الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/
(159) ذكر ما وقع بين الأشراف من الاختلاف وما وقع بسبب ذلك من الحرب والحصار
وفى سنة إحدى وسبعمائة توجه الملك المؤيد إلى البلاد العليا، فأقام بالجند أياما، وبالموسعة أياما، وبصنعاء أياما، ثم خرج منها إلى الظاهر، وطلع من نقيل [1] عجيب، والموجب لطلوعه ما جرى بين الأمير تاج الدين محمد بن أحمد بن يحيى، وبين الشيخ قاسم بن منصور الضّربوه- صاحب [2] ثلا- من التشاجر على البلاد التى بينهما، فأخرب كل منهما على الآخر بعض بلاده، وكان الشيخ ممن يحالف الملك المؤيد، فاجتمع الأشراف إلى ظفار:
منهم الأمير همام الدين سليمان بن القاسم، فسألهم تاج الدين القيام معه لمحاربة صاحب ثلا، فذكروا أنه حليف الملك، ولا يمكن حربه إلا بمحاربة السلطان، ورأوا إخراب القنّة، وبعض ثغر ظفار من المصلحة، وأن يرسلوا القاضى أحمد بن محمد الذمارى إلى الملك المؤيد ليتحقق رأيه، فأرسلوه، وعاد كل منهم إلى بلاده.
فأما الأمير موسى بن أحمد فإنه لما وصل إلى صعدة قبض بعض بلاد الأمير سليمان بن القاسم، وكتب إلى الأمير شرف الدين شكر بن على يستدعيه إلى صعدة، فوصل إليه فأرسله إلى الملك المؤيد [3] ، وسير معه ابنه الأمير علم الدين موسى، وقبض منه رهينة، فلما وصل إلى صنعاء ترك الرهينة فى حصن ذهبان عند الأمير محمد بن أحمد الحاتمى/ (160) الهمدانى، ثم وصل إلى المؤيد وهو على الحركة إلى البلاد العليا، فأكرمة المؤيد، وأنعم عليه، وسار معه إلى الموسعة، ومن هناك تقدم إلى صوب ابنه.
وأما الأمير تاج الدين فإنه تقدم إلى الجهات الغربية، وأوقد نار الحرب فى بلاد الموقّر والعارضة [4] وما يليها من بلاد السلطان، ومال إليه بنو شاور [5] ، وجماعة من قبائل العرب ودخل المؤيد صنعاء، وأقام بها أياما، ثم
[1] نقيل: جبل عظيم بين مخلاف جعفر وحقل ذمار وفى رأسه قلعة تسمى سمارة (مراصد 1/298) وفى ياقوت 8/314 نقيل صيد.
[2]
ثلا- بضم أوله- حصن من حصون اليمن.
[3]
ذهبان- بفتحتين- قرية بينها وبين حرض يوم من نواحى زبيد (المراصد 2/590) .
[4]
العارضة، ويقال: العارضة السفلى، من قرى اليمن من الأعمال البعدانية (المراصد 1/908) .
[5]
هكذا فى ك، أ، ص 160 وفى الخزرجى (1/331) بنو ساور.
سار إلى اليمن، ولقيه الأمير نور الدين موسى بن أحمد، والأمير عبد الله بن وهّاس، وطلع الملك المؤيد القنّة من طريق جبل [1] صبيح، وتسنم سعده القنّة، ونزل فيها بجميع عساكره، وذلك يوم العيد، وأشرف على أخذ ظفار من الجهة التى تلى القاهرة من غربيها، ولم يبق إلا أخذها، وعاد المؤيد إلى القنة، وأقام بها ثمانية أيام، وشرع فى عمارتها، وسماها المنصورة، وحصل للعسكر ضرر شديد، لعدم الماء والطعام والعلف، حتى بيعت القربة بعشرة دراهم، والزبدى الدقيق بعشرة دراهم، فعند ذلك أمر السلطان بضرب مخيمه بورور [2] ، ورتب فى القنة الأمير نجم الدين موسى بن أحمد، ورتب فى تعز وهو الحصن المقدم الذى أخربه الأمير سليمان بن قاسم- الحسام بن مسعود بن طاهر، وأمر بعمارة الموضعين، ونصب فى تعز منجنيقين ترمى إلى ظفار وإلى المدينة فأضرهم المنجنيق غاية الضرر، وعيد الملك المؤيد عيد الأضحى فى محطة ورور.
ثم طلع المؤيد إلى تعز ليشاهد العمارة،/ (161) ورمى المنجنيق، فعلم الأمير علم الدين سليمان بن قاسم صاحب ظفار أنه إن دام هذا الأمر أدى إلى خراب [بلاده [3]] ، فأعمل الحيلة، وأخرج بنى أخيه وجماعة من الأشراف إلى خارج درب ظفار ومعهم وزيره على بن دحروج، وصاح بأعلى/ صوته أن الأمير والأشراف قصدهم أن يخدموا السلطان، وسؤالهم أن يشرف عليهم، فأشرف عليهم فخدموا [4] بأجمعهم، وقالوا: نحن غلمان السلطان، وهذه المواضع مواضعه، وأشار ابن دحروج أن معه خطابا يفضى إلى المصلحة، ويسأل أن يرهن به الفقيه شرف الدين، فأجيب إلى ذلك، ونزل الشيخ ابن دحروج، واجتمع بالملك المؤيد بحضور القاضى الوزير موفق الدين، واستقر الأمر أن الأمير سليمان بن قاسم يبيع المؤيد حصن تلمّص بخمسين ألف دينار، ويرهن بذلك ولدى أخيه محمدا وداود، ووزيره على بن محمد بن دحروج، وأن يخرب الملك
[1] أرض صبيح باليمامة، وجبال صبيح فى ديار فزارة (المراصد 2/831) والقنة الثانية: القلة، وهى أعلى الجبل أراد الجناس.
[2]
ورور- بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه- حصن باليمن من جبال صنعاء فى بلاد همدان (مراصد 3/1435) .
[3]
الزيادة من الخزرجى 1/332.
[4]
ترد كلمة «يخدم، وخدم» بهذا الاستعمال عند مؤرخى هذه الفترة مرادا بها تأدية التحية اللائقة، وإظهار الولاء والطاعة.
المؤيد تعز المعمورة على ظفار والقنّة، فأشار من حول الملك المؤيد عليه بذلك وقالوا: السلطان يملك صعدة بغير شريك، والرهائن توثقة لمن صدق، فركن إلى ذلك، وقبض الرهائن، ونزل الفقيه شرف الدين أحمد بن علي من ظفار، وأطلع لهم المال المشروط، وأرسل الملك المؤيد الفقيه شرف الدين أحمد بن على (الجنيد)[1] بعسكر لقبض تلمّص، وأرسل الشريف سليمان بن قاسم ثقة [2] منه، وتقدموا إلى جهة صعدة.
وتوجه المؤيد من محطة ورور، والرهائن صحبته، وقصد صنعاء فى يوم الجمعة نصف ذى الحجة، فانتهى إلى جربان [3] فى يوم الأحد سابع عشر الشهر، فزحف العسكر فى اليوم الثانى، وقاتلوا قتالا عظيما وبلغ الشفاليت [4] / (162) باب الحصن، ونزل للشفاليت الكسوة، فأخرب أهل الحصن الحمولة وعاد الشفاليت فوجدوها خرابا، وكان قد تجمع إليه خلق كثير من همدان وغيرهم، ونصب الملك المؤيد المنجنيق، وأقام ثمانية أيام على جربان، ثم توجه إلى صنعاء، وتولى الحصار الأمير شمس الدين عباس بن محمد، والأمير عماد الدين إدريس والأمير محمد بن حاتم، ومحمد بن أحمد بن عمرو، ووصل المؤيد إلى صنعاء فى المحرم سنه اثنين وسبعمائة.
وأما سليمان بن قاسم صاحب ظفار، فإنه لما نظر إلى المال عنده والخلع، وقد أخربت القنّة وتعز، وارتفعت عساكر السلطان عنها، نوى الغدر، وزهد فى الرهائن، فكتب إلى المقيم بتلمّص أن يسلم تلمّص إلى الشريف أبى سلطان، ففعل ذلك، وكتب سليمان بن قاسم إلى الملك المؤيد: أنة غلب على تلمّص أبو سلطان، وأنه قد صار فى حرزه، وانتقض ما كان تقرر، فأرسل المؤيد شكر بن على إلى صاحب ظفار يطالبه بإعادة المال، وأخذ الرهائن، فغالظ فى الجواب، وبادر بعمارة تعز الذى كان أخربه، وأكد بناءه، وعاد الذين توجهوا ليتسلموا تلمّص، وتهدد السلطان صاحب ظفار أنه إذا لم يعد المال أشهر رهائنه، فلم
[1] الزيادة من الخزرجى (1/332) .
[2]
المراد أنه أرسل رسولا ممن يثق بهم، وعبارة الخزرجى
…
وأرسل الشريف سليمان بن قاسم رسولا معهم من أحد ثقاته (العقود 1/332) .
[3]
هكذا فى أ، ك، وفى الخزرجى (1/334 و 335) خربان- بخاء.
[4]
الشفاليت: ويفهم من السياق أن المراد بها الرعاع والدهماء. وفى: (بهجة الزمن) ص 214 (تحقيق الحبشى) حاشية (2) أن الشفاليت: جمع شفلوت: طائفة من العسكر غير النظاميين، واللفظة عامية.
يحتفل بالرهائن، فتقدم المظفر بإشهار [1] ولديه، وولد عمه، ونعاه بالعيب، كعادة العرب فى الغادر بعد الوفاء، ولما نظر الشيخ على بن محمد بن دحروج أن الشهرة لا حقته لا محالة، بذل للملك المؤيد/ (163) الخدمة والنصيحة، ووثقه من نفسه، وأرسله صحبة سيف الدين طغريل- بعد إقطاعه صنعاء، وذلك فى يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعمائة- بالعساكر إلى عمارة المنصورة وهى القنّة، وكان عند الأشراف أن العسكر لا يطلع إليها، ولا يعمرها فطلعها العسكر قهرا، وتسنموا القنة، وعمرت المنصورة، واستمرت العمارة بها، واستمرت المحطة بورور، ولحق الناس قحط شديد، بلغ الزيدى فى ورور أربعة دنانير وأكثر من ذلك، فخلا كثير من أهل [2] البلاد.
فلما كان فى أثناء شهر رجب تداعى الناس إلى الصلح على رد المال المسلم فى تلمص، فردوا منه ستة عشر ألف دينار نقدا، وحريرا وحليا باثنى عشر ألف دينار، ورهنوا على ما بقى ولدى الأمير أحمد بن قاسم وحصن [3] المدارة على يد الأمير ابن وهاس إلى عشرة أيام فى شوال والقنة للسلطان.
ومالت قبائل المرقان وبنو أسد الصيد، وبنو حسن ومخلاف تلمص وبنو دحروج إلى جنب السلطان، وما كان إليهم من مال وغيره، وأخرجوا حريمهم من ظفار وسكنوا صنعاء، وسلم الأمير تاج الدين الحدّة [4] وخرّب شريب، ورهن ولده مع رهينة الأمير همام الدين سليمان بن القاسم، وانعقد الصلح بين الملك المؤيد وبين أصحاب ظفار وتاج الدين، على أن المؤيد يحارب تلمص، ويعمل فيه ما شاء.
وعاد الملك المؤيد إلى اليمن فى الثامن عشر من شعبان سنة اثنتين وسبعمائة ووصل تعز فى غرة/ (164) رمضان منها.
[1] الصواب «ولدى أخيه» كما تقدم، وقد صرح بذلك الخزرجى فى (1/338) .
[2]
فى بهجة الزمن ص 216 (ط. الحبشى)«فخلا كثير من البلاد عن أهلها» .
[3]
لم يتضح فى أ، ك، وفى الخزرجى (1/339) المدارة.
[4]
كذا فى أ، ك، وفى الخزرجى (1/339) الحدود، والصواب الحدة- بالحاء المفتوحة والدال المشددة- وهى- كما فى مراصد الاطلاع 1/386: حصن باليمن من أعمال حب.
وفيها توفى الملك العادل صلاح الدين أبو بكر ابن الملك الأشرف بن الملك المظفّر، ودفن فى أول شهر رمضان فى [1] ضراس.
وتوفى الأمير نجم الدين موسى بن شمس الدين بنواحى صعدة.
وفيها أمر الملك المؤيد بإنشاء مدرسة بمغربة تعز، ووقفها على طائفة الشافعية، ورتب بها مدرسا ومعيدا وعشرة من الطلبة، ومتصدرا لإقراء القراءات السبعة، ومعلما يقرىء جماعة من الأيتام القرآن، وأماما يصلى بالناس الخمس، ووقف بها خزانة كتب، ونقل إليها كتبا كثيرة من كتب العلوم [2] والتفاسير.
/ وفى سنة ثلاث وسبعمائة فى العشرين من المحرم توفى الملك الظافر قطب الدين عيسى بن الملك المؤيد بحصن تعز، ودفن بمدرسة أبيه، ورتب والده قراء يقرأون القرآن على قبره، وتألم والده عليه، وأمر بذبح خيله الخواص فذبحت، وتصدّق بلحمها حالة حمله إلى قبره، وعملت له الأعزية فى سائر المملكة.
وفيها توفى الأمير أبو سلطان المتولى على تلمّص المتقدمة الذكر، فغلب المرتبون فى الحصن عليه، وباعوه من الأمير على بن موسى بن شمس الدين، فسار نحوه، ونقل إليه الطعام، ووقعت الحرب بين عسكر السلطان والأشراف بسبب ذلك، وذلك فى/ (165) النصف الأخير من شعبان، ثم حصل الصلح، وانعقدت الذمة إلى سلخ ذى الحجة على إخلاء صعدة من الفئتين.
وفى سنة أربع وسبعمائة أمر الملك المؤيد بالقبض على الأمير أسد الدين محمد بن أحمد بن عز الدين، وولده، والشريف شكر بن على، وسبب ذلك أنه بلغه مباطنتهم فى صعدة وتلمص.
وفى ذى الحجة من السنة فارق الأمير سيف الدين طغريل الخزندار صنعاء وأقطعها السلطان ولده الملك المظفر، وأقطع طغريل الخزندار المذكور
[1] ضراس: قرية فى جبال اليمن (مراصد الاطلاع 2/867) ،.
[2]
فى الخزرجى (1/343) أن هذه المدرسة عرفت باسم المدرسة المؤيدية وأن المؤيد وقف عليها من الأراضى والكروم ما يقوم بكفاية المرتبين عليها» .