الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحفرون البركة المستجدة الناصرية، وتقدموا إلى كنيسة كانت مجاورة للبركة المذكورة، وارتقوا عليها، وحركت طبلخاناة الأمراء حربيا، فكان ذلك على صفة الزحف، فهدمها أولئك، ولم يتمكن الأمير ركن الدين بيبرس المندوب لحفر البركة، ولا الأمير شهاب الدين أحمد بن المهمندار [1] أمير النقباء من ردّهم، ولا قدروا على منعهم؛ لكثرتهم، ونهبوا ما كان فى الكنيسة بعد تشعيثها [2] بالهدم، وكسرت أبوابها وما كان بها من الأوانى، وأريق ما بها من الخمور.
ولما اتصل خبر هدمها بالسلطان غضب، لانتهاك حرمة السلطنة، وتجرّى العوام وإقدامهم على هذا الأمر، ثم لم يكتف العوام بذلك إلى أن تقدموا إلى عدة كنايس، بالقاهرة ومصر، فنهبوها، ونبشوا قبور بعض أموات النصارى وحرقوهم، وشعّثوا الأبنية، واجتمع بعض عوام مصر، وتوجهوا إلى الكنيسة المعلّقة [3] ، وقصدوا هدمها، فما مكّنوا من ذلك، فاشتد حرج السلطان، وأمر بالقبض على من أقدم على ذلك، فمسك بعض العوام وحبسوا، واستفتى السلطان القضاة فيما يلزم هؤلاء الذين انتهكوا الحرمة، فأفتوه بتعزيرهم بحسب رأى الإمام، فضرب بعضهم، وشق مناخير بعض، وأخرج من الاعتقال من أرباب الجرايم من وجب عليهم القتل، فوسّط منهم جماعة، وعلقوا فى أماكن تخويفا للعوام، ثم أعقب هذه الحادثة من الفتن ما نذكره.
ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر [4]
لما وقع ما ذكرناه/ من هدم الكنايس، وقع أثر ذلك الحريق بمصر المحروسة، فكان أول ذلك أن احترقت دار الوكالة بالقاهرة فى شهر ربيع الآخر [5] ، وهى التى عند باب البحر، وتعرف بفندق الخزّ، فاحترق فيها متاجر الناس من الزيت والعسل والأصناف، فعدم لهم جملة كثيرة، وظن الناس أن ذلك
[1] الضبط من (السبكي معيد النعم ص 31) وفى هامشه أنه مركب من مهمن- الضيف، دار- ممسك أو حافظ، وفى صبح الأعشى (5/459) هو الذى يتصدى لتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان، وينزلهم دار الضيافة، ويتحدث فى القيام بأمرهم.
[2]
يقال تشعث رأس الوتد أو المسواك: إذا تفرق والمعنى من ذلك على التشبيه.
[3]
الكنيسة المعلقة- كما فى المقريزى (الخطط ج 2/511) بمدينة مصر فى خط قصر الشمع وهى جليلة القدر عند النصارى.
[4]
فى «أ» ص 9 ومصيره.
[5]
فى المقريزى (السلوك 2/220) أن ابتداء الحريق كان يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى وتواتر إلى سلخه «وقد أورد تفاصيل كثيرة لحوادث الحريق، وانظر فى هذا الخبر: النجوم (9/65- 68) .
عن غير قصد، وأنها إنما احترقت على جارى العادة فى وقوع النيران فى أماكن على سبيل الغلط وعدم التحفظ والاحتراز، ثم سكن ذلك إلى يوم السبت الخامس عشر من جمادى الأولى، فوقع الحريق فى القاهرة ومصر، وكان أول الحريق بخط حارة الدّيلم [1] ، فاحترقت دار الشريف بدر الدين نقيب الأشراف، وما يجاورها من دور [الأشراف][2] والمسلمين، فكان جملة ما احترق من الدور المتجاورات ما ينيف على ثلاثين دارا يقارب المائة مسكن، واشتدت النار وعظمت، واستمرت بذلك المكان أياما، وخيف أن تتصل بدار «القاضى كريم الدين» ناظر الخواص السلطانية ووكيلها، وبها أموال السلطان والأقمشة وغير ذلك من التحف، وهو يوم ذاك بثغر الإسكندرية، فرسم السلطان بركوب الأمراء لذلك، فحضر الأمراء وغلمانهم، والسقايين والقصارين وغيرهم، وركب نائب السلطنة والحجاب وأمير جاندار [3] ، وغيرهم من أعيان الأمراء، واجتهدوا فى أمر النار إلى أن طفيت، بعد أن هدم وعدم بسببها من الدور والأموال والأقمشة والأصناف ما لا تحصى قيمته.
واختلفت الأقاويل، فقائل يقول: إنها من السماء، وقائل يقول: لعلها من قبل الملوك والأعداء، وآخر يقول: إنما فعله البطالون من الجند والحرافيش [4] لقصد النهب، وقائل يقول: إنما هو من فعل النصارى. وترادف الحريق، وتوالى، فاحترقت عدة دور من مساكن الأمراء، وكانت النيران تقع فى أعالى الدور والباذهنجات [5] ، فاحتفل الناس لذلك وتأهبوا، واستكثروا من الدّنان والخوابى، وملئوها ماء، ووضعوها فى الطرقات وعلى أبواب الحوانيت
[1] فى المقريزى (الخطط 2/8) إنها عرفت بذلك لنزول الديلم الواصلين مع هفتكين الشرابى حين قدم ومعه أولاد مولاه معز الدولة البويهى وجماعة من الديلم والأتراك فى سنة 368 هـ فسكنوا بها فعرفت بهم.
[2]
ما بين الحاصرتين من «أ» ص 9 وعبارة «ك» من دور المسلمين.
[3]
فى «أ» ص 10 وأمير خاندار.
[4]
الحرافيش واحدهم حرفوش، ويفهم من السياق أن مراده العامة أو الرعاع (وانظر أيضا: معيد النعم ص 96) ، ولعلها من أحرنفش: إذا تهيأ للشر، أو من الحرنفش وهو الغليظ الجافى الطبع (وانظر مادة أحرنفش فى تاج العروس 4/297) .
[5]
الباذهنجات: جمع الباذهنج، ويقال له أيضا البادنج وهو منفذ فى سطح الدار على هيئة إسطوانة لها فتحة فى الجهة الغربية يدخل منها النسيم (عن قاموس استينجاس، وشفاء الغليل) وانظر أيضا (السلوك 2/222) ومطالع البدور (1/45) .
والأسواق والقياسير والاصطبلات والدروب والدور، والحريق لا يفتر، وهو لا يقع غالبا إلا فى النهار، وصار الناس يسهرون طول الليل بالنوبة، خصوصا على دور الأمراء، فإن مماليكهم وغلمانهم كانوا يبيتون على أسطحة دورهم، ويضربون الطبول بازات، ويصرخ بعضهم لبعض، وامتنع كثير من الناس من حضور الجمعة لملازمتهم أسطح بيوتهم.
ولقد صلّيت فى [بعض][1] الجمع بالجامع الحاكمى مع أحد الأمراء الأكابر مقدمى الألوف، وكانت عادته أن يصلى معه من مماليكه وألزامه جماعة كثيرة، فرأيت الذين حضروا إلى الجامع نحو الربع ممن كان يحضر، فسألته عن سبب تخلّفهم عن الحضور، فأخبرنى أنه تركهم لحراسة داره [2] خوفا أن تقع النار فيها، فيتداركوها بالإطفاء قبل تمكّنها.
فلما كان فى يوم الخميس العشرين من الشهر وجد ثلاثة من النصارى فى حارة العطوف، وقد رموا نارا فى بعض الدور، فما شك الناس عند ذلك أن الحريق من النصارى، وانتقلوا من الظن والاختلاف إلى اليقين والإجماع، وضرب هؤلاء وقرّروا، فاعترفوا بالحريق، ثم اعتنى بهم، فقيل: إنهم من الفلاحين، وإنهم لم يفعلوا ذلك، وإنما أقروا لما حصل لهم من ألم الضرب، فأطلقوا، هذا والسلطان ينكر أن يكون ذلك من فعل النصارى؛ لما يلقيه إليه من له اعتناء خاص بهم، ويقول المعتنى بهم: النصارى أضعف أبدانا وقلوبا من الإقدام على هذا الأمر الكبير، ويستدلون على ذلك ويوجهونه، فيقولون: إن النار غالبا إنما تقع فى رءوس الباذهنجات، وأعالى الدور، ودور أكابر الأمراء، ومن أين يصل النصارى إلى ذلك؟ فيرجع السلطان إليهم، ويقول: هذا لا يتوصل إليه إلا بالنّشّاب، وأشاع بعضهم أنه رأى بعض الجند بمصر يرمى النشاب إلى بعض الدور، وأن السهم لما أبعد عن القوس وأصابه الهواء أورى نارا، وكان السلطان قبل ذلك قد عرض جماعة من الجند، وقطع أخباز [جماعة منهم
[1] ما بين الحاصرتين زيادة من «أ» ص 10.
[2]
فى «أ» ص 11 (دوره) .
نحو] [1] السبعين، واعتقلهم بخزانة البنود لما بلغه عنهم من اللعب والتفريط فى إقطاعاتهم، وصرفها فى المحرّمات، فكان اعتقالهم لطفا بهم، ولو كانوا فى بيوتهم ما شك السلطان أن هذا من فعلهم، ثم أمسك فى يوم الجمعة الحادى والعشرين من الشهر أربعة من النصارى الروم الملكيين [2] فاعترفوا أنهم أحرقوا الدور والأماكن، ولم يتحاشوا ولا توقفوا، بل أقروا بذلك من غير ضرب ولا تهديد، وقالوا: نحن فعلنا هذا فى مقابلة هدم كنائسنا، ونحن جماعة خرجنا عراة، واعترفوا على رهبان دير البغل [3] ،/فأنهى إلى السلطان أن هؤلاء من النصارى العرب الملكيين، وأنهم ليسوا من اليعاقبة [4] الذين هم نصارى البلاد، وإنما فعل هؤلاء هذا لجهلهم، وحسّن من له اعتناء باطن بالنصارى وميل إليهم أن يأمر بقتلهم، وإنما قصد تعجيل إعدامهم خشية أن يقرّوا على غيرهم، فأمر السلطان بهم، فحرقوا فى يوم السبت الثانى والعشرين من الشهر، والسلطان بالميدان.
ثم قيل للعوام والناس: هؤلاء الذين كانوا يحرّقون حرّقناهم، فمن احترقت بعد هذا داره فليمسك جاره ونحن نقابله، فاشتد ذلك على الناس، واستغاث العوام، واتهموا القاضى كريم الدين وكيل السلطان بالاعتناء بالنصارى والذّب عنهم، وكان ذلك يظهر عليه، فلما ركب من الميدان بعد الظهر للانصراف إلى داره شغب جماعة من العوام عليه، واستغاثوا ورفعوا أصواتهم بسبه، ورجموه بالحجارة والطوب، فعطف نحو الميدان، وركض فرسه وخلص منهم، وأنهى ذلك إلى السلطان، فحرج السلطان حرجا كثيرا، واشتد غضبه، وانضاف ذلك إلى ما عنده من الحرج على العوام، فإنه لما كان ركب من القلعة إلى الميدان فى بكرة
[1] ما بين الحاصرتين من «أ» ص 11 وعبارة «ك» «وقطع أخبازهم نحو السبعين» .
[2]
فى القلقشندى (صبح الأعشى 11/392) أنهم أتباع ملكا الذى ظهر قديما ببلاد الروم قال: والروم والفرنج كلهم أتباعه، وبالديار المصرية منهم النزر اليسير، ولهم بطرك يخصهم، وانظر أيضا صبح الأعشى (ج 13/276 و 277) وانظر: نهاية الرتبة فى طلب الحسبة ص 120 حاشية 1 و 2.
[3]
دير البغل: كان يقع فى أعلى جبل المقطم شرقى طرة وحلوان، واسمه الأصلى «دير القصير» (المقريزى- الخطط 2/515) النجوم الزاهرة (9/68) .
[4]
اليعاقبة (ويقال لهم: اليعقوبية) قال القلقشندى (صبح الأعشى ج 3/278 و 280) : هم أتباع ديسقورس بطرك الإسكندرية فى القديم. وهو الثامن من بطاركتها من حين بطركية مرقس الإنجيلى نائب بطرس الحوارى بها، وانظر ص 120 حاشية 1 و 2 من كتاب: نهاية الرتبة فى طلب الحسبة للشيزرى.
نهار السبت المذكور استغاث العوامّ والحرافيش، وبلغنى من جماعة أنهم رفعوا أعلاما ثلاثة: أحدها أبيض، والثانى أحمر، والثالث عليه صليب، فتغافل السلطان عن ذلك، ولم يأمر فيهم بشىء، فلما وقع منهم هذا الفعل اشتد غضبه، وجرّد جماعة من الحجّاب والنقباء والمماليك حتى أوصلوا كريم الدين إلى داره.
ثم ذكر السلطان هذه الواقعة لأكابر الأمراء كل منهم على انفراده، فبدأ بالأمير سيف الدين بكتمر الأبى بكرى [1] ، واستشاره فيما يفعل فى ذلك، والمذكور رجل تركى جافى الطبع، عديم السياسة، فقال للسلطان: المصلحة أن السلطان يرسل إلى العوام فيقول لهم: يا خوشداشيّة [2] أنتم رعايانا والسواد الأعظم، وإن كنتم قد كرهتم هذا الخنزير عزلناه عنكم، وولينا غيره، ونطيّب خواطرهم، فغضب السلطان من كلامه، وشتمه واستقل عقله، وسفّه رأيه، وواجهه بالسب، ونفر فى وجهه، وكان من أمره ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.
ثم استشار الأمير جمال الدين آقش الأشرفى [3] بعده، ولم يعلم ما قاله الأمير سيف الدين المذكور، ولا ما قيل له، فقال: يا مولانا السلطان، الناس قد كرهوا هذين الرجلين- يشير إلى كريم الدين الوكيل، وكريم الدين الناظر- والمصلحة عزلهما، وصدقات السلطان كثيرة تشملهما فى العطلة كما تشملهما فى العمل- أو نحو هذا ومعناه من الكلام- وإذا عزلهما السلطان سكنت هذه الفتنة، فكره السلطان كلامه أيضا، لكنه لم يواجهه بما واجه به الأبى بكرى، بل قال له: والله لا بد أن آمر بوضع السيف فى العوامّ، وسفك دمائهم، حتى لا يتجرّأ من بعدهم من العوام على الملوك.
[1] بكتمر الأبوبكرى: من أكابر الأمراء فى دولة الناصر، تنقل من الجندية إلى الطبلخاناه، ثم عظم قدره إلى أن صار أمير سلاح، غضب عليه السلطان سنة 722 فسجنه بالقلعة، فبقى فى سجنه إلى أن مات فى شعبان 728 هـ (الدرر 1/482) .
[2]
خوشداشية: الفرد خوشداش، وهو لفظ مركب من خوش- طيب أو جيد وداش (فى التركية) نا للمتكلمين ويمكن تفسيره ب «يا رفاقنا الطيبين» .
[3]
آقش الأشرفى: جمال الدين البرناق المعروف بنائب الكرك، وانظر ترجمته فى: الدرر (1/395) ، وليلاحظ أن المدة فى آق وآقش علامة تفخيم الحرف التالى لها فى اللغة التركية.
ثم استدعى الأميرين: سيف الدين بكتمر الحسامى الحاجب. كان. وسيف الدين الملك الحاج [1] . وهما من الأمراء الأكابر الخصّيصين بخدمة السلطان ويعرفان أخلاقه، ويبتغيان مراضيه، فسايراه بالميدان، فذكر لهما ما فعله العوامّ بكريم الدين، وقال: هذا الرجل هو وكيلى ووزيرى، والمتصرف فى دولتى، وحرمته من حرمتى، وقد تجرأ العوام عليه، ورجموه وأخرقوا [2] حرمته، فما الذى تريان أن أفعله فى ذلك؟ فاستعظما فعل العوام، وقالا: لقد وقع العوامّ فى أمر عظيم ما سبقهم أمثالهم إلى مثله، وكان ينبغى أنهم لما فعلوا ذلك أن يمسك منهم جماعة، ويوقع بهم من النّكال ما يكفّ غيرهم عن التجرّى والتعدّى.
فرسم السلطان أن يتوجّه الحاجب ونقيب النقباء، وجماعة معهم، ويقبضوا على من ظفروا بهم من العوام، فأخبرنى الأمير سيف الدين بكتمر الحسامى المشار إليه قال: والله لما قال السلطان ذلك دخل علىّ وعلى رفيقى من الألم ما علمه الله تعالى، وعلمنا أننا قد تكلمنا بكلام أوجب سفك دماء جماعة من المسلمين، فتلطّفنا بالسلطان، وقلنا: إن الذى فعل هذا الفعل، وأقدم على هذا الأمر العظيم علم أنه صاحب ذنب وهرب، واختلط المذنب بالبرىء ونخشى أن نمسك من لا أذنب ولا أقدم على هذا الأمر، فنعاقب البرىء بذنب المجرم، فيكون ذلك فى ذمة السلطان، ونحن لا نختار هذا، ولكن المصلحة أن يخرج القاضى كريم الدين على عادته، وتتفرق جماعة من المماليك السلطانية، فيكونوا بالقرب منه، لعل البعض يتعرض إليه، فيمسك منهم من فعل ذلك، ويعاقب المذنب حقيقة، ويسلم البرىء، وتبرأ ذمة السلطان، قال: ولم نزل نتلطف به، ونسكن غضبه، إلى أن سكن حرجه بعض السكون.
ولما قرب وقت انصراف السلطان من الميدان أمر الحاجب [3] والنقباء قبل خروجه بضرب العوامّ والحرافيش، وطردهم عن طريق السلطان فيما بين
[1] هكذا فى «أ» ص 12 و «ك» وفى السلوك: سيف الدين آل ملك الجوكندار الأمير الحاج، ومثله فى ابن حجر (الدرر 1/411) والحاج: من ألقاب مقدمى الدولة ومن فى معناهم وإن لم يكن قد حج (عن: صبح الأعشى 6/11) .
[2]
أخرقوا: يريد انتهكوا، وهذا الفعل يستعمل بهذا المعنى كثيرا عند مؤرخى هذه الفترة.
[3]
فى «أ» ص 13 (الحجاب) بلفظ الجمع.
الميدان والقلعة، فطردوا، وركب السلطان إلى القلعة وهو على غاية الحرج، والحدّة والغضب، وكان قد أمر بالقبض على العوام، فمسك منهم جماعة كثيرة، فأحضر السلطان القضاة فى يوم الأحد الثالث والعشرين من الشهر، واستفتاهم فى أمرهم، وأنهم انتهكوا الحرمة، وتعدّوا على وكيله، مع جلالته عنده، ورجموه، فأفتوه بتعزير من ثبت عليه أنه رجم، فلم يرضه ذلك، فأمر بقطع أيدى من عرف بالفساد منهم، فقطعت أيدى أربعة، وجرّسوا [1] ، ولم يحسم أيديهم، فمات بعضهم، وأمر السلطان أن يقيد بقية من مسك، ويستعملوا فى جسور الجيزية، ففعل ذلك بهم، والعوام لا يرتدعون ولا [يتركون][2] العاثة.
وفى يوم الأحد المذكور أمسك بالجامع الظاهرى ثلاثة من النصارى قد لبسوا العمائم البيض، وتراءوا فى زى [3] المسلمين، ودخلوا الجامع، وقصدوا إحراقه، فجىء بهم إلى متولّى القاهرة الأمير علم الدين سنجر الخازن [4]، فأنكر على نائبه بالحسينية- وهو الذى أحضرهم- وقال: من يشهد على هؤلاء أنهم حرقوا؟ وشتمه، وإنما فعل ذلك [رعاية [5]] لخاطر من يعتنى بهم، فتوجه النائب المذكور، وهجم بيوت هؤلاء النصارى الذين وجدوا فى الجامع، فوجد فيها آلات الحريق، وفتايل قد عملت بالزيت والكبريت، وغير ذلك من الأصناف المحرقة، فضرب أولئك ضربا خفيفا، فاعترف اثنان، وأنكر الثالث، فاعتنى بهم فأطلقوا، ولم ينه خبرهم إلى السلطان، وقرر عنده أنه لم يحرق من النصارى إلا أولئك الغرب الذين حرقوا، وهو لا يشك فى ذلك.
ولما كان فى يوم الاثنين الرابع والعشرين من الشهر جلس السلطان بدار العدل على العادة، [وحضر القضاة والأمراء وغيرهم على جارى العادة][6] ،
[1] جرسه: شهره، وأصله أن من يشهر يجعل فى عنقه جرس، ويركب على دابة مقلوبا، أى وجهه من جهة ذنبها (شفاء الغليل ص 76 و 77) .
[2]
ما بين الحاصرتين زيادة عن «أ» ص 13 والعاثة: يريد بها الإفساد، من عاث يعيث، وقياس مصدره العيث والعيوث، والعيثان.
[3]
فى «أ» ص 13 (وتزيوا بزى) .
[4]
سنجر الخازن: هو سنجر السرورى الأشرفى، كان من المماليك المنصورية فلم يزل يترقى إلى أن صار والى القاهرة (من 712- 724) وإليه ينسب حكر الخازن بالقاهرة قريبا من بركة الفيل، وله خانفاه بالقرب من الإمام الشافعى (الدرر 2/172) .
[5]
ما بين الحاصرتين زيادة عن «أ» ص 14.
[6]
ما بين الحاصرتين سقط من «ك» ، والزيادة من «أ» ص 14.
فاستفتى القضاة فى أن يلبس النصارى العمائم البيض على عادتهم القديمة، وقال: هذا إنما جدّد عليهم فى أيامى، وقد رأيت أن أعيدهم إلى ما كانوا عليه، فقالوا له: هذه سنة [كانت][1] أميتت، وقد أحياها الله تعالى فى أيام السلطان، ولا ينبغى إزالتها، وقال له قاضى القضاة، شمس الدين الحنفى:
«مذهب أبى حنيفة أن السلطان إذا قرر شيئا على أهل الذمة فليس له ولا لغيره نقضه؛ وقرأ له النص فى ذلك، فسكت ولم يرضه ذلك.
وكان سبب ذلك أن من له اعتناء بالنصارى حسّن ذلك للسلطان، وقال:
إن النصارى يحمّلون على ذلك ما لا، فتكلم فى ذلك فأجيب بهذا الجواب.
ولما انقضى مجلس دار العدل، وانصرف القضاة، وقدّم إلى السلطان طعام الطارئ، أخرج الأمير جمال الدين يغمور، أحد أستاذ داريّة السلطان، من صولقه فتيلة من الفتايل التى أخذت من النصارى الذين وجدوا بالجامع الظاهرى، ورآها الأمير ركن الدين بيبرس [2] الأحمدى أمير جندار [3] ، فتقدم بها أمير جاندار إلى السلطان، وعرضها عليه، فسأله عنها، فقال: هذه مما وجد مع النصارى الذين قصدوا إحراق الجامع الظاهرى، ولم يكن السلطان أطلع على ذلك، فغضب وسأل عنهم، فقيل: إنهم أطلقوا، فألزم متولى [4] القاهرة بإحضارهم، فأحضرهم، فاعترف اثنان أنهم حرقوا، وقالوا: إنهم جماعة كبيرة، منهم من يحرق المدينة، [ومنهم] من خرج إلى الأرياف ليحرق الزروع، وأنكر الثالث، فسلمه السلطان للأمير سيف الدين «الدمر» أمير جاندار، فقرّره، فأقر، بالتهديد والتخويف قبل الضرب، واعترف على راهب بالخندق، فما شك السلطان عند ذلك فى أن الحريق من قبل النصارى اليعاقبة، فغضب عند ذلك، وأنكر غاية الإنكار، ثم قبض على جماعة من النصارى، وجىء بهم، وهم
[1] ما بين الحاصرتين زيادة عن «أ» ص 14.
[2]
بيبرس الأحمدى أمير جاندار، كان أحد الأبطال الفرسان الشجعان، وكان أحد من يشار إليهم فى الحل والعقد بعد موت الناصر، ولى نيابة طرابلس وكانت وفاته 746 هـ (عن الدرر 1/502) .
[3]
جاندار، ويرسم أيضا جندار، لقب فارسى مركب من جان- روح، ودار- حافظ. ومعناه حارس ذات الملك (الألفاظ الفارسية المعربة ص 46) وفى صبح الأعشى (5/461) : لقب على الذى يستأذن على الأمراء وغيرهم فى أيام المواكب، فلا يأذن فى الدخول عليهم إلا لمن يأمن عاقبته.
[4]
المتولى- الوالى: كان قديما لا يسمى به إلا نائب السلطان وهو الآن (770 هـ) اسم لمن إليه أمر الجرائم من اللصوص وغيرهم (معيد النعم ص 43) والنويرى يورده بهذا المعنى.
يعترفون، ومنهم من اعترف على بعض كتّاب ومتولّى النصارى أنهم أعانوهم بالمال حتى أقدموا على ذلك، فلم يزادوا على الاعتقال، لتظافر العناية بهم ممن تقدم إسلامه من القبط.
فلما كان فى يوم الخميس السابع والعشرين من الشهر جلس السلطان على العادة، وحضر الأمراء وغيرهم إلى الخدمة، فخاطب السلطان أكابر الأمراء فى هذا الأمر، وقال: قد قررت على النصارى مضاعفة الجزية/ فيؤخذ منهم جزيتان، وأمر أن ينادى فى المدينتين أن يلبسوا الثياب الزّرق مضافة إلى العمائم، وأن يشدوا الزنانير فوق ثيابهم، وأن يميّزوا إذا دخلوا الحمام بجلجل يجعلونه فى أعناقهم، وألا يستخدموا فى الدواوين السلطانية، ولا فى دواوين الأمراء، ولا فى الأعمال والبرور، فنودى بذلك.
وخرجت الأمثلة الشريفة السلطانية به، وقرئت على المنابر بالمدينتين، وأنفذت إلى العاملين، وتضمن المثال المجهّز [1] منها إلى الوجه القبلى الذى قرىء على منابر المدن ما مثاله- بعد البسملة:
«الحمد لله مظهر هذا الدين المحمدى على كل دين، ومؤيد بنا الإسلام وأهله وما حق [2] بنا المشركين، الذى قهر بتأييدنا جميع الأعداء، وحقن بعفونا وحلمنا دماء الكافرين، نحمده على ما أولانا من فضله العميم، ونصره المبين، ونشكره شكرا نستزيد به من كرمه، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة باليقين، ونشهد أن سيد البشر محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين، وخاتم الأنبياء الذين أرسلهم إلى العاملين، وأن عيسى ابن مريم عبده ورسوله الذى بشر بمبعثه، وآمن برسالته قبل ظهور دينه المبين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه [3] خصوصا على مؤيد شرعه أول خلفاء المسلمين، وعلى من فتح البلاد، وضرب الجزية على أهل الكتاب فى كل ناد، وأعلن بالتأذين [4] ، وعلى من جهز جيش العسرة
[1] فى «ك» (المحاسن» وما أثبتناه من «أ» ص 16.
[2]
فى ك «ومحق» والمثبت من 1.
[3]
ما بين الحاصرتين سقط من «ك» وأثبتناه من «أ» ص 16.
[4]
فى «ك» (بالبادين) وما أثبتناه من «أ» ص 16.
وثوقا بضمان سيد المرسلين، وعلى ممزّق جموع الكفر وجامع شمل المسلمين، صلاة باقية مستمرة إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: فإن الله تعالى لما أقامنا لنصرة الإسلام وأهله، وصرفنا فى عقد كل أمر وحلّه، وأيّدنا بنصره وعصمنا بحبله، لم نزل نعلى كلمة الإيمان، ونظهر شعائر الإسلام فى كل مكان، ونقف عند الأوامر الشرعية، لتكون كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هى العليا، وكان جماعة من مفسدى النصارى قد تعدوا وطمعوا، وتمادوا فى المخالفة إلى ما يقتضى نقض العهود، وبغوا، وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً
فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً
، وتعرضوا لرمى نيران أطفأها الله بفضله، ومكروا مكرا سيئا، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
اقتضى رأينا الشريف أن نأخذهم بالشرع الشريف فى كل قضية، ونجدد عليهم العهود العمرية، وأن يقرر على من شمله عفونا ممن ضعف منهم ضعف الجزية ما تكون به أنفسهم تحت سيوفنا مرتهنة، ونضرب عليهم فى لباسهم وحرماتهم الذّلة والمسكنة، فلذلك رسم بالأمر الشريف العالى المولوى السلطانى الملكى الناصرى، لا يزال ناصر الدين بجوده [وعدله][1] ، مظهر دين الحنيفية على الدين كلّه، أن تستقر الجزية على سائر النصارى بالوجه القبلى ضعف ما عليهم الآن، فيؤخذ من كل نصرانى ماليّتان: المستقرة أولا واحدة، والزيادة نظير ذلك، للخاص الشريف، مهما كان مستقرّا بسائر النواحى فى الوجه القبلى فى الإقطاع حسب ما قررت فى الرّوك المبارك الناصرى، يكون للمقطعين، والزيادة الثانية المضاعفة الآن تكون للخاص الشريف، وأن يلبس سائر النصارى عمائم زرقاء، وثيابا [2] زرقا، ويشدوا الزنّار [3] فى أوساطهم، وألا يستخدم أحد من النصارى فى جهة من الجهات الديوانية، والأشغال السلطانية، وكذلك لا يستخدم أحد من الأمراء أحدا من النصارى عنده، وأن يبطلوا جميعهم من الجهات التى كانوا يخدمون بها، والحذر ثم الحذر من أن أحدا منهم يخرج عما رسمنا به، ومن فعل ذلك منهم
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «ك» ، وما أثبتناه من «أ» ص 17.
[2]
فى «أ» ص 18 وجبابا.
[3]
الزنّار: حزام يشده النصرانى على وسطه، ثم صار فى الإسلام علامة مميزة لهم.
كانت روحه قبالة ذلك، ولا ينفعه بعدها فدية ولا جزية، ويحسم مادة فسادهم، وينكشف بذلك ما أظهروه من سوء اعتمادهم، فليثبت [حكم][1] هذا المرسوم الشريف، وليدخل تحت أمره المطاع كل قوى وضعيف، وليستقر ضرب هذه الجزية استقرارا بلا زوال، مستمرّا بدوام الأيام والليال [2] ، باقية بدوام الأعوام والسنين، مخلّدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فإنها حسنة ساقها الله تعالى لدولتنا الشريفة ومثوبة، وذخيرة صالحة لم تزل فى صحائفنا الطاهرة مكتوبة، ومعدلة نشرها الله تعالى على يدينا فى الآفاق، وأجر يكون ثوابه عند الله باق، وسبيل كل واقف عليه- واليا ونائبا، وحاضرا وغائبا، وناهيا وآمرا، وشادّا وناظرا، ومأمورا وأميرا، وكبيرا/ وصغيرا- الانتهاء عند هذا التحذير، فيبادرون إلى امتثال هذا المرسوم الشريف ويسمعونه، ويسارعون إلى العمل بما فيه وينفذونه، ويقفون عند حكمه ويمتثلونه، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ
، والله تعالى يعلى منار الإسلام ويزيده قوة وإظهارا، ويجعل الدائرة على أعداء الدين، ولا يذر على الأرض من الكافرين ديّارا، يعدّ الخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه، وكتب فى سابع عشرين جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة حسب الأمر الشريف [3] .
ولما برز هذا المثال، وغيره من الأمثلة، لم ينفذ حكمها، ولا طولب نصرانى بزيادة، ومنع النصارى من المباشرات أياما قلائل، وأسلم بعض كتّاب الأمراء، فاستقروا على وظائفهم، ثم استقر سائر المباشرين من النصارى على مباشراتهم، وذلك أن كريم الدين الناظر أنهى إلى السلطان أن جماعة منهم فى الأشغال السلطانية، ومتى صرفوا قبل انتهاء السنة فسدت الأحوال، وتعطلت المصالح، وسأل أن يستمرّوا بقية هذه السنة، وينفصلوا بعد رفع الحساب، ووافقه السلطان على ذلك، وتدافعت الأيام فاستمروا.
ولما رسم فى حقهم بما رسم، ونودى بما تقدم ذكره، كفّ عوام المسلمين أيديهم عن النصارى، وظهروا بعد استتارهم، وكان عوامّ المسلمين فى هذه
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «ك» ، وأثبتناه من «أ» ص 18.
[2]
فى «ك» (بدوام الليالى والأيام) وما أثبتناه من «أ» ص 18، وهو أولى لتصح السجعة.
[3]
هذا المرسوم أورده محقق كتاب «السلوك لمعرفة دول الملوك «وأثبته كاملا بنصه نقلا عن النويرى هنا، وجعله الملحق الثالث من ملاحق الجزء الثانى، فى الصفحات من (959- 962) طبعة سنة 1958.
الأيام المتقدمة يضربون من ظفروا به من النصارى الضرب الذى يبلغ بهم حد الموت، مع إشهار النداء بالأمر السلطانى ألا يتعرض أحد إلى ذمة السلطان للنصارى، ومن تعرض إليهم بأذيّة سفك دمه، والعوام لا يزيدهم ذلك إلا تماديا، وحصل للسلطان حرج على العوام شديد، فلما شاع هذا الأمر أمسكوا عنهم.
ونودى فى يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى ألا يفتح أرباب المعايش حوانيتهم التى على طريق الميدان ما بين الميدان والقلعة فى يوم السبت خاصة، وذلك بسبب ركوب السلطان إلى الميدان، وألا تفتح طاقات الدور التى ينظر سكانها إلى الطريق الذى يسلكه السلطان فى مروره إلى الميدان وعوده، ومنع العوام من الخروج لرؤية السلطان، وركب السلطان إلى الميدان فى يوم السبت سلخ الشهر، ولعب بالكرة على جارى عادته.
وفى اليوم المذكور، وقع الحريق بقلعة الجبل فى الدار المعروفة بسكن الأمير سيف الدين ألماس الحاجب، وكان ذلك والسلطان بالميدان، ثم طفيت.
[وأنكر السلطان على متولى القلعة أشد إنكار كونه أهمل هذا الأمر، وأحضر نائب السلطنة والأمراء الخاصّكيّة، فاجتمعوا للفكرة فى هذا الأمر][1] .
ووقعت النار أيضا فى ليلة الأحد مستهل جمادى الآخرة بقيساريّة بقلعة الجبل أيضا، وهى سكن جماعة من المماليك السلطانية تجاور باب القرافة، ففتح باب القلعة ليلا، واجتمع الأمراء الذين بالقلعة، والمماليك السلطانية واجتهدوا فى إطفائها، فطفيت، وهدم ما حول ذلك المكان من الدروب، ورسم السلطان أن ينتقل من بالقلعة فى المكان المعروف بخراب التّتر [2] إلى المدينة.
ثم وقعت النار فى وقت الظهر فى يوم الاثنين التاسع من جمادى الآخرة بدار نائب السلطنة بقلعة الجبل، فاحترق منها مكان يعرف بالمنظرة الحسامية بأعلى الدار، فتبادر الأمراء والمماليك السلطانية وغيرهم من الغلمان والسقّايين إلى إطفائها فطفئت، وسكن أمر الحريق بعد ذلك.
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «ك» ، وأثبتناه من «أ» ص 20.
[2]
فى «أ» ص 20 «بخراب التتار» . وفى خطط المقريزى (2/204 و 205 فى صفة القلعة «
…
وبها مساكن تعرف بخرائب التتر كانت قدر حارة خربها الملك الأشرف برسباى فى ذى القعدة سنة 828 هـ» .
وفى يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة منع المنجّمون وأرباب الخلق من المشعوذين وغيرهم من الانتصاب لذلك، ورسم بغلق قاعات العلاج وغيرها، ورسم أيضا بالقبض على جماعة من الحرافيش، وأن يعملوا بالجسور السلطانية بالجيزية، فقبض على جماعة منهم، وعملوا فى الجسور إلى يوم الثلاثاء العاشر من الشهر، ثم أمر السلطان بإطلاقهم، فأطلقوا.
وفى يوم الاثنين الثانى من جمادى الآخرة سمّر اثنان من النصارى، وطيف بهم على الجمال، أما أحدهما: فإنه كان قد أسلم تبعا لأبيه، واستمر فى دين الإسلام مدة تزيد عن عشر سنين، ثم ارتدّ، فأحضر فى هذا الوقت، وسئل فاعترف أن أباه أسلم وهو دون البلوغ، وعرض عليه الآن الإسلام فأباه، فرسم السلطان بتسميره، وأما الآخر: فإنه من النصارى الذين اعترفوا بالحريق/ وماتا على ذلك.
وفى يوم الاثنين التاسع من جمادى الآخرة ظهر النصارى بعد استتارهم، وفتحوا دكاكينهم، وانتصبوا فى معايشهم على عادتهم قبل وقوع هذه الحادثة.
[وفيها [1] ، فى يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الآخرة أمر السلطان بالقبض على الأمير صلاح الدين طرخان بن الأمير المرحوم بدر الدين بيسرى الشمسى الصالحى، النجمى والده، ولم يكن لذلك سبب إلا أنه حصل بينه وبين ابن أخيه علاء الدين على بن فارس الدين ألكبيه محاكمة شرعية، فرسم له بإرضائه، فامتنع أن يعطيه إلا ما يثبت له شرعا، فرسم بالقبض عليه.
وأودع الزّردخاناه [2] ، ثم نقل إلى البرج، ثم إلى الإسكندرية، ورسم ببيع موجوده، وإعطائه لابن أخيه المذكور، فابيع من موجوده بمبلغ تسعين ألف
[1] ما بين الحاصرتين ورد فى «ك» هكذا: «واعتقل بالجب مدة، ثم نقل إلى الإسكندرية، وأخذ منه قبل توجهه إلى الإسكندرية لابن أخيه المذكور ذهب ونقرة بمبلغ تسعين ألف درهم، وأودع فى قبة البيمارستان المنصورى تحت يد الشيخ قطب الدين السنباطى وكيل بيت المال المعمور، ثم قبضها علاء الدين المذكور من المودع، واستمر فى اعتقال الإسكندرية إلى أن توفى بها رحمه الله تعالى» . وما أثبتناه من «أ» ص 21، أورده فى هامشه، وقد ترجح عندنا صوابه بعد مراجعة المقريزى فى السلوك (2/332 و 282 و 288) فقد ورد ذكر الأمير صلاح الدين طرخان وذكر فى خبره أنه بقى فى سجنه أربع عشرة سنة إلى أن مات فى جمادى الأولى سنة 735 هـ، أى بعد وفاة المصنف بأكثر من عامين.
[2]
: الزردخاناه من الدور السلطانية، وكان بها الجب الشنيع لسجن الأمراء، وانظر خطط المقريزى (2/205) .