الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض، وبنيانه الكعبة المشرفة وحجه وطوافه بالبيت
قال الأزرقىّ، يرفعه إلى ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: لما أهبط الله عز وجل آدم عليه السلام إلى الأرض من الجنة، كان رأسه فى السماء ورجلاه فى الأرض.
وهو مثل الفلك من رعدته. قال: فطأطأ الله عز وجل منه إلى الأرض ستين ذراعا، فقال: يا رب مالى لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسّهم؟ قال: خطيئتك يا آدم، ولكن اذهب فابن لى بيتا تطف به واذكرنى حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشى، قال: فأقبل آدم عليه السلام يتخطّى، فطويت له الأرض وقبضت له المفاوز، فصارت كل مفازة يمرّ بها خطوة، وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله خطوة، ولم يقع قدمه فى شىء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتّى انتهى إلى مكة. فبنى البيت الحرام. وإن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض فأبرز عن أسّ ثابت فى الأرض السّفلى فقذفت الملائكة فيه الصخر، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا. وإنه بناه من خمسة أجبل: من لبنان، وطورزيتا، وطور سينا، والجودى، وحراء [1] ، حتّى استوى على وجه الأرض.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: فكان أوّل من أسس البيت وصلّى فيه وطاف به، آدم عليه السلام. حتّى بعث الله سبحانه الطّوفان، فدرس موضع البيت فى الطّوفان. حتّى بعث الله تبارك وتعالى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فرفعا قواعده وأعلامه. ثم بنته قريش بعد ذلك. وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط، ما سقط إلا عليه.
[1] فى النسخ «حبرى» . والتصحيح من حاشية الجمل على الجلالين، فقد نقل أثر ابن عباس.
وقال أبو الوليد أيضا، ورفعه إلى وهب بن منبّه: إن الله تبارك وتعالى لما تاب على آدم عليه السلام، أمره أن يسير إلى مكة. فطوى له الأرض وقبض له المفاوز، فصارت كلّ مفازة يمرّ بها خطوة، وقبض له ما كان فيها من مخاض ماء أو بحر فجعله له خطوة. فلم يضع قدمه فى شىء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتّى انتهى إلى مكة. وكان قبل ذلك قد اشتدّ بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة، حتّى إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكى لبكائه. فعزّاه الله عز وجل بخيمة من خيام الجنة، ووضعها له بمكة فى موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة. وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة: فيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يتلهّب من نور الجنة. ونزّل معها الركن، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة.
وكان كرسيّا لآدم عليه السلام، يجلس عليه. فلما صار آدم بمكة، حرسها الله تعالى، حرسه الله تعالى وحرس تلك الخيمة بالملائكة. كانوا يحرسونها ويذودون عنها ساكن الأرض، وساكنوها يومئذ الجنّ والشياطين، فلا ينبغى لهم أن ينظروا إلى شىء من الجنة، لأنه من نظر إلى شىء من الجنة وجبت له. والأرض يومئذ طاهرة نقيّة لم تنجس ولم يسفك فيها الدم، ولم تعمل فيها الخطايا. فلذلك جعلها الله عز وجل مسكن الملائكة، وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبّحون اللّيل والنّهار، لا يفترون. وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفّا واحدا مستديرين بالحرم كلّه: الحلّ من خلفهم، والحرم كله من أمامهم. ولا يجوزهم جنىّ ولا شيطان. ومن أجل مقام الملائكة، حرّم الحرم حتّى اليوم. ووضعت أعلام حيث كان مقام الملائكة. وحرم الله على حوّاء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التى أخطأت فى الجنة. فلم تنظر إلى شىء من ذلك حتّى قبضت. وإن آدم عليه السلام كان إذا أراد لقاءها ليلمّ بها
للولد، خرج من الحرم كله حتّى يلقاها. فلم تزل خيمة آدم مكانها حتّى قبض الله آدم عليه السلام ورفعها الله. وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانا: بيتا بالطّين والحجارة.
فلم يزل معمورا، يعمرونه ومن بعدهم حتّى كان زمن نوح عليه السلام. فنسفه الغرق وخفى مكانه. فلما بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام طلب الأساس، فلما وصل إليه ظلّل الله مكان البيت بغمامة. فكانت حفاف البيت الأوّل، ثم لم تزل راكزة على حفافه تظل إبراهيم عليه السلام وتهديه مكان القواعد حتّى رفع الله القواعد قامة. ثم انكشفت الغمامة، فذلك قوله تعالى:(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)
أى الغمامة التى ركزت على الحفاف لتهديه مكان القواعد.
وعن وهب بن منبه أنه قال: قرأت فى كتاب من الكتب الأول، ذكر فيه أمر الكعبة، فوجدت فيه أن ليس من ملك من الملائكة بعثه الله تعالى إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت. فينقضّ من عند العرش محرما ملبّيا، حتّى يستلم الحجر.
ثم يطوف بالبيت سبعا ويركع فى جوفه ركعتين، ثم يصعد.
وقال الأزرقىّ، يرفعه إلى ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض، أهبطه إلى موضع البيت الحرام. وهو مثل الفلك من رعدته.
ثم أنزل عليه الحجر الأسود يعنى الركن، وهو يتلألأ من شدّة بياضه. فأخذه آدم صلى الله عليه وسلم فضمّه إليه أنسابه. ثم أنزلت عليه العصى فقيل له: تخطّ يا آدم، فتخطّى، فإذا هو بأرض الهند والسند. فمكث هنالك ما شاء الله، ثم استوحش إلى الركن فقيل له: احجج، قال فحج فلقيته الملائكة فقالوا: برّ حجّك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام.