الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العراقى وطيف به، وحمل إلى عرفة، ثم إلى منى، وأعيد إلى مكة، وحمل منها إلى المدينة النبوية ليدفن فى تربته التى أنشأها بالمدينة، فلما اتصل ذلك بالسلطان الملك الناصر كتب إلى أمير المدينة النبوية ألا يدفن فى التربة، فدفن فى البقيع، وكان السبب فى الاحتفال به، وحمله/ (267) إلى مكة والمدينة أن الملك تزوج ببغداد خاتون ابنة جوبان بعد مقتل والدها وأخويها، وحظيت عنده، وشغف بها، وكان يحبها قبل ذلك، وقصد زواجها، فزوجها والدها من الأمير/ الشيخ حسن بن الجتيه [1] ، فلما قتل جوبان أمره الملك أبى سعيد بطلاقها، وتزوجها وشغف بها، وتمكّنت من دولته أكثر من تمكّن أبيها على ما نذكر مما يصل إلينا إن شاء الله تعالى من أخبارها، فأمرت بحمل أبيها إلى الحجاز الشريف، هذا ما بلغنا من أخبار جوبان.
وأما الأمير دمرداش [2] بن جوبان
وهو نائب الملك أبى سعيد بالمملكة الرومية، وكان قد استقل بأمرها، واستولى على أموالها وعساكرها من غير منازع له فيها ولا معارض، فإنه لما اتصل إليه خبر مقتل أخيه دمشق خواجا، وما كان من خلاف أبيه علم أنه لا يمكنه الإقامة بالمملكة الرومية، وأنه متى يفرغ وجه الملك أبى سعيد من أمر جوبان يقصده بالعساكر، فكتب إلى السلطان الملك الناصر يسأله الإذن له في اللحاق به، والانضمام إليه والالتجاء إلى حرمه، فأذن له فى ذلك، وكتب السلطان إلى نوابه بالشام بتلقيه وإكرامه.
ولما ورد عليه جواب السلطان حصّن أهله وولده وأمواله بقلعة حصينة، وجعل فيها ذخائره وحصّنها بالعدد والأقوات الكثيرة، ثم ركب في عسكر الروم. وأظهر أنه يتوجه فى مهم بأمر الملك أبى سعيد، فلما كان بأثناء
[1] فى أ، ص 267 الجتية بتاء مكان النون، وفى ترجمة بغداد بنت جوبان (الدرر 1: 480) قال ابن حجر:
وكانت قبل أن تتزوج بو سعيد زوجا للشيخ حسن، ولم يذكر بقية اسمه، وكذلك فعل حين ذكر اسمه فى ترجمة الحسن بن تمرتاش (الدرر 2/15) .
[2]
فى أ، ص 267 تمرتاش، وكذلك رسمه فى الدرر (1/518) وفى ك دمرداش- بدالين- وكذلك رسمه فى السلوك (2/292) وهما سواء.
/ (268) الطريق نزل بمنزلة، ولبس لأمة حربه هو ومن يعتمد عليه من ألزامه ومماليكه، وقال لمن معه من العسكر: أنا متوجه إلى الديار المصرية، فمن أحب أن يصحبنى فليعتزل العسكر، ومن أحب الرجوع إلى بلاد الروم فليرجع، ومن أحب القتال فليبرز للحرب، فما جسر أحد منهم علي قتاله، ولا أقدم على حربه، بل ترجّلوا وخدموه [1] ، ورجعوا إلى بلادهم، وتقدم هو إلى الشام فى نحو ستمائة فارس، فكان وصوله إلى دمشق فى يوم الأحد خامس عشرين صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فتلقّاه نائب السلطنة بها الأمير سيف الدين تنكز [2] وأكرمه وجهّزه إلى الديار المصرية، فوصل إلى خدمة السلطان، والسلطان بمنزلة أوسيم من الأعمال الجيزية فى ليلة الخميس المسفرة عن سابع عشر شهر ربيع الأول، ومثل بين يدي السلطان فى بكرة نهار الخميس المذكور، فأكرمه السلطان، وأحسن إليه، وأنعم عليه بتشريف أطلس معدلى [3] بطرززركش وكلّوته زركش، وشاش رقيم وحياصه ذهب مجوهرة على عادة نواب السلطنة الشريفة، وحضر فى خدمة السلطان فى بقية نهار الخميس إلى قلعة الجبل المحروسة، وأسكنه السلطان بالقلعة بدار كان يسكنها خاصّ ترك [4] الناصرى، ثم رسم بتجديد عمارة دارين بقلعة الجبل وإصلاحهما، فأصلحا، وأسكنه بهما هو ومن معه من الأمراء أصحابه، ووكّل السلطان بخدمته وملازمته وقضاء حاجته الأمير سيف الدين طرغاى [5] الجاشنكير،/ (269) وأنعم السلطان عليه بالأموال والأقمشة والخيول، ورتب له ولمن معه الرواتب المتوفرة، فرتب له في كل يوم من اللحم ثلاثمائة وأربعين رطلا، وغير ذلك مما يحتاج إليه.
وركب في يوم الاثنين حادى عشر الشهر في الموكب بالأقبية الإسلامية [6] والكلّوتة والشاش على عادة العساكر المصرية، وحضر إلى
[1] يرد هذا الفعل كثيرا فى أسلوب مؤرخى هذه الفترة مرادا به أداء التحية وإظهار الولاء والخضوع.
[2]
الضبط عن القلقشندى (صبح الأعشى 5: 425) وأصل لفظه تركى ومعناه: البحر، وفى النجوم (9/93) جرى ضبطه بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه.
[3]
فى أ، ص 268 معدنى.
[4]
الضبط من النجوم (9/304) حيث وردت ترجمته فى وفيات سنة 734 هـ. قال: وهو الأمير سيف الدين خاص ترك بن عبد الله الناصرى من خواص مماليك الناصر، وقد صار أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية.
[5]
فى ك طرغية، وما أثبتناه من أ، ص 268 والنجوم (9/277) والسلوك (2/294) وذكر أن السلطان جهزه لاستقباله فى غزة واستصحابه فى قدومه إلى القاهرة.
[6]
فى السلوك (2/295 حاشية (1) ورد ما يفهم منه أن هذه التسمية كانت تطلق على القباء العربى تمييزا له من القباء السلارى التترى، وهو البغلطاق.
الخدمة السلطانية، وأجلس فى مجلس السلطان بدار العدل الشريف بالإيوان إلى جانب سيف الدين آل ملك [1] الجوكان دار دونه بلواء تلو الأمراء مقدمى الألوف [2] .
ووصل في يوم السبت تاسع [عشر [3]] شهر ربيع الأول الأمير شاهنشاه وهو ابن عم الأمير جوبان، وكان وصوله من جهة الرحبة، وذكر أن ابن عمه جوبان أرسله إلى خدمة السلطان يعرفه ما وقع، وذكر أنه فارقه من بلاد خراسان عند عزمه علي دخول غزنة إلى أولاد الملك كبك، ولعله فارقه قبل وصوله إلى هراة، فخلع السلطان على شاهنشاه تشريفا كنجيا أحمر، وكلّوتة زركش، وأنزله عند تمرتاش، ثم وصل طلب تمرتاش وأنقاله إلى القاهرة المحروسة فى يوم الخميس ثامن عشرين شهر ربيع الأول، فأنزلوا بدار الضّيافة، وهم نحو ستمائة فارس، فرسم السلطان بعرضهم في يوم الأحد مستهل شهر ربيع الآخر، فعرضوا وفرّق أكثرهم على الأمراء، ورسم للأمراء أن يقوموا بكلفهم من خواصّهم من غير إقطاع، وسأل جماعة منهم العود إلي بلادهم، فأذن لهم السلطان، وزوّدهم وكتب إلى نواب الشام/ (270) بتمكينهم من العود، فتوجه منهم نحو تسعين فارسا.
ووصل إلى الأبواب السلطانية فى يوم الأحد مستهل شهر ربيع الآخر رسل الملك أبى سعيد بن خربندا، وهما اثنان، فمثلا بين يدي السلطان لوقتهما، وأديا رسالتهما، وخلع عليهما، وذكرا أنهما توجها من جهة الملك قبل وصول الخبر إليه بمفارقة تمرتاش البلاد الرومية، ولحاقه بالديار المصرية، ثم مثلا بين يدى السلطان فى يوم الاثنين، وأقام بالأبواب السلطانية إلى يوم الاثنين تاسع الشهر، فأعيدا إلي مرسلهما وجهز السلطان من جهته الأمير سيف الدين أرج [مملوك قبجق][4] وكتب معه إلى الملك أبى سعيد يشفع فى تمرتاش
[1] فى أوك رسم (الملك) وفى السلوك (2/294) والنجوم (9/102) رسمت آل ملك، وقد تابعناهما على رسمها كذلك، وقد أورد ابن حجر ترجمته فى الدرر (1/411 فى ترتيبه من حرف الهمزة واللام وما يثلثهما ورسمه أيضا آل ملك: سيف الدين الحاج النائب.
[2]
أورد المقريزى خبر قدوم تمرتاش مفصلا وفيه زيادة على ما أورده النويرى هنا (السلوك 2/292) .
[3]
ما بين الحاصرتين زيادة من السلوك (2/295) .
[4]
ما بين الحاصرتين زيادة من السلوك (2/296) وعبارته: «وبعث السلطان الأمير سيف الدين أروج- بضم أوله وثانيه- مملوك قبجق إلى أبى سعيد يشفع فى دمرداش ومعه رسل أبى سعيد إلى السلطان فساروا فى تاسع جمادى الأولى» .