الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حنيّة اللازورد
وهى بأرض منف. ومنف هذه هى التى تسمّى مصر القديمة.
يقال إن عقد الحنيّة أحسن من عقد قنطرة صنجة التى تقدّم ذكرها. والحنيّة معقودة من حجارة مهندمة، طول كل حجر منها أكثر من خمسة عشر ذراعا. وفيها نقوش وكتابة وطلّسمات مموّهة باللّازورد. وهى من الشرق إلى الغرب، وفي صدرها فضاء فيه بناء مرتفع، عليه بلاطة من الصوّان الأسود، مكتوب فيها بالقلم البرباوى ثلاثون سطرا. يقال إنه قبر الذى بنى الحنيّة، وأنه ديساره: ملك كان بمصر، حكيم.
وللقبط عيد يسمّى ديساره: وهو عيد هذا الملك، ويسمّى عيد العنب.
وأما منارة الإسكندرية
فهى مبنية بحجارة مهندمة مضبّبة بالرصاص، على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس. وفيها نحو ثلاثمائة بيت بعضها فوق بعض، تصعد الدابة بحملها إلى سائر البيوت من داخلها. وللبيوت طاقات ينظر منها إلى البحر.
وبين أهل التاريخ خلاف فيمن بناها.
فزعم بعضهم أنها من بناء الإسكندر بن فيلبّس المقدونىّ. وزعم آخرون أنها من بناء دلوكا، ملكة مصر. ويقال إن على جانبها الشرقىّ كتابة، وإنها نقلت إلى اللسان العربىّ فوجدت «بنت هذه القنطرة فرتنا بنت مرتيوس اليونانية لرصد الكواكب» .
ويقال: إن طولها كان ألف ذراع.
وكان في أعلاها تماثيل من نحاس.
منها تمثال قد أشار بسبابته اليمنى نحو الشمس: أينما كانت من الفلك، يدور معها حيثما دارت.
ومنها تمثال وجهه في البحر متى صار العدوّ منهم على نحو من ليلة، سمع له صوت هائل يعلم به أهل المدينة طروق العدوّ.
ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة، صوّت صوتا مطربا.
ويقال: إنه كان بأعلاها مرآة ترى منها قسطنطينيّة، وبينهما عرض البحر. وكلما جهز الروم جيشا رؤى في المرآة.
وحكى المسعودىّ في «مروج الذهب» أن هذه المنارة كانت في وسط الإسكندرية، وأنها تعدّ من بناء العالم العجيب، بناها بعض البطالسة من ملوك اليونان يقال له الإسكندر، لما كان بينهم وبين الروم من الحروب في البرّ والبحر.
فجعلوا هذه المنارة مرقبا، وجعلوا في أعلاها مرآة من الأحجار المشفّة، تشاهد فيها مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها.
ولم تزل كذلك إلى أن ملكها المسلمون، فاحتال ملك الروم على الوليد بن عبد الملك بأن أنفذ أحد خواصّه ومعه جماعة إلى بعض ثغور الشام على أنه راغب فى الإسلام.
فوصل إلى الوليد وأظهر الإسلام، وأخرج كنوزا ودفائن كانت في الشام حملت الوليد على تصديقه فيما يدّعيه. ثم قال له: إن تحت المنارة أموالا ودفائن وأسلحة، دفنها الإسكندر. فصدّقه وجهّزه مع جماعة من ثقاته إلى الإسكندرية، فهدم ثلث
المنارة وأزال المرآة، ثم فطن الناس أنها مكيدة، فاستشعر ذلك فهرب فى مركب كانت معدّة له. ثم بنى ما هدم بالجص والآجرّ.
ثم قال المسعودىّ: وطول المنارة فى هذا الوقت (يعنى الوقت الذى وضع فيه كتابه، وهو سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة مائتان وثلاثون ذراعا. وكان طولها قديما نحوا من أربعمائة ذراع.
وهى فى عصرنا هذا ثلاثة أشكال: فمنها تقدير الثلث مربع مبنىّ بالحجارة، ثم بعد ذلك بناء مثمّن الشكل بالآجرّ والجص نحو ستين ذراعا، وأعلاها مدوّر الشكل.
ويقال إن أحمد بن طولون بنى فى أعلاها قبة من الخشب فهدمتها الرياح. فبنى فى مكانها مسجدا فى الدولة الظاهرية الركنية بيبرس صاحب مصر رحمه الله تعالى.
ثم هدم فى ذى الحجة سنة اثنتين وسبعمائة بسبب الزّلزلة الحادثة. ثم بنى فى شهور سنة ثلاث وسبعمائة فى دولة السلطان الملك الناصر ولد السلطان الملك المنصور، ثبت الله دولته، وكان المندوب لذلك الأمير ركن الدين بيبرس الدّوادار المنصورىّ، نائب السلطنة الشريفة فى الغيبة.
وقد وصف الشعراء منارة الإسكندرية.
فمن ذلك ما قاله الوجيه الدروىّ:
وسامية الأرجاء تهدى أخا السّرى
…
ضياء، إذا ما حندس الليل أظلما.
لبست لها بردا من الأنس ضافيا
…
فكان بتذكار الأحبّة معلما.
وقد ظلّلتنى من ذراها بقبّة
…
ألاحظ فيها من صحابى أنجما.
فخيّلت أنّ البحر تحتى غمامة
…
وأنّى قد خيّمت فى كبد السّما!