الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وصول أدر السلطان من الحجاز الشريف
كان وصول الأدر السلطانية من الحجاز الشريف فى يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من المحرم، فركب السلطان لتلقيهم، ومد سماطا، ثم طلعت الأدر السلطانية إلى قلعة الجبل على أربة، وتقدمها نساء الأمراء على الأربات، والكوسات تضرب، والعصائب منشورة، وكان يوما مشهودا [1] .
ذكر تجريد العساكر إلى بلاد سيس [2] ، وفتح مدينة آياس [3] وأبراجها
وفى هذه السنة رسم السلطان بتجريد العساكر إلى جهة سيس، فجرّد من الأمراء المقدمين بالديار المصرية خمسة وهم: الأمير جمال الدين أقش [4] الأشرفى، وهو مقدّم/ الجيوش، والأمير علم الدين سنجر الجمقدار، والأمير سيف الدين ألماس أمير حاجب، والأمير سيف الدين طرجى أمير مجلس، الأمير سيف الدين أصلم السلاح دار، ومضافيهم من أمراء الطبلخانات، وهم: قلبرس بن طيبرس محمد ابن أمير سلاح الدمر أمير جندار أيدمر العمرى، [و] أروم [5] بغا، قطلوبغا الجمالى، [و] طرمحى الساقى، [و] خضر بن نوكيه، [و] طيفر الجمدار، وطرنطاى السلاح دار، [و] أيدغدى البلبلى، أراق السلاح دار، خاص ترك الجمدار، بيلك الجمدار، أقسنقر السلاح دار، بيبرس السلاح دار، أيبك عبد الملك، سنقر السعدى، بهادر الغنمى، وأمير العراواب خليل بن الأربلى، على بن دامر بن على بن سلار، على بن التركمانى، ومحمد بن ملكشاه، كجكن الكرمونى، [و] بهادر بن قرمان، ومحمد بن أيبك الخزندار، وما جار فتحى بكا [6] ، وجماعه من الحلقة [7]
[1] وصف المقريزى استقبال السلطان للأدر السلطانية فى عبارة أكثر تفصيلا (السلوك 2/235) .
[2]
سيس: بلد من أعظم الثغور الشامية بين أنطاكية وطرسوس، سماها ياقوت: سيسيه (معجم البلدان) .
[3]
آياس: مدينة ببلاد الأرمن على ساحل البحر (صبح الأعشى 4/133) .
[4]
فى المقريزى (السلوك 2/235) أقوش.
[5]
ما بين الحاصرتين إضافة للتوضيح.
[6]
ما بين الحاصرتين لم يرد فى «أ» ، وقد ذكر المقريزى خبر هذه الحملة موجزا، ولم يذكر غير الأمراء الخمسة المقدمين (السلوك 2/235) .
[7]
فى القلقشندى (صبح الأعشى 4/16) أجناد الحلقة: عدد جم، وخلق كثير، وربما دخل فيهم من ليس بصفة الجند من المعممين وغيرهم، ولكل أربعين مقدم منهم، ويمثلون الطبقة الثانية.
المنصورة، والمماليك السلطانية [1] ، وكان خروجهم من القاهرة المحروسة فى يوم السبت الثانى من صفر.
وجرد من الشام الأمير سيف الدين بهادر والأمير سيف الدين كجكن [2] ، والأمير شرف الدين حسين بن جندر، ومضافيهم، والعسكر الحلبى بكماله، والأمير شهاب الدين قرطاى نائب السلطنة بالمملكة الطرابلسية، وجماعة من العسكر الطرابلسى، وخرج المرسوم السلطانى لهم أن يتوجهوا إلى بلاد سيس، ولا ينتظروا مرسوما، ولا يقيموا بمدينة من مدن الشام.
وكان سبب إرسال [3] هذه الجيوش أن السلطان كان قد أرسل الأمير بدر الدين محمد بن الحاج أبى بكر- أحد الأمراء بطرابلس- رسولا إلى متملك سيس فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، فتوجه وأخذ منه القطيعة المقررة على بلاده، وهى ألف ألف درهم ومائتا ألف درهم فضة حجر، والمقرّر من الخيل والبغال وتطابيق النعال والمسامير وغير ذلك، وجهزها إلى الأبواب السلطانية من غير عهد ولا عقد، ولا تقرير هدنة، فأخبرنى الأمير بدر الدين المذكور عند وصوله إلى الأبواب السلطانية أنه لما توجه [إلى سيس][4] اجتمع بمتملك بلاد الأرمن وهو صغير يكون عمره نحو ثمان سنين جمع [متملك بلاد سيس][4] أكابر مملكته وحضر خليفتهم بزعمهم واستشاروه فى إرسال القطيعة قبل تقرير [الهدنة واليمين][5] فأشار عليهم بدفعها، وإطفاء الثائرة. وتعريف السلطان أنهم بأجمعهم دخلوا تحت طاعته وانتسبوا إلى غلمانيته وعبوديته، وخلعوا طاعة من سواه من التتار وغيرهم. وسألوا مراحم السلطان، وبذلوا له الرغبات، فكان مما عرضوه على الرسول المذكور أن قالوا له: إن اختار السلطان أن
[1] المماليك السلطانية: هم الطبقة الأولى من الجند، وهم أعظمهم شأنا، ومنهم تؤمر الأمراء رتبة بعد رتبة (المصدر نفسه 4/15) .
[2]
فى «أ» و «ك» (كحكن) وفى الدرر (3/264 بالجيم، وهو كجكن المنصورى أحد الأمراء الكبار بدمشق، مات سنة 739 هـ.
[3]
أورد المقريزى فى السلوك (2/236) سببا آخر لهذه الحملة.
[4]
ما بين الحاصرتين أضيفت للتوضيح.
[5]
فى «ك» (الهدية واليمن) وما أثبتناه من «أ» لموافقته السياق.
يقاسمنا على متحصل البلاد، وأن يقرّر علينا الجزية عن كل إنسان دينارين حتى على رأس الملك فمن دونه فعلنا ذلك، ويرسل إلينا نوّابه يستخرجون ذلك، وإن أحب أن يسلّم إلى نوابه ما هو قاطع نهرجهان [1] مما يلى المملكة الحلبية من القلاع والبلاد فعلنا ذلك على أن يضع عنا فى مقابلة هذه القلاع والأعمال ثلث المال المقرّر، وهو أربعمائة ألف درهم فضة.
وأرسل [2] الأرمن امرأة من عند الملك تسأل مراحم السلطان، فلم تمكن من الوصول إلى الأبواب السلطانية وأعيدت من حلب.
وجرّد السلطان هذه العساكر وأرسل الأمير بدر الدين المذكور على خيل البريد أمام العسكر المنصور ليطالبهم بتسليم البلاد والقلاع وتقرير الهدنة على ذلك، فإن سلموها تسلمها نواب السلطان، وكفّ العسكر عنهم، وإن شغبوا أو توقّفوا أدخل العسكر إلى بلادهم.
وكان موجب خروجهم عن طاعة التتار وغيرهم أن مقدم التتار بالروم- وهو تمرتاش بن جويان- اجتمع هو وابن قرمان ودخلوا إلى بلاد سيس فى أواخر سنة إحدى وعشرين، وغاروا وشعّثوا ونهبوا، وعادوا إلى بلادهم، فتوجه العسكر الآن ووصل إلى دمشق فى يوم الخميس الثامن والعشرين من صفر، ثم توجه منها إلى حلب فوصل إليها فى العشر الأول من شهر ربيع الأول. وتوجهت العساكر منها إلى مدينة آياس فى أوائل شهر ربيع الآخر، واستصحبوا المجانيق من بغراس محمولة على العجل وأعناق الجند.
ولما وصل العسكر إلى ثغر آياس وجد أهلها قد أخلوا المدينة من الأموال والرجال وغير ذلك، وبقيت/ خالية، فدخلها العسكر بغير ممانع ولا مدافع، وانتقل أهلها إلى القلعة، وهى قلعة مستجدة عمرها الأرمن فى أول المائة
[1] فى ك جهان، وكذلك فى أبى الفدا (4/119) وفى صبح الأعشى (4/133) نهر جاهان ويقال له أيضا نهر جيحان، ويعبر عنها أحيانا بالفتوحات الجاهانية، وقد ذكر أيضا أن الناصر محمد بن قلاوون قد استعاد بلاد الأرمن سنة 738 هـ، أيضا المقريزى (السلوك 2/236- 237) .
[2]
هذا الخبر لم يرد فى «أ» .
السابعة، ولها باب من جهة البر وبقيتها فى البحر، فتقدم العسكر لمحاصرتها وأخذ النقّابون فى النقوب يوما وليلة، فانتقل من كان بها إلى قلعة هناك فى وسط البحر تسمى قلعة أطلس، وإلى أبراج ثلاثة، منها برج مثمّن وأشعلوا النيران بالليل فيها، وأحرقوا [1] ما تركوه بها من أعواد المجانيق والأمتعة وغير ذلك، فملكها المسلمون، وارتفع الصنجق السلطانى عليها، وشرع العسكر فى إخرابها فعلّقها النقابون، وأطلقت فيها النيران، فهدمت فى البحر وحصر الأرمن بالقلعة والأبرجة التى فى البحر، والوصول إليها متعذر لبعدها عن البر، فنصبت المجانيق السلطانية على القلعة الكبرى، ونصب الأرمن أيضا مجانيقهم على العسكر، وتراموا بها فاتفق الأمراء على أن العسكر يردم ما بين المدينة وبين القلعة والأبرجة من البحر، فتعذر عليهم لعمق البحر، وبعد المسافة، فنصبوا جسورا من الأخشاب والبتاتىّ، فانتهت إلى مقدار ثلثى المسافة إليها، هذا والمجانيق ترمى بأحجارها من كل من الطائفتين ووصل النقابون إلى البرج المثمّن، فسأل من به الأمان على أن يسلّموه فأجيبوا إلى ذلك، ثم نكثوا، ورجعوا عن التسليم، فوصل المسلمون إليه، وشرع النقابون فى تعليقه ثم يسر الله تعالى الفتح، فحصل الاستيلاء على ذلك برا وبحرا فى يوم الأحد والعشرين من شهر ربيع الآخر، ودخل العسكر إلى بلاد سيس، وأغاروا ووصلوا إلى قلعة كوارا، ثم عادت العساكر المنصورة إلى مستقرها من الممالك، ولما حصل هذا الحصار أمر الباب [2]- وهو الحاكم على ملوك الفرنج- من تحت يده وطاعته منهم أن يتوجهوا إلى ثغر اللاذقية ويحاصروه لعلهم ينالون [3] منه منالا، لاشتغال العساكر الإسلامية بثغر آياس، فعمّر الفرنج نحو تسعين شينيا وشحنوها بالرجال والمقاتلة، وقصدوا ثغر اللاذقية وبه يومئذ الأمير شرف الدين عيسى بن البرطاسى فاجتهد فى أمر الثغر، واحترز فأقامت تلك الشوانى أياما فى البحر قبالة ثغر اللاذقية، ثم عادت إلى أماكنها ولم يظفروا بشىء، وكفى الله تعالى شرهم وله الحمد والمنة؛ ولنذكر خلاف ذلك ما اتفق.
[1] فى الأصل: (وحرقوا) .
[2]
الباب: يريد «البابا» فهكذا كان مؤرخو هذه الفترة يكتبون اسمه، وانظر صبح الأعشى (5/408) .
[3]
بالأصل «ينالوا» والصواب ينالون.