الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن طاعتهم له أن كل واحد يحمل ما تغزله زوجته وبناته إلى بيت المال، ويكون ابن مهدى هو الذى يكسوهم [هم] وأهاليهم من عنده، وليس لأحد من العسكرية فرس يملكه ولا يرتبطه، ولا عدة من سلاح ولا غيرها، بل الخيل فى إسطبلاته، والسلاح فى خزائنه، فإذا عنّ له أمر دفع من الخيل والسلاح ما يحتاجون إليه، ومن سيرته قتل من انهزم من عسكره ولا سبيل إلى حياته، وقتل من شرب المسكر، ومن سمع الغناء، ومن زنى، وقتل من تأخر عن صلاة الجماعة، أو عن مجلس وعظه فى يومى الخميس والاثنين، وقتل من تأخر فيهما عن زيارة قبر أبيه، هذه رسومه فى العسكرية [1] .
ولم يزل أمره على ذلك حتى اتصل خبره بالسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، واتصل به أن عبد النبى يزعم أن دولته تطبق الأرض، وأن ملكه يسير مسير الشمس، فجهز أخاه الملك المعظم فخر الدين [2] فى شهر رجب سنة تسع وستين وخمسمائة، وملك زبيد، وأسر عبد النبى، وقتله على ما نذكره- إن شاء الله تعالى- فى أخبار الدولة الأيوبية.
/
(126) ذكر أخبار ملوك الدولة الأيّوبية باليمن
قد ذكرنا أخبار الدولة الأيوبية بالديار المصرية والشام وبلاد الشرق، فيما تقدم من كتابنا، وأتينا على أخبار ملوكها ملكا ملكا، وأشرنا إلى نبذ يسيرة من أخبار ملوكهم باليمن، ونحن الآن نذكر أخبار ملوكهم ببلاد اليمن بما هو أبسط مما تقدم، لتكون أخبار اليمن سياقة يتلو بعضها بعضا.
كان من خبر دولتهم باليمن أن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب لما ملك الديار المصرية، وأزال الدولة العبيدية كان من جملة من اتصل بخدمته عمارة اليمنى الشاعر، فذكر له أخبار اليمن قال:
[1] عبارة عمارة فى هذا الموضع هى: «وهذه الرسوم إنما هى على العسكرية، وأما الرعايا فالأمر فيهم ألطف من العسكرية، وقد بلغنى فى هذا الوقت (563 هـ) أن الأمر قد هان عما كان عليه
…
» (مختصر المفيد فى أخبار زبيد ص 121) .
[2]
فخر الدين: «هو الملك المعظم تورانشاه بن أيوب خرج إليها وفى صحبته خمسة من آل رسول كانوا يقيمون فى مصر، وكانوا موصوفين بالشجاعة والقوة وهم: على بن رسول، وبنوه: الحسن وعمر وأبو بكر، وموسى. (الخزرجى: العقود اللؤلؤية 1/28) .
/ (127)[فى [1] سنة تسع وستين وخمسمائة، توجه إلى مكة شرفها الله تعالى، ومنها إلى مدينة زبيد، فلما شاهده أهلها انهزموا عن الأسوار إلى المدينة، فلما انتهى العسكر إلى السور وجده خاليا، فنصب عليه السلاليم، وصعدوا عليها إلى السور، فنال البلد عنوة، وذلك فى يوم الاثنين التاسع من شوال من السنة، وأسر عبد النبى بن على مهدى، فسلمه الملك المعظم إلى الأمير سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ، وأمره أن يستخرج منه الأموال، فاستخرج منه شيئا كثيرا، وأظهر دفائن كانت له، ودلّتهم الحرّة على ودائع لها كثيرة. ومات عبد النبى فى أسره، وقيل شنقه، وخطب من بعده لأخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف.
ثم سار من زبيد إلى ثغر عدن، وصاحبها يومئذ بلال بن جرير [2] المحمدى. نائب آل زريع بها، فخرج إليه وقاتله، فانهزم هو ومن معه، فسبقهم عسكر المعظم إلى الثغر، فدخلوه، وأسر صاحبه، وقصد العسكر نهب البلد، فمنعهم الملك المعظم، وقال:«ما جئنا لنخرب البلاد، وإنما جئنا لنملكها ونعمرها» ثم توجه من عدن إلى صنعاء فى أول المحرم سنة سبعين وخمسمائة، فملكها، وبنى بها المبانى، ثم ملك الحصون والمعاقل منها: قلعة تعز، وهى الدّملوة [3]، ورتب النواب فى بلاد اليمن: فرتب فى زبيد سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ، وبثغر عدن عز الدين عثمان الزنجيلى، وفى تعز ياقوت التعزى/ (128) وفى ذى جبلة مظفر الدين قايماز، ورتب فى كل حصن نائبا، ولم يعجب الملك المعظم المقام باليمن، ففارقها وعاد إلى أخيه السلطان الملك الناصر إسماعيل إلى دمشق بعد أن ملكها الملك الناصر، وكان وصوله فى سنة إحدى وسبعين [4]] /.
قال: ثم ادعى كل من النواب الملك لنفسه، وضرب سكة باسمه، وكان كل واحد لا يتعامل بسكة الآخر، فأما سيف الدولة [مبارك بن كامل] بن منقذ فإنه
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «ك» ، وقد أثبتناه من «أ» ص 127 و 128.
[2]
لم يتضح فى «أ» ص 127 وفى ابن المجاور (صفة بلاد اليمن 1/126)«ياسر بن بلال بن حرير المحمدى مولى الداعى محمد بن أبى المسعود بن زريع» .
[3]
الضبط من مراصد الاطلاع 2/534، ودرج الخزرجى فى (العقود اللؤلؤية) على كتابتها بالهمزة بدلا من الواو.
[4]
آخر ما سقط من نسخة «ك» .
مرض، وكره المقام باليمن، فعاد إلى الملك الناصر، واستناب أخاه خطاب [1] ابن منقذ بزبيد، وأما مظفر الدين قايماز فإنه ضعف أمره ولم ينقذ بلده.
ولما علم الملك الناصر بفساد الحال، وما وقع باليمن، أرسل الأمير المقدم فارس الدين خطلبا فى البحر إلى فخر الدين عثمان الزنجيلى [2] بعدن، فلما وصل إليه قابله بالإجلال والتعظيم، واتفقا على المسير إلى خطاب بن منقذ، وسارا فلقيهما ياقوت التغرى وقايماز، فاصطلحوا ساروا جميعا إلى خطاب [1] ، فلما سمع بذلك خطاب ارتفع إلى حصن قوارير، وأخلى زبيد، ودخل خطلبا زبيد، وملكها فى سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وكان خطاب يغير فى بعض الأوقاف على أطراف زبيد، ثم مرض خطلبا وأشرف على الموت، فراسل خطابا سرا، وقال له: أنت أولى بالأمر من عثمان الزنجيلى [2] ، فدخل خطاب [1] زبيد مختفيا، وبلغ ذلك عثمان، فسار بجيشه إلى زبيد فخذل، ومات خطلبا، واستمر خطاب [1] / (129) بزبيد إلى سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
ولما اتصل ذلك بالملك الناصر بعث أخاه الملك العزيز أبا الفوارس سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، ومعه ألف فارس وخمسمائة جبلى، فتوجه فى سنة تسع وسبعين [وخمسمائة] ، ودخل مكة معتمرا فى شهر رمضان، وبها صاحبها الشريف فليتة بن مطاعن الهاشمى، فتلقاه الشريف، وخلع عليه الملك العزيز خلعة سنية قيمتها ألف دينار، وتوجه إلى اليمن قبل الحج، فوصل إلى زبيد فى أواخر سنة تسع وسبعين [وخمسمائة] ، فتلقاه خطاب، فخلع عليه الملك العزيز وعلى عسكره، ودخلا جميعا زبيد، فأقام معه أياما، واستأذنه خطاب فى المسير إلى الشام، فأذن له، فأخرج جميع أثقاله وأمواله إلى ظاهر زبيد، فعند ذلك أمر سيف الإسلام بالقبض على خطاب، والاحتياط على أثقاله، وخنق بعد ليال بحصن تعز، وأما ياقوت، فسلم إليه حصن تعز ومعشاره، وأما مظفر الدين قايماز فتغلب على جبلة ومخاليفها، وأرسل إليه من أخذه، وأما عثمان الزنجيلى [2] فعمر سفنا عظيمة وشحن فيها جميع ما يملكه من الصامت [3] والناطق، وتوجه إلى العراق.
[1] فى ابن خلكان 1/442، وزامباور 1/165 «حطان»
[2]
فى ابن المجاور (صفة بلاد اليمن 1/127)«الزنجبيلى» .
[3]
الصامت من المال: الذهب والفضة، والناطق: الإبل والغنم (اللسان: ص م ت) .