المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أخبار دولة على بن مهدى الحميرى وبنيه - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣٣

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث والثلاثون

- ‌تقديم بقلم المحقق

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[ذكر ما اتفق بعد مقتل الملك المنصور ونائبه منكوتمر، من الحوادث والوقائع المتعلقة بأحوال السلطنة بمصر والشام، إلى أن عاد السلطان الملك الناصر]

- ‌واستهلت سنة إحدى وعشرين وسبعمائة بيوم السبت المبارك

- ‌ذكر وصول أوائل الحاج الذين وقفوا بعرفة فى سنة عشرين وسبعمائة

- ‌ذكر إبطال المعاملة بالفلوس العتق [1] ، بالقاهرة ومصر، وأعمال الديار المصرية

- ‌ذكر وصول هدية الملك أبى سعيد بن خربندا ملك التتار [1] إلى الأبواب السلطانية

- ‌ذكر تفويض نظر أوقاف الجامع الطولونى للقاضى كريم الدين [5] وكيل الخواص الشريف [6]

- ‌ذكر حفر البركة الناصرية

- ‌ذكر حادثة الكنايس [4]

- ‌ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر [4]

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الملك أزبك ووصول رسله صحبتهم وعودهم

- ‌ذكر توجه أدر السلطان إلى الحجاز الشريف ومن توجه فى خدمتهم

- ‌ذكر وصول بعض من وقف بعرفة فى هذه السنة إلى القاهرة المحروسة

- ‌ذكر حوادث كانت بدمشق فى هذه السنة

- ‌ذكر هدم كنيسة اليهود القرّائين بدمشق

- ‌ذكر ما وصل إلينا من الحوادث الكائنية ببغداد فى هذه السنة

- ‌واستهلت سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة يوم الأربعاء الموافق الخامس والعشرين [4] من طوبة من شهور القبط

- ‌ذكر وصول أدر السلطان من الحجاز الشريف

- ‌ذكر تجريد العساكر إلى بلاد سيس [2] ، وفتح مدينة آياس [3] وأبراجها

- ‌ذكر اجتماع المماليك السلطانية وشكواهم وما حصل بسبب ذلك

- ‌ذكر وصول الأمير «علاء الدين الطنبغا» [3] نائب السلطنة/ بالمملكة الحلبية إلى الأبواب السلطانية وعوده

- ‌ذكر وصول رسل الملك أبى سعيد ملك التتار

- ‌[ذكر سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فى يوم الخميس رابع عشر ربيع الآخر قبض على كريم الدين الكبير [1]]

- ‌ذكر شىء من أخبار كريم الدين المذكور وابتداء أمره «وتنقّلاته وما كان قد انتهى إليه من القرب من السلطان والتمكّن من دولته»

- ‌ذكر تفويض الوزارة للصاحب الوزير أمين الدين عبد الله «وهى الوزارة الثانية له» [1]

- ‌ذكر القبض على كريم الدين الصغير [4] «وشىء من أخباره»

- ‌ذكر وصول رسل متملك الأرمن إلى الأبواب السلطانية

- ‌(57) ذكر وصول رسل الملك أبى سعيد

- ‌ذكر تجريد طائفة من العسكر إلى بلاد النوبة

- ‌واستهلت سنة أربع وعشرين وسبعمائة بيوم الجمعة الموافق للثالث من طوبة من شهور القبط

- ‌ذكر وفاة الخوند أردكين ابنة نوكاى [3] زوج السلطان الملك الناصر

- ‌ذكر خبر النيل فى هذه السنة

- ‌ذكر عزل الصاحب أمين الدين عن الوزارة

- ‌ذكر متجددات وحوادث كانت بالشام

- ‌(74) واستهلت سنة خمس وعشرين وسبعمائة بيوم الأربعاء الثالث والعشرين من كيهك من شهور القبط

- ‌ذكر أخبار اليمن ومن وليه من العمال ومن استقل بملكه وسميت أيامهم بالدولة الفلانية

- ‌ذكر عمال اليمن فى الدولة العباسية

- ‌ذكر أخبار دولة بنى زياد

- ‌ذكر أخبار صنعاء ومن وليها بعد الخلودى

- ‌(94) ذكر أخبار على بن الفضل والمنصور بن حسن بن زادان دعاة عبيد الله المنعوت بالمهدى

- ‌ذكر نبذة من أخبار الزيدية وغيرهم

- ‌ذكر أخبار دولة على بن محمد الصّليحىّ

- ‌ذكر مقتل الصّليحى وقيام ابنه المكرّم

- ‌السلطان سبأ بن أحمد بن المظفّر الصّليحى

- ‌المفضّل بن أبى البركات بن الوليد الحميرى

- ‌ذكر أخبار ملوك الدولة الزّريعيّة

- ‌محمد بن سبأ، ولقبه المعظّم المتوّج المكين

- ‌السلطان حاتم بن أحمد بن عمران اليامى

- ‌ذكر أخبار سعيد الأحول، واستيلائه على زبيد ثانيا ومن ملك بعده من آل نجاح

- ‌ذكر أخبار دولة على بن مهدى الحميرىّ وبنيه

- ‌(126) ذكر أخبار ملوك الدولة الأيّوبية باليمن

- ‌الملك المعزّ [2] فتح الدين أبو الفدا إسماعيل

- ‌سليمان بن شاهانشاه بن تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [1]

- ‌ذكر ملك الملك المسعود صلاح الدين أتسر

- ‌ذكر أخبار الدولة الرسولية ببلاد اليمن

- ‌المظفّر أبو المنصور شمس الدين يوسف

- ‌ذكر استيلاء المظفر على ظفار وحضرموت ومدينة شبام

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر، وملك ولده الأشرف

- ‌ الملك الأشرف ممهّد الدين عمر

- ‌(149) ذكر ملك الملك المؤيّد هزبر الدين داود

- ‌ذكر وصول أولاد [3] الملك الأشرف إلى عمّهما الملك المؤيّد، ونزولهما عما بأيديهما

- ‌(153) ذكر خلاف الملك المسعود تاج الدين [الحسن [5]] ابن الملك المظفر على أخيه الملك المؤيد

- ‌ذكر متجددات كانت فى شهور سنة سبع وتسعين وستمائة

- ‌(159) ذكر ما وقع بين الأشراف من الاختلاف وما وقع بسبب ذلك من الحرب والحصار

- ‌ذكر إنشاء القصر المعقلى والمنتخب

- ‌ذكر [6] مقتل الأمير سيف الدين طغريل مقطع صنعاء

- ‌ذكر وصول الأمير علاء الدين كشتغدى [3] إلى خدمة السلطان الملك المؤيد

- ‌ذكر وفاة الملك المؤيد هزبر [1] الدين داود

- ‌ذكر ملك الملك المجاهد سيف الإسلام على بن الملك المؤيد هزبر داود بن الملك المنصور عمر بن على بن رسول وخلعه من الملك/ (177)

- ‌ذكر ملك الملك المنصور زند [4] الدين أيوب بن الملك المظفر يوسف بن الملك المنصور عمر بن على بن رسول، وخلعه

- ‌ذكر عود الملك المجاهد إلى الملك والقبض على عمه الملك المنصور ووفاته

- ‌ ذكر تجريد طائفة من العساكر المنصورة إلى البلاد اليمنية وما كان من خبرها إلى أن عادت [3]

- ‌ذكر حفر الخليج الناصرى [1]

- ‌ذكر عمارة القصر والخانقاة بسماسم والجلوس بالخانقاة

- ‌ذكر روك [2] الإقطاعات بالمملكة الحلبية

- ‌ذكر وفاة الأمير ركن الدين بيبرس [1] المنصورى

- ‌ذكر القبض على الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب وتنقل الأمراء فى الإقطاعات والتّقادم

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصيد والإفراج عمن نذكر من الأمراء

- ‌ ذكر غرق مدينة بغداد

- ‌واستهلت سنة ست وعشرين وسبعمائة بيوم الأحد الموافق لثانى عشر كيهك من شهور القبط

- ‌ذكر وصول رسل متملّك الحبشة

- ‌ذكر عزل وتولية من يذكر من أرباب المناصب الديوانية بالدولة الناصرية

- ‌ذكر وصول رسل الملك المجاهد متملك اليمن بالتّقادم

- ‌ذكر إرسال الأمير سيف الدين أيتمش المحمدى إلى أبى سعيد

- ‌ذكر إرسال السلطان ولده إلى الكرك [1] المحروس

- ‌ذكر تجديد عمارة البيمارستان المنصورى والقبّة والمدرسة

- ‌ذكر تجريد طائفة من العسكر إلى برقة

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة الشريفة بالمملكة الطرابلسية والفتوحات إلى الأمير سيف الدين طينال [6] الحاجب

- ‌ذكر الجلوس بخانقاة الأمير سيف الدين بكتمر الساقى بالقرافة

- ‌ذكر وصول رسل التتار وأقارب السلطان إلى الأبواب السلطانية

- ‌ذكر وصول رسل جوبان [1]

- ‌ذكر وصول صاحب حصن كيفا [4] إلى الأبواب السلطانية، وعوده إلى بلاده، وخبر مقتله وملك أخيه

- ‌(214) ذكر خبر مولود ولد فى هذه السنة

- ‌ذكر خبر إجراء الماء إلى مكة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر عدة حوادث كانت بدمشق فى سنة ست وعشرين وسبعمائة خلاف ما ذكرنا

- ‌ذكر اعتقال الشيخ تقى الدين بن تيمية

- ‌ذكر عزل الأمير سيف الدين أرغون الناصرى نائب السلطنة الشريفة، وانتقاله إلى نيابة السلطنة بالمملكة الحلبية

- ‌ ذكر وصول الأمير سيف الدين تنكز نائب السلطنة الشريفة بالشام المحروس إلى الأبواب السلطانية والقبض على الأميرين سيف الدين طشتمر البدرى [1] وسيف الدين قطلوبغا [2] الفخرى والإفراج عنهما

- ‌ذكر حادثة وقعت بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء، وإعادة الأمير شرف الدين حسين بن جند ربيك إلى الديار المصرية

- ‌ذكر اتصال الأمير سيف الدين قوصون بابنة السلطان الملك الناصر

- ‌ ذكر استعفاء قاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى من القضاء بالديار المصرية، وإجابته إلى ذلك، وتفويض القضاء بعده لقاضى القضاة جلال [2] الدين القزوينى

- ‌ذكر وصول رسل الملك أبى سعيد ملك العراقين وخراسان إلى الأبواب السلطانية/ (242)

- ‌ذكر الفتنة الواقعة بثغر الإسكندرية [5]

- ‌ذكر تفويض قضاء القضاة بالشام لشيخ المشايخ علاء الدين القونوى [4]

- ‌ذكر تفويض ما كان بيد الشيخ علاء الدين من الجهات لمن يذكر، وما وقع فى أمر الصوفية بالخانقاة الصلاحية

- ‌ذكر وصول رسل الباب [1] فرنسيس إلى الأبواب السلطانية

- ‌ذكر متجدّدات كانت بالشام فى هذه السنة خلاف ما ذكرناه

- ‌واستهلت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة [2] بيوم الثلاثاء الموافق للعشرين من هاتور من شهور القبط

- ‌ووصل إلى الأبواب السلطانية رسل الملك

- ‌ذكر وفود الأمير تمرتاش بن الأمير جوبان بن تلك بن بدوان [1] نائب الملك أبى سعيد بمملكة الروم إلى الأبواب السلطانية

- ‌وأما الأمير دمرداش [2] بن جوبان

- ‌ووصل رسل الملك أبى سعيد إلى الأبواب السلطانية

- ‌ذكر وصول الأمير سيف الدين تنكز نائب السلطنة بالشام المحروس إلى الأبواب السلطانية وعوده

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة شمس الدين بن الحريرى الحنفى وتفويض القضاء بعده إلى القاضى برهان الدين إبراهيم بن عبد الحق

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الملك أزبك ووصول رسله، وعودهم إلى مرسلهم

- ‌ذكر مقتل الأمير بدر الدين كبيش أمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وتولية أخيه طفيل

- ‌ذكر ما قرر من استيمار [1] الدولة الناصرية ومن رتب من المباشرين

- ‌ذكر الإفراج عمن يذكر من الأمراء والمعتقلين

- ‌ذكر متجددات كانت بدمشق فى هذه السنة

- ‌ذكر حادثة السيل بعجلون [2]

- ‌واستهلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة بيوم الجمعة الموافق لثامن هاتور من شهور القبط

- ‌ذكر وصول رسل الملك أبى سعيد/ ورغبته فى الاتصال بمصاهرة السلطان

- ‌ذكر الاستبدال بمن يذكر من مباشرى الدولة، ومصادرتهم وإفصال الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى من الوزارة

- ‌ذكر رؤيا رأيتها فى المنام أحببت إثباتها لدلالتها على صحة نسبى

- ‌ذكر متجدّدات كانت بدمشق فى سنة تسع وعشرين وسبعمائة

- ‌واستهلت سنة ثلاثين وسبعمائة بيوم الأربعاء الموافق الثامن والعشرين من بابة من شهور القبط

- ‌ذكر تفويض قضاء القضاة بالشام إلى القاضى علم الدين بن الإخنائى [1]

- ‌ذكر وصول الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة إلى الخدمة السلطانية وتوجهه فى خدمة السلطان إلى الصيد وعوده إلى حماة [1]

- ‌ ذكر توجه السلطان إلى الصيد وعوده وسبب ما حصل فى يده من التصدع ومعالجة ذلك وبرئه

- ‌ذكر إقامة الخطبة وصلاة الجمعة بالمدرسة الصالحية [3] النجمية بالقاهرة المحروسة

- ‌ذكر إنشاء الخانقاة العلائية بالقاهرة

- ‌ذكر وصول رسل ريدافرنس إلى الأبواب السلطانية

- ‌ذكر الإفراج عن الأمير سيف الدين بهادر

- ‌ذكر وصول رسل الملك أبى سعيد

- ‌ذكر خبر يوسف الكيماوى ومقتله

- ‌ذكر الفتنة بمكة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر متجددات كانت بدمشق المحروسة فى سنة ثلاثين وسبعمائة مما نقلته من تاريخى البرزالى، والجزرى

- ‌صورة ما ورد فى آخر نسخة «ك»

- ‌فهرس موضوعات الجزء الثالث والثلاثين

الفصل: ‌ذكر أخبار دولة على بن مهدى الحميرى وبنيه

‌ذكر أخبار دولة على بن مهدى الحميرىّ وبنيه

وهم من أهل قرية يقال لها العنبرة من سواحل زبيد، وكان أبوه رجلا صالحا سليم القلب، ونشأ ولده علىّ هذا على طريقة أبيه فى العزلة والتمسك بالصلاح، وحج وزار ولقى حاجّ العراق وعلماءها ووعّاظها، وتضلّع فى [1] معارفهم، وعاد إلى اليمن، فاعتزل وأظهر الوعظ، وإطلاق التحذير من صحبة العسكرية، وكان فصيحا صبيحا أخضر اللون طويل القامة مخروط الجسم بين عينيه سجّادة [2] ، حسن الصوت، طيب النغمة، حلو الإيراد، غزير المحفوظات، قائما بالوعظ والتفسير وطريقة الصوفية، وكان يحدّث بشىء من أحواله المستقبلات فيصدق، وكان ذلك من أقوى عدده فى استمالة قلوب العالم، وظهر أمره بساحل زبيد بقرية العنبرة وقرية واسط وقرية القضيب والأهواب/ (122) والمقتفى وساحل الفازة وكان يتنقل بينها. وكانت عبرته لا ترقأ على ممر الأوقات، ولم يزل يعظ الناس فى البوادى من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فإذا دنا الموسم خرج حاجا على نجيب له إلى سنة ست وثلاثين [وخمسمائة] .

ثم أطلقت الحرة أم فاتك ابن منصور له ولأخوته وأصهاره ومن يلوذ بهم خراج أملاكهم، فلم تمض بهم هنيهة حتى أثروا، واتسعت حالهم، فركبوا الخيل.

ثم حالفه قوم من أهل الجبال على النصرة، فخرج من تهامة إليهم فى سنة ثمان وثلاثين، فجمع جموعا تبلغ أربعين ألفا، وقصد بهم مدينة الكدراء، فلقيه القائد إسحاق بن مرزوق السحرتى [3] فى قومه، فهزموا أصحابه، وقتلوا خلقا من جموعه، وعفوا عن أكثرهم، وعاد ابن مهدى إلى الجبال، وأقام بها إلى سنة إحدى وأربعين [وخمسمائة] ، ثم كاتب الحرّة بزبيد، وسألها فى ذمّة له ولمن يلوذ به، ويعود إلى وطنه، ففعلت له ذلك على كره من أهل دولتها، ومن فقهاء عصرها، ليقضى الله أمرا كان مفعولا.

[1] فى «أ» ص 121 «من معارفهم» .

[2]

السجادة: أثر السجود فى الجبهة.

[3]

فى «أ» ص 122 والمثبت من المفيد ص 218.

ص: 120

وأقام ابن مهدى يستغل أملاكه سنين عدة، وهى مطلقة الخراج، فاجتمع له من ذلك مال، وكان يقول فى وعظه:«أيها الناس، دنا الوقت، أزف الأمر، كأنّكم بما أقول لكم وقد رأيتموه عيانا» ، فما هو إلا أن ماتت الحرة فى سنة خمس وأربعين حتى أصبح فى الجبال فى موضع يقل له الداشر [1]«من بلاد خولان» ثم ارتفع منه إلى حصن يقال له الشرف، وهو لبطن من خولان، يقال لهم خيوان- بإسكان الياء- وسماهم الأنصار وسمى كل/ (123) من صعد معه من تهامة المهاجرين، ثم [ساء ظنّه][2] /بكل أحد ممن معه خوفا على نفسه، فأقام للأنصار رجلا من خولان يسمى سبأ بن يوسف وكناه «شيخ الإسلام» وللمهاجرين رجلا يسمى التّويتى لقبه أيضا شيخ الإسلام، وجعلهما نقيبين على الطائفتين، ولا يخاطبه ولا يصل إليه أحد سواهما، وربما احتجب فلا يرونه وهم يتصرفون فى الغزو، فلم يزل يغادى الغارات ويراوحها على تهامة حتى أخرب الحزوز المصاقبة [3] للجبال، والحبشة يومئذ تبعث الأبدال فى المراكز، فلا يغنون شيئا، فلم يزل ذلك دأبه مع أهل زبيد إلى أن أخلى جميع أهل البوادى، وقطع الحرث، ومنع القوافل، وكان يأمر أصحابه أن يسوقوا الأنعام والقوافل، وما عجز عن السير عقروه، ففعلوا من ذلك ما أرعب وأرهب، وقضى بخراب الأعمال، ثم توجه إلى الداعى محمد بن سبأ صاحب عدن إلى مدينة ذى جبلة فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة، يستنجده على أهل زبيد، فلم يجبه إلى ذلك، فعاد إلى حصن الشرف، ودبر فى قتل القائد «سرور الفاتكى» فقتل فى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة كما تقدم.

وانشغل رؤساء زبيد بالتنافس والتحاسد على رتبة القائد سرور، فكان ذلك مما أعان ابن مهدى، وفارق ابن مهدى حصن الشرف، وهبط إلى الداسر، وبينه وبين زبيد أقل من نصف يوم، فانضمت إليه الرعايا وعرب البلاد، فلما كثر جمعه زحف إلى زبيد فى جموع لا تحصى كثرة وحصر أهل زبيد بها،

[1] فى «أ» الداسر، وما أثبتناه من «ك» وانظر مراصد الاطلاع (2/509) ففيه أنها مدينة باليمن على مسيرة ليلة من زبيد، وهى لخولان، وفى معجم البلدان والقبائل اليمنية ص 230 «انه حصن.. ويسمى اليوم «المصباح» .

[2]

ما بين الحاصرتين بياض فى «ك» ، وأثبتناه من «أ» ص 123 وهو متفق مع المفيد ص 231.

[3]

المصاقبة: المجاورة والمتاخمة.

ص: 121

فصبروا، وقاتلوه اثنين وسبعين زحفا يقتل من أصحابه مثل ما يقتل منهم، واشتد بهم الضر والبلاء/ (124) والجوع حتى أكلوا الميتة، فاستنجدوا بالشريف الزيدى ثم الرّسى، أحمد بن سليمان صاحب صعدة، وشرطوا له أن يملكوه عليهم، فقال: «إن قتلتم مولاكم فاتكا حلفت لكم ونصرتكم، فوثب عبيد فاتك بن محمد بن فاتك بن جياش بن نجاح مولى مرجان، ومرجان مولى أبى عبد الله الحسين بن سلامة، والحسين بن سلامة مولى رشد الزمام، ورشد مولى زياد بن إبراهيم بن أبى الجيش إسحاق بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن زياد- فقتلوه فى شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ثم عجز الشريف عن نصرهم على ابن مهدى، ثم كانت بينهم وبين ابن مهدى حروب، وهم يتحصنون بالمدينة إلى أن فتحها فى يوم الجمعة رابع عشر شهر رجب سنة أربع وخمسين، وأقام بها على بن مهدى بقية شهر رجب وشعبان ورمضان، ومات فى شوال من السنة، فكانت مدة ملكه أحد وثمانين يوما.

ثم انتقل (الملك) بعده إلى ولده «المهدى» ثم إلى ولده «عبد النبى» ، ثم إلى ولده «عبد الله» ، ثم عاد الأمر إلى [عبد النبى][1] والأمر فى اليمن بأسره إليه ما عدا عدن، فإن أهلها هادنوه عليها بمال فى كل سنة، واجتمع لعبد النبى هذا ملك الجبال والتهايم، وانتقل إليه ملك جميع ملوك اليمن وذخائرها، يقال: إنه حصل فى خزائن ابن مهدى ملك خمس وعشرين دولة من دول أهل اليمن.

قال: «وكان ابن مهدى يتمذهب بمذهب أبى حنيفة فى الفروع، ثم أضاف إلى عقيدته التكفير بالمعاصى، والقتل بها/ (125) وقتل من خالف اعتقاده من أهل القبلة، واستباحة الوطء لنسائهم، واسترقاق ذرايهم، وكان اعتقاد أصحابه فيه أن الواحد من آل مهدى إذا قتل جماعة من عسكره ثم قدروا عليه لم يقتلوه دينا وعقيدة، وإذا غضب ابن مهدى على رجل من أكابرهم وأعيانهم حبس المغضوب عليه نفسه فى الشمس، ولم يطعم ولم يشرب ولم يصل إليه ولد ولا زوجة، ولا يقدر أحد أن يشفع فيه حتى يرضى عنه ابتداء من نفسه،

[1] فى «ك» بياض، والزيادة من «أ» ص 124 ومثله فى المقتطف ص 73 وبلوغ المرام 17 و 18.

ص: 122