الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا يعرف أيضاً أن مسيس حاجة عموم الناس إليه لا يوفر دواعي النقلة على نقله بحيث يصير متواترا وتوافر الدواعي على نقل أمر جزئي فرعي ليس كتوفر الدواعي على نقل أمر كلي أصلي، فلا يلزم من صحة الاستدلال بعدم التواتر فيما ذكروه من الصور على كذبه صحة الاستدلال بعدم التواتر في فرع جزئي على كذب نقل الآحاد.
وثالثها: أن الدليل ينفي قبول خبر الواحد لكونه اتباعا للظن ترك العمل به فيما لا تعم به البلوى لزيادة الظن فوجب أن يبقى فيما تعم به البلوى على الأصل.
وجوابه ما تقدم غير مرة.
المسألة الثامنة
يجوز للراوي أن ينقل الخبر بالمعنى
، وإذا نقله بالمعنى وجب قبوله، كما إذا نقل بلفظه عند الأئمة الأربعة، وأكثر الأئمة من الفقهاء، والمتكلمين نحو الحسن البصري وغيره، لكن بشرائط:
أحدها: أن يكون الراوي عارفا بدلالات الألفاظ، واختلاف مواقعها.
وثانيها: أن تكون الترجمة مساوية للأصل [في الجلاء والخلفاء حتى لو كانت الترجمة غير قاصرة عن الأصل] في إفادة المعنى لكنها أجلى من الأصل أو أخفى منه لم يجز؛ لأن الخطاب تارة يقع بالمحكم وتارة بالمتشابه، لحكم وأسرار لا يعلمها إلا الله تعالى ورسوله، فلا يجوز تغييرها عن وضعها.
ورابعها: أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان يضر مثله فيما إذا كان النقل باللفظ، فعند حصول هذه الشرائط يجوز النقل بالمعنى عند هؤلاء وإن كان الأولى النقل بلفظه.
خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين فإنهم لم يجوزوا النقل بالمعنى أصلا.
وهو اختيار أبي بكر الرازي من الحنفية.
احتج الجماهير بوجوه:
أحدها: ما روي عنه عليه السلام أنه سئل عن ذلك فقال: "لا بأس إذا أصبتم المعنى".
وثانيها: الإجماع، فإن الصحابة نقلوا القصة الواحدة، بألفاظ مختلفة
على ما هي كتب الأحاديث شاهدة بذلك، ومن الظاهر أن الرسول عليه السلام لم يذكر تلك القصة بتلك الألفاظ المختلفة في مجالس مختلفة بل ربما يقطع في بعضها، ولم ينكر بعضهم على بعض فيه فكان إجماعا.
ويؤكده: ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا حدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أو نحوه ولم ينكر عليه أحد منهم.
وثالثها: ما روي عن مكحول أنه قال: دخلنا على واثلة بن الأسقع فقلنا: حدثنا حديثا ليس فيه تقديم ولا تأخير.
فغضب وقال: لا بأس إذا قدمت وأخرت إذا أصبت المعنى.
ورابعها: وهو الأقوى: أنا نعلم بالضرورة مما نقل الينا من أحوال الصحابة وسيرهم ومجاري عادتهم أنهم ما كانوا يكتبون الأخبار التي رووها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يكررونها ولا يدرسونها إلا / (106/أ) في المجلس الذي سمعوها منه، ولا في غيره كما كانوا يكتبون ويكررون ألفاظ القرآن، بل كما سمعوها تركوها، ثم أنهم ما رووها إلا بعد الأعصار والسنين عند وقوع الوقائع، وذلك يوجب القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ من غير تقديم وتأخير.
وخامسها: أنه يجوز شرح الشرع للعجم بلسانهم إجماعا، فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية، فبأن يجوز إبدال العربية بأخرى أولى؛ لأن التفاوت بين العربية وترجمتها بالعربية أقل من التفاوت بين العربية وترجمتها بالعجمية.
وفي هذه الدلالة نظر؛ لأن ذلك الشرح والنقل جار مجرى الافتاء، فليس فيه ما يتعلق بنظر واجتهاد، بخلاف رواية الإخبار فإنه يتعلق بها اجتهاد المجتهدين، واختلاف الألفاظ مظنة لاختلاف المعاني، فجاز أن يمنع منه بناء
على المظنة، وأما الشرح للعجم بلسانهم فليس فيه هذه المظنة؛ إذ لا يجوز أن يستنبط من تلك العبارة أحكاما بل هي نفس الأحكام فلا يلزم من جواز الشرح للعجم بلسانهم جواز الرواية بعبارة أخرى.
وسادسها: أنا نعلم أن اللفظ غير مقصود بالذات في أخبار الرسول كما هو في القرآن العظيم لكونه معجزا؛ ولهذا كان الرسول عليه السلام يذكر القصة الواحدة في الكرات المتعددة بعبارات مختلفة بخلاف القرآن العظيم، فإنه كان يتبع فيه ما أوحي إليه من لفظه، بل المقصود إنما هو المعنى فإذا حصل ذلك بتمامه فلا يضر اختلاف الألفاظ.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: ما روي عنه عليه السلام أنه قال: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وإنما يقال أداها كما لو سمعها لو أدى اللفظ كما سمعه، ولأن الضمير في قوله "فأداها" يرجع إلى قوله "سمع مقالتي" وذلك لا يتناول غير اللفظ.
وأيضا فإن قوله: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" إشارة إلى العلة التي لأجلها ينبغي أن تكون التأدية بعين الألفاظ المسموعة؛ وهذا لأن معناه - إن شاء الله - أن الأفقه ربما فطن بزيادة فقهه من فوائد اللفظ لما لا يفطن له
الراوي الفقيه فينبغي أن ينقل عين اللفظ.
وجوابه من وجوه:
أحدها: أنه ليس في الخبر ما يدل على أنه لا يجوز النقل بالمعنى، وإن كان فيه ما يدل على أن النقل بالألفاظ المسموعة أولى، ونحن نقول به؛ وهذا لأنه ليس فيه إلا الدعاء على ذلك الفعل وليس ذلك من خصائص الوجوب، بل من خصائص ما يكون فعله أولى سواء يجوز تركه أولا؛ وهذا لأنه ورد مثله حيث لا وجوب كقوله:"رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا" وفي غيره، بل التوعد على الترك من خصائص الوجوب، وعلى الفعل من خصائص التحريم، وليس شيء منه في الخبر، فلا يدل على وجوب التأدية بالألفاظ المسموعة.
وثانيها: أنا وإن سلمنا أنه يدل على المنع منه، لكن فيما يجوز أن تختلف دلالة اللفظين فيه أعني: الأصل، والترجمة؛ لأن تعليله على ما ذكرتم يدل عيه ونحن نقول به، فأما الذي يقطع فيه باتحاد دلالتهما فلا نسلم أنه يدل على المنع منه.
وثالها: أن رواية هذا الخبر بعينه يدل على جواز النقل بالمعنى، لأنه روى:"نضر الله أمرأ" وروى: "رحم الله امرأ" وروي "فرب حمل فقه.
إلى من هو أفقه منه" وروي "حامل فقه غير فقيه" وروي: "لا فقه له" ومن الظاهر أنه - عيه السلام - ما كرره في مجالس مختلفة بهذه الألفاظ؛ إذ الأصل عدم تكرره منه.
وفي هذا الجواب نظر؛ لأنه روى هذا الخبر بألفاظ مختلفة تختلف معانيها، والنقل بالمعنى بمثل هذه الألفاظ لا يجوز وفاقا فالظاهر أن ذلك إنما كان؛ لأن كل واحد من الرواة ظن سماعه منه بتلك العبارة.
ورابعها: أن من أدى تمام معنى كلام ال رجل فإنه يصح أن يقال: أدى كما سمع وإن اختلفت الألفاظ؛ ولذلك يقال: الشاهد والترجمان أديا كما سمعا، وإن كان لفظهما غير لفظ المشهود عليه، وغير لغة المترجم عنه.
وفيه أيضا نظر من حيث أن ذلك يصح لو لم يكن في اللفظ ما يدل على اختصاص النقل بعين اللفظ المسموع وأما الخبر الذي نحن فيه فإنه وجد فيه ما
يدل عليه وهو التعليل وكون الضمير يرجع إلى المقالة المسموعة.
وثانيها: أن تجويز نقل الخبر بالمعنى قد يؤدي إلى تغيير كلام الرسول تغييرا شديدا، أو بالكلية فوجب أن لا يجوز.
بيانه: أن الراوي إذا أراد النقل بالمعنى فغايته أن يتحرى تحريا شديدا في طلب ألفاظ ترادف ألفاظ الرسول فإذا وجد ذلك نقله به، فربما كان ذلك اللفظ غير مرادف له وإن كان في اعتقاده أنه مرادف له، وكذلك قد يعتقد الإنسان أن هذه العبارة مرادفة لعبارة أخرى ثم إن غيره يتبين بينهما تفاوتا في المعنى، ولا سبيل له إلى القطع بأنه لا تفاوت بينهما في نفس الأمر بل غايته أنه يقطع بذلك في اعتقاده، فربما كان غير مطابق كما في نفس الأمر، ثم الحال في الراوي الثاني والثالث كالحال في الراوي الأول فيؤدي إلى التغيير الشديد / (107/أ)، وأما أنه عند هذا لا يجوز النقل بالمعنى فذلك ظاهر.
وجوابه: أنا إنما نجوز له عند عدم احتمال التفاوت بين العبارتين كما إذا روى مكان قوله عليه السلام: "صبوا عليه ذنوبا من الماء" أريقوا عليه دلوا من الماء، فإنا نقطع أنه لا تفاوت بين العبارتين في المعنى لا سيما بالنسبة إلى الأحكام الشرعية، فأما ما يحتمل أن يتفاوت ويحتاج في معرفة عدم