الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آلاف درهم، وعادا إلى مرسلهما فى اليوم الثانى بالأجوبة السلطانية، ولم يسمع أن أحدا ممن وقف بعرفة وصل إلى القاهرة فى سنته، وفيما مضى من الزمان وإلى الآن، وقد صغر ذلك ما كان استعظم من مجىء من تقدم ذكره فى ليلة ثالث المحرم.
ذكر حوادث كانت بدمشق فى هذه السنة
فى يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة أقيمت الخطبة، وصلاة الجمعة بمسجد القصب خارج باب السلامة ظاهر دمشق، وخطب فيه وصلى بالناس علاء الدين على الباخلى وهو من أولاد الجند، منسوب إلى ابن باخل.
وفيها- فى يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان- أقيمت الخطبة وصلاة الجمعة بجامع استجدّه القاضى كريم الدين وكيل مولانا السلطان بأرض القابون [1] ظاهر دمشق، وكان الشروع فى عمارته، والاجتماع على تحرير محرابه فى مستهل جمادى الأولى من هذه السنة وكمل، وخطب به فى التاريخ المذكور، وفوضت خطابته للشيخ الصالح جمال الدين عبد الوهاب التركمانى الحنفى إمام القابون، وحضر الخطبة قضاة القضاة والأعيان.
ذكر هدم كنيسة اليهود القرّائين بدمشق
وفى هذه السنة برزت المراسيم السلطانية بهدم كنيسة اليهود القرّائين بدمشق بدرب الفواخير، فهدمت فى يوم السبت التاسع عشر من شهر رجب، وسبب ذلك: أن جماعة من المسلمين ادعوا أنها محدثة، فأثبت اليهود أنها قديمة مستمرة بأيديهم- عند بعض الحكام- فأقرت بأيديهم، ونجزوا مرسوما سلطانيا بالحمل على ما ثبت وإبقائها، فعارضهم المسلمون بإثبات عند حاكم أنها محدثة، فورد المرسوم السلطانى/ بالحمل على ما ثبت آخرا، وهدمها.
قال الشيخ شمس الدين الجزرىّ فى تاريخه: إن هذه الكنيسة كانت من نحو مائة سنة بيتا يجتمع فيه طائفة من اليهود القرّائين، ثم أضيف إليها شىء
[1] فى ك: القانون، وما أثبتناه من أص 25 لموافقته ما جاء فى ترجمة كريم الدين الوكيل الواردة فى الدرر (2/402) وعبارته أنه «لما دخل دمشق سنة 718 عمر جامع القبيبات وجامع القابون، والقابون: موضع بينه وبين دمشق ميل واحد (2 ك م فى طريق القاصد إلى العراق وسط البساتين (عن ياقوت، ومراصد الاطلاع) .
بعد شىء، حتى كبرت واتسعت، وأصلحت عمارتها، فلما كان فى سنة تسع وتسعين وستمائة عند دخول التتار إلى دمشق تمكن اليهود من إصلاحها؛ وعملوا بها منبرا، كل ذلك والمسلمون لا يعلمون؛ وذلك أنها بدرب الفواخير وغالب سكانه اليهود، وهى فى درب داخل درب جوار سور باب كيسان، والباب يومئذ مسدود، وبذلك تمكنوا من عمارتها وما شعر بهم المسلمون، ثم ظهرت فى ذلك الوقت، فهدمت.
وفى هذه السنة- فى الثامن من شهر ربيع الأول- توفى القاضى الخطيب مجد الدين أحمد بن القاضى معين الدين أبى بكر بن ظافر الهمدانى [1] المالكى الخطيب والمدرس بمدينة الفيوم، وكانت صورته كبيرة عند الأكابر، وولى قضاء القضاة بدمشق فى سنة عشر وسبعمائة، وخلع عليه، ولبس التشريف، ثم امتنع من ذلك واستعفى فأعفى، وكان رحمه الله تعالى رجلا كريما سمحا مشهورا بالمكارم، تزيد مكارمه على ريع أملاكه، وتأبى نفسه الاختصار، فاحتاج إلى أن استدان الأموال، واضطر إلى وفاء الدّين بالدّين، كل ذلك رغبة فى المكارم.
وكان رحمه الله تعالى جميل الصورة كامل الخلق، حسن الزى والملبس والمركب، جيد الشّعر، أرسل إلىّ مرة يلتمس أن يقف على مقدمة كتابى هذا الذى ألفته، فأرسلت إليه المجلدة الأولى، فوقف عليها وكتب إلىّ بيتين من نظمه وهما:
وتوفى القاضى تاج الدين أبو الهدى أحمد بن محيى الدين أبى الفضل محمد بن الشيخ كمال الدين على بن شجاع بن سالم القرشى الهاشمى
كتاب جلّ أن نحصيه وصفا
…
حوى علما وآدابا وظرفا
رأينا منه عنوانا بديعا
…
وعنوان المحاسن ليس يخفى
[1] فى ك: الهمدانى (بالدال) وكذلك فى: النجوم الزاهرة (9/254) وفى «أ» ص 26 جاء رسمه بالذال.
ولم ترد ترجمته فى المنهل الصافى فيمن اسمه أحمد بن أبى بكر، وأورد ابن حجر ترجمته فى الدرر (1/111) فقال: أحمد بن أبى بكر بن ظافر مجد الدين بن معين الدين المالكى سبط الشيخ المجد الأخميمى و «لم يذكر فى نسبه همدان ولا همذان» .
العباسى، المعروف بابن الأعمى [1] ، والأعمى- الذى عرف به- هو جده الشيخ كمال الدين المقرئ وكانت وفاته بداره بمنشاة المهرانى، ودفن بالقرافة، ومولده فى سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وكان يلى نظر ديوان الملك الأشرف بن السلطان الملك المنصور قبل سلطنته، ثم عزل بالصاحب شمس الدين محمد بن السّلعوس [2] وعطل مدة، ثم ولى نظر الكرك، وعزل فى سنة ثمان وسبعمائة، وحضر إلى الديار المصرية، فولى نظر بيت المال مدة لطيفة، ثم عطل عن الخدمة، ورتب له فى آخر عمره راتب، فكان يتناوله إلى أن مات رحمة الله عليه، وكانت وفاة جده الشيخ كمال الدين الضرير فى سنة إحدى وستين وستمائة.
وتوفى الصدر الرئيس شهاب الدين أحمد بن محمود بن أبى الفتح بن الكويك [3] التاجر الكارمى، وكانت وفاته بداره بمصر فى ليلة الأربعاء التاسع عشر من شوال، وترك دنيا عريضة وأملاكا، وورثه أولاده، وكان من بقايا أعيان التجار الكارميّة، ومشايخهم يرجعون إليه ويقتدون برأيه، رحمه الله تعالى.
وتوفى القاضى الفاضل كمال الدين محمد بن القاضى عماد الدين إسماعيل بن القاضى تاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير الحلبى، أحد أعيان كتّاب الإنشاء [4] ، وكانت وفاته بالقاهرة فى بكرة نهار الاثنين للنصف من ذى الحجة، وصلى عليه تحت القلعة، ودفن بالقرافة، وكان رحمه الله فاضلا خيّرا لطيفا حسن العشرة والمذاكرة، جيد الإنشاء، قد ذكرنا من إنشائه فى أثناء هذا التاريخ ما يقف عليه من يقصده، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير زين الدين كتبغا [5] الصغير المنصورى رأس نوبة الحاجب بالشام فى آخر نهار الجمعة الثامن والعشرين من شوال بداره بظاهر دمشق
[1] ترجمته فى ابن حجر (الدرر 1/282) والمقريزى (السلوك 2/233) .
[2]
محمد بن عثمان، شمس الدين المعروف بابن السلعوس كان وزيرا للسلطان الملك الأشرف، ومات مقتولا سنة 692 هـ (أبو الفداء 4/31) .
[3]
فى ك «الكوند» وما أثبتناه من «أ» ص 28 والكارمى نسبة إلى الكارم، وهو البهار والتوابل.
[4]
فى ابن حجر (الدرر 3/386) أنه كان موقع الدست بالديار المصرية، وكان فاضلا فى صناعته حسن الخط والإشارة والإنشاء.
[5]
كتبغا العادلى الحاجب: كان تنكز نائب الشام يحبه ويعظمه. وترجمته فى ابن حجر (الدرر 3/264) وانظر أيضا (السلوك 2/234) .
ودفن من الغد بتربته برأس ميدان الحصار، رحمه الله تعالى، وولى الحجبة [1] بعده الأمير علاء الدين أيدغدى الخوارزمى، جهز من الأبواب السلطانية على إقطاع سنقر الإبراهيمى، فقدم دمشق فى يوم الأحد عاشر صفر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.
وتوفى فى يوم الاثنين السادس عشر من ذى الحجة- عز الدين إبراهيم ابن الملك الحافظ غياث الدين محمد بن الملك السعيد شاهنشاه بن الملك الأمجد بهرام شاه بن عزّ الدين فرخان شاه بن شاهنشاه بن أيوب، وكانت/ وفاته بقرية جسرين من غوطة دمشق، ودفن بتربتهم بباب الفراديس، ومولده فى الخامس من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وستمائة بحمرانيسان [2] عند مرجعهم من القدس، سمع الحديث من إسماعيل العراقى، ورواه عنه، وكان رحمه الله تعالى كثير التواضع والاحتمال حسن المودّة.
وتوفى الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب [3] اليمن، وكانت وفاته فى مستهل ذى الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وحصل بعد وفاته من الاختلاف والفتن بين ولده وأخيه ما نذكره بعد- إن شاء الله تعالى- عند ذكرنا لأخبار اليمن.
وتوفى الشيخ الصالح العابد نجم الدين عبد الله بن محمد الأصفهانى بمكة شرفها الله تعالى [4] ، وورد الخبر بوفاته فى شعبان، وكان شخصا جليلا صالحا فاضلا مشهورا مقصودا للزيارة منقطعا عن الناس، جاور بمكة سنين كثيرة رحمه الله تعالى.
[1] الحجبة: وظيفة الحاجب، وهو الذى يقف بين يدى السلطان ونحوه فى المواكب ليبلغ ضرورات الرعية إليه، ويتصدى للفصل فى المظالم بين المتنازعين فيما لا تسوغ الدعوى فيه من الأمور الديوانية، وانظر فى تطور هذه الوظيفة (صبح الأعشى 5/449 و 450) .
[2]
هكذا فى «أ» و «ك» ، ولعل صوابه «بيسان» ، وهى مدينة بالأردن بالغور الشامى بين حوران وفلسطين (مراصد الاطلاع 1/241) .
[3]
فى المقريزى (السلوك 2/234) على بن رسول التركمانى، وفى النجوم (9/253) التركمانى الأصل اليمنى المولد والمنشأ تسلطن بعد أخيه فى المحرم سنة 696 هـ» . وترجمته فى ابن حجر (الدرر 2/99- 100) .
[4]
ترجمته فى الدرر (2/302) وفيها أنه كان صالحا عابدا وللناس فيه اعتقاد زائد ومولده 643 هـ.