الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها أنه لا يسقط على الكعبة حمام إلا إن كان عليلا؛ وأن عادة الطير إذا حاذت الكعبة أن تفترق فرقتين ولا تعلوها. والله أعلم.
وأما المدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
ففضائلها أوسع من أن أحصرها، وأعظم من أن أسبرها. ناهيك بها من بلد اختاره الله تعالى لرسوله، ونص على فضله في محكم تنزيله، قال الله عز وجل:(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) .
وروى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أىّ مسجد هو؟ فقال: مسجدى هذا،
وهو قول ابن المسيّب وزيد بن ثابت وابن عمر رضى الله تعالى عنهم، وبه أخذ مالك رحمه الله. وقال ابن عباس: هو مسجد قباء.
وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا لمسجد الحرام» .
قال القاضى عياض رحمه الله: إختلف الناس فى معنى هذا الاستثناء على اختلافهم فى المفاضلة بين مكة والمدينة. فذهب مالك أن الصلاة فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة فى سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فان الصلاة فى مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف. واحتج مالك وأشهب وابن نافع وجماعة أصحابه بما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه «صلاة فى المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه» فتأتى
فضيلة مسجد الرسول عليه بتسعمائة وعلى غيره بألف. وهذا مبنىّ على تفضيل المدينة على مكة، وهو قول عمر بن الخطاب ومالك وأكثر المدنيين.
وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة. وهو قول عطاء وابن وهب وابن حبيب، من أصحاب مالك. وحكاه الباجى عن الشافعى.
قال القاضى أبو الوليد الباجى: الذى يقتضيه الحديث مخالفة حكم مكة لسائر المساجد، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة.
قال القاضى عياض: ولا خلاف أن موضع قبر النبى صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض.
قال النبىّ صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة» .
قالوا: هذا يحتمل معنيين، (أحدهما) . أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه تستحق ذلك من الثواب كما قيل:«الجنة تحت ظلال السّيوف» . (والثانى) أن تلك البقعة قد ينقلها الله فتكون فى الجنة بعينها. قاله الداودىّ.
وروى ابن عمر وجماعة من الصحابة رضى الله عنهم أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال فى المدينة: «لا يصبر على لأوائها وشدّتها أحد، إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» .
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن تحمّل عن المدينة: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» . وقال: «إنما المدينة كالكير: تنفى خبثها وتنصع طيبها» .
وقال: «لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه» .
وعنه صلى الله عليه وسلم: «من مات فى أحد الحرمين حاجّا أو معتمرا، بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه ولا عذاب» . وفى طريق آخر: «بعث من الآمنين يوم القيامة» .
وعن ابن عمر رضى الله عنهما: «من استطاع أن يموت بالمدينة، فليمت بها فإنّى أشفع لمن يموت بها» .
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال: «هذا جبل يحبّنا ونحبّه. اللهم إنّ إبراهيم حرّم مكة، وأنا أحرّم ما بين لا بتيها» .
وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشدّ، وانقل حمّاها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا فى صاعنا ومدّنا» .
ودعا النبىّ صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة فقال: «اللهم بارك لهم فى مكيالهم، وبارك لهم فى صاعهم ومدّهم» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «من زار قبرى، وجبت له شفاعتى» .
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زارنى فى المدينة محتسبا، كان فى جوارى وكنت له شفيعا يوم القيامة» .
وكان مالك رحمه الله لا يركب فى المدينة دابّة، ويقول: أستحيى من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابّة.
وروى أنه وهب للشافعىّ كراعا كثيرا، فقال له الشافعىّ: أمسك منها دابّة.
فأجابه بمثل هذا الجواب.
وحكى القاضى عياض فى «كتاب الشفاء» قال: حدّث أن أبا الفضل الجوهرىّ لما ورد المدينة زائرا وقرب منها، ترجّل ومشى باكيا منشدا: