الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليدفعا عنها صدمة الماء، فتحامل الماء على القنطرة فاقتلعها، ولم يفد ما عضّدت به، ولم يحصل منه من الإفادة ما كان يظن به، فأمر السلطان بحفر خليج مستجد، على ما نذكره فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة.
ذكر خبر النيل فى هذه السنة
(65)
وفى سنة أربع وعشرين وفى النيل المبارك بمقياس مصر فى يوم الأربعاء تاسع شعبان الموافق للثامن من مسرى، وحصل التحليق والكسر فى يوم الخميس عاشر الشهر، ثم أخذ فى الزيادة على تدريج إلى أن انتهى إلى ثمانية عشر ذراعا وتسعة عشر أصبعا بمقياس مصر، ولم ينتهى [1] فى الزيادة فى هذا العصر إلى مثل هذه الغاية، فغرقت البساتين والأقصاب، وفاض الماء على الجروف حتى أخبرنى جماعة ممن حضر من الصعيد الأعلى أنهم سافروا من مدينة قوص إلى ساحل مصر لم يجدوا من السواحل ما يضرب فيه أوتاد المراكب إلا ساحل أخميم، وكوما بمنية بنى خصيب، وما عدا ذلك من السواحل فإن الماء طما عليها، وثبت الماء على ذلك زمنا، حتى خشى الناس من بقائه، ثم أخذ فى الهبوط عند الحاجة إلى نقصه، فانكشفت الأراضى، وزرع الناس، ولولا هذا الثبات- الذى كره الناس- كان قد شرق جملة من الأراضى مع وجود هذه الزيادة العظيمة، فإن سائر الجسور التى تحبس المياه تقطعت وخرج الماء منها، فلما حصل ثبات النيل بقى الماء على المزارع، حتى استوفت حقها من الرى، فسبحان اللطيف الخبير القادر [2] .
وقد ذكرنا فى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة- فى أيام الحافظ عبد المجيد [3]- أن زيادة النيل انتهت إلى تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع
[1] هكذا فى أوك، والصواب: ولم ينته.
[2]
أورد المقريزى فى السلوك (2/258) هذا الخبر موجزا، وانظر (النجوم الزاهرة 9/262) .
[3]
الحافظ لدين الله عبد المجيد بن أبى القاسم بن المستنصر العلوى توفى سنة 544 هـ ومدة خلافته بمصر عشرون سنة إلا خمسة أشهر، وخلفه عليها ابنه الظافر بأمر الله (أبو الفدا 3/20) .
بمقياس مصر، وبسبب هذه الزيادة العظيمة فى سنتنا هذه شرق [1] إقليم الفيّوم، لأن سكر [2] النهر انقطع، وخرج الماء بجملته إلى البحيرة، فغرق ما حولها، وشرق ما سوى ذلك، واجتهد السلطان بعد ذلك فى إصلاح السّكر، وندب لذلك الأمير سيف الدين بكتمر الحسامى الحاجب/ (66) كان- وهو من أكابر أمراء المشورة الذين يجلسون فى مجلس السلطان، فأصلحه وأتقنه إتقانا جيدا، فتدارك الناس بسبب إصلاحه زراعة الصيفى خاصة بإقليم الفيوم.
وفيها- فى شهر ربيع الآخر- وصلت رسل الملك أزبك [3] متملك صراى [4] والبلاد الشمالية إلى الأبواب السلطانية، ومثلوا بين يدى السلطان، وأحضروا ما معهم من الهدايا فقبلت، وشملهم الإنعام، وأعيدوا إلى مرسلهم بالهدايا صحبة رسل السلطان إليه.
وفيها وصل إلى الديار المصرية الملك موسى [5] متملك بلاد التّكرور [6] لقصد الحج، وتوجه إلى الحجاز الشريف، ورجع إلى بلاده فى سنة خمس وعشرين، وكان قد أحضر صحبته جملة كثيرة من الذهب، فأنفقها بجملتها وفرّقها، وتعوّض ببعضها قماشا، واحتاج إلى أن استدان جملة من التجار وغيرهم قبل سفره.
[1] فى السلوك (2/258) وغرقت الفيوم لانقطاع جسرها «وعلق محققه بقوله: وفى إحدى النسخ شرقت» .
ومعنى شرقت الأرض: جفت من عدم الرى.
[2]
السكر- بكسر السين وسكون الكاف-: ما يسد به النهر ونحوه.
[3]
أزبك خان- ولقبه (القان) بن طغرلجا- (وفى الدرر ابن طقطاى) ابن منكوتمر بن طغاى بن باطو بن جنكيزخان ملك التتار بالمملكة الشمالية توفى سنة 742 ومدة ملكه ثمان وعشرون سنة (السلوك 2/614) والنجوم (9/226) .
[4]
صراى- بفتح الصاد والراء المهملتين- مدينة عظيمة تقع فى مستو من الأرض غربى بحر الخزر كانت قاعدة البلاد الشمالية من مملكة التتار (المصدر السابق) .
[5]
اسم هذا الملك- كما ورد فى البداية والنهاية ج 14/112- الملك الأشرف موسى بن أبى بكر، وفى المقريزى (السلوك 2/255) منسا موسى ملك التكرور، وقد أورد خبر وصوله فى شىء من التفصيل.
[6]
بلاد التكرور مملكة واسعة تقع إلى الجنوب الغربى للسودان وكانت تضم أربعة عشر إقليما من بينها غانة والسنغال ومالى، وتكرور قاعدتها مدينة على النيل تقع بالقرب من ضفافه (وانظر صبح الأعشى 5/286، 287، والنجوم الزاهرة 9/173 حاشية 3) .