الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أمارة الشيء يفيد ظن الشيء مع أنه ليس بخبر واحد.
وذكر بعض المؤلفين من أصحابنا: أنه الذي لم ينته ناقلوه إلى حد الاستفاضة والشهرة، وهو ضعيف على رأي أصحابنا، وإنما هو يستقيم على رأي - أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله لأنهم يفردون له أحكاما أصولية قريبا من أحكام الخبر المتواتر، أما أصحابنا فلا، ولأن خلاف الأصوليين في خبر الواحد غير مختص بغير المستفاض والمشهور من الأخبار بل هو مطرد فيه وفي غيره، وذلك يفيد أنه من جملة أقسام خبر المتواتر عندهم.
المسألة/ الثانية: (73/أ)
خبر الواحد العدل المتجرد عن القرائن لا يفيد العلم عند جماهير العلماء خلافا لبعض أصحاب الحديث
.
فهم إن أرادوا بقولهم: أنه يفيد العلم: أنه يفيد العلم بوجوب العمل
به، أو أنه يفيد العلم بمعنى الظن فلا نزاع فيه بيننا وبينهم وبه أشعر كلام بعضهم، إذ قال: يورث العلم الظاهر، ومعلوم أن المعلوم ليس له ظاهر فالمراد منه الظن.
وإن أرادوا به: أنه يفيد الجزم بصدق مدلوله سواء كان على وجه الإطراد [كما نقل بعضهم عن الإمام أحمد، وبعض أهل الظاهر، أو لا على وجه الإطراد] بل في بعض أخبار الآحاد دون الكل كما نقل عن بعضهم فهذا باطل لوجوه:
أحدها: أنه لو أفاد العلم، فإما أن يفيده بالنسبة إلى أشخاص معينين أو بالنسبة إلى كل الأشخاص، والقسمان باطلان فبطل أن يفيد العلم.
أما الأول فلوجوه:
أما أولا: فبالاتفاق.
وأما ثانيا: فلأنه ترجيح من غير مرجح.
وأما ثالثا: فبالقياس على خبر التواتر وسائر ما يفيد العلم من الأخبار والأدلة؛ فإنها لا تختص ببعض دون البعض الآخر.
وأما الثاني: فلأنا مع كثرتنا وتفرقنا في شرق البلاد وغربها مطبقين على
أنا لا نجد ذلك من أنفسنا، ولو سمعنا ذلك الخبر من المنتهى إلى الغاية في العدالة، فإن كذبتمونا في ذلك حلفنا لكم بأيمان لا مخارج عنها، فإن كذبتمونا في ذلك أيضا فعلتم ما لا يليق مع أنكم لم تسلموا عن معارضة مثله في ادعاء وجدان العلم على أن تواطؤ مثل هؤلاء على الكذب يمتنع عادة.
وثانيها: أنه لو أفاد العلم، فأما أن يجوزوا معه أن يخبر ثقتان بخبرين متنافيين، أولا يجوزوا ذلك، فإن كان الأول فعند حصولهما إن حصل العلم بخبريهما لزم اجتماع المتنافيين، وإن حصل بأحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجح وأنه ممتنع، ولو جوز ذلك لزم أن لا يكون كل خبر ثقة مفيدا للعمل، وإن لم يحصل بقول كل أحد منهما فهو المطلوب.
وإن كان الثاني فهو أيضا باطل؛ لأن الاستقراء يفيد القطع بالوقوع وهو دليل الجواز وزيادة، وإذا بطل القسمان بطل أن يقال: أنه يفيده.
وثالثها: أنه لو أفاد العلم لما احتاج الحاكم إلى تزكية الشهود لما تقدم لكنه يحتاج فلا يفيده.
ورابعها: لو أفاد خبر الواحد العلم لم يكن لاشتراط الشاهدين في البينة معنى، ضرورة أنه حصل العلم بقول الواحد، وليس فوق العلم مرتبة حتى يطلب تحصيله بضم شاهد آخر إليه، ولكان يقع الفناء عن المعجزة؛ إذا حصل العلم بنبوة يخبر عن نبوة نفسه لا سيما ممن لم يعهد منه قط كذب ولا فسق يخل الثقة به، والثاني باطل بالإجماع فالمقدم مثله.
وخامسها: أن كل عاقل يجد من نفسه زيادة الظنون عند تعاقب الأخبار إليه إلى أن ينتهي إلى حد التواتر، ولو كان العلم حاصلا بقول الأول والثاني لما كان كذلك، إذ العلم لم يقبل التفاوت بحسب الزيادة والنقصان، وإن كان يقبل التفاوت بحسب الجلاء والخفاء؛ إذ لا فرق عندنا بين وجود بغداد وبين الصين مع أن الواصلين إلينا من بغداد والمخبرين عنها أكثر من الواصلين منه والمخبرين عنه.
وسادسها: أنه لو أفاد العلم، فإما أن يفيد علما ضروريا كما في التواتر وهو باطل بالاتفاق، أو علما نظريا وهو أيضا باطل، إذ لا قاطع يوجبه، أما أولا: فبالأصل.
وأما ثانيا: فلأنا فتشنا وبحثنا ولم نجد في ذلك قاطعا ولا القائلون به؛ إذ لو وجدوه لأظهروه، إذ يمتنع عادة إخفاء الحجة من أحد الخصمين في معرض المناظرة، وما يذكرونه من الأدلة عليه لا يفيد الظن بذلك لما سنجيب عنه فضلا عن أن يفيد العلم، وهذه الطريقة وإن لم تفد العلم بعدم ذلك في نفس الأمر لما عرفت غير مرة لكنها تفيد العلم بعدم العلم بذلك من جهة العادة وهو كاف من أن لا يكون العلم به نظريا، إذ العلم بالشيء إذا كان نظريا وجب حصول العلم بموجبه، وإذا بطل أن يفيد العلم الضروري، أو النظري بطل أن يفيد العلم ضرورة أن العلم لا ينفك عن أحد هذين القسمين.
وسابعها: أنه لو أفاد العلم لوجب تخطئة مخالفة وتفسيقه وتضليله إن كان مما يفسق فيه المخالف ويضلل ولو بالاجتهاد كما في أصول الدين، وكما في من خالف النص المقطوع به في الفروع بالاجتهاد، ولما حسن اختلاف العلماء في أن كل مجتهد مصيب أم لا في الحكم الشرعي الذي ورد فيه خير الواحد ولا قاطع فيه، ولجاز معارضة الخبر المتواتر به لكن اللوازم باطلة بالإجماع فالملازم مثله.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: أن النصوص نحو قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} ونحو قوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} ونحو قوله تعالى: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} يدل على أن اتباع
الظن والقول بما لا يعلم منهي عنه، ثم أنتم ساعدتمونا، والأدلة أيضا على أنه يجب إتباع خبر الواحد في أحكام الشرع، فلو لم يكن خبرا لواحد مفيدا للعلم لما جاز اتباعه فضلا عن أن يجب ذلك.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه إن عنى بوجوب / (74/أ) إتباع خبر الواحد أنه يجب التصديق والقطع بصدق مدلوله فهو باطل، فأنا لا نقول به ولا الأدلة تدل عليه وإن عنى به أنه يجب العمل بمقتضاه فهذا مسلم لكن ما يدل عليه ليس بظني حتى يكون ذلك اتباعا للظن، بل هو قاطع عندنا فلا يكون اتباعه اتباعا للظن.
وثانيهما: أن المراد مما ذكرتم من النصوص المنع من إتباع الظن فيما سبيله العلم لا غير نحو أصول الدين، وهذا وإن أوجب تخصيصا للعام، أو تقييدا للمطلق وهو خلاف الظاهر لكنه يجب المصير إليه جمعا بين الأدلة.
وثانيها: ما روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يستحلف الرواة سوى أبي بكر رضي الله عنه، وإنما لم يحلفه؛ لأن قوله كان يفيد العلم وبهذا يتمسك من فرق بين خبر وخبر.
وجوابه: منعه بل إنما لم يحلفه؛ لأن ظنه بصدقه أكد من ظنه بصدق غيره ولا يلزم من تقوية أصل الظن تقوية الظن المؤكد.
وثالثها: أنه لو لم يفد العلم لما أبيح قتل من أقر بالقتل، أو الزنا بعد الإحصان على نفسه، ولا بشهادة الإثنين بذلك، لاحتمال أن يكون كاذبا في إقراره، وأنهما كذبا في شهادتهما ولما وجبت الحدود [بأخبار الاحاد؛ لأن هذه الأمور يحتاط فيها، ونفيها متأيد بالبراءة الأصلية].