الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفود الأمير تمرتاش بن الأمير جوبان بن تلك بن بدوان [1] نائب الملك أبى سعيد بمملكة الروم إلى الأبواب السلطانية
وسبب وفوده. وما كان من خبره إلى أن قبض عليه وقتل، ولنبدأ بذكر السبب الذي أوجب مفارقته المملكة الرومية، وحضوره إلى الديار المصرية، وهو ما وصل إلينا من أخبار والده وإخوته ومقتلهم، ثم نذكر أخبار تمرتاش [2] فنقول:
كان الأمير جوبان بن تلك [3] بن بداون نائب الملك أبى سعيد بن خربندا صاحب العراقين وخراسان والروم وأولاده قد استولوا علي مملكة التتار ما قرب منها وما بعد، وتحكموا فيها تحكم الملوك من غير منازع لهم ولا مناوئ، وزاد تحكمهم حتى لم يبق للملك أبى سعيد معهم إلا اسم السلطنة، وانفرد جوبان بالأمر كله بعد وفاة الوزير على شاه، وقد تقدم من أخبار جوبان وتمكنه وقتله من قتل من أكابر الأمراء وأقارب الملك ما ذكرناه فى حوادث/ (265) سنة تسع عشرة وسبعمائة ما لا يحتاج إلى إعادته، فلما كان فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة توجه الأمير جوبان وولده الأمير حسن إلى بلاد خراسان، واستصحب معه معظم الجيوش، وتوجه لقصد محاربة أولاد الملك كبك [4] على عادة التتار، وتأخر بالأردو [5] من أولاد جوبان دمشق خواجا، فأنهى إلى الملك أبى سعيد عنه أنه قد عزم علي الوثوب عليه وقتله، حتى صح ذلك عنده، واتهم أيضا ببعض نساء الملك خربندا والد أبى سعيد، فعند ذلك أمر الملك أبو سعيد بقتله، واتصل الخبر به فركب فى طائفة يسيرة من مماليكه، وقصد الهرب إلى أبيه فأدرك لوقته، وقتل بظاهر مدينة سلطانية [6] ، وترك ملقى بعد قتله، وذلك فى شوال سنة سبع وعشرين.
[1] فى أ، وك غير منقوط، وفى السلوك (2/292) تداون، وفى النجوم (9/272) نداون، وفى هامشه بداون فى إحدى نسخ الأصل.
[2]
فى المقريزى (السلوك 2/292) دمرداش- بدالين- وفى الدرر (1/518) تمرتاش- بتاءين-.
[3]
تلك: ضبطه فى السلوك بضم أوله وكسر ثانيه، وفى النجوم (9/272) بضم أوله وفتح ثانيه.
[4]
الضبط من السلوك 2/292، وفى موضع آخر منه كبك خان.
[5]
الأردو: إقليم ببلاد فارس قصبته تيمارستان. (مراصد الاطلاع 1/53) .
[6]
مدينة سلطانية: فى النجوم (9/239) أن السلطان خربندا بن ارغون بن ابغا بن هولاكو بن تولو بن جنكيزخان هو الذى أنشأها فى أرض قنغرلان وفى هامشه: أنها تقع فى سمت المشرق من تبريز على مسيرة ثمانية أيام (240 ك م) منها، وتبعد من جبال جيلان مسيرة يوم (30 ك م) وأن السلطان خربندا جعلها عاصمة ملكه، وسماها سلطانية، وفى صبح الأعشى (4/358) نقل القلقشندى عن مسالك الأبصار وصفا مطولا لها.
ولما اتصل خبر مقتله بوالده الأمير جوبان أظهر الخلاف، وعزم على حرب الملك أبى سعيد، ورجع بالعساكر التى كانت معه من خراسان، وتوجه الملك أبو سعيد لقتاله بمن بقى عنده من العساكر، وتقدم كل منهما بعساكره إلى الآخر، حتى بقى بينهما منزلة أو نحوها، ففارقه أكثر من كان معه من الأمراء أولا فأولا، والتحقوا بالملك أبى سعيد، فعند ذلك رجع جوبان بمن بقى معه إلى خراسان، ففارقه من بقى معه من الأمراء إلى خدمة الملك، وبقى فى نحو ستمائة فارس من ألزامه ومماليكه، فتوجه بهم، ولم يتبعه الملك أبو سعيد، ولا جرّد خلفه عسكرا، بل رضى كل منهما من الغنيمة بالإياب، ولعله إنما ترك ذلك خشية أن يكون لحاق من كان مع جوبان من العساكر/ (266) به مكيدة، وعزم جوبان على اللحاق بأولاد الملك كبك، والاستنصار بهم على حرب الملك أبى سعيد.
فلما وصل إلى هراة [1]- من أعمال خراسان- خرج إليه نائبها، وهو أمير جرىء مقدام، له فتكات معروفة، وهو ممن أنشأه جوبان وقدمه فتلقاه وخدمه وعرض عليه الدخول إلى هراة والإقامة بها إلى انقضاء فصل الشتاء، ويتوجه بعد ذلك إلى حيث أحب، فركن إلى قوله، ووثق به، ويقال: إن ابنه حسن كره ذلك ونهى والده عنه، وذكره بغدراته، وكان قد حصل لجوبان مرض منعه من إدامة الحركة والسير، فترجح عنده الدخول إلى هراة، فدخل إليها، وفارقه ابنه حسن، والتحق بالملك أزبك صاحب صراى والبلاد الشمالية، فأكرمه أزبك، وأحسن إليه، ولما صار جوبان بهراة بادر نائبها بالقبض عليه وقتله، وكتب إلى الملك أبى سعيد بذلك.
وقتل أيضا ولد لجوبان بكردستان [2] ، ثم حمل جوبان فى تابوت، وجىء به إلى بغداد فى سابع عشرين شوال سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وصلى عليه بالمدرسة المستنصرية، ثم حمل إلى مكة- شرفها الله تعالى- فى جملة الركب
[1] هراة: مدينة مشهورة من أمهات مدن خراسان، كثيرة المياه والبساتين. مراصد الاطلاع 3/1145، وكانت من مدن العلم قبل العصر التترى.
[2]
كردستان: كانت قديما إقليما هاما من بلاد فارس يقع شمالى كرمانشاه وجنوبى أذربيجان، وعاصمته سنندج (صفحات عن إيران ص 15) .