الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما استقر فى الوزارة رسم للقاضى شرف الدين عبد الهادى [1] بن زنبور مستوفى الصحبة أن يكون ناظر النظار والصحبة، رفيقا للقاضى موفق الدين [2] ، ورتب فى استيفاء الصحبة القاضى شمس الدين بن قروينة [3] وهو صهر الصاحب أمين الدين على ابنته، وأحضر الصاحب جماعة من أصحاب كريم الدين وألزامه، فصادرهم بمال حمل من جهتهم إلى بيت المال، وكان فى الطلب لين، ثم أفرج عنهم فى أثناء جمادى الآخرة.
ذكر القبض على كريم الدين الصغير [4]«وشىء من أخباره»
كان كريم الدين هذا يخدم الأمراء الأصاغر، وكان ممن خدمه الأمير علاء الدين أيدغدى التليلى أستاذ دار الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، وهو من أمراء الأربعين، ثم توصل إلى أن باشر من جملة عمال الجيش بالديار المصرية، فلما قوى أمر كريم الدين- وهو من أقاربه- نقله من عمالة الجيش إلى نظر النظار والصحبة ليس بين ذلك وظيفة أخرى، فباشر مدة، ثم عزل عن نظر النظار خاصة، ثم أعيد إلى/ (54) الوظيفة ثانيا كما تقدم، فلما باشر عسف بالناس وظلمهم، واستخف بالأكابر، وشدّد على المباشرين والتجار والرعايا، وعاقب بين يديه، واقترح نوعا من العقوبة سماه «المقترح» ، وبسط يده ولسانه فى أبشار الناس وأعراضهم حتى ضاقوا بذلك ذرعا، وبلغت منهم القلوب الحناجر، وهو لا يزداد إلا تماديا، واستخفافا بخلق الله تعالى، ثم ترقّى عن ذلك إلى الاستخفاف بأمراء الدولة الأكابر مقدّمى الألوف، وتزايد ظلمه وتفاحش، وضرب جماعة بين يديه حتى ماتوا، وكان إذا علم أنه يشتكى إلى السلطان من أمر من الأمور بادر بالدخول إلى السلطان، وأنهى إليه أنه فعل
[1] فى السلوك (2/248) شرف الدين إبراهيم بن زنبور، ولم أجده فى ترتيبه من أعلام الدرر الكامنة، وفى الجزء الثانى منه ص 240 ترجمته لمن اسمه علم الدين عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن زنبور، وذكر أن أول ظهور أمره كان سنة 737 هـ حين ولى نظر الإسطبل وكانت وفاته سنة 751 هـ، ويستبعد أن يكون هو المذكور هنا.
[2]
فى السلوك (2/248) موفق الدين هبة الله بن سعيد الدولة إبراهيم.
[3]
فى السلوك (2/248) شمس الدين إبراهيم بن قروينة.
[4]
أورد النويرى ترجمته حين ذكر وفاته فى حوادث سنة 726 هـ. وانظر ص 197 حاشية رقم (2) من هذا الجزء.
كذا وكذا مما يعود نفعه على الدولة، وأن الناس قد كرهوه وربما شكوه، وأنه لا غرض له إلا فى مصلحة السلطان، ويقرر معه ذلك، فإذا اشتكى للسلطان لا يسمع فيه شكوى، ولا يلتفت إلى قول قائل، ويقرر فى ذهن السلطان أنه أنصح الناس له، وأن سائر الناس كرهوه بسبب نصحه للسلطان، وتحصيل أمواله، فبقى لا يسمع فيه شكوى، فكف الناس عن شكواه.
فلما قبض السلطان على كريم الدين الكبير، استمر هذا على وظيفته فى النظر إلى آخر يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الآخر، فرتبه السلطان فى صحابة ديوان الجيوش المنصورة عوضا عن القاضى معين الدين هبة الله بن حشيش [1] ، وخلع عليه على عادة من تقدمه، وباشر الوظيفة فى يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر، وأعيد القاضى معين الدين إلى نظر الجيوش بالشام عوضا عن قطب الدين/ (55) بن شيخ السلامية، واستمر كريم الدين فى هذه الوظيفة، وهو مع ذلك يكتب على عادته فى نظر الدواوين، وينفذ الأشغال إلى أن حضر الصاحب أمين الدين وفوضت إليه الوزارة، فمنع من ذلك، واستمر فى صحابة ديوان الجيوش، والناس فى أشد ألم بسبب سلامته.
فلما كان فى يوم السبت سلخ ربيع الآخر أمر السلطان بالقبض عليه، فقبض عليه هو وولده سيف الدين، وألزم بالحمل، واعتقل بالبرج بباب القرافة، ولو تمكن الناس منه أو ظهر لهم قتلوه، وكان ولده سيف الدين يخرج فى الترسيم ويركب حمارا، ويبيع قماش أبيه، ويحمل الثمن عنه، وأبيعت أملاكه، ثم سأل أن يحمل أربعماية ألف درهم، ويتصدق السلطان عليه بالإفراج عنه، فأجيب إلى ذلك، ثم نقل من البرج إلى القرافة، فأقام هناك بتربة الأمير سيف الدين طقتمر [2] الدمشقى، بجوار تربة كريم الدين الوكيل، واستمر على ذلك إلى أن رسم بتوجهه إلى مباشرة نظر المملكة الصّفدية، فتوجه إلى ذلك فى يوم السبت الثانى عشر من جمادى الآخرة من السنة، وخرج من القرافة ليلا خوفا
[1] أورد النويرى ترجمته عند ذكر وفاته فى أخبار سنة 729 ص 294 من هذا الجزء.
[2]
كان «طقتمر الدمشقى» من مماليك الناصر وهو صبى، وكان الناصر يميل إليه كثيرا، فأمّره سنة 712 ومات فى رجب سنة 716 وانظر ترجمته فى (الدرر 2/224) .