الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار اليمن ومن وليه من العمال ومن استقل بملكه وسميت أيامهم بالدولة الفلانية
اعلم- وفقك الله تعالى وإيانا- أيها المطالع/ لهذا الكتاب، المتأمل لما اشتمل عليه من الفصول والأبواب، الباحث عن جمله وتفصيله، المستوعب لتراجمه وفصوله، أننا لم نترك إفراد بلاد اليمن بباب مستقل يشتمل على أخبارها، ويستدل/ (75) من مضمونه على آثارها، ويعلم منه أخبار من وليها من العمال فى السنين السالفة، ومن استقل بملكها فى المدد الماضية والآنفة، ذهولا عنه ولا إهمالا، ولا أخرناه استخفافا بقدرها ولا استقلالا، لكنا لم نقف فيما سلف على تاريخ جرّد لذكرها وألّف، ولا كتاب أفرد فى أخبارها وصنّف، وإنما كنا نقف من أخبارها على النّبذة الشاردة، والإشارة التى تكون فى أخبار غيرها من الدول واردة، فنورد من ذلك ما نقف عليه فى أثناء أخبار الدولة الأموية والعباسية، والملوك الأيوبية، والأيام المنصورية والناصرية، ونحن مع ذلك نتوكّف [1] أن نقف على مؤلّف يجمع سيرها وأخبارها، ومصنّف يكشف أستارها ويبرز أسرارها، ونسأل عن ذلك كل قادم ووارد، فلا نجد من يرد ضالّة هذه الشوارد، إلى أن وصل إلى الديار المصرية المولى القاضى الفاضل تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد بن عبد الله اليمانى كاتب درج [2] الملك المؤيد داود- كان- من البلاد اليمنية وهو الذى أشرنا إليه فيما سلف من هذا الكتاب، وذكرنا جملة من رسائله البليغة، وآدابه البديعة، فأوقفنى على كتاب ألفه لما عاد إلى البلاد اليمنية سماه:«بهجة الزمن فى تاريخ اليمن» وهو فى مجلّدة خدم بها الملك الظاهر المذكور آنفا، فلخصت منه ما أورده الآن، فاجتمعت أخبار اليمن فى هذا المكان بحسب الإمكان، وهى نبذة/ (76) يستدل بها على أخباره، ولمعة تهدى المتأمل إليها إلى آثاره، وإذا انتهينا- إن شاء الله تعالى إلى آخر ما أورده من أخبار اليمن- إلى آخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، عدنا إلى سياقة أخبار الدولة الناصرية لسنة خمس وعشرين وسبعمائة وما بعدها.
[1] يقال: توكف الأثر إذا تتبعه.
[2]
كاتب الدرج: هو الذى يكتب المكاتبات والولايات وغيرها غالبا، وربما شاركه فى ذلك كتاب الدست.
(صبح الأعشى 5/465) .
قال- أدام الله الانتفاع بفوائده، وأجزاه [1] من ألطافه على أجمل عوائده- فى كتابه ما مختصره- وفى بعض ألفاظه ما أوردناه بالمعنى-:
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة اليمن ثلاثة، وهم: أبان بن سعيد بن العاص بن أمية على صنعاء وأعمالها، ومعاذ بن جبل الأنصارى على الجند ومخاليفها، والمهاجر بن أبى أمية المخزومى على حضرموت.
فلما ظهر الأسود العنسى باليمن- كما قدمناه- لحق الأمراء المذكورون بأبى بكر الصديق رضى الله عنه، فاستخلف معاذ على عمله عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى، وهو والد عمر بن أبى ربيعة الشاعر المشهور، واستخلف أبان بن سعيد على عمله يعلى بن منبه [2] التميمى حليف بنى نوفل بن عبد مناف، واستخلف المهاجر عكرمة بن أبى جهل [3] .
فلما قتل العنسى، وفاء أهل اليمن إلى الإسلام، أقر أبو بكر رضى الله تعالى عنه عبد الله بن أبى ربيعة على الجند ومخاليفه، ويعلى على صنعاء وأعمالها، واستمر أهل حضر موت على الردة والعصيان.
فلما ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أقر عبد الله ويعلى على عمليهما، ثم عزل عمر يعلى لشكاية، واستعمل المغيرة بن شعبة على صنعاء، فشخص يعلى إلى عمر يظهر بطلان/ (77) الشكاية وأن الحق كان بيد يعلى، فرده عمر إلى عمله بعد سنتين، فأقام ما شاء الله، ثم شكى إلى عمر، فأمر بإشخاصه إليه ماشيا، فخرج حتى إذا كان على أميال من صنعاء لقيه الخبر
[1] كذا بالأصل، والصواب أن يقال: جزاه أو جازاه.
[2]
فى المقتطف من تاريخ اليمن ص 44 «يعلى بن أمية» ، وفى زامباور (معجم الأنساب والأسرات الحاكمة 175 يعلى بن منيه (بياء مشددة) أو أمية. وفى صبح الأعشى (5/26) يلى بن منبه- بالباء مكان الباء.
[3]
فى هامش «أ» ص 76 وردت العبارة الآتية بخط مغاير «قلت: إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى منام أنه دخل الجنة، فرأى فى الجنة عذقا لطيفا، فسأل عن صاحبه، ولمن أعده الله تعالى؟ قالوا: لأبى جهل، فانتبه فزعا، وكان يقول- صلى الله عليه وسلم حينا بعد حين: ما لأبى جهل والجنة؟ فو الله الذى نفس محمد بيده لا يصير هذا أبدا، فلما جاء عكرمة مريدا الإسلام، ورآه صلى الله عليه وسلم من بعيد، فبادر يقول: هذا هو العذق الذى كنت رأيته فى الجنة، فأسلم عكرمة، وحسن إسلامه رضى الله عنه» .
بقتل عمر وخلافه عثمان، وإقراره على عمله، فعاد راكبا، فلم يزل على عمله إلى أن قتل عثمان، وكذلك ابن أبى ربيعة.
فلما استخلف على بن أبى طالب رضى الله عنه استعمل على جميع اليمن ابن عمه عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، ففارق يعلى وابن أبى ربيعة اليمن، وأتيا مكة، وانضمّ يعلى إلى طلحة والزبير وعائشة، وخالف عليا، وأعان بمال وإبل كما قدمنا فى أخبار على بن أبى طالب رضى الله عنه، واستمر عبيد الله باليمن أيام على، ثم تخاذل عنه أصحابه.
وأرسل معاوية بسر بن [1] أرطأة إلى اليمن، فسفك الدماء وارتكب الأفعال الشنيعة، وقتل ابنى عبيد الله كما تقدم، فلما ولى معاوية بعث إلى اليمن عثمان الثقفى، ثم عزله وجمع اليمن بكماله لأخيه عتبة بن أبى سفيان، فولى ثلاث سنين، ثم مات فاستعمل/ معاوية على اليمن النعمان بن بشير الأنصارى، فمكث سنة ثم عزله واستعمل [سعيد بن][2] دادوية من أبناء الفرس، فولى تسعة أشهر، ومات، فاستعمل الضحاك بن فيروز، فولى بقية أيام معاوية.
فلما مات معاوية استعمل يزيد بجير بن زيان الحميرى على المخلافين:
مخلاف صنعاء ومخلاف الجند، قاطعه عليهما بمال عظيم فى كل سنة يرسله إليه، وكان بجير عاتيا متجبرا، فكان باليمن حتى هلك يزيد بن معاوية، وظهر عبد الله بن الزبير بمكة فأطاعه أهل اليمن إلا القليل منهم، فاستعمل ابن الزبير الضحاك بن/ (78) فيروز فمكث سنة، ثم عزله بعبد الله بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فولى سنة، ثم عزله بعبد الله بن أبى وداعه السهمى، فمكث سنة وثمانية أشهر، ثم عزله بأخيه عبيدة بن الزبير، فمكث خمسة أشهر، وعزله وولى قيس بن يزيد السعدى أحد بنى تميم، فمكث عشرة أشهر، ثم عزله واستعمل ولاة كان الرجل منهم يلى أربعة أشهر وخمسة أشهر ويعزله، حتى قتل عبد الله بن الزبير.
[1] فى «ك» «بشر» وما أثبتناه من «أ» ص 77 وتاج العروس (3/42) . ويقال بسر بن أبى أرطاة العامرى القرشى.
[2]
ما بين الحاصرتين زيادة من «أ» ص 77.
وولى الحجاج بن يوسف لعبد الملك بن مروان، فبعث الحجاج على اليمن أخاه محمد بن يوسف، فولى إلى آخر أيام عبد الملك وتوفى، وكان قد جمع المجذومين بصنعاء، وجمع لهم الحطب ليحرقهم، فمات قبل ذلك، فاستعمل الحجاج- بأمر الوليد بن عبد الملك- ابن عمه أيوب بن يحيى [1] الثقفى، فولى مدة أيام الوليد.
فلما تولى سليمان بن عبد الملك استعمل على اليمن عروة بن محمد السعدى، فولى ست سنين.
فلما ولى يزيد بن عبد الملك استعمل مسعود بن عوف الكلبى، فولى أيام يزيد.
فلما ولى هشام بن عبد الملك بعث يوسف بن عمر الثقفى على جميع مخاليف اليمن، فمكث عليه ثلاث عشرة سنة، ثم نقله هشام بن عبد الملك إلى ولاية العراق، كما قدمناه فى سنة ست وعشرين ومائة، واستخلف على اليمن ابنه الصلت، فولى خمس سنين إلى أن توفى هشام.
وولى الوليد بن يزيد، فاستعمل مروان بن محمد بن يوسف، وهو ابن أخى الحجاج.
فلما ولى يزيد بن الوليد الناقص استعمل الضحاك بن واصل السّكسكى [2] .
فلما غلب مروان بن محمد على الأمر استعمل القاسم بن عمر [3] الثقفى أخا يوسف بن عمر.
وكان قد/ (79) ثار بحضرموت الأعور الخارجى [4] ، فلم يلبث القاسم أن قصده الأعور إلى صنعاء فانهزم عنه، وقتل ابن أخيه الصلت بن يوسف، وغلب
[1] فى الواسعى (تاريخ اليمن ص 147) أيوب بن يحيى الثقفى، وفى الجرافى (المقتطف 47) أيوب بن محمد.
[2]
السكاسك: من بطون كندة، قال ابن خلدون (العبر 2/276) لهم مجالات شرقى اليمن متميزة، وهم معروفون بالسحر.
[3]
فى الواسعى (تاريخ اليمن 147)«القاسم بن عميرة الثقفى» .
[4]
هو عبد الله بن يحيى الحضرمى، وانظر المصدر السابق 147 و 148 والمقتطف للجرافى ص 48.