الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول
في بيان أن القياس حجة في الشرعيات
والمعنى من كون القياس حجة أنه إذا حصل ظن أن حكم هذه الصورة مثل حكم تلك الصورة بأن يغلب على الظن أن الحكم في تلك الصورة معلل بكذا، وغلب على الظن حصوله مع جميع ما يعتبر في اقتضائه الحكم في هذه الصورة فإنه يجب على من يحصل له هذا الظن العمل به في نفسه، وعليه أن يفتي به إذا استفتى فيه. وفيه مسائل:
المسألة الأولى
اعلم أن قبل الخوض في المقصود لا بد من بيان مذاهب الناس فيه، فإن التصديق مسبوق بالتصور، ولنورد المذاهب بتقسيم جامع متردد بين النفي والإثبات فنقول:
التعبد بالقياس إما أن يكون ممتنعًا عقلًا إما على الإطلاق أي بالنسبة إلى الشرائع بأسرها، أو لا على الإطلاق، بل امتناعه عقلًا مخصوص بشرعنا، أو لا يكون ممتنعًا عقلًا، وحينئذ إما أن يكون واجبًا، أو جائزًا.
والأول: مذهب جماعة من الشيعة والمعتزلة كأبي يحيى الإسكافي،
وجعفر بن مبشر، وجعفر بن حرب، على ما حكاه القاضي أبو الطيب عنهم، وأهل الظاهر على ما أشعر به نقل الإمام.
وكلام الغزالي ومن تابعه مشعر بأن مذهب أهل الظاهر إنما هو عدم وقوع التعبد به لا استحالته.
وهؤلاء فرق ثلاثة:
إحداها: الذين قالوا: يمتنع أن يكون القياس طريقًا إلى العلم والظن.
وثانيها: الذين قالوا: يجوز العمل بالظن، لكن زعموا أنه لا يجوز العمل بالظن.
وثالثها: في قيم المتلفات، وأروش الجنايات، والفتوى والشهادات، لأنها لا نهاية لتلك الصور، وأما ما ليس كذلك فإنه لا يجوز العمل به، وهذه طريقة أهل الظاهر.
والثاني: مذهب النظام فإنه خص امتناعه في شرعنا.
والثالث: مذهب القفال منا وأبي الحسين البصري من المعتزلة.
والرابع: مذهب جماهير الأعظم من الفقهاء والمتكلمين من السلف والخلف.
وهؤلاء اختلفوا:
فمنهم من قال: لم يقع التعبد به سمعًا.
ومنهم من قال: وقع التعبد به سمعًا.
والأولون اختلفوا:
فمنهم من قال: كما لم يرد السمع بالتعبد به لم يرد بالمنع منه.
ومنهم من قال: بل ورد السمع بالمنع منه.
واتفق الفريقان على أنه لا يجوز العمل به سمعًا لعدم ما يدل على جواز العمل به سمعًا.
وأما الذين قالوا: وقع التعبد به (فمنهم من قال: وقع التعبد به) مطلقًا أي بجميع أنواع الأقيسة.
ومنهم من لم يقل به، بل بنوع مخصوص كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف، وما علم عليته أو بإيمائه. وهو اختيار القاشاني والنهرباني.
وأما الذين قالوا بوقوع التعبد به مطلقًا، وهم جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء والمتكلمين، فهؤلاء اختلفوا: فالأكثرون منهم ذهبوا إلى أن دلالة الدليل السمعي عليه قطيعة.
وذهب الأقلون إلى أنها ظنية، وهو اختيار أبي الحسين البصري فهذا تمام الكلام في بيان مذاهب الناس.
والمختار إنما هو جواز التعبد به عقلًا لا وجوبه، ووقوعه سمعًا مطلقًا. ولنبين ذلك في مسائل: