الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة
الراوي إذا خالف ظاهر الحديث لم يقدح ذلك في وجوب الأخذ بظاهر الحديث عندنا وعند كثير من العلماء، وهو اختيار الكرخي
.
وذهب أكثر الحنفية إلى أن ذلك يقدح فيه بل لا يجوز الأخذ به، ويجب الأخذ بمذهب الراوي؛ ولذلك حملوا خبر أبي هريرة في ولوغ الكلب، "أنه يغسل سبعا" على الندب؛ لأنه كان يقتصر على الثلاث.
قال القاضي عبد الجبار، وأبو الحسين البصري: إنه إن لم يكن لمذهبه وتأويله وجه، إلا أنه علم بالضرورة أنه عليه السلام أراد ذلك الذي ذهب إليه من ذلك الخبر وجب المصير إليه.
وإن لم يعلم ذلك، بل جوزنا: أن يكون قد صار إليه لنص، أو قياس وجب النظر في ذلك فإن اقتضى ما ذهب إليه وجب المصير [إليه، وإن لم يقتص ذلك، أو لم نطلع على مأخذه وجب المصير إلى ظاهر] الخبر؛ وذلك لأن الحجة إنما هي كلام الرسول عليه السلام، لا مذهب الراوي فظاهر كلامه يدل على معنى غير ما ذهب إليه الراوي، فوجب المصير إليه دون مذهب الراوي.
فإن قلت: هب أن مذهبه ليس بحجة على غيره من المجتهدين لكن نقول: تركه لظاهر الخبر إن لم يكن لمستند راجح عليه قدح ذلك في عدالته، وذلك يوجب القدح في قبول روايته، وإن كان لمستند راجح عليه وجب المصير / (104/أ) إليه فدار الأمر بين أن يرد الخبر، وبين أن يؤخذ بمذهبه، فأما الأخذ بالخبر إذ ذاك فغير معقول.
قلت: متى يقدح في عدالته تركه لظاهر الخبر إن لم يكن لمستند راجح عليه [إذا لم يكن راجحا] في ظنه أو في نفس الأمر؟
والأول مسلم، لكن لا يلزم منه أنه إذا كان راجحا في ظنه يجب اتباعه؛ لجواز أن يكون ظنه غير مطابق، بأن ظن ما ليس براجح راجحا لخطأ عرض له في الاجتهاد.
والثاني ممنوع؛ وهذا فإن المجتهد لا يفسق لخطأ اجتهاده بظنه راجحا ما ليس براجح في نفس الأمر حتى ترد روايته بسببه، وكونه عدلا عالما بشرائط الاجتهاد لا يمنع من خطئه في الاجتهاد سهوا وغلطا، لا قطعا ولا ظاهرا، والالزام على المجتهد الآخر تقليده، لقوله عليه السلام:"أقضي بالظاهر" وقوله: "نحن نحكم بالظاهر"، وبتقدير أن يمنع منه ظاهرا لكن من الظاهر أن ظهوره يس كظهور دلالة الخبر فلا يجوز أن يترك به الخبر.
وبهذا أيضا خرج الجواب عما يقال عليه: إن مخالفته له تدل على ضعف الرواية، أو أنه علم أنه منسوخ؛ لأنه يجوز أن تكون المخالفة بناء على الاجتهاد لا على ما ذكروه من الاحتمالين.
فإن قلت: إذا لم يوجد ثمة ما يصلح أن يستند إليه الاجتهاد مما
يصلح أن يكون معارضا له لم يبق احتمال الاجتهاد، وحينئذ يتعين أن يكون لما تقدم من الاحتمالين؛ إذ دينه يمنعه من ترك العمل بما صح أنه من الرسول عليه السلام من غير أمر يصرفه عن ذلك.
قلت: عدم وجداننا له لا يدل على عدمه عندنا؛ لاحتمال أنه كان حاصلا عنده إذ ذاك ولم ينقل إلينا.
سلمناه لكن ربما ظن ضعف روايته بما ليس بضعيف، أو ظن نسخه لما لا ينسخ به، أو ربما نسى ما رواه، وذهب إلى ما ذهب إليه للبراءة الأصلية، أو لغيرها مما لا يصلح أن يكون معارضا بخبر الواحد ويصلح أن يكون مدركا لإثبات الحكم عند عدمه.
ثم هو معارض بما أنه لو كان ذلك لضعف في روايته، أو للنسخ لبينة لأنه لا يجوز أن يروي ما في روايته ضعف إلا ويبينه، وإلا لكان ذلك تلبيسا منه، وكذلك لا يجوز أن يروي ما هو منسوخ من غير أن ينقل الناسخ.
ولا يقال: إنه ربما اكتفى في ذلك بمخالفته؛ لأن مخالفته تحتمل وجوها أخر فلا يقوم ذلك مقام صريح النسخ والضعف.
ثم إنهم وإن جروا على هذه القاعدة في خبر أبي هريرة، لكنهم خالفوها في خبر ابن عباس.
وهو أنه روى أن بريرة اشترتها عائشة وأعتقتها، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت زوج.
ومن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما أن بيع الأمة فسخ لنكاحها فأخذوا بروايته، وتركوا مذهبه مع أن الفسخ في النكاح بعيد عن الاجتهاد والقياس عندهم فكان الظاهر أنه أخذه توقيفا.
وأما إذا حمل الراوي الخبر على أحد محتملاته فهذا يحتمل وجهين: