الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وصول رسل جوبان [1]
ثم وصل من جهة الأمير جوبان المذكور فى يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر رمضان ثلاثة من أعيان الصوفية على خيل البريد برسالة مضمونها: السؤال فى مصاهرة السلطان لابن الأمير جوبان على إحدى بناته، فمثلوا بين يدى السلطان، وكان من جملة سؤالهم عن مرسلهم، أن يكون الذى يمشى بينهم فى الخطبة الشيخ تقى الدين بن تيمية، وكان قد اعتقل على ما نذكره، فأجيبوا عن ذلك أن المذكور فى حبس الشرع لأمور صدرت عنه، ورسم السلطان للقاضى بدر الدين أن يسمع كلام الرسل، فسمع كلامهم، ثم أعيدوا إلى مرسلهم على خيل البريد.
وفيها فى يوم الاثنين السابع والعشرين من شعبان أفرج السلطان عن الأمير سيف الدين بلبان طرنا [2] نائب المملكة الصّفدية كان، وكان فى الاعتقال منذ انفصل من نيابة السلطنة بالمملكة الصّفدية وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة بدمشق، ثم نقل بعد ذلك إلى مقدمة ألف.
وفيها- فى سلخ شعبان- احترقت مدينة بيسان [3] من غور الشام حريقا فاحشا، وأكثر عمارتها بالقصب، فلذلك أسرعت النار فيها. ثم طفئت، وأعيد ما احترق.
ذكر وصول صاحب حصن كيفا [4] إلى الأبواب السلطانية، وعوده إلى بلاده، وخبر مقتله وملك أخيه
وفى يوم الثلاثاء خامس شهر رمضان من هذه السنة وصل إلى الأبواب السلطانية فى قلعة الجبل المحروسة الملك الصالح صلاح الدين يوسف بن
[1] ترجمته فى ابن حجر (الدرر 1/541) ووصفه بالأمير الكبير نائب المملكة القانية، وذكر أن الملك أبا سعيد- ملك التتار- تزوج ابنته.
[2]
الضبط من الدرر (1/494) وفيه أنه اعتقل فى سنة 714 بسعاية تنكز، وأفرج عنه فى سنة 726 وفى السلوك (2/274) أنه بقى فى اعتقاله إحدى عشرة سنة وتسعة أشهر، وسبعة أيام، وكانت وفاته فى سنة 734 هـ.
[3]
فى الأصل بستان، وما أثبتناه عن (مراصد الاطلاع 1/241) ففيه: بيسان: مدينة بالغور الشامى.
[4]
حصن كيفا- بفتح فسكون- ويقال كيبا: بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر (مراصد الاطلاع 2/407) وانظر السلوك (2/276 حاشية 2) .
الملك الكامل سيف الدين أبى بكر [1] شادى ابن الملك الموحّد تقى الدين عبد الله بن الملك المعظم غياث الدين طورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيوب، وهو صاحب حصن كيفا.
وكان سبب حضوره أنه أقام مدة سنين لا ينزل من الحصن إلى نواب الملك أبى سعيد إذا حضروا إلى البلاد على جارى عاداتهم، بل يرسل إليهم الهدايا والتقادم الجارية بها العادة، وتحصن بالحصن، ثم شرع بنهب من ينفرد من التتار، ويتعرض إلى إقطاع الأمير الذى أقطع له أعمال حصن كيفا، فشكاه الأمير المقطع إلى الملك أبى سعيد، وقال: إنه يأخذ أكثر ما يتحصل من إقطاعه، وأنهى إلى الملك أنه عصى بالحصن، وأنه لا ينزل إلى نائب الملك إذا وصل، فكتب أبو سعيد إلى نائبه فى تلك الجهة يستعلم منه: هل هو فى الطاعة على عادته أو خرج عنها؟ فأجابه النائب أنه على عادته فى الطاعة، وأنه ينزل إليه إذا حضر إلى جهة الحصن، وأرسل النائب إلى الملك الصالح المذكور يعرفه ما ورد عليه، وما أجاب به، وقدم إليه تقادم كثيرة بسبب ذلك، وواعده أنه إذا وصل إلى الحصن ينزل إليه، ثم خاف على نفسه أنه إن نزل إليه قبض عليه، فحضر إلى الأبواب السلطانية، وأشاع أنه إنما حضر بسبب الحج. أخبرنى بذلك المحقق للحال، وهو الأمير علاء الدين على بن الملك الموحّد، وهو عم الملك الصالح.
ولما وصل الملك الصالح إلى الأبواب السلطانية الملكية الناصرية شمله الإنعام السلطانى بتشريف طردوحش بقصب وكلّوته [2] بزركش، وحياصة ذهب،
[1] هكذا فى الأصل، وفى السلوك (2/276) سيف الدين أبو بكر بن شادى.
[2]
الكلوته- بتشديد اللام المضمومة- فارسية معناها الطاقية الصغيرة المصنوعة من الصوف، المضربة بالقطن، كانت غطاء الرأس فى الدولتين: الأيوبية والمملوكية، وكانت شارة الأمراء لبسها بغير عمامة فوقها، ولا كلاليب تعقد تحت الذقن وهى الكلبندات. وانظر صبح الأعشى (4/49) وخطط المقريزى (2/98 و 217) ودوزى (الملابس عند العرب ص 378) .
وثلاثين [1] ألف درهم، ورسم له بعوده إلى مملكته بحصن كيفا، وكتب على يده كتابا إلى الأمير جوبان نائب الملك أبى سعيد يتضمن الوصية به، والإحسان إليه، وأعاده فى العشر الأوسط من الشهر على خيل البريد إلى دمشق المحروسة، وتوجه/ منها على خيله بمن حضر معه من إلزامه، وكتب السلطان إلى نائب السلطنة بحلب المحروسة أن يجرد معه من العسكر الحلبى خمسمائة فارس ومائتى فارس من العربان- من كلاب- إلى أن يصل إلى مأمنه، فتوجهوا معه إلى أن شارف بلاده وأعادهم وحال وصوله إلى الحصن وثب عليه أخوه شقيقه الملك العادل محيى الدين فقتله، وملك الحصن بعده، وكتب إلى الملك أبى سعيد، وأنهى إليه أنه إنما قتله لأنه كان باغيا، وتوجه إلى الديار المصرية، وحضر إلى البلاد بعسكر، وقصد إفساد البلاد، فأقره الملك أبو سعيد على الحصن، وطالع الملك العادل محيى الدين هذا الأبواب السلطانية [بذلك] ، واعتذر عن قتله، وجهّز مختصرا يتضمن سوء سيرته، وطالع نائب السلطنة الشريفة بالشام المحروس أيضا بمثل ذلك، وسأل الصفح عنه فيما فعل، وأنه إنما قتل لسوء سيرته [2] ، ومن قتله من أهله، فسكن الحال فى ذلك.
وفيها فى يوم الخميس خامس شوال توجه الأمير سيف الدين أرغن [3] الناصرى نائب السلطنة الشريفة إلى الحجاز الشريف هو وأولاده وابنة السلطان زوجة ولده، الأمير سيف الدين وأولاده، وكان استقلال ركابه من قلعة الجبل فى الثالثة من هذا اليوم.
وفيها- فى يوم الجمعة خامس ذى القعدة- قرىء بالجامع على المنابر بالقاهرة ومصر مثال [4] شريف سلطانى، مضمونه الإعفاء من المظالم، وطرح الأصناف على التجار والمبعثين، ومنع الولاة من الضرب بالمقارع، وإبطال المقدمين من أبواب الولاة.
[1] فى السلوك (2/276) وبعث له عشرة آلاف درهم، ثم ذكر أن السلطان أنعم عليه حال رحيله بألف دينار.
[2]
أورد المقريزى فى (السلوك 2/277) المقصود بسوء سيرته، وعبارته «وكتب محيى الدين إلى نائب الشام يقول: أنه لم يقتله إلا لما ثبت عليه من شرب الخمر والفسق وقتل الأنفس، واستباحة الأموال والتلفظ بالكفر غير مرة» .
[3]
يرد رسمه فى السلوك (2/277) والنجوم (9/289)«أرغون» بواو بعد الغين.
[4]
عبارة السلوك (2/278 فى هذا الموضع: «وفيها كتب مرسوم السلطان- وقرىء على المنابر- بألا يضرب أحد فى ديار مصر والشام بالمقارع، والمثال والمرسوم فى لغة مؤرخى هذا العصر بمعنى واحد.