الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثالث والثلاثون
تقديم بقلم المحقق
هذا هو الجزء الثالث والثلاثون [1] من كتاب: «نهاية الأرب فى فنون الأدب» لمؤلفة أحمد بن عبد الوهاب النويرى، وهو آخر أجزاء هذا الكتاب، وجدير بنا- وقد بلغ الكتاب غايته- أن نسترجع هنا بعض ما ذكره النويرى فى خطبة هذا الكتاب الموسوعة، لنرى الأساس الذى بنى عليه كتابه، والمنهج الذى جرى عليه فى تصنيفه، فقد قال- رحمه الله إنه ضمنه من «فنون الأدب خمسة فنون حسنة الترتيب، بيّنة التقسيم والتبويب، كلّ فن منها يحتوى على خمسة أقسام» [2] وكل قسم يشتمل على أبواب، وهذه الفنون- كما أوردها النويرى- هى:- 1- الفن الأول: فى السماء والآثار العلوية والأرض والمعالم السفلية.
2-
الفن الثانى: فى الإنسان وما يتعلق به.
3-
الفن الثالث: فى الحيوان الصامت، ويعنى به ما عدا الإنسان من سائر الحيوان.
4-
الفن الرابع: فى النبات.
5-
الفن الخامس: فى التاريخ.
وقد استغرقت الفنون الأربعة الأولى الأسفار من الأول حتى نهاية السفر الثانى عشر، أما الفن الخامس- وهو التاريخ- فقد جاء أوسع هذه الفنون وأشملها، ورتّبه- كغيره من الفنون- فى خمسة أقسام، أربعة منها اشتملت عليها الأسفار: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وتحدث فيها-
[1]- هذه تجزئة نهاية الأرب المطبوع، ويقابله فى تجزئة المخطوط- فى نسختى كوبريلى والآستانة- الجزء الحادى والثلاثون.
[2]
انظر نهاية الأرب 1/3 وما بعدها.
كغيره ممن سبقوه- عن بدء الخليقة، وخلق آدم وحواء، وأخبار الرسل والأنبياء، وأخبار ملوك الأصقاع، وملوك الأمم والطوائف، ووقائع العرب فى الجاهلية.
وافتتح السفر السادس عشر بالقسم الخامس من فن التاريخ، وقد عقده لأخبار الملّة الإسلامية، وجعله اثنى عشر بابا، أولها: فى سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم وآخرها- وهو الباب الثانى عشر الذى افتتح به السفر الثامن والعشرين- ابتدأ به «أخبار ملوك الديار المصرية الذين ملكوا فى خلال الدولة العباسية نيابة عن خلفائها، وهم الملوك العبيديّون.. وما كان من أمرهم، وما ملكوه من بلاد المغرب، وكيف استولوا على الديار المصرية، والبلاد الشامية والحلبية، والثغور والسواحل، وغير ذلك إلى أن انقرضت دولتهم، وقيام الدولة الأيوبية، وأخبار ملوكها بمصر والشام إلى حين انقراضها؛ وقيام دولة الترك، ومن ملك منهم من أبنائهم، وما حازوه من الأقاليم، وما فتحوه من الممالك، وما استقر فى ملك ملوك هذه الدولة، إلى حين وضعنا لهذا التأليف فى سنة [1]
…
وسبعمائة فى أيام مولانا الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون.
وقد عاش النويرى حياته فى عهد الملك المنصور قلاوون [2]، وعهد ولديه: الملك الأشرف صلاح الدين خليل [3] ، والملك الناصر [4] محمد بن قلاوون، فقد ولد النويرى- كما يذكر لنا فى حوادث سنة 677 هـ- «فى ليلة يسفر صباحها عن يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من ذى القعدة بمدينة إخميم من صعيد مصر» [5] وكانت ولاية المنصور قلاوون ملك مصر فى السنة التالية، يوم الأحد العشرين من شهر رجب سنة 678 هـ، وحين آل الملك إلى ابنه الناصر محمد سنة 693 هـ- فى ولايته الأولى- كان عمر النويرى ست عشرة سنة، ومات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة- فى ولاية الناصر الثالثة- وعمره ست وخمسون سنة.
[1] هكذا بيّض له النويرى فى الأصل وكأنه أراد أن يظل حبل التأليف ممدودا ما امتد به العمر من سنى هذا القرن، وانظر نهاية الأرب 1/25.
[2]
الملك المنصور قلاوون هو السابع من ملوك دولة الترك بمصر، وانظر: نهاية الأرب 31/7.
[3]
الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور قلاوون هو الثامن من ملوك دولة الترك بمصر، وانظر: نهاية الأرب 31/177.
[4]
الملك الناصر محمد بن قلاوون هو التاسع من ملوك دولة الترك بمصر، وانظر: نهاية الأرب 31/267.
[5]
انظر: نهاية الأرب. 3/386 و 387 فقد أورد النويرى خبر مولده، وذكر نسبه مطولا، وهو: «أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدايم بن عبادة
…
» وارتفع به إلى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليفة من بعده.
وهذا الجزء هو آخر أجزاء الكتاب، وفيه يواصل النويرى الكلام فى «أخبار الملك الناصر محمد بن قلاوون، مبتدئا بحوادث سنة إحدى وعشرين وسبعمائة التى «استهلت بيوم السبت المبارك» وكان أول ما أرّخ له فيها: «وصول أوائل الحاج الذين وقفوا بعرفة سنة عشرين وسبعمائة فى أول ليلة يسفر صباحها عن يوم الاثنين الثالث من المحرم سنة إحدى وعشرين وسبعمائة» وقد مضى فيه على منهجه فى ذكر الوقائع والأخبار، ووفيات الأعيان، سنة بعد أخرى، حتى اختتمه بنهاية حوادث سنة ثلاثين وسبعمائة.
وأغلب الظن أن النويرى رصد ما وقع من الحوادث والأخبار فيما تلا هذا التاريخ، ليجمع منها مادة الجزء الذى يليه، ثم يشرع فى تدوينه حين يصبح لديه من هذه المادة ما يصلح لتصنيف جزء جديد، هكذا صح عزمه، وحالت دونه منيته التى حانت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، فقد ورد فى آخر هذا الجزء من نسخة كوبريلى ما نصّه:«آخر الجزء الحادى والثلاثين [1] من نهاية الأرب فى فنون الأدب، يتلوه- إن شاء الله تعالى فى أول الجزء الثانى والثلاثين منه-: واستهلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بيوم الأحد، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وصحبه..» .
وهكذا يكون النويرى قد أنجز ما وعد به القارئ فى مقدمته من تأليف هذا الكتاب الموسوعة، وأتى على آخر ما أراده فى الباب الثانى عشر من القسم الخامس من فن التاريخ، وهو «ذكر قيام دولة الترك، ومن ملك منهم من أبنائهم بمصر.. إلى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون» .
وقد لاحظنا أن النويرى حين أخذ يؤرخ للحقبة التى عاشها فى دولة المنصور قلاوون، وفى دولتى ابنيه- الملك الأشرف صلاح الدين خليل، والملك الناصر محمد- بدت خطواته بطيئة شيئا ما، حتى رأينا الجزء الحادى والثلاثين لم يشتمل إلا على أخبار اثنتين وعشرين سنة، والجزء الثانى والثلاثين ضم أخبار عشرين سنة، ورأينا هذا الجزء الثالث والثلاثين- يشتمل فقط على أخبار عشر سنوات (من سنة 721 هـ إلى 730 هـ) ويرجع ذلك- فى تقديرنا- إلى أمرين:
[1]- هذه تجزئة المخطوطتين وقد أسلفنا القول أن هذا الجزء يقابله فى المطبوع الجزء الثالث والثلاثون.
أولهما: أن النويرى لم يكن فيما أورده من تاريخ هذه الفترة مؤرخا فحسب، بل كان شاهدا على عصره، وواحدا من رجال هذه الدولة، حيث قربه إليه الناصر محمد بن قلاوون، فكانت له عنده حظوة كبيرة، حتى وكلّه فى بعض أموره، وتقلب فى الوظائف الديوانية، فولى نظارة البيمارستان المنصورى [1] ، ونظارة الجيش فى طرابلس، ونظر الديوان فى إقليم الدقهلية والمرتاحية.. فأتاح له موقعه أن يشهد من الحوادث، ويعرف من الأخبار ما ضمنه كتابه فى تاريخ هذه الفترة.
وثانيهما: أن النويرى فى هذا الجزء- فى حوادث سنة خمس وعشرين وسبعمائة- استطرد بذكر تاريخ اليمن من الفتح الإسلامى إلى هذه السنة، وذكر أنه اقتبسه من كتاب:«بهجة الزمن فى تاريخ اليمن» لمؤلفه القاضى عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانى، الذى قدم إلى الديار المصرية فى هذه السنة، وأطلع النويرى على كتابه هذا، فنقله مختصرا [2] . وقد استغرق تاريخ اليمن من هذا الجزء أكثر من ثلثه [3] .
وفى تحقيق هذا الجزء اعتمدنا على نسختين مصورتين عن أصليهما المحفوظين بالآستانة:
1-
النسخة الأولى مكتوبة بقلم نسخى معتاد، ومسطرتها 35 سطرا، وعدد صفحاتها 107 من قطع الربع، وفى صفحتها الأخيرة خاتم نقشه:«هذا ما أوقفه الوزير أبو العباس أحمد بن الوزير أبى عبد الله محمد، عرف بكوبريلى، أقال الله عثارهما» وهى محفوظة بدار الكتب تحت رقم 549
[1] باشر النويرى هذه الوظيفة أربع سنوات: من شوال سنة 703 إلى آخر رمضان سنة 707 وانظر نهاية الأرب 31/108.
[2]
نشر كتاب «بهجة الزمن فى تاريخ اليمن» لابن عبد المجيد اليمانى بتحقيق عبد الله الحبشى، ومحمد أحمد السّنبانى سنة 1988 (ط. دار الحكمة بصنعاء) وقد اطلعنا عليه فلاحظنا أن ما اختصره النويرى منه لا يعدو الأشعار التى كان يمدح بها بعض شعراء اليمن ملوكهم، وأكثرها نظم ركيك، أما الحوادث والأخبار فإنها تكاد تكون متطابقة مع رواية النويرى فى هذا الجزء.
[3]
يشغل هذا الكتاب من نسخة كوبريلى الصفحات من 21 إلى 61 ومن نسخة الآستانة الصفحات من 74 إلى 199.
(معارف عامة) وقد رمزنا إليها فى الحواشى بالحرف (ك) ووضعنا أرقام صفحاتها بين قوسين هكذا (فى الهامش وقد اعتمدنا هذه النسخة أصلا للتحقيق.
2-
والنسخة الثانية مكتوبة بخط واضح، وبها بعض هوامش استدراكية، وعدد صفحاتها 286 صفحة، وتقع فى قسمين: الأول منهما يضم 142 صفحة، والثانى 144 صفحة، ومسطرتها 19 سطرا، ومساحة صفحتها 11 17 سم، وهى مأخوذة بالتصوير الشمسى عن أصلها المخطوط بالآستانة، ومحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 551 (معارف عامة) وقد رمزنا إليها فى الحواشى بالحرف (أ) ووضعنا أرقام صفحاتها- فى هامش المتن- بين قوسين فى صفحتها.
هذا. وكنت قد فرغت من تحقيق هذا الجزء فى سنة 1962 م، وقام بمراجعته سنة 1963 م المرحوم الأستاذ الدكتور محمد مصطفى زيادة، فأثنى على ما بذلته من جهد فى تحقيقه، وأجازه للنشر حينذاك، وبقيت بعد ذلك أنتظر صدوره، حتى «طال الأمد على لبد» كما يقولون، وخشيت أن ينقضى العمر قبل أن أراه مطبوعا، ولكن شاء الله- وله الحمد والمنّة- أن يصدر أخيرا برعاية الأستاذ الفاضل الدكتور محمود فهمى حجازى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وبعناية الأستاذ السيد حسن عرب المدير العام لمركز تحقيق التراث، ومعاونيه من الباحثين بالمركز، وأخص منهم بالذكر الأستاذ سيد على حسين- الباحث الأول- الذى تابع هذا الجزء، وراجع تجارب المطبعة، والأستاذ مصطفى موسى الباحث بالمركز، فلهم منى جميعا جزيل الشكر، وجزاهم الله عنى خير الجزاء.
وبعد. فلا يفوتنى أن أنبه إلى حاجة هذا الكتاب الجليل إلى فهارس فنية تفصيلية، تيسر الانتفاع به، وتعين الدارسين والباحثين على الإفادة مما حواه من فوائد جمّة، ومعارف عامة، ولم يعد خافيا على أحد ما لهذه الفهارس من قيمة عظيمة فى الكشف عما اشتملت عليه أمثال هذه الكتب من خبايا يصعب
التهدّى إليها بدونها، فضلا عن اختزالها للوقت، وتوفيرها للجهد، ولعل من أهم هذه الفهارس:
فهرس الأعلام، وتمييز من ترجم لهم، أو ذكر وفياتهم.
فهرس أعلام القبائل والأمم والطوائف.. وما إليها.
فهرس البلدان ونحوها من الحصون والقلاع والقصور.
فهرس أعلام المواضع والجبال والمياه.
فهرس الشعراء.
فهرس القوافى.
فهرس الأمثال.
فهرس الألفاظ الاصطلاحية فى مختلف شئون الحياة الاجتماعية من:
وظائف، وآلات، وأدوات، وآنية، وطعام، وشراب، ولباس
…
إلخ فهرس الكتب المنسوبة إلى أصحابها
…
إلخ ولا شك أن لكل كتاب طبيعته التى ترشد إلى صنع فهارسه، وما أكثر ما يمكن عمله من فهارس لهذا الكتاب الموسوعة. ومركز تحقيق التراث مأمول للنهوض بهذا العمل الدقيق الذى يحتاج إلى الخبرة الجيدة، والجهد الجهيد، وهو بما لديه من الباحثين الأكفاء قادر- إن شاء الله- على تحقيق هذا الأمل العزيز تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ
والله من وراء القصد، وهو الموفق والهادى إلى سبيل الرشاد.
3 من رجب سنة 1417 هـ الدقى فى- 14 من نوفمبر سنة 1996 م عضو مجمع اللغة العربية