الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16- ذكر ما قيل فى الكواكب المتحيرة
والكواكب الخمسة الباقية من الكواكب السبعة تسمّى المتحيرة. ثلاثة منها علوية تعلو أفلاكها فلك الشمس، وهى: زحل، والمشترى، والمرّيخ؛ واثنان سفلية فلكهما تحت فلك الشمس، وهى: الزّهرة، وعطارد.
وسمّيت هذه الكواكب المتحيرة لأنها ترجع أحيانا عن سمت مسيرها بالحركة الشرقية، وتتبع الغربية. فهذا الأرتداد فيها شبه التحير.
17- ذكر عباد الروحانيات
(وما احتجوا به فى سبب عبادتهم لها [1] ) وعباد الروحانيات هم الصابئة. يقال: صبأ الرجل إذا مال وزاغ.
ومذهب هؤلاء أن للعالم صانعا فاطرا حكيما مقدّسا عن سمات الحدثان.
وكانت الصابئة تقول: إنا نحتاج فى معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأوامره وأحكامه، إلى متوسط؛ ولكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانيا لا جسمانيا.
وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الأرباب؛ والجسمانىّ بشر مثلنا يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب، يماثلنا فى الصورة والمادّة.
قالوا: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) .
وقالوا: الواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله، وإنما يتقرّب إليه بالمتوسطات المقرّبين لديه، وهم الروحانيون المقدّسون المطهرون، جوهرا وفعلا وحالة.
[1] نقل المؤلف هنا بعض عبارات الشهرستانى في الملل والنحل مع تقديم وتأخير (أنظر ص 203 من طبعة الأب كرتون الانكليزى فى لندرة سنة 1842- 1846) .
أما الجوهر فهم المقدّسون عن الموادّ الجسمانية، المبرؤون عن القوى الجسدانية، أى منزّهون عن الحركات المكانية، والتغييرات الزمانية؛ قد جبلوا على الطهارة، وفطروا على التقديس والتسبيح (لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) .
وإنما أرشدنا إلى هذا معلمنا الأوّل، عاذيمون، وهرمس. فنحن نتقرّب إليهم، ونتوكل عليهم، وهم أربابنا، وآلهتنا، ووسائلنا، وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة. فالواجب علينا أن نطهّر نفوسنا من دنس الشهوات الطبيعية، ونهذّب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، حتّى يحصل لنا مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات. فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبأ فى جميع أمورنا إليهم. فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم، ورازقنا ورازقهم. وهذا التطهير والتهذيب ليس إلا باكتسابنا، ورياضتنا، وفطامنا لأنفسنا عن دنيّات الشهوات، باستمداد من جهة الرّوحانيات؛ والاستمداد هو التضرّع والابتهال. بالدعوات، وإقامة الصلوات، وبذل الزكوات، والصيام عن المطعومات والمشروبات، وتقريب القرابين والذبائح، وتبخير البخورات، وتعزيم العزائم. فيحصل لنفوسنا استعداد أو استمداد من غير واسطة، بل يكون حكمنا وحكم من يدعى الوحى واحدا.
قالوا: والأنبياء أمثالنا فى النوع، وأشكالنا فى الصورة، ومشاركونا فى المادّة.
يأكلون مما نأكل، ويشربون مما نشرب، ويساهموننا فى الصورة. أناس بشر مثلنا، فمن أين لنا طاعتهم، وبأيّة مزية لهم لزم مشايعتهم؟ (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) .
قال: وأما الفعل، فالروحانيات هم الأسباب المتوسطون فى الاختراع، والإيجاد،
وتصريف الأمور من حال إلى حال، وتوجيه المخلوقات من مبدإ إلى كمال، يستمدّون القوّة من الحضرة القدسية، ويفيضون الفيض على الموجودات السفليه.
فمنها- مدبرات الكواكب السبعة السيّارة فى أفلاكها، وهى هياكلها. فلكل روحانى هيكل، ولكل هيكل فلك. ونسبة الروحانىّ إلى ذلك الهيكل الذى اختص به نسبة الروح إلى الجسد. فهو ربه ومديره ومدبره.
وكانوا يسمون الهياكل أربابا (وربما يسمونها أباء) ، والعناصر أمهات.
ففعل الروحانيات تحريكها على قدر مخصوص ليحصل من حركاتها انفعالات فى الطبائع والعناصر، فيحصل من ذلك تركيبات وامثراجات فى المركبات فتتبعها قوّى جسمانية، وتركب عليها نفوس روحانية، مثل أنواع النبات والحيوان. ثم قد تكون التأثيرات كلية صادرة عن روحانىّ كلىّ، وقد تكون جزئية صادرة عن روحانىّ جزئىّ. فمع جنس المطر ملك، ومع كل قطرة ملك.
ومنها- مدبرات الآثار العلوية الظاهرة فى الجوّ مما يصعد من الأرض فينزل مثل الأمطار والثلوج والبرد والرياج؛ وما ينزل من السماء مثل الصواعق والشهب؛ وما يحدث فى الجوّ من الرعد والبرق والسحاب وقوس قزح وذوات الأذناب والهالة والمجرّة؛ وما يحدث فى الأرض من الزلازل والمياه والأبخرة إلى غير ذلك.
ومنها- متوسطات القوى السارية فى جميع الموجودات، ومدبرات الهداية الشائعة فى جميع الكائنات، حتى لا ترى موجودا ما خاليا عن قوّة وهداية، إذا كان قابلا لهما.
قالوا: وأما الحالة، فأحوال الروحانيات من الرّوح، والرّيحان، والنعمة، واللذة، والراحة، والبهجة، والسرور فى جوار رب العالمين، كيف تخفى؟ ثم طعامهم وشرابهم