الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
الفاسق الذي ترد روايته وفاقا إنما هو الفاسق الذي يعلم فسقه، فأما الذي لا يعلم فسقه: فإن كان فسقه مظنونا قبلت روايته
.
والأظهر أن فيه خلافا كما في الشهادة؛ إذ نقل وجه في الشهادة أنها ترد به، وذلك يتأتى في الرواية أيضا، إذ لا فرق بين الرواية والشهادة فيما يتعلق بالعدالة عندنا، وإن كان بينهما فرق في أمور أخر كاعتبار الحرية، والذكورة، والعدد، وكلام الإمام فيه صريح بحصول الاتفاق فيه، فلعله أراد اتفاق من خالف في الفسق المقطوع به كالقاضي أبي بكر وغيره قال الشافعي رضي الله عنه:"الحنفي إذا شرب النبيذ أقبل شهادته وأحده"، وهذا لأن إقدامه على ذلك ليس مما يدل على اجترائه على المعصية، لأنه أقدم عليه على ظن إباحته فلا تبطل الثقة به.
[والدليل الدال على تحريمه ليس بقاطع حتى لا يعتبر ظنه معه] فيقبل.
وإن أن فسقه مقطوعا به: فإن كان ممن يرى الكذب والتدين به فا خلاف في أنه لا تقبل روايته.
وإن لم يكن منهم:
فذهب الشافعي والأكثرون إلى قبول روايته، وهو اختيار الغزالي والإمام وأبي الحسين البصري، قال الشافعي رضي الله عنه:"أقبل رواية أهل الأهواء والبدع إلا الخطابية من الرافضة، فإنهم يرون الشهادة بالزوم لموافقيهم".
وكون الخطابية من قبيل ما نحن فيه نظر، إذ المحكي عنهم في كتب المقالات ما يوجب تكفيرهم قطعا، فإن صح ذلك عنهم لم يكونوا من قبيل ما نحن فيه، بل من قبيل الكفرة من أهل القبلة فيكون الاستثناء منقطعا.
وذهب الأقلون إلى أنه لا تقبل روايته، وهو اختيار القاضي أبي بكر والجبائي وأبي هاشم.
احتج الأكثرون بوجوه:
أحدها: أن خبر الفاسق الذي شأنه ما ذكرناه ظاهر الصدق؛ لأنه يرى الكذب قبيحا كغير من العدول، أو كفرا كما هو مذهب بعضهم، فيكون
اجتنابه عنه كاجتناب غيره أو أشد فيكون ظاهر الصدق، وحينئذ يجب العمل به بالنص، وهو قوله عليه السلام:"أحكم بالظاهر".
وثانيها: الإجماع، فإن الصحابة والتابعين قبلوا أخبار قتلة عثمان والخوارج من غير نكير فيه فكان إجماعا.
وفي هذا الإجماع ما سبق في الإجماع على قبول الرواية من الكافر من أهل القبلة.
وثالثها: وهو الوجه المعقول: أن المقتضى لقبول روايته قائم وهو ظن صدقه؛ فإن صدقه راجح على كذبه لما سبق من أن تحرزه عن الكذب كتحرز غيره أو أشد والمعارض المتفق عليه منتف وهو الفسق الذي لا يؤمن معه الجرأة، على الكذب، والأصل عدم غيره فوجب أن يقبل عملا بالمقتضى.
ورابعها: القياس على العدل والمظنون فسقه، والجامع رجحان الصدق على الكذب.
احتج الأقلون بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبإ} الآية وهذا فاسق قطعا؛ إذ الكلام في الفسق المقطوع به، فكان مندرجا تحت الآية فلا يقبل، بخلاف المظنون فسقه في الإجماع، فإنه ليس بفاسق قطعا فلا يعلم اندراجه تحت الآية.
وجوابه: أنه معلل بما علم من جرأته على فعل المحرم مع اعتقاد تحريمه الذي لا يؤمن معه جرأته على الكذب، وهذا المعنى غير حاصل فيما نحن فيه، فينتفي الحكم لانتفاء علته.
سلمنا أنه غير معلل بما ذكرنا بل / (90/أ) هو بمجرد الاسم لكنه منقوض بالمظنون فسقه.
وأما قوله: لا يعلم اندارجه تحت الآية فمسلم، لكن المسألة ليست قطعية حتى يعتبر فيها ذلك بل ظنية، وحينئذ يكفي فيها ظن الاندراج وهو حاصل فينتقض.
وثانيها: قوله تعالى: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} ترك العمل به في خبر من ظهرت عدالته [وفي المظنون فسقه فوجب أن يبقى فيما عداه وجوابه ما] سبق أن العمل بخبر الواحد ليس عملا بالظن [بل بالقطع].
سلمناه لكن ما لأجله ترك العمل به فيما عداه حاصل فيه فوجب ترك العمل به فيه أيضا.
وثالثها: أن ما لا دليل عليه يبقى على العدم الأصلي، وهذا لا دليل عليه فوجب أن يبقى على العدم الأصلي.
وجوابه: أنا لا نسلم أنه لا دليل عليه فإن من ذكرناه دليل عليه، هذا في المخالف الذي لا يظهر عناده [فأما الذي يظهر عناده] فإنه لا تقبل روايته، وإن لم نكفره ونفسقه؛ لأن عناده كذب مع علمه بكونه كذبا وذلك يقتضي جرأته على الكذب فوجب أن لا يقبل.