الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر يوسف الكيماوى ومقتله
وفى هذه السنة فى يوم الخميس سابع عشر شهر رمضان وصل إلى الأبواب السلطانية إنسان اسمه يوسف الكركى، ويعرف جوك [1] من جهة نائب السلطنة الشريفة بالشام، وهو من مسالمة نصارى الكرك، كان يدّعى أنه وصل إلى علم الكيمياء، واشتهر أمره بالشام، واتصل ببعض الأمراء، وهو بهادر التّقوى [2] الجمقدار [3] بدمشق، وتحيّل عليه، وأخذ منه جملة من المال، وتنقل فى مدن الشام وقراها، وتحيل على أهلها، وأفسد عليهم أموالهم، واعتقل بقلعة صفد مدة، ثم أفرج عنه، وعاد إلى دمشق، وسلك طريقه، فانتهى أمره إلى نائب السلطنة الأمير سيف الدين تنكز، فأحضره، واتضح له حاله، فهمّ بقتله وإعدامه، فقال له: أرسلنى إلى السلطان فإننى إذا وصلت إليه ملأت له قلعة الجبل ذهبا وفضة، فجهزه إلى الأبواب السلطانية، فوصل فى التاريخ المذكور، ومثل بين يدى السلطان، وادّعى أنه يعرف صناعة الكيمياء [4] ، فسلمه إلى الأمير سيف الدين بكتمر الساقى، فتحيل، وداك شيئا من الفضة الحجر، وألقى عليه الزّئبق فصعد الزئبق واستقر ما كان داكه فلم يشك السلطان فى صدقه، وخلع عليه خلعة سنية، وطلب من السلطان فضة مصفاة مشحرة، وذهبا أفلوريّا [5] ، وزئبقا، فطلب الزئبق من القاهرة ومصر والإسكندرية، واستنفد جميع ما عند الناس من الزئبق، وأخذ جملة من الذهب، وأحضر إلى السلطان ألف دينار [6] ، وادعى أنها من صنعته، فأنعم عليه بها،
[1] كذا فى الأصل، ولم ترد هذه الزيادة فى السلوك (2/321 وما بعدها) حيث وردت هذه القصة بعبارة قريبة مما ذكره النويرى هنا.
[2]
فى الأصل غير منقوطة، وما أثبتناه من السلوك (2/321) .
[3]
الجمقدار: حامل الدبوس، وهو من السلاح: قضيب من حديد فى نهايته كتلة من حديد (عن: معيد النعم ومبيد النقم ص 34.) .
[4]
أورد المقريزى فى (السلوك 2/321 و 322) هذا الخبر بعبارة أوضح مما أورده النويرى هنا، وذكر أن يوسف الكيماوى حين اتصل بتنكز أراد أن يخدعه فلم ينخدع، بل أمر بشنقه، فصاح يوسف قائلا: أنا جيت للسلطان حتى أملأ خزائنه ذهبا وفضة «وأن تنكز أرسله إلى السلطان مقيدا مع بعض ثقاته على البريد وكتب إلى السلطان بخبره، وحذره منه»
[5]
الأفلورى (إيطالية L Florino LL نقد بندقى كان مستعملا فى مصر فى العصر المملوكى، وأبطل التعامل به فى سنة 831 هـ- 1427 م/ وانظر (الخطط التوفيقية 20/142) .
[6]
فى السلوك (2/322) أنه لم يحضر هذه الدنانير وإنما أجرى تجربته لتحويل بعض المعادن إلى ذهب بمشاهدة السلطان وجماعة من الأعيان ذكرهم بأسمائهم فاستخلص سبيكة من الذهب زنتها ألف مثقال فأعجب السلطان بها وأنعم عليه وأعاد يوسف تجربته فكاد السلطان يطير فرحا، وصار يثق به» .
وخلع عليه/ خلعة سنية، وأنعم عليه بفرس بسرج ولجام وكنبوش حرير، وبقى يعد ويمنّى، ثم رجع إلى الكرك على خيل البريد لإحضار حشائش، فتوجه وصحبه من يحفظه [1] ، وعاد [وقد ظهر][2] للسلطان كذبه، فضيّق عليه فتحيل [3] / (274) وهرب فى شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، فحرج السلطان لذلك، وشدد على الولاة فى طلبه، فنودى عليه فى المدينتين، وكتب إلى الوجهين- القبلى والبحرى- بطلبه حيث كان، وكتب إلى الشام بطلبه، وإلى ساير الجهات، فقبض عليه فى ذى الحجة من السنة بمدينة أخميم من الصعيد، وجهز إلى الأبواب السلطانية، فوصل فى يوم السبت الرابع والعشرين من ذى الحجة [4] والسلطان بالميدان، فسأله عن المال الذى أخذه، فقال: المال راح، فرسم بضربه، فضرب ضربا شديدا، وحمل فى قفص إلى خزانة شمائل [5] ، فاعتقل بها ومات فى ليلة الأحد [خامس عشرى ذى الحجة][6] ، فرسم السلطان بتسميره [7] ، فسمّر فى عشية نهار الأحد المذكور بعد أن مات وورم، وبات ليلة الاثنين على خشب التسمير، وحمل فى يوم الاثنين على جمل شق به المدينة إلى باب النصر ودفن. هذا ما كان من أمره.
وفى هذه السنة فى ذى القعدة أمر السلطان بإخراج المجذومين والبرصى [8] من القاهرة ومصر إلى بلدة من أعمال الفيوم، فجمعوا، واعتقلوا حتى كملوا، وأخرجوا فى ليلة السبت سادس عشر الشهر، فوصلوا إلى تلك القرية، وهى خراب لا ساكن بها، فتفرقوا فى البلاد، ثم عاد بعضهم إلى القاهرة ومصر، وسكن أمرهم، والله تعالى أعلم.
[1] فى المصدر السابق أن السلطان بعث به مع طقطاى مقدم البريد.
[2]
ما بين الحاصرتين زيادة من السلوك (2/322) .
[3]
نهاية ما سقط من نسخة «أ» بين صفحتى 273، 274 من صفحاتها، وقد سبقت الإشارة إلى بدايته فى ص 258 حاشية (7) .
[4]
أورد المقريزى فى المصدر السابق خبر القبض على يوسف الكيماوى بعد هربه ونهايته على نحو ما ذكره النويرى هنا- فى حوادث سنة 731 هـ (السلوك 2/333 و 334) .
[5]
فى السلوك (2/334) أن خزانة شمائل هذه كانت سجنا لأرباب الجرائم، وكانت بجوار باب زويلة من القاهرة.
[6]
الزيادة من السلوك (2/334) .
[7]
التسمير: إحدى العقوبات الشنيعة بمصر وغيرها من البلاد الأخرى فى العصور الوسطى، وانظر (السلوك 1/404 حاشية 1) و 2/301 حاشية 5) .
[8]
المرضى بالجذام والبرص.