الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
في مراتب التعديل
.
اعلم أن التعديل قد يكون بالقول، وقد يكون بغيره.
والأول على قسمين؛ لأنه إما أن يعدل مطلقا ولم يذكر سببه، نحو أن يقول: هو عدل رضا، أو يذكر معه سببه، نحو أن يقول: هو عدل رضا لأني عرفت منه كيت وكيت.
فأما القسم الأول: فقد عرفت أنه مختلف فيه وأنه حيث يقبل على الأظهر، وأنه حيث لا يقبل.
وأما القسم الثاني: فمتفق عليه، وهو راجح على الأول عند التعارض؛ لكونه متفقا عليه ولتمام البيان فيه.
وأما النوع الثاني، وهو التعديل بغير القول فهذا على أقسام ثلاثة:
أحدها: أن يحكم بشهادته، فهذا أيضا تعديل متفق عليه، لأنه لا يحكم بشهادته إلا وهو عدل عنده، إما على الإطلاق إن كان الحاكم لا يرى الحكم بشهادة الفاسق، وإن عرف منه الصدق والتحري فيه، [وأما بالنسبة إلى قبول قوله إن كان يرى ذلك في الفاسق الذي عرف منه الصدق والتحري فيه] فإنه إذا حكم بشهادة من ليس بعدل عنده يُفَسَّق.
وهذا القسم راجح على القسمين الأولين.
أما ما يخصه بالنسبة إلى الأول منهما فهو أن هذا متفق عليه، وذاك مختلف فيه.
وأما ما يعمهما فهو أن التعديل وإن كان تذكر أسبابه، فإنه يعقل اجتماعه مع ما يوجب عدم قبول القول مع إن ليس فيه إلزام على الغير، وأما الحكم بشهادته فإنه لا يعقل اجتماعه مع ما يوجب عدم قبول القول مع أن فيه إلزاما على الغير فكان ظن قبول القول فيه أكثر.
وثانيها: أن يعمل بخبره، فإن علم أنه لا دليل له سوى ذلك الخبر كان ذلك تعديلا له؛ لأنه لا يجوز له العمل بخبر غير العدل، فلما عمل به دل ظاهرا على أنه عدل، ثم العامل بالخبر إن كان ممن يرى أن كل ما اختلف فيه أنه جارح، فهو جارح فهذا يكون تعديلا متفقا عليه، وإلا كان تعديلا بالنسبة إليه ومن هو على رأيه، ثم هو مرجوح بالنسبة إلى التعديل مع ذكر السبب، والتعديل بالحكم بالشهادة أما الأول، فلأنه يحتمل أن يكون ذلك بناء على مجرد الإسلام وعدم الفسق ظاهرا، وأن يكون بناء على تعديل غيره له من غير بيان السبب، والتعديل بذكر السبب لا يحتمل ذلك فكان راجحا عليه، وأما مرجوحيته بالنسبة إلى الثاني فظاهر؛ لأن المرجوح عن المرجوح بالنسبة إلى الشيء مرجوح بالنسبة إليه ولو سلم أن التعديل بذكر السبب مساويا للتعديل بالحكم بالشهادة على ما هو اختيار بعضهم فهو أيضا مرجوح بالنسبة إليه؛ لأن المرجوح بالنسبة إلى أحد المتساويين مرجوح بالنسبة إلى الآخر، وهو التعديل مطلقا من غير بيان السبب متقاربان.
وثالثها: أن يروي عنه خبرا فهل هو تعديل له أم لا؟ اختلفوا فيه:
فمنهم من ذهب إلى أنه تعديل له مطلقا؛ إذ لو روى عمن عرف بالفسق كان غاشا في الدين، وعدالته تنفي ذلك ظاهرا.
ومنهم من ذهب إلى أنه ليس بتعديل له مطلقا؛ لأنه لم يصدر منه سوى الرواية عنه وهي لا تدل على عدالته؛ لأن كثيرا منهم يروي عمن لو سئلوا عن عدالته لسكتوا عنه ولم يبينها له، ثم لا يلزم من أن لا يعرفه بالعدالة أن يعرفه بالفسق، فلعله لا يعرفه لا بهذا ولا بهذا وحينئذ لا نسلم أن يكون بالرواية عنه غاشا في الدين.
سلمنا أنه يعرفه بالفسق لكن لا نسلم أيضا أنه حينئذ يكون غاشا بالرواية عنه؛ وهذا لأنه لم / (94/أ) يوجب العمل على غيره لكن قال: سمعت فلانا قال كذا وصدق فيه، فروى لما سمع عنه، ووكل البحث فيه إلى من أراد قبوله والعمل بمقتضاه، وإن عمل به بمجرد روايته من غير بحث عنه كان هو المقصر لا الراوي.
ومنهم من فصل وقال: إن عرف من عادته، أو من صريح قوله أنه لا يروي إلا عن العدل، فهو تعديل له، وإلا فلا، وهو الصحيح؛ لأن