المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني من هذا الفصل - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٧

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌النوع الثالث عشرالكلام في الأخبار

- ‌ المقدمة

- ‌المسألة الأولىفي حقيقة الخبر وحده

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةذهب الجماهير إلى أن الخبر لا يخلو عن كونه صدقا، أو كذبا

- ‌الفصل الأول"في الخبر الذي يقطع بصدقه

- ‌القسم الأولفي التواتر

- ‌المسألة الأولىفي معنى التواتر لغة واصطلاحا:

- ‌المسألة الثانيةالأكثرون على أن الخبر المتواتر بفيد العلم مطلقا خلافا للسمنية والبراهمة

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بأن التواتر يفيد العلم، اختلفوا في أن ذلك العلم ضروري أو نظري [

- ‌المسألة الرابعةاستدل على أن خبر أهل التواتر صدق: بأن أهل التواتر إذا أخبروا عن شيء، فإما أن يكونوا قد أخبروا به مع علمهم بكونه صدقا، أو مع علمهم بكونه كذبا، أو لا مع علمهم بالصدق ولا بالكذب بل أخبروا به رجما بالغيب، والقسمان الأخيران باطلان فيتعين

- ‌المسألة الخامسةفي شروط الخبر المتواتر

- ‌المسألة السادسةقد ذكرنا أن من شروطه أن يكون المخبرون عددا لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فهذا القدر متفق عليه، لكن اختلفوا بعد ذلك في أنه هل له عدد معين أم لا

- ‌المسألة السابعةلا يعتبر في المخبرين أن لا يحصرهم عدد، ولا يحويهم بلد

- ‌المسألة الثامنةلا يشترط فيهم أن يكونوا مختلفي الأديان، والأنساب، والأوطان

- ‌المسألة التاسعةلا يشترط أن يكون فيهم معصوم خلافا للشيعة ولابن الراوندي

- ‌المسألة العاشرةلا يشترط في السامعين أن لا يكونوا على اعتقاد نفي موجب الخبر لشبهة، أو تقليد

- ‌المسألة الحادية عشرةفي أنه هل يجب اطراد حصول العلم بالنسبة إلى سائر الأشخاص بإخبار عدد التواتر الذي حصل العلم بخبرهم عن واقعة بالنسبة إلى شخص أم لا

- ‌المسألة الثانية عشرةفي التواتر المعنوي

- ‌القسم الثاني من هذا الفصل

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن القرائن إذا احتفت بخبر الواحد، هل تدل على صدقه أم لا

- ‌المسألة الثانيةإذا أخبر واحد بحضرة جماعة كثيرة عن شيء محسوس بحيث لا يخفى عن مثلهم، وسكتوا عن تكذيبه كان ذلك دليلا على صدقه عند قوم، وخالف فيه آخرون

- ‌المسألة الثالثةإذا أخبر واحد بين يدي الرسول عليه السلام، وسكت الرسول عليه السلام عن تكذيبه، وعلم عدم ذهوله عليه السلام عما يقوله فهل يدل ذلك على صدقه أو لا

- ‌المسألة الرابعةاجماع الأمة على موجب خبر لا يدل على القطع بصدقه

- ‌المسألة الخامسةقال بعض الشيعة:بقاء النقل، مع توافر الدواعي على إبطاله يدل على صحته قطعا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في أن شطر الأمة إذا قبل الحديث وعمل بمقتضاه، أو احتج به في مسألة علمية، والشطر الآخر اشتغل بتأويله هل يدل ذلك على صحته على وجه القطع

- ‌الفصل / (69/أ) الثانيمن كتاب الأخبار

- ‌المسألة الأولىالخبر الذي يكون على خلاف ما علم وجوده بالضرورة

- ‌المسألة الثانيةالواحد إذا انفرد بنقل ما لو وجد لتوفرت الدواعي على نقله؛ إما لتعلق الدين به: كأصول الشرع، أو لغرابته: كسقوط المؤذن من المنارة بمشهد الجمع العظيم والجم الغفير، أولهما جميعا: كالمعجزات، ولم ينقله الباقون فهو أيضا مما يقطع بكذبه عند الج

- ‌المسألة الثالثةالخبر الذي يروى في وقت قد استقرت فيه الأخبار، فلم يوجد بعد الفحص والتفتيش في بطون الكتب، ولا في صدور الرواة ولا يعرفه أحد من النقلة بوجه من الوجوه: علم قطعا أنه كذب

- ‌المسألة الرابعةفي أن الأخبار المروية عنه عليه السلام بالآحاد قد وقع فيها ما يقطع بكذبه

- ‌الفصل الثالثفي الخبر الذي لا يقطع بصدقه ولا بكذبه وهو خبر الواحد

- ‌القسم الأول

- ‌المسألة الأولىفي حقيقة خبر الواحد:

- ‌المسألة/ الثانية: (73/أ)خبر الواحد العدل المتجرد عن القرائن لا يفيد العلم عند جماهير العلماء خلافا لبعض أصحاب الحديث

- ‌المسألة الثالثةذهب الأكثرون في أنه يجوز ورود التعبد بخبر الواحد عقلا، خلافا لجماعة من المتكلمين

- ‌المسألة / (76/أ) الرابعةالقائلون بجواز التعبد بخبر الواحد عقلا اختلفوا في ورود التعبد به

- ‌القسم الثانيفي شرائط وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌الصنف الأول"في الشرائط المتفق عليها

- ‌المسألة الأولىيشترط أن يكون الراوي مكلفا

- ‌المسألة الثانيةإذا كان صبيا عند التحمل، بالغا عند الرواية، متصفا بالشرائط المعتبرة في غيره عند الرواية فإنها تقبل

- ‌المسألة الثالثةيشترط أن يكون الراوي مسلما، فمن لا يكون كذلك ولم يكن من أهل قبلتنا كأهل الكتاب وغيرهم فإنه لا تقبل روايته إجماعا

- ‌المسألة الرابعةيشترط أن يكون الراوي عدلا

- ‌المسألة الخامسةالفاسق الذي ترد روايته وفاقا إنما هو الفاسق الذي يعلم فسقه، فأما الذي لا يعلم فسقه: فإن كان فسقه مظنونا قبلت روايته

- ‌المسألة السادسةيشترط أن يكون الراوي ضابطا لما سمعه، فرواية المغفل الذي لا يضبط حالة السماع، والذي يضبط فيها لكن يغلب عليه السهو والنسيان بعدها، والذي يتساوى فيه احتمال الذكر والسهو والنسيان غير مقبولة

- ‌المسألة السابعةلا يقبل عندنا رواية من لم يعرف منه سوى الإسلام وعدم الفسق ظاهرا بل لا بد من خبرة باطنة بحاله، ومعرفة استقامة سيرته ودينه، أو تزكية من عرفت عدالته بالخبرة له

- ‌خاتمة لهذا الصنف

- ‌المسألة الأولى"اختلفوا في اعتبار العدد في المزكى والجارح على ثلاثة أقوال:

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في أنه هل يشترط ذكر سبب الجرح والتعديل في قبولهما أم لا

- ‌المسألة الثالثةفي أن الجرح هل يقدم على التعديل أم لا

- ‌المسألة الرابعةفي مراتب التعديل

- ‌المسألة الخامسةترك الحكم بشهادته، وترك العمل بروايته ليس جرحا، أي: ليس دليلا على الفسق، وإن كان دليلا على عدم اعتبار شهادته وروايته

- ‌المسألة السادسةفي تعديل الصحابة

- ‌الصنف الثاني

- ‌المسألة الأولىمذهب الأكثرين أنه لا يشترط العدد في الراوي بل يقبل خبر الواحد العدل

- ‌المسألة الثانيةلا يشترط في الراوي أن يكون معروف النسب

- ‌المسألة الثالثةلا يشترط/ كون الراوي فقيها

- ‌المسألة الرابعةالراوي إذا عرف منه التساهل في حديث الرسول فلا خلاف في أنه لا تقبل روايته

- ‌المسألة الخامسةلا يشترط أن يكون عالما بالعربية، وبمعنى الخبر

- ‌المسألة السادسةليس من شرط الراوي أن يكون مكثرا لسماع الحديث، ومكثرا للرواية ومشهورا بمجالسة المحدثين ومخالطتهم

- ‌المسألة السابعةراوي الأصل إذا لم يقبل الحديث وأنكر الرواية [عنه] هل يقدح ذلك في رواية الفرع أم لا

- ‌القسم الثالث"فيما اختلف فيه في رد خبر الواحد

- ‌المسألة الأولىاعلم أن خبر الواحد إذا ورد مخالفا لدليل آخر، فإما أن يكون ذلك الدليل مقطوعا به، أو مظنونا

- ‌المسألة الثانيةإذا روي عن الرسول عليه السلام: أنه فعل فعلا يخالف موجب خبر الواحد:فإن لم يكن لفظ الخبر متناولا له عليه السلام، ولا قامت الدلالة على أن حكمه وحكمنا فيه سواء لم يكن بينهما تناف فلا يرد به الخبر

- ‌المسألة الثالثةعمل أكثر الأمة بخلاف الخبر لا يوجب رده

- ‌المسألة الرابعةإذا انفرد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النقلة، هل يوجب ذلك رد الزيادة [أم لا]

- ‌المسألة الخامسةإذا وجد خبر الواحد مخصصا أو مقيدا لعموم الكتاب، أو السنة المتواترة أو إطلاقه، ولم يعلم مقارنته له ولا تراخيه عنه هل يقبل أم لا

- ‌المسألة السادسةالراوي إذا خالف ظاهر الحديث لم يقدح ذلك في وجوب الأخذ بظاهر الحديث عندنا وعند كثير من العلماء، وهو اختيار الكرخي

- ‌المسألة السابعةإذا اقتضى خبر الواحد علما، وكان في الأدلة القاطعة ما يدل عليه لم يرد بل يجب قبوله

- ‌المسألة الثامنةيجوز للراوي أن ينقل الخبر بالمعنى

- ‌المسألة التاسعةالراوي إذا أراد نقل بعض الخبر وترك البعض الآخر، هل يجوز له ذلك أم لا

- ‌المسألة العاشرةالمرسل هل هو مقبول أم لا

- ‌المسألة الحادية عشرةفي التدليس

- ‌القسم الرابع"في مسند الراوي وكيفية روايته

- ‌النوع الرابع عشرالكلام في القياس

- ‌ المقدمة

- ‌المسألة الأولىفي تحقيق معنى القياس بحسب اللغة، وبحسب الاصطلاح

- ‌المسألة الثانيةفي تعريف الأصل والفرع

- ‌المسألة الثالثةاعلم أنا إذا علمنا أن الحكم في محل الوفاق معلل بكذا، وعلمنا حصول ذلك الوصف مع جميع ما يعتبر في اقتضائه لذلك الحكم في صورة النزاع علمنا حصول مثل ذلك الحكم في صورة النزاع، فهذا النوع من القياس مما لا نزاع فيه بين العقلاء بل الكل أطبقوا

- ‌الباب الأولفي بيان أن القياس حجة في الشرعيات

- ‌المسألة الثانيةفي إثبات جواز التعبد به عقلً

- ‌المسألة الثالثةفي أنه لا يجب وقوع التعبد بالقياس عقلًا

- ‌المسالة الرابعةفي أن التعبد بالقياس واقع سمعًا

- ‌المسألة الرابعةالنص على علة الحكم يفيد الأمر بالقياس

- ‌المسألة الخامسةالمسكوت عنه قد يكون أولى بالحكم من المنصوص عليه

- ‌الباب الثانيفي الركن الأول من أركان القياس وهو الأصل

- ‌المسألة الأولىفي شرائط الأصل

- ‌المسألة الثانيةلا يشترط في الأصل أن يقوم دليل على جواز القياس عليه

- ‌المسألة الثالثةلا يشترط في الأصل أن يكون قد انعقد الإجماع على أن حكمه معلل

- ‌الباب الثالثفي الركن الثاني وهو الحكم

- ‌المسألة الأولىفي شرطه

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في أن النفي الأصلي هل يعرف بالقياس أم لا

- ‌المسألة الثالثةذهب أصحابنا إلى أن القياس يجري في أسباب الأحكام كما يجري في الأحكام خلافًا للحنفية

- ‌المسألة الرابعةذهب أصحابنا وأكثر الأثمة إلى: أنه يجوز إثبات الحدود/ (161/ أ) والكفارات، والرخص، والتقديرات بالأقيسة خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه - رحمهم الله تعالى

- ‌المسألة الخامسةذهب أصحابنا إلى أنه يجوز إثبات أصول العبادات بالقياس خلافًا للحنفية والجبائي من المعتزلة

- ‌المسألة السادسةالأمور العادية والخلقية: كأقل الحيض وأكثره، وأقل مدة الحمل وأكثره لا يجوز إثباته بالقياس

- ‌المسألة السابعةيجوز أن تثبت الأحكام الشرعية بأسرها بالنصوص

- ‌المسألة الثامنةقد عرفت مما سبق من أدلة القياس أن القياس مأمور به، فهو إذن إما واجب، أو مندوب

الفصل: ‌القسم الثاني من هذا الفصل

وأما ما يقال في تقرير هذا النوع: أنا نعلم قطعا أن كل تلك الأخبار ليس بأسرها كذبا بل لا بد وان يكون / (63/أ) واحد منها صدقا، ومتى ثبت صدق واحد منها ثبت كونه سخيا وشجاعا فضعيف؛ لأنه لا يلزم من كون الشخص أعطى مرة، وقتل شخصا أن يكون سخيا وشجاعا، ولو سلم ذلك لكن غاية ما يلزم منه أنه صدق، ولا يلزم من صدقه أن يكون متواترا فإنه لم يتفق عليه عدد لم يكن تواطؤهم على الكذب لا بحسب الكلية، ولا بحسب الجزئية؛ إذ في هذه الطريقة لا ينظر إلى القدر المشترك بين تلك الأخبار، بل إلى خصوصية خبر واحد منها لكن لا بعينه بل هذا من جملة طرق صدق الخبر الغير المتواتر.

والعجب من الإمام أنه عد هذه الطريقة من طرق صدق الخبر الغير المتواتر، ثم أنه ذكره طريقا في إثبات التواتر المعنوي.

‌القسم الثاني من هذا الفصل

في الأخبار التي سبيل صدقها غير التواتر وهو ينقسم إلى صنفين:

متفق عليه، ومختلف فيه.

أما الصنف الأول فأنواع:

أحدها: الخبر الذي عرف مخبره بالضرورة.

وثانيها: الخبر الذي عرف مخبره بالنظر والاستدلال.

ص: 2753

وثالثها: خبر الله تعالى، وصدقه متفق عليه بين المليين وأرباب الديانات، لكنهم اختلفوا في الدلالة عليه فنفاة التحسين والتقبيح اختصوا بمسلك، ومثبتوهما اختصوا بمسلك آخر، ومسلكان آخران غير مختصين بأحد الفريقين بل لكل واحد منهما الاحتجاج بهما.

فالمسلك الأول من مسلكي الفريقين وهو الأقوى وهو: أن الصدق صفة كمال، والكذب صفة نقص، وهو معلوم بالضرورة متفق عليه بين العقلاء والله تعالى منزه عن جميع النقائص باتفاق العقلاء، فوجب أن يكون منزها عن الكذب.

ولأن النقص طبيعته طبيعة عدمية، ولا تطرق للعدمي إلى واجب الوجود، ولأنه لو لم يكن منزها عن الكذب لكان الواحد من الممكنات حال كونه صادقا أكمل [منه] تعالى وذلك معلوم البطلان بالضرورة.

وثانيها: وهو إخبار الرسول عليه السلام عن امتناع الكذب عليه تعالى.

واعترض على هذا المسلك بأن صدق الرسول عليه السلام مستفاد من صدق الله؛ ضرورة أن صدقه مستفاد من دلالة المعجزة على صدقه، ودلالة المعجزة على الصدق قائم مقام التصديق بالقول والتصديق بالقول إنما يفيد صدق المصدق أن لو كان المصدق صادقا، فلو استفيد صدق الله تعالى من صدق الرسول لزم الدور.

وجوابه من وجهين:

أحدهما: أنا لا نسلم أن دلالة المعجزة على [التصديق يتوقف على

ص: 2754

صدقه تعالى، وهذا لأن دلالة المعجزة على] تصديقه فيما يدعيه من الرسالة نازلة منزلة قوله:"أنت رسولي" ومعلوم أن دلالة هذا على كونه رسولا حين قصد به الإنشاء كما في قول القائل "أنت وكيلي" لا يتوقف على الصدق؛ لأن الإنشاء لا يتطرق إليه التصديق والتكذيب.

وحينئذ يندفع ما ذكرتم من الدور.

فإن قلت: فعلى هذا لا يلزم صدق الرسول في كل ما يخبر عنه بل إنما يلزم منه صدقه فيما يدعيه من الرسالة؛ لأن قوله: "أنت رسولي" لا يدل إلا عليه؛ لأن كونه صادقا في جميع الأمور أمر حقيقي، والإنشاء لا مدخل له في الأمور الحقيقية بل تأثيره في الأمور الوضعية؛ فإذن لا طريق إلى معرفة كون الرسول صادقا في كل الأمور إلا من قبل كون الله تعالى صادقا، وحينئذ يلزم الدور المذكور.

قلت: هذا الإلزام مشترك فإنا بتقدير أن نجعل دلالة المعجزة نازلة منزلة التصديق بالقول الخبري، فإنما نجعلها نازلة منزلته فيما يقترن به التحدي، والذي يقترن به التحدي إنا هو دعوى الرسالة وكونه مبعوثا من جهته تعالى، لا دعوى الصدق في كل الأمور فما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا عن ذاك، وليس ذاك إلا أن الصدق في كل الأمور ضرورة الصدق في الرسالة، فإنه لو لم يثبت الصدق في كل الأمور إذا ذاك لم يحصل مقصود الرسالة، فإن المقصود منها إنما هو الدعوى إلى الله تعالى، وهي إنما تتحقق بالترغيب على ما به الدعوة، والترهيب على تركه الموقوفين على التبليغ منه

ص: 2755

ومعلوم أنه لا يحصل هذا المقصود إلا إذا حصلت الثقة بما يبلغه منه تعالى، وذلك بالعصمة عن الكذب في جميع ما يقوله عنه تعالى فيثبت أنه لو لم يثبت الصدق في جميع الأمور لم يحصل مقصود الرسالة، وإذا لم يثبت مقصود الرسالة فكأنه لم تثبت الرسالة فثبت أن الصدق في جميع الأمور من ضرورة الصدق في الرسالة وحينئذ يندفع الدور.

وثانيهما: وهو الأقوى أن التصديق بالمعجزة تصديق بالفعل والقرينة وذلك لا يتوقف على الصدق في المقال. ألا ترى أن المكذب في ادعاء الرسالة عن ملك إذا استدعى منه تصديقه فدام المكذبين وقال له: أيها الملك، إن كنت صادقا فيما أدعيه من الرسالة عنك وفيما بلغتهم عنك وكان الملك قد علم ذلك فخالف عادتك وقم من مقامك هذا ثلاثا واقعد، فإنه إذا فعل الملك ذلك اضطر الحاضرون إلى العلم بصدق ذلك المكذب في تلك الدعوى، وإن كان الملك ممن عهد منه الكذب، فثبت أن التصديق بالفعل والقرينة لا يتوقف على الصدق في المقال.

وأيضا فإن الإنسان إذا أخبر عن غيره بأنه عطشان فلو صدقه ذلك الشخص بالقول لا يحصل القطع / (64/أ) بعطشه بل لا يحصل الظن إذا كان كذوبا، فأما إذا صدقه بالفعل والقرينة بأن يكون لسانه خارجا، والعرق يسيل منه، ووقع في ماء وشرب منه فإنه يحصل منه التصديق ولا يلزم من جعل التصديق بخلق المعجزة نازلا منزلة التصديق بالقول في إفادة الصدق، وجعله نازلا منزلته في اعتبار جميع الأمور المعتبرة فيه.

وأما المسلك الذي اختص به أصحابنا في ذلك فهو: أن كلامه تعالى معنى قائم بذاته تعالى، ويستحيل الكذب في الكلام النفساني على

ص: 2756

من يستحيل عليه الجهل؛ لأن الخبر يقوم بالنفس على وفق العلم، والجهل على الله محال فيستحيل عليه الكذب أيضا، وإذا استحال الكذب في الكلام النفساني استحال في هذا المسموع أيضا؛ ضرورة أنه معبر عنه ومطابق له.

بقي أن يقال: فبماذا تعرف المطابقة؟ قلنا: بقول الرسول عليه السلام وصدق قول الرسول عليه السلام لا يتوقف على هذه المطابقة حتى يتوهم الدور؛ لأنه ليس معجزا بهذا الاعتبار وإلا لزم أن تكون سائر الكتب المنزلة معجزات وليس كذلك بل هو معجز باعتبارات أخر على ما عرف ذلك في موضعه وحينئذ لا يلزم الدور. فظهر أن هذه الحجة ليست مغالطة كما زعمه الإمام رحمه الله.

فإن قلت: ما الدليل على أنه يستحيل الكذب في الكلام النفساني على من يستحيل عليه الجهل فإن هذا ليس بديهيا حتى لا تطلب بينته؟

قلت: لأن الكذب في الكلام النفساني هو أن يكون خبر غير مطابق قائما بنفس المتكلم ولا معنى للجهل إلا هذا.

وأما المسلك الذي اختص به القائلون بالتحسين والتقبيح فهو: أن الكذب قبيح - والله تعالى - لا يفعل القبيح، لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

واعترض عليه الإمام: بأنه ليس المراد من الكذب المحكوم عليه بالقبح

ص: 2757

الخبر الذي لا يكون مطابقا للمخبر عنه - في الظاهر - وإن كان بحيث لو أضمر في زيادة أو قدر فيه نقصان أو تغيير صح، لأنه حينئذ يلزم كذب نحو قوله تعالى:{وأتيت من كل شيء} ، وقوله تعالى:{خالق كل شيء} بل المراد منه الخبر الذي لا يكون مطابقا في الظاهر، ولا يمكن أن يصير مطابقا بسبب إضمار أو نقصان، أو تغيير، وحينئذ يصير الكذب المحكوم عليه بالقبح غير ممكن الوجود؛ لأنه لا خبر يفرض كونه كذبا إلا وهو محال متى أضمر فيه زيادة، أو قدر فيه نقصان، أو تغيير صار صدقا وحينئذ يرتفع الأمان عن جميع ظواهر الكتاب والسنة.

ثم أورد على نفسه سؤالا وقال: لو كان المراد منه غير ظواهرها - لوجب أن يبينها الله تعالى -، وإلا لكان تلبيسا، وهو غير جائز وبتقدير أن يكون ذلك جائزا لم يكن في كلام الله تعالى فائدة فيكون عبثا وهو على الحكيم محال.

وأجاب عن الأول: بأنه إن عنى بالتلبيس: الفعل الذي لا يحتمل إلا التجهيل فهو غير لازم؛ ضرورة احتمال الكلام لغير ظاهره، وإن عنى به الفعل الذي ظاهره التجهيل وإن كان محتملا لغيره فمثله لا نسلم أنه لا يجوز منه تعالى؛ وهذا لأن إنزال المتشابهات جائز منه بالاتفاق مع أن ظاهره التجهيل، وعن الثاني بأن العبث إنما يلزم لو لم يكن له تعالى فيه غرض ما وهو ممنوع؛ وهذا لأنه يجوز أن يكون غرضه تعالى غير الظاهر كما في إنزال المتشابهات.

فإن قلت: ذلك عندنا مشروط بقيام الدلالة على امتناع ما أشعر به ظاهر الكلام، وإلا لم يكن ذلك جائزا.

ص: 2758

قلت: هب أنه كذلك، لكن لا يشترط علم سامع المتشابه بذلك الدليل وفاقا، فكذا ها هنا يجب أن يشترط علم سامع الظاهر الذي أريد منه غير الظاهر بذلك الدليل الذي يدل على امتناع إرادة ظاهرة، وحينئذ يرتفع الوثوق عن جميع ظواهر الكتاب والسنة؛ إذ لا سبيل إلى العلم بعدم ذلك الدليل الذي يدل على امتناع إرادة الظاهر منها، بل غايته أنه لم يوجد بعد الاستقراء والطلب لكن ذلك لا يدل على العدم. وهذا تمام كلامه في ضعف هذه الطريقة.

ولقائل أن يقول: هذا الإشكال غير مختص بالقائلين بالتحسين والتقبيح بل هو وارد على المذهبين، فإن بتقدير أن يكون قبح الكذب شرعيا أمكن أن يقال: الكذب المحكوم عليه بالقبح شرعا، أما أن يكون هذا أو ذاك إلى آخر ما ذكر، ولم يدع القوم أن قبح الكذب إذا كان عقليا أمكن إجراء خطاب الله تعالى على ظاهره على القطع حتى يكون ما ذكروه واردا عليهم، ثم لم لا يجوز أن يقال: الكذب المحكوم عليه بالقبح هو الخبر الذي لا يكون مطابقا للمخبر عنه ظاهرا مع عدم إرادة المتكلم لذلك الغير الظاهر منه على وجه التجوز وهو غير ما ذكروه من القسمين وهو ممكن الوجود؟

ورابعها: خبر الرسول عليه السلام، وصدقه أيضا متفق عليه بين أرباب الملل والديانات، ودليل صدقه في كل الأخبار ظهور المعجزة على يده وهو ظاهر إن اقترن التحدي به وإلا فبالعرض، أي بواسطة ثبوت الرسالة كما تقدم.

وقال الشيخ الغزالي رحمه الله: (دليل صدقه دلالة المعجزة على صدقه مع استحالة ظهور المعجزة على يد الكذابين؛ لأن ذلك لو كان ممكنا لعجز الله عن تصديق رسوله) وهو [غير] مرضي؛ لأنه لا يلزم من إمكانه

ص: 2759

عجزه عن تصديق رسله؛ وهذا لأن اللبس إنما يحصل من وقوعه على يد الكاذب، لا من إمكانه، فجاز أن يكون ممكنا لكنه يقطع بانتفائه فيحصل تصديق رسله مع إمكانه، وإنما يلزم ذلك لو لم يكن مقطوعا بالانتفاء.

واعترض عليه بوجه آخر وهو: أنه إن كان يلزم من اقتداره تعالى على إظهار المعجزة على يد الكاذب عجزه [عن تصديق رسوله فكذا يلزم من عدم اقتداره على إظهار المعجز على يد الكاذب عجزه] عنه فلم كان نفى أحد العجزين عنه أولى من الآخر؟

وأيضا إذا فرض: أن / (65/أ) الله تعالى قادر على إظهار المعجز على يد الكاذب - فمع هذا الفرض - إن كان تصديق الرسول ممكنا لم يصح قوله: "أنه يلزم من إمكان ظهور المعجز على يد الكاذب عجزه عن تصديق رسله، وإن لم يكن ممكنا لم يلزم العجز؛ لأن العجز إنما يتحقق بالنسبة إلى الممكنات، فأما بالنسبة إلى المستحيلات فلا؛ وهذا لأنه لا يوصف الله تعالى بالعجز عن خلق نفسه.

وأيضا: إذا استحال أن يقدر الله تعالى على تصديق رسله إلا إذا استحال منه إظهار المعجز على يد الكاذب: وجب أن ينظر - أولا - أن ذلك هل هو محال، أم لا؟ وأن [لا] يستدل باقتداره على تصديق الرسل على عدم قدرته على إظهار المعجز على يد الكاذب؛ لأن ذلك تصحيح الأصل بالفرع وهو دور.

سلمنا سلامته عن الدور، لكن لا نسلم أنه يستحيل ظهور المعجز على يد الكاذب، وما ذكرتم من الدلالة فهو معارض بما أنه ممكن في نفسه ومقدور الله تعالى في جميع الأوقات، ولم يقبح عليه فعله نظرا إلى ذاته فوجب أن يكون

ص: 2760

كذلك عند ادعاء الكاذب، وإلا لزم أن ينقلب الممكن ممتنعا، والمقدور معجوزا.

وفي هذه الاعتراضات نظر: أما الأول؛ فلأنا لا نسلم أنه يلزم من الحكم بعدم اقتداره على إظهار المعجز على يد الكاذب العجز حتى يقال: فلم كان نفي أحد العجزين عنه أولى من الآخر؟؛ وهذا لأن عد اقتداره عليه إنما هو على تقدير استحالته؛ إذ المستدل نفي إمكانه بما بين من الملازمة ونفي اللازم، ولا يتحقق العجز بالنسبة إلى المستحيل على ما اعترف به المعترض وإنما يلزم ذلك أن لو أثبت عدم اقتداره عليه على تقدير إمكانه وليس كذلك، ولا يمكن إيراده بالنسبة إلى الاستحالة بأن يقال: ليس الاستدلال بلزوم عدم اقتدار الله تعالى على تصديق رسله على استحالة ظهور المعجز على يد الكاذب على استحالة تصديق رسله؛ لأن إمكانه متفق عليه بين المليين القائلين بكونه تعالى قادرا، والكلام في خلق المعجز فرع أصل القدرة بخلاف [إمكان] إظهار المعجز على يد الكاذب، ولأنه وقع وهو دليل الإمكان بخلاف إظهار المعجز على يد الكاذب.

سلمنا لزوم العجز على التقديرين لكن لزوم العجز عن إظهار المعجز على يد الكاذب أولى من لزوم العجز عن تصديق رسله؛ لأن عجز الحكيم عن مراده، أو ما هو من لوازمه أخل بكمال قدرته من عجزه عما لا يريده، ولهذا يعبر الإنسان بالأول دون الثاني.

وأما الثاني؛ فلأنا لا نسلم أنه لا يلزم العجز على تقدير مجموع الأمرين وهو أن يكون الله تعالى قادرا على إظهار المعجز على يد الكاذب، وعدم

ص: 2761

إمكان تصديق الرسل حينئذ؛ وهذا لأن لزوم العجز بالنسبة إلى المحال وإن كان محالا لكن هذا المجموع أيضا محال عندنا والمحال جاز أن يستلزم المحال.

وأما الثالث فضعيف جدا؛ لأنه لا دور في الاستدلال بنقيض اللازم على نقيض الملزوم وإلا لبطل أحد شقي قياس التلازم حيث يكون الملزوم فرعا.

وأما الرابع، فهو أن انقلاب الممكن إلى الامتناع الذاتي محال، فأما الامتناع العارضي فلا نسلم استحالته ألا ترى أن الشيء قد يكون ممكن الوجود ثم أنه يصير ممتنع الوجود عند وجود ما ينافيه.

وخامسها: خبر مجموع الأمة عن الشيء إذ قد ثبت أن الإجماع حجة وذلك إنما يكون بعصمتهم عن الخطأ.

وسادسها: خبر من صدقه الله تعالى أو صدقه رسوله أو مجموع الأمة.

وسابعها: الجمع العظيم البالغ إلى حد التواتر إذا أخبر كل واحد منهم عن شيء غير ما أخبر به صاحبه - سواء كان الإخبار عن أمر وجداني أو غير فإنه لا بد وأن يقع فيها ما يكون صدقا، ولا يجوز أن يكون الكل كاذبا والعلم بذلك ضروري يجده الإنسان من نفسه والاستقراء أيضا يشهده ولذلك نقطع بأن في الأخبار المروية عن النبي عليه السلام على سبيل الآحاد ما هو قوله وهو صدق قطعا، وإن كنا لا نعرف ذلك بعينه.

وثامنها: خبر من لم يصدق قط: "أنا كاذب" فإن هذا الخبر صادق قطعا؛ إذ لا يجوز أن يكون المخبر عنه لهذا الخبر هو نفسه وإلا لزم تأخر الشيء عن نفسه؛ ضرورة أن الخبر متأخر بالرتبة عن المخبر عنه بل ما قبله

ص: 2762