الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو كاذب فيه فصدق في هذا وفيه بحث يأتي.
الثاني فيما اختلف في صدقه من طرق صدق الخبر بالغير المتواتر وفيه مسائل.
المسألة الأولى
اختلفوا في أن القرائن إذا احتفت بخبر الواحد، هل تدل على صدقه أم لا
؟
فذهب النظام، وإمام الحرمين، والغزالي، والإمام إلى أنه يفيد وهو المختار.
وذهب الباقون إلى أنه لا يفيد.
احتج القائلون بأن احتفاف القرائن بالخبر يفيد العلم: بأن الإنسان إذا سمع أن السلطان تغير اليوم على وزيره، واغتاض منه وأهانه، ثم إنه رأى الوزير خارجا من باب داره ماشيا وعليه من الذل والمسكنة وأثر الخوف والخجل ما يناسب لما سمع، وحواليه أعوان السلطنة كالمرتمين عليه وهم ذاهبون به إلى صوب حبس السلطان، ورأى عدوه نزل في بيته، وتصرف في ماله وخدمه، ورآه يباشر شغله فإنه يقطع بصدق / (66/أ) ما سمع، ولا يجد من نفسه في ذلك شكا وارتيابا وإن شكك فيه، وكذلك إذا سمع من شخص أنه عطشان، ثم رأى منه العطش نحو يبس اللسان، وخروجه عن الفم،
وقصده الماء وشربه منه شيئا كثيرا ورجوعه بعد ذلك إلى الحالة الطبيعية، فإنه يقطع بصدق خبره، وأمثاله كثيرة لا تعد ولا تحصى والحال في ذلك تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والقرائن، ولا يمكن الجزم في قرائن معينة بأنها تفيد كذا بالنسبة إلى جميع الأشخاص وفي جميع الأزمان، بل قد لا تفي العبارة عن وصف القرائن التي تفيد العلم بالشيء، والأمر فيه أيضا موكول إلى الوجدان كما في الخبر المتواتر.
واحتج المنكرون بوجوه:
أحدها: أن الخبر المحتف بالقرائن لو أفاد العلم: فإما أن يفيده باعتبار نفس الخبر، وهو باطل.
أما أولا: فلأن خبر الواحد لا يفيد العلم بوفاق بيننا وبين خصومنا.
وأما ثانيا: فلما سيأتي من الأدلة على أن خبر الواحد لا يفيد العلم.
أو يفيده باعتبار نفس القرائن، وحينئذ يلزم أن لا يكون للخبر فيه مدخل فيرجع حاصل النزاع إلى القرائن هل تفيد العلم، أم لا؟ وهو غير ما نحن فيه.
أو يفيد مجموع الأمرين، أو أحدهما بشرط الآخر وهما باطلان أيضا؛ لأن القرائن وحدها تفيد العلم فإنه لو لم يوجد الخبر فيما ذكرتم من الصورتين، وفرض إنسان شاهد تلك الأحوال والقرائن فإنه يجزم في الأول بتغير السلطان على الوزير وغصبه عليه، وبعطش ذلك الشخص في الثانية، فلا يكون الخبر مع تلك القرائن مفيدا.
وجوابه من وجوه:
أحدها: أن المفيد للعم حيث اجتمع الخبر والقرائن إن كان مجموع
الأمرين أو أحدهما بشرط الآخر فقد حصل الفرض، وإن كان القرائن وحدها فذلك لا يجوز؛ لأن القرائن بدون الخبر إن لم تكن مستقلة بالإفادة فظاهر، وإن كانت مستقلة فكذلك؛ لأن الأثر إذا وجد عقيب مجموع يكون لكل واحد من أجزائه مدخل فيه لم يجز إحالته إلى بعضه، وإن كان بحيث يكون مستقلا بذلك لو وجد وجد منفردا عن الباقي، كما إذا حصل العلم عقيب مجموع قرائن عدة، فإنه لم يجز إحالته على بعض تلك القرائن، وإن كان بحيث لو وجد جد منفردا عن البقية لكان مستقلا بإفادة ذلك العلم.
وثانيها: أن القرائن قل ما تعين نوعا من جني، وجزئيا من نوع، فإذا انضم إليه الخبر أفاد جزئيا معينا وهو غير مستفاد من القرائن.
وثالثها: أن العلم الحاصل من القرائن والخبر آكد من العلم الحاصل بالقرائن وحدها، والعلم بذلك ضروري، وهذا العلم المؤكد يستحيل حصوله من تلك القرائن وحدها.
وثانيها: أن الخبر مع القرائن التي يذكرها المخالف لو أفاد العلم لما جاز انكشافه عن الباطل، لكن اللازم باطل، لأنا إذا سمعنا الخبر عن موت إنسان، وشاهدنا القرائن التي يذكرها المخالف معه من البكاء عليه والصراح وشق الجيوب، وضرب الخدود، وإحضار الجنازة والأكفان والغسال فإنه ربما قد ينكشف أنه لم يمت وكان ذلك بناء على أنه أغمي عليه، أو لحقه سكتة، أو أظهر ذلك خوفا ممن أراد قتله في ذلك الوقت ولم يتمكن منه بعده.
وجوابه: أن المخالف لم يعين مع الخبر قرائن معينة لإفادة العلم حتى يرد عليه ذلك، ولا يلزم من عدم حصول العلم في بعض صور القرائن في بعض الأحوال أن لا يحصل في شيء من صور القرائن في كل الأحوال بل الأمر فيه مختلف بحسب الوقائع والأحوال والأشخاص والعبرة في ذلك بحال سامع الخبر المحتف بالقرائن، فإن حصل له العلم علم أنه مفيد له وإلا فلا.
ولو ذكر بعضهم ما تقدم ذكره من القرائن لذلك فإنما هو بناء على أنه قد يفيد ذلك لبعض الأشخاص في بعض الأحوال، فعدم إفادة ذلك المجموع للعلم في عموم الأحوال لا يقدح في ذلك.
وثالثها: أن الخبر مع القرائن لو أفاد العلم لوجب أن يحصل العلم بصدق مدعي النبوة إذا احتف بخبره القرائن، وحينئذ يجب الاستغناء عن المعجز وهو باطل.
وجوابه: أنا نلتزم أن خبره المحتف بالقرائن يفيد العلم بصدقه؛ إذ المعجز من جملة القرائن عندنا، وحينئذ لا يلزم الاستغناء عنه، وليس كل قرينة تصلح لإفادة العلم مع كل خبر بل يختص بعض الأخبار ببعض القرائن، والإخبار عن النبوة كذلك فإنه اختص بقرينة المعجز.
ورابعها: لو كانت القرائن هي المفيدة للعلم لما حصل العلم بخبر التواتر عند فقد القرائن، واللازم [باطل] إذ لا يشترط في خبر التواتر وجود القرائن وفاقا.
وجوابه: أنه لا يلزم من قولنا: القرائن مع الخبر [قد تفيد العلم إنما هو المفيد لا غير سلمناه لكن لا نسلم أنه يمكن] انفكاك خبر التواتر عن القرائن؛ وهذا لأن من شرط خبر التواتر أن ينقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب لرغبة أو رهبة جامعة لهم أو التباس يعمهم وهو قرينة.
سلمنا الانفكاك لكن لا نسلم أنه يفيد إذ ذاك.
وخامسها: أنه لو أفاد خبر محتف بالقرائن العلم لأفاد كل خبر محتف بالقرائن كالخبر المتواتر، لكن اللازم باطل لما سبق أن / (67/أ) بعض الأخبار المحتف بالقرائن لا يفيده والملزوم مثله.