الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى
مذهب الأكثرين أنه لا يشترط العدد في الراوي بل يقبل خبر الواحد العدل
.
خلافا للجبائي، فإنه قال: رواية الاثنين مقبولة مطلقا إلا في الزنا فإنه حكى عنه أنه لا يقبل فيه إلا رواية الأربعة، فأما رواية العدل الواحد فلا تقبل إلا إذا عضده ظاهر، أو قياس، أو عمل به بعض الصحابة أو كان فيهم منتشرا.
لنا: أكثر ما سبق في أن خبر الواحد حجة.
فإن قلت: ما سبق من إجماع الصحابة فإنما نعلم انعقاده على [قبول] خبر الواحد الذي هو بمعنى أنه ليس بمتواتر، لا بمعنى الذي راويه واحد، فإنا لا نسلم انعقاد الإجماع على قبول خبر الواحد بهذا المعنى؛ وهذا لأن كثيرا منهم لم يقبل خبر الواحد / (96/أ) بهذا المعنى فإن أبا بكر لم يقبل خبر المغيرة في الجدة حتى رواه معه محمد بن مسلمة.
وعمر لم يقبل خبر أبي موسى في الاستئذان حتى رواه معه أبو سعيد الخدري.
ورد هو أيضا خبر فاطمة بنت قيس.
ورد هو وأبو بكر رضي الله عنهما خبر عثمان في رد الحكم بن أبي العاص وطالباه من يشهد له بذلك.
قلت: ذلك للتهمة والارتياب في خصوص تلك الروايات، بدليل أنه نقل عنهم بعينه قبول خبر الواحد بهذا المعنى:
إذ روي أن أبا بكر رضي الله عنه عمل بخبر بلال وحده، وعمل عمر بخبر جمل بن مالك، وبخبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس، وعمل بخبر الضحاك في توريث المرأة من دية زوجها، وعمل بخبر عبد الرحمن أيضا وترك رأيه في الدخول في بلاد الطاعون والخروج عنها.
وكذا غيرهما من الصحابة، نحو علي فإنه كان يقبل خبر أبي بكر، وقبل خبر المقداد.
وعثمان فإنه قبل خبر فريعة بنت مالك أخب أبي سعيد الخدري، وكذا الصحابة عملوا بأسرهم بخبر عائشة، وخبر أبي سعيد الخدري في الربا، وخبر رافع بن خديج في المخابرة، فلو لم يحمل عدم القبول في تلك الصور على التهمة والارتياب لزم التناقض، وأنه ممتنع، وكيف لا وأنه مصرح به في بعضها.
فإن قلت: لعل ذلك؛ لأن القياس والاجتهاد، أو ظاهر يعضده.
قلت: كانوا يتركون الاجتهاد والأقيسة والظاهر بسبب تلك الإخبارات كما في خبر المخابرة فإنه ما كانوا يرون بها بأسا،، وكما في خبر أبي سعيد فإنه على خلاف القياس، وخلاف ظاهر قوله عليه السلام:"إنما الربا في النسيئة" وكما في خبر عائشة، فإنه على خلاف ظاهر
قوله عليه السلام: "الماء من الماء".
واحتج الخصم بأمور:
أحدها: ما روي أنه عليه السلام لم يقبل خبر ذي اليدين حتى شهد له أبو بكر وعمر.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن ذلك للتهمة؛ فإن الواقعة وقعت في محفل عظيم، والواجب في مثلها الاشتهار.
وثانيهما: أنه لو دل على اعتبار العدد في الراوي، فإنما يدل على اعتبار الثلاثة: ذي اليدين والشيخين، فما دل ظاهر الحديث لا يقولون به، وما يقولون به لا يدل [عليه] ظاهر الحديث.
وثانيها: أن الدليل ينفي جواز العمل بخبر الواحد لكونه لا يفيد إلا الظن، وقد قال تعالى:{إن الظن لا يغني من الحق شيئا} ترك العمل به في خبر العدلين، لكون الظن فيه أقوى فيبقى ما عداه على الأصل.
وجوابه: ما تقدم غيره مرة.
وثالثها: قياس الرواية على الشهادة، بل أولى؛ لأن الرواية تقتضي شرعا عاما، بخلاف الشهادة فإنه لا تقتضي ذلك، فإذا لم يقبل خبر الواحد في حق الواحد، فلأن لا يقبل في حق المكلفين بأسرهم بطريق الأولى.
وجوابه: النقض بالحرية، فإنها معتبرة في الشهادة، غير معتبرة في الرواية وفاقا.
فإن قلت: ذاك لأن الشهادة منصب فلا يليق بالعبد.
قلت: المنصب في الرواية أكثر، والعلم بذلك ضروري بعد الاستقراء، وبالذكورة والبصر؛ فإنه يعتبر في الشهادة دون الرواية؛ إذ الصحابة كانت تروي عن عائشة رضي الله عنهم مع أنهم بالنسبة إليها كالعميان، لما أنها من وراء الحجاب.
وباشتراط عدم القرابة والعداوة فإنه يشترط في الشهادة، ولا يشترط في الرواية، فإنه يجوز أن يروي الولد عن الوالد، ويروي له، وبالعكس ويجوز أن يروي العدو عن العدو ويروي له.
فإن قلت: ذاك إنما كان لدفع التهمة، وتحققهما في الرواية لا يوجب تهمة؛ لأن حكم الرواية عام، لا يختص بشخص دون شخص حتى تؤثر فيه العداوة والقرابة فيشترط عدمهما.
قلت: الرواية عن الشخص إثبات منصب له، فكان ينبغي أن لا يجوز للولد أن يروي عن والده لكونه متهما في إثبات هذا المنصب له كما لا يجوز أن يشهد له وكذا بالعكس.