الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى هذه السنة فى العشر الأول من جمادى الأولى وصل إلى الأبواب السلطانية رسل صاحب إسطنبول، فلما مثلوا بين يدى السلطان، وأدوا الرسالة أسلم أحدهم وهو آقسنقر الرومى، وتلفظ بالشهادتين المعظمتين، فسر السلطان بإسلامه، وأحسن إليه، وأنعم عليه، ثم أمّره بعشرة طواشية، ولبس بالإمرة فى يوم السبت رابع عشرين شوال من السنة/ (238) وأسلم أيضا أخ لهذا الرسول اسمه بهادر [1] ونزل فى جملة المماليك السلطانية، والله أعلم.
/
ذكر استعفاء قاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى من القضاء بالديار المصرية، وإجابته إلى ذلك، وتفويض القضاء بعده لقاضى القضاة جلال [2] الدين القزوينى
وكان سبب ذلك أن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن جماعة الشافعى ضعف بصره، ونزل الماء فى إحدى عينيه، وكمل، وتحدر إلى العين الثانية، فقل نظره جدا، وتبين ذلك وظهر فى أواخر جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وسبعمائة، فلما كان فى يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة حضر إلى دار العدل، وأنهى ذلك إلى السلطان، وسأله أن يعفيه من الحكم، وانفصل المجلس ثم أتته الرسالة السلطانية بالإجابة إلى الإعفاء.
واستدعى السلطان ولده القاضى عز الدين عبد العزيز إلى بين يديه فى يوم الجمعة السابع من الشهر، وتحدث معه فى معنىّ والده، وسبب ضعف بصره، وسأله عن الجهات التى بيده، ثم حضر قاضى القضاة بدر الدين فى يوم الاثنين عاشر الشهر أو حادى عشرة [3] / (239) إلى مجلس السلطان بدار العدل الشريف، وأعاد السؤال فى الإعفاء، فأجابه السلطان إلى ذلك من غير أن يصرح له بعزله، ثم سأله السلطان عمن يصلح للقضاء، وأن يعين له من يوليه،
[1] فى السلوك (2/283) أن السلطان أنعم على بهادر هذا بخبز جندى، وفى نسخة «أ» وردت زيادة هى «وأنعم عليه بإقطاع وراتب على عادة المماليك» .
[2]
فى «ك» (جمال الدين) وما أثبتناه من «أ» ص 238 لموافقته ما فى السلوك (2/283) والنجوم (9/96) والدرر (3/4) .
[3]
فى «أ» ص 238 فى عاشر، أو حادى عشر الشهر.
فاستعفى من ذلك، ولم يعين، ورسم له فى ذلك المجلس أن يحكم فى قضية كانت بين الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب وبين خصومه، فنزل إلى المدرسة الصالحية بالقاهرة، وجلس فى قاعته، وحكم فى عشية نهار الاثنين المذكور بين الأمير سيف الدين وغرمائه، وبلغنى أنه قال لمن حضر مجلسه:«هذا آخر الحكم» وتوجه إلى داره التى بساحل مصر بقرب الجامع الناصرى، واستقر بها وأخلى قاعة التدريس بالمدرسة الصالحية بالقاهرة.
ورسم له السلطان أن يرتّب له من مال منجّز [1] الخاصّ الشريف فى كل شهر ألف درهم نقرة بحكم استعفائه من الحكم، فكتب له توقيع سلطانى بذلك، ولم يكتب له فيه ما جرت العادة به من النعوت، واستقر بيده من جهاته تدريس زاوية الإمام الشافعى بجامع عمرو بن العاص بمصر، فاستمر يلقى فيها الدرس، واستمر نوابه فى القاهرة ومصر والأعمال على ولايتهم منه، وأحكامهم نافذة.
وذكر بين يدى السلطان من يصلح للقضاء بالديار المصرية، فعين جماعة لم يقع اختياره على أحد منهم، فاجتمع رأى السلطان على إحضار قاضى القضاة جلال الدين محمد بن قاضى القضاة/ (240) سعد الدين عبد الرحمن ابن قاضى القضاة إمام الدين عمر القزوينى [2] قاضى القضاة بدمشق، وخطيب الجامع الأموى بها، فرسم بطلبه وأن يحضر على خيل البريد.
وتقرر أن ينقل القاضى كمال الدين بن الزّملكانى قاضى حلب منها إلى دمشق، ويتوجه القاضى جمال الدين الزرعى- الذى كان قاضى الشام وعزل بالقاضى جلال الدين- إلى حلب، ولم ينعقد فى ذلك ولاية.
[1] لم يتضح فى «ك» ، والرسم المثبت من «أ» ص 239، وفى السلوك (2/283)«من مال المتجر» .
[2]
ترجمته فى الدرر (4/3) والنجوم (9/318) والسلوك (2/470) والوافى بالوفيات (3/242) وفيها أن مولده كان سنة 666 هـ بالموصل وأن وفاته كانت فى جمادى الأولى سنة 739 هـ وأنه دفن بمقبرة الصوفية.
وتوجه البريد لإحضار قاضى القضاة جلال الدين المذكور إلى الأبواب السلطانية، فوصل إلى دمشق فى يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة، وتوجه القاضى جلال الدين من دمشق إلى الأبواب السلطانية فى يوم الأربعاء التاسع عشر من الشهر، فوصل إلى الخانقاة الناصرية بسماسم فى يوم الجمعة الثامن والعشرين من الشهر، ونزل عند شيخها، مجد الدين الأقصرائى [1] ، وسأله الشيخ والفقراء أن يخطب لهم بالجامع، فاستأذن الخطيب شهاب الدين أحمد ابن السّبتى فى الخطبة، فأذن له، فخطب وصلى بالناس بالجامع الناصرى بالخانقاه الناصرية، وركب من الخانقاة، ووصل إلى الأبواب السلطانية بقلعة الجبل المحروسة بكرة نهار السبت التاسع والعشرين من جمادى الآخرة، وهو سلخه، وحضر بين يدى السلطان، فأكرمه وشافهه بالولاية، وأنعم عليه، وخلع عليه خلعة القضاء، وأنعم عليه ببغلة بسرج وزنّار [2] من جوخ، وقام من/ (241) المجلس السلطانى، وجلس بمصاطب [3] باب القلعة [4] وكتب على الفتيا على عادة القضاة فى ذلك، ونزل من القلعة إلى المدرسة الصالحية [5] ، وحكم بين الناس، وأقرّ النواب على ما كانوا عليه من جهة قاضى القضاة بدر الدين، ثم أنعم السلطان عليه بزيادة على معلوم القضاء، واستقر بيده- مما كان بيد القاضى بدر الدين- تدريس المدرسة الصالحية، والمدرسة الناصرية [6] ، ودار الحديث، بالكاملية [7] ، وخطب بجامع قلعة الجبل
[1] مجد الدين الأقصرائى: أبو حامد موسى بن أحمد بن محمود الأقصرائى الحنفى، شيخ الشيوخ بخانقاه سرياقوس بسماسم توفى فى ربيع الثانى سنة 731 هـ (النجوم 9/324) وفى الدرر 4/373 ترجمته ووردت نسبته الأقصرى لا الأقصرائى.
[2]
الزنار: فى الأصل حزام يشده النصرانى على وسطه تمييزا له، وهو هنا قد جعل شارة خاصة مميزة كالوشاح للقضاة. وفى «أ» ص 240 «وزنادى جوخ»
[3]
جمع مصطبة: بناء أشبه بدرجة السلم يقعد عليه.
[4]
فى أص 241 «باب القلة» .
[5]
الصالحية: منسوبة إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب.
[6]
نسبة إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون. وكانت تقع بشارع المعز لدين الله (النجوم 8/208 حاشية 2) .
[7]
فى السلوك (2/283) دار الحديث الكاملية.
من غير معلوم مع استمرار خطيبه ابن القسطلانى، فصار يخطب جمعة وقاضى القضاة جمعة، هذا إذا كان السلطان بقلعة الجبل، وإذا كان السلطان بالصيد أو غيره خطب الخطيب المستقرّ بمفرده، والجامكية للخطيب خاصة.
وكان قد حضر مع قاضى القضاة جلال الدين ولده القاضى بدر الدين محمد، ففوض السلطان إليه خطابة الجامع الأموى بدمشق، وتدريس المدرسة الشامية الجوّانية [1] ، وعاد إلى دمشق على خيل البريد، وكان وصوله إليها فى يوم السبت/ الثانى والعشرين من الشهر، وجلس للتدريس بالمدرسة الشامية [2] فى يوم الأربعاء سابع عشر شعبان من السنة.
[1] يريد المدرسة الظاهرية الجوانية التى أنشأها الظاهر بيبرس سنة 676 هـ وجعلها مدرسة ودارا للحديث وتربة له، وهي واقعة بين بابى الفرج والفراديس قبلى الإقباليتين والجارروخية وشرقى العادلية الكبرى (النجوم 9/255 حاشية) وفى الدراس فى تاريخ المدارس (1/348 وما بعدها) أنها اليوم مقر دار الكتب الوطنية بدمشق.
[2]
هما شاميتان: الشامية البرانية، وكانت بالعقيبة بمحلة العونية وتعرف أيضا بالحسامية نسبة إلى حسام الدين لاجين. والشامية الجوانية قبلى المارستان النورى أنشأتها ست الشام، وقد درست هذه المدرسة ولم يبق إلا بابها وفوقه عتبة عليها عبارة باسم منشئتها (الدارس 1/277 و 301) .