرة، وجبال شاهقة، وأودية، وأرض سهلة.
والشتاء بها دائم. وبين هذه الجزيرة والبر مجاز سعته اثنا عشر ميلا.