الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه فى سنة عشرة من الهجرة، وهى حجة الوداع. وهم يحيون ليلتها بالصلاة، ويصلون فى صبيحتها ركعتين قبل الزوال. وشعارهم فيه لبس الجديد، وعتق الرّقاب، وبرّ الأجانب، والذبائح.
وأوّل من أحدثه معز الدّولة أبو الحسن علىّ بن بويه، على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخباره فى سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.
ولما ابتدع الشيعة هذا اتخذوه من سننهم، عمل عوامّ السّنّة يوم سرور نظير عيد الشيعة فى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة. وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيام، وقالوا: هذا يوم دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار هو وأبو بكر الصدّيق (رضى الله عنه) . وأظهروا فى هذا اليوم الزينة، ونصب القباب، وإيقاد النيران.
2- ذكر أعياد الفرس
وأعياد الفرس كثيرة جدّا. وقد صنف علىّ بن حمزة الأصفهانىّ فيها كتابا مستقلّا ذكر فيه أعيادهم، وسبب اتخاذهم لها، وسنن ملوكهم فيها. وقد رأيت أن أقتصر على المشهور منها، وهى ثلاثة أعياد: النّيروز، والمهرجان، والسّدق.
1-
فأما النّيروز، فهو أعظم أعيادهم وأجلّها. يقال إن أوّل من اتخذه جمشيد أحد ملوك الفرس الأول. ويقال فيه جمشاد، ومعنى جم القمر، وشاد الشعاع والضياء؛ وسبب اتخاذهم لهذا العيد أن طهومرت لما هلك، ملك بعده جمشاد.
فسمى اليوم الذى ملك فيه نوروز، أى اليوم الجديد.
ومن الفرس من يزعم أن النّيروز اليوم الذى خلق الله عز وجل فيه النور، وأنه كان معظّم القدر عند جمشاد. وبعضهم يزعم أنه أوّل الزمان الذى ابتدأ فيه الفلك بالدوران.
ومدّته عندهم ستة أيام، أوّلها اليوم الأوّل من شهر أفريدون ماه، الذى هو أوّل شهور سنتهم. ويسمون اليوم السادس النّوروز الكبير، لأن الأكاسرة كانوا يقضون فى الأيام الخمسة حوائج الناس ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع خواصّهم.
وحكى ابن المقفّع أنه كان من عادتهم فيه أن يأتى الملك من الليل رجل جميل الوجه، قد أرصد لما يفعله. فيقف على الباب حتّى يصبح. فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان. فإذا رآه الملك، يقول له: من أنت؟ ومن أين أقبلت؟ وأين تريد؟ وما اسمك؟ ولأىّ شىء وردت؟ وما معك؟ فيقول: أنا المنصور، واسمى المبارك، ومن قبل الله أقبلت، والملك السعيد أردت، وبالهناء [1] والسلامة وردت، ومعى السنة الجديدة. ثم يجلس، ويدخل بعده رجل معه طبق من فضة، وفيه حنطة، وشعير، وجلبان، وحمّص، وسمسم، وأرز (من كل واحد سبع سنابل وتسع حبات) وقطعة سكر، ودينار ودرهم جديدان. فيضع الطبق بين يدى الملك. ثم تدخل عليه الهدايا. ويكون أوّل من يدخل عليه وزيره، ثم صاحب الخراج، ثم صاحب المعونة، ثم الناس على طبقاتهم ومراتبهم. ثم يقدّم للملك رغيف كبير مصنوع من تلك الحبوب، موضوع فى سلّة. فيأكل منه ويطعم من حضره. ثم يقول: هذا يوم جديد، من شهر جديد، من عام جديد، من زمان جديد، يحتاج أن نجدّد فيه ما أخلق من الزمان، وأحقّ الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء. ثم يخلع على وجوه دولته ويصلهم ويفرّق فيهم ما حمل إليه من الهدايا.
وكانت عادة عوامّ الفرس فيه رفع النار فى ليلته، ورشّ الماء فى صبيحته.
وفى ذلك يقول المعوج:
[1] ؟؟؟؟؟
كيف ابتهاجك بالنّيروز يا سكنى؟
…
وكلّ ما فيه يحكينى وأحكيه!
فناره كلهيب النار فى كبدى!
…
وماؤه كتوالى عبرتى فيه!
وقال آخر:
نورز النّاس ونورز
…
ت، ولكن بدموعى!
وذكت نارهم، والنّ
…
ار ما بين ضلوعى!
2-
وأما المهرجان، فوقوعه فى السادس والعشرين من تشرين الأوّل من شهور السّريان، وفى السادس عشر من مهرماه من شهور الفرس.
وهذا الأوان وسط زمان الخريف، وفيه يقول بعض الشعراء:
أحبّ المهرجان لأنّ فيه
…
سرورا للملوك ذوى السّناء،
وبابا للمصير إلى أوان
…
تفتّح فيه أبواب السّماء.
وهو ستة أيام. ويسمّى اليوم السادس المهرجان الأكبر. قال المسعودىّ:
وسبب تسميتهم لهذا اليوم بهذا الاسم، أنهم كانوا يسمون شهورهم بأسماء ملوكهم.
وكان لهم ملك يسمّى مهر، يسير فيهم بالعنف والعسف. فمات فى نصف الشهر الذى يسمونه مهرماه، فسمى ذلك اليوم مهرجان. وتفسيره «نفس مهر ذهبت» وهذه لغة الفرس الأوّل. وزعم آخرون أن «مهر» بالفارسية حفاظ و «جان» الروح.
وقد نظم عبيد الله بن عبد الله بن ظاهر ذلك، فقال:
إذا ما تحقّق بالمهرجا
…
ن من ليس يعرف معناه، غاظا.
ومعناه أن غلب الفرس فيه
…
فسمّوه للرّوح حقّا حفاظا.
ويقال إنه إنما عمل فى عهد أفريدون الملك، وأن معنى هذا الاسم «إدراك الثأر» .
وسبب اتخاذهم له، أن بيوراسف (وهو الضحاك) ، ويقال له أزدهاق ذو الحيّتين والأفواه الثلاثة، والأعين الستة، الدّاهى الخبيث المتمرّد، لما قتل جمشاد، وملك بعده، غيّر دين المجوسية. وجاء إبليس فى صورة خادم، فقبّل منكبيه، فنبت فيهما حيتان، فكان يطعمهما أدمغة الناس. فأجحف ذلك بالرعية، فخرج رجل بأصبهان، يقال له كابى، ويقال فيه كابيان. ودعا الناس إلى قتاله، فاجتمع له خلق كثير.
فشخص الضحاك لقتاله، فهاب كثرة جمعه وفرّ منهم. فاجتمع الناس على كابى ليملكوه عليهم، فأبى ذلك وقال: ما أنا من أهل الملك، وأخرج صبيا من ولد جمشاد، يسمّى أفريدون وملّكه، فأطاعه الناس فيه وملّكوه عليهم.
وخرج أفريدون فى طلب الضحاك ليأخذ ثأر جدّه فظفر به، وجعل ذلك اليوم عيدا، وسماه المهرجان. ويقال إن المهرجان هو اليوم الذى عقد فيه التاج على رأس- أردشير بن بابك، أوّل ملوك الفرس الساسانية.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يفضل المهرجان على النيروز:
أخا الفرس إنّ الفرس تعلم إنّه
…
لأطيب من نيروزها مهرجانها:
لإدبار أيّام يغمّ هواؤها
…
وإقبال أيّام يسرّ زمانها.
وكان مذهب الفرس فيه أن يدّهن ملوكهم بدهن البان تبرّكا، وكذلك عوامهم، وأن يلبس القصب والوشى، ويتوّج بتاج عليه صورة الشمس وحجلتها الدّائرة عليها، ويكون أوّل من يدخل عليه الموبذان بطبق فيه أترجّة، وقطعة سكّر، ونبق، وسفر جل، وعنّاب، وتفّاح، وعنقود عنب أبيض، وسبع طاقات آس قد زمزم علمها.
ثم يدخل الناس على طبقاتهم بمثل ذلك.
وكان أردشير، وأنو شروان يأمران بإخراج ما فى خزائنهم فى المهرجان والنيروز من أنواع الملابس والفرش، فتفرّق كلّها فى الناس على مراتبهم، ويقولان: إن الملوك تستغنى عن كسوة الصيف فى الشتاء، وعن كسوة الشتاء فى الصيف، وليس من أخلاقهم أن يخبؤوا كسوتهم فى خزائنهم ويساووا العامّة فى فعلها.
وزعم بعض أصحاب التاريخ أن النيروز عملته الفرس قبل المهرجان بألفى سنة وخمسمائة سنة.
3-
وأما السّدق، فإنه يعمل فى ليلة الحادى عشر من شهر بهمن ماه.
ويسمّى هذا اليوم عندهم أبان روز، لأن لكل يوم من أيام الشهر عندهم اسما.
ويقال فى سبب اتخاذهم له: إن فراسياب لما ملك، سار إلى بلاد بابل وأكثر فيها الفساد، وخرّب العمران. فخرج عليه دق بن طهماسب، وطرده عن مملكته إلى بلاد التّرك. وكان ذلك فى يوم أبان روز. فاتخذ الفرس هذا اليوم عيدا، وجعلوه ثالثا ليوم النيروز، والمهرجان.
ويقال أيضا فى سبب اتخاذهم له: إن الأب الأوّل، وهو عندهم كيومرث، لما كمل له مائة ولد، زوج الذكور بالإناث، وصنع لهم عرسا أكثر فيه من إشعال النيران، فوافق ذلك الليلة المذكورة، واستسنه الفرس بعده.
وهم يوقدون النيران بسائر الأدهان، ويزيدون فى الولوع بها، حتّى إنهم يلقون فيها سائر الحيوانات.
وفى ذلك يقول ابن حجاج من أبيات يمدح بها عضد الدّولة بن بويه:
مولاى يا من نداه يعدو
…
ففات سبتا وليس يلحق.
ليلتنا حسنها عجيب
…
بالقصف والعزف قد تحقّق.
لنارها فى السّما لسان
…
عن نور ضوء الصّباح ينطق.
والجوّ [1] منها قد صار جمرا
…
والنجم منها قد كاد يحرق.
ودجلة أضرمت حريقا
…
بألف نار وألف زورق.
فماؤها كلّها حميم
…
قد فار مما غلى [2] وبقبق.
وقال أبو القاسم المطرّز، فى سدق عمله السلطان ملك شاه، أشعل فيه الشموع والنيران فى السّميريّات بدجلة، وذلك فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة:
وكلّ نار على العشّاق مضرمة
…
من نار قلبى أو من ليلة السّدق.
نار تجلّت بها الظّلماء فاشتبهت
…
بسدفة الليل فيها غرّة الفلق!
وزارت الشمس فيها الليل واصطلحا
…
على الكواكب بعد الغيظ والحنق.
مدّت على الأرض بسطا من جواهرها
…
ما بين مجتمع وار ومفترق.
مثل المصابيح إلا أنها نزلت
…
من السماء بلا رجم ولا حرق.
أعجب بنار ورضوان يسعّرها
…
ومالك قائم منها على فرق!
فى مجلس ضحكت روض الجنان له
…
لما جلا ثغره عن واضح يقق.
[1] كذا فى الأصل ولعله «
والجو منها يصير جمرا
…
والنجم منها يكاد يحرق
» ليستقيم الوزن.
[2]
فى الأصول يغلى.