الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثلوا بين يدى المقام الشريف السلطانى بقلعة الجبل المحروسة فى يوم الاثنين سادس عشر المحرم.
وكان مضمون رسالتهم عن ملكهم أنه بلغه أن كنائس النصارى بالديار المصرية غلّقت، وأن النصارى فى ذلّة وهوان، والتمس من السلطان الإحسان إلى النصارى، وفتح كنائسهم، وأنهم متى لم يعاملوا بالإحسان عامل من ببلاده من المسلمين وما بها من المساجد كما يفعل بأهل دين النصرانية وكنائسهم بالديار المصرية، وذكروا عنه أنه قال: نيل مصر الذى به قوام أمرها وصلاح أحوال ساكنيها مجراه من بلادى، وأنا أسده، ونحو هذا من الكلام، فضحك السلطان من كلامهم، واستقل عقل مرسلهم، وعوملوا بغاية الإطّراح والإهانة، وعادوا إلى مرسلهم.
ذكر عزل وتولية من يذكر من أرباب المناصب الديوانية بالدولة الناصرية
وفى هذه السنة- فى يوم الجمعة ثامن عشر صفر- رسم بإفصال القاضى شمس الدين عبد الله المعروف بغبريال من نظر [النّظّار][1] والصحبة بالديار المصرية، وخلع عليه، ورسم له بعوده إلى دمشق على عادته الأولى، عوضا عن كريم الدين عبد الكريم [2] المعروف [بكريم الدين][3] الصغير، وتوجه على خيل البريد فى يوم الاثنين الحادى والعشرين من الشهر، فوصل إلى دمشق فى بكرة نهار الاثنين ثامن عشر من الشهر، ورسم بطلب كريم الدين إلى الأبواب السلطانية، فوصل إلى المخيم المنصور السلطانى بالجيزية فى يوم الاثنين ثالث عشر [4] شهر ربيع الأول، وكانت الشاعة [5] قد قويت أن السلطان يفوّض
[1] الزيادة من السلوك (2/271) .
[2]
فى السلوك (2/271) كريم الدين أكرم الصغير، وفى الدرر (1/400) أكرم بن خطيرة- أو خطير- القبطى، كريم الدين الصغير، وتسمى لما أسلم عبد الكريم، وهو ابن أخت كريم الدين الكبير.
[3]
زيادة عن ابن حجر (الدرر 1/400) .
[4]
فى السلوك (2/271) أن وصوله كان فى يوم الاثنين سادس ربيع الأول، وفى الدرر (1/401) أن عوده من دمشق إلى مصر كان فى أواخر السنة.
[5]
فى ك غير واضحة، وفى «أ» رسمت «الساعة» والشاعة: الأخبار المنتشرة.
إليه نظر الدولة، ومن الناس من أشاع أنه يلى الوزارة، ومنهم من أشاع أنه يفوّض إليه نظر الوكالة السلطانية، وقلق الناس لذلك قلقا عظيما، فلما وصل إلى المخيّم السلطانى لم يجد قبولا من السلطان، وأنكر عليه إنكارا شديدا، ثم رسم له بملازمة داره بظاهر القاهرة، وطلب القاضى شرف الدين عبد الرحمن الخطير- وهو ناظر ديوان نائب السلطنة الشريفة- فى ليلة الثلاثاء سادس شهر ربيع الأول، وفوض إليه نظر النّظّار والصحبة، على عادة شمس الدين غبريال، وخلع عليه، وذلك بمنزلة سفط [1] من الأعمال الجيزية، وباشر ذلك، واستمر كريم الدين بمنزله بخط بركة قرموط، ومنع من فتح بابه، واجتماع الناس إليه إلى أن عاد السلطان إلى قلعة الجبل، فكتب له توقيع بإشارة الوزير الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى بنظر منفلوط، ورسم له بتشريف على عادة نظّار الجهة، فقلق لذلك قلقا شديدا، فاعتنى به نائب السلطنة الأمير سيف الدين أرغون، وخاطب السلطان فى أمره، وأوضح له التحامل عليه، فقطع التوقيع، وبطل ما كان قد رسم به فيه.
وفى ليلة الاثنين رابع شهر ربيع الآخر توجه كريم الدين المذكور إلى الحمّام فرصده جماعة [2] إلى أن خرج منه، فوثبوا عليه، وضربه أحدهم بسيفه، فالتقى الضربة بدبوسه، ثم هرب بفرسه، فسلم، وقتل اثنان ممن كانوا معه، وجرح الثالث، فأما أحد المقتولين فاحتمله الرجال الذين وثبوا على كريم الدين، فلم يعلم خبره، وأما الثانى فأثخنته الجراحة فمات فى يوم الاثنين صبيحة تلك الليلة، وأمسك الذى جرح وكان من الجند من أصحاب كريم الدين ممن كان معه فى الحمام، وقيل له: إنما كنت مع الذين قصدوا قتله، فاعتقل بسجن الولاية، وكان معه أيضا نفران من خير الحرسة، فمسكوا وقيّدوا، واستعملوهم فى جملة المقيدين بالعمارة السلطانية، وسأل كريم الدين عقيب هذه الحادثة أن يفسح له فى سكن القاهرة، فرسم له بذلك فسكنها.
[1] فى ابن مماتى (قوانين الدواوين ص 150) سفط نهيا: من أعمال الجيزية.
[2]
فى السلوك (2/271) أن السلطان هو الذى رسم للوزير مغلطاى بقتل كريم الدين أكرم الصغير خفية، فتقدم الوزير إلى والى القاهرة بذلك، فوضع له أعينا يترقبون فرصة، إلى أن ركب من داره يريد الحمام بعد العشاء الآخرة من ليلة الاثنين رابع ربيع الآخر
…
» ثم يسوق المقريزى بقية خبر كريم الدين بعبارة قريبة من عبارة النويرى هنا.
فلما كان فى يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر رسم السلطان بطلب كريم الدين وأولاده، فطلبوا إلى قلعة الجبل أشد طلب، وأحضروا بين يدى الوزير، / فطالبه بالمال، فقال: لا مال عندى، وأنا ما تعرضت لمال السلطان، وأشباه هذا من الكلام، فضرب ابنه سعد الدين فرج الله بالمقارع، وسلم ولده الصغير لمتولى القاهرة، وعرض كريم الدين على الضرب فوجد فى كمّه أوراقا تشتمل على مرافعات [1] ، وقصد الوزير أخذها منه، فامتنع، وقال: لا أسلمها إلا للسلطان، فطولع السلطان بذلك، فأرسل الأمير سيف الدين بلبان الساقى إليه، فتسلمها منه، وعرضت على السلطان، فطلب الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى الوزير، وأمره بالإفراج عن أولاد كريم الدين، وأن يكون هو عنده فى مكان من داره، ففعل ذلك فى اليوم المذكور، ثم رسم فى بقية النهار بعقوبة كريم الدين، وتقريره على المال، فسعّطه بالخل والجير [2] ، فناله من ذلك شدة عظيمة، حتى خرج الدم من حلقه، ورسم عليه وعلى ولده سعد الدين فرج الله فى بقية يوم السبت والأحد، ثم رسم بإخراجهما وإرسالهما إلى ثغر أسوان، فسأل كريم الدين أن يكون اعتقاله بغزّة، فلم يجب إلى ذلك، وأخرج من باب القرافة من فى أول يوم الاثنين الحادى عشر، شهر ربيع الآخر، هو وولده سعد الدين، فتسلمهما متوليا القاهرة ومصر وشادّ الصناعة، فتوجهوا بهما وحجّلا [3] فى سلّورة [4] ، وأرسلا إلى ثغر أسوان، وفرّق بينهما، فجعل كل منهما فى خنّ [5] لم يجتمع أحدهما بالآخر على ما بلغنى من المحقق للحال إلى أن وصلا إلى ثغر أسوان، فكان وصولهما فى ليلة الاثنين الخامس والعشرين من الشهر، فأنزل بدار تعرف بدار يحيى، وهى الدار التى [أنزل] بها من قبل
[1] عبارة السلوك (2/271)«وسلم أكرم إلى والى القاهرة فوجد فى كمه مرافعات فى جماعة من أهل الدولة..» .
[2]
يقال: سعطه الدواء، وأسعطه الدواء: إذا أدخله فى أنفه، والعبارة الواردة تشير إلى نوع من أنواع التعذيب فى مصر فى العصور الوسطى، وانظر (السلوك 2/271 حاشية 3) .
[3]
هكذا فى الأصل والمعنى قيدا، يقال حجل الدابة: قيدها، (المعجم الوسيط) .
[4]
الضبط من السلوك (2/271) وعلق عليها محققه بأنها نوع من السفن، والجمع سلالير.
[5]
الخن (والجمع أخنان) شبه المقاصير تكون فى السفن يأوى إليها الركاب من البرد وعند النوم ويرى فرامان L) L element Persanete (LL أن خن: معرب خانة الفارسية، ومعناها منزل (العرب والملاحة فى المحيط الهندى ص 227) .