الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان توجههم فى يوم الاثنين السادس عشر من شهر رجب، وجهّز السلطان معهم الأمير سيف الدين قطلوبغا المغربى الحاجب.
وأما محمد بيه بن جمق الواصل صحبتهم فإن السلطان أنعم عليه بإمرة طبلخاناة، وأقطعه إقطاع الأمير عز الدين أيبك البكتوتى أمير علم، ونقل البكتوتى إلى صفد على إقطاع نجم الدين فيروز، وكان قد قبض عليه واعتقل بها.
وفيها فى يوم الاثنين تاسع [1] عشر شهر رجب أمر السلطان بالقبض على أولاد الأمير سيف الدين بكتمر [2] الأبى بكرى الثلاثة [3] وهم: علاء الدين أمير على، وسيف الدين أسنبغا [4] ، وشهاب الدين أحمد، فقبض عليهم وعوّقوا بدار الأمير سيف الدين ألماس الحاجب أياما إلى أن سكنت الفتنة التى وقعت بثغر الإسكندرية، ونقل الأمراء منها على ما نذكره إن شاء الله تعالى، ثم أفرج عنهم، ورسم لهم بالدخول إلى الخدمة السلطانية، فدخلوا، ووقفوا مع الجند، فأمر السلطان الحجّاب أن يرفعوا منزلتهم، وأن يقفوا مع الأمراء، وأن يلبسوا أقبية فوقانية على عادة الأمراء فى ذلك.
ذكر الفتنة الواقعة بثغر الإسكندرية [5]
وفى يوم الخميس خامس شهر رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة،/ (244) وقع بثغر الإسكندرية المحروس فتنة عظيمة بين أهل الثغر ومتولّيه ركن الدين بيبرس الكركى [6] .
[1] فى أص 243 «تاسع شهر رجب» والسياق يقضى بصحته.
[2]
فى النجوم بكتمر البوبكرى، وفى الدرر (1/482) الأبوبكرى المنصورى، وأورد ترجمته، ومبلغ تقدمه فى دولة الناصر إلى أن صار أمير سلاح يجلس رأس الميسرة، وسيورد النويرى ترجمته فى حوادث سنة 728.
[3]
فى (الدرر) 1/482 أنه خلف ولدين من أمراء الطبلخاناة.
[4]
سيف الدين أسنبغا. ترجمته فى (الدرر) 1/386.
[5]
- هذه الحادثة أوردها المقريزى بإيجاز فى (السلوك 2/284) وأهملها ابن تغرى بردى فلم يذكرها فى النجوم بين حوادث هذه السنة.
[6]
فى أ، ص 244:«ركن الدين بيبرس الكركرى» وفى (السلوك) 2/284 ركن الدين الكركى.
وسبب هذه الفتنة أن جماعة من عوام الثغر اجتمعوا فى هذا اليوم ليتفرجوا على عادتهم، فوقفوا على حلقة قاصّ ظاهر الثغر بين بابى الأخضر والبحر، وكان فى الحلقة فرنجى من أتباع رسل صاحب إسطنبول، فشرع القاصّ إذا ذكر فى قصصه النبى صلى الله عليه وسلم رفع المسلمون أصواتهم بالصلاة على عادة المسلمين فى ذلك، فقال بعضهم: أخرجوا هذا الفرنجى من بيننا، فإننا نحن نصلى على النبى صلى الله عليه وسلم وهو لا يصلى عليه، فأرادوا إخراجه من الحلقة، فامتنع من الخروج، فدفع منها، فأعانه بعض رجّالة [1] الولاية بالثغر، وقال: هذا من أتباع الرسل الذين وصلوا إلى السلطان، فضرب بعض العوام ذلك الراجل [1] ، فاستنفر بجماعة من رفقته رجالة الولاية، فكاثرهم العوام وضربوهم، وثارت الفتنة، فركب المتولى ليرد الناس، فرجمه أهل الثغر، فغلّق أبواب البلد بين العوام وبين مساكنهم، وتحصن منهم، وأحضر إليه ريّس الخلافة [2] قاربا فيه نشّاب، فرمى العوام بالنّشاب، فقتل منهم جماعة.
وحضر القاضى بالثغر عماد الدين الكندى، وأشار على المتولى بالكفّ، فلم يوافقه، واستمر هو وأصحابه على رشق العوام بالنشاب، فقيل: إن القاضى قال للعوام: قد حل لكم قتالهم، فعند ذلك عظمت الفتنة، وحوصر/ (245) المتولى، وتوجه جماعة من العوام إلى دار ريّس الخلافة، فانتهبوا جميع ما فيها، وقتلوا جماعة من العوام، وتوجه بعضهم وكسروا السجن، فأخرجوا ما فيه من المعتقلين، وكان عبيد أهل الثغر قبل ذلك قد خرجوا للعب فى عيد اللّنجات على عادتهم، فضرب المتولى منهم جماعة واعتقلهم، فخرجوا الآن،/ وقصد العوام إخراج الأمراء المعتقلين بالثغر، فامتنعوا من ذلك.
فعند ذلك بادر المتولى بمطالعة السلطان بهذه الحادثة، فوصلت مطالعته فى بكرة يوم الأحد ثامن شهر رجب، فندب السلطان الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى مدبر الدولة وأستاذ الدار العالية، وصحبته من الأمراء: الأمير سيف
[1] كذا فى الأصل، وصوابه رجال، إلا أن يكون مراده ما يقابل الفرسان فمفرده راجل.
[2]
قال القلقشندى فى ألقاب أرباب الوظائف: رئيس الحراقة: وهو الذى يحكم على رجال الحراقة السلطانية ويتولى أمرها، وكان فى الزمن المتقدم يقال له رئيس الخلافة (صبح الأعشى 5/467) .
الدين ألدمر [1] أمير جاندار، والأمير سيف الدين طوغان شادّ الدواوين، وغيرهما [2] ، فتوجّهوا إلى الثغر فى بقية نهار الأحد لكشف هذه الحادثة، ومقاتلة من تعدّى، ورسم بإهانة القاضى عماد الدين الكندى الحاكم بالثغر، والإخراق به، وعزله عن القضاء، وفوّض [قضاؤه] إلى القاضى علم الدين بن الأخنائى الشافعى فى العشر الأوسط من شهر رجب، وهو أول شافعى ولى قضاء الثغر.
ولما وصل الأمير علاء الدين مغلطاى والأمراء إلى الثغر أحضر القاضى عماد الدين الحاكم، وأهانه، وصادره هو وشمس الدين المؤذن البلبيسى [3] نائبه وجماعة من أهل الثغر والتجار، فأخذ من جهتهم نحو خمسين ألف دينار [4] . منها من التجار الكارميّة [5] نحو عشرين ألف دينار وبقية ذلك/ (246) من أهل الثغر، ووسّط جماعة من العوام، ومسك جماعة من العبيد بالثغر وغير العبيد، وأحضر منهم نحو تسعين رجلا، فقيدوا واستعملوا فى العمارة، وحصل لأهل الثغر ضرر عظيم.
وكان ممن وسّط رجل صاحب قاعة فزارة يعرف بابن رواحة [6] كان قد حضر إلى الأمير علاء الدين، والتزم بحفظ ميناء الثغر، وأنه مقيم من رجاله من يحفظها بغير جامكية، ويوفر جامكية الرماة بالبحر، وكان هذا الرجل عنده أربعمائة عدّة يلبسها الرجال المقاتلة إذا دهم الثغر [7] عدو، فأخرجوا من البلد
[1] فى السلوك (2/284) ضبطه بفتح الميم، وفى النجوم (9/285) بضمها، وفى صبح الأعشى (5/425) ضبطها بضم الميم والدال، قال: معنى هذا اللفظ «دمر» - فى لغة الترك- «حديد» وترجمة الدمر فى ابن حجر (الدرر 1/407) .
[2]
ذكر المقريزى فى (السلوك 2/285) أن فيمن توجهوا إلى الاسكندرية لهذا الغرض أيضا ناظر الخاص فى جماعة من المماليك.
[3]
فى السلوك (2/268) »
…
وقدم عماد الدين محمد بن إسحاق بن محمد البلبيسى قاضى الإسكندرية ليشنق، ثم أخره، وكاتب السلطان بأنه كشف عن أمره فوجد ما نقل عنه غير صحيح.
[4]
فى المصدر السابق أن ما جمعه ينيف على مائتين وستين ألف دينار» .
[5]
التجار الكارمية: يقال إن أصل الكارمى الكانمى نسبة إلى الكانم: فرقة من السودان، ذلك أن طائفة منهم كانوا مقيمين بمصر شأنهم التجارة فى البهار من الفلفل والقرنفل ونحوهما مما يجلب من الهند واليمن فعرف ذلك بهم (ضوء الصبح المسفر وجنى الدوح المثمر 1/253) .
[6]
فى السلوك (2/285) وتطلب ابن رواحة كبير دار الطراز ووسطه من أجل أنه وشى به أنه كان يغرى العامة بالفرنج ويمدهم بالسلاح. وقد علق عليه محققه بما أورده النويرى هنا.
[7]
فى أ، ص 246 «البلد» .
فتوجهوا إلى منية مرشد [1] إلى الشيخ محمد المرشدى، وطولع فى أمره، وأنهى المتولى إلى السلطان أن هذا الرجل رأس فتنة، فطلب وأحضر إلى الثغر ووسّط، وأخليت قاعات الرماة بالثغر.
وعاد الأمير علاء الدين والأمراء إلى الأبواب السلطانية فى يوم الأربعاء خامس عشرين الشهر، والثغر وأهله على أسوأ الأحوال.
ورسم السلطان بنقل جماعة من الأمراء المعتقلين، أحضر منهم فى يوم الأحد الثانى والعشرين من الشهر عشرة نفر جهّز منهم إلى الكرك [2] الأمير سيف الدين بكتمر الأبى بكرى، وسيف الدين تمر الساقى واعتقل ببرج السباع بقلعة الجبل الأمير علم الدين سنجر الجاولى، والأمير سيف الدين بهادر المغربى [3]، واعتقل بالجبّ ستة وهم: سيف الدين طغلق، وأمير غانم بن أطلس خان/ (247) وسيف الدين قطلوبك المعلائى [4] المعروف بالأوشاقى، وعز الدين أيدمر اليونسى، وسيف الدين كجكن، وفخر الدين أياز [5]- نائب قلعة الروم كان- ثم أفرج عن فخر الدين أياز المذكور فى يوم الخميس السادس والعشرين من الشهر لكبر سنه وعجزه، وخلع عليه على عادة مقدمى الحلقة المنصورة، وسكن بالقاهرة عند أولاده.
وتأخر بثغر الإسكندرية من الأمراء المعتقلين به صلاح الدين طرخان بن بيسرى [6] ، وسيف الدين بلاط الجوكندار [7] ، وسيف الدين برلغى، وحسام
[1] فى ابن مماتى (قوانين الدواوين 189) منية ابن مرشد، وفى هامشه عن ابن الجيعان: منية بنى مرشد، وعدها من أعمال النستراوية، وفى مراصد الاطلاع 3/1370 نسترو: جزيرة بين دمياط والإسكندرية يصاد بها السمك، وهى ذات أسواق فى بحيرة منفردة.
[2]
فى أ، ص 246 «إلى قلعة الكرك.
[3]
فى أ، ص 246 «المعزى» وما أثبتناه من ك، والسلوك (2/286) .
[4]
فى أ، ص 247 «العلائى» .
[5]
فى السلوك (2/286) إياس نائب قلعة الروم، وفى (النجوم) أورده بالرسمين وضبط همزته بالكسر، والأوشاقى، ويقال الأوجاقى: وانظر (صبح الأعشى 5/454) .
[6]
فى ك بيبرس، وما أثبتناه من «أ» ، ص 247 وفى الدرر (2/216) طرجاى بن بيسرى وانظر ص 175 حاشية (1) من هذا الجزء.
[7]
فى ك «بلاد» وما أثبتناه من أ، ص 247 والسلوك (2/286) ، والجوكندار- (بفتح الكاف كما فى صبح الأعشى 5/448، وفى النجوم بضمها) ، هو الذى يحمل الجو كان مع السلطان فى لعب الكرة، والجو كان: المحجن.