الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في أنه لا يجب وقوع التعبد بالقياس عقلًا
خلافًا للقفال منا وأبي الحسين البصري من المعتزلة.
لنا: أن القول بوجوب التعبد به عقلًا مبني على قاعدة التحسين والتقبيح وقد أبطلناها فبطل ما ينبني عليها.
سلمنا صحتها لكن نقول: نحن لا نجد في العقل ما يدل على وجوب التعبد به فوجب نفيه، أو أن لا يجوز إثباته فمن ادعى ذلك فعليه بيان دليله لينظر هل يدل عليه أم لا.
احتجوا بوجوه:
أحدها: أن أحكام الشرع غير مختص بصورة دون صورة، وبشخص دون شخص إلا على الندور؛ ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام مأمورين بتعميم الحكم في كل صورة والصور لا نهاية لها، فلا يمكن التنصيص عليها لعدم إحاطة العلم بها، ولعدم إحاطة النصوص بها، فيجب أن يكون لهم طريق صالح لإثبات الحكم فيما لا نهاية له، وليس إلا القياس.
وجوابه: منع عدم إمكان التنصيص على ما لا نهاية له باعتبار أمر واحد شامل له نحو أن يقول: كل مطعوم ربوي، فإن آحاد المطعومات وإن
كانت لا نهاية لها فهي بأسرها مندرجة تحت هذا النص، فثبوت الربا في تلك الآحاد التي لا نهاية لها والحالة هذه بالنص لا بالقياس.
والاجتهاد الذي يتطرق إلى بعض الجزئيات المترددة بين الجنسين في أنه من أي الجنسين منهما فليس هو من قبيل القياس حتى يمكن أن يقال: أنه لا غنى عن القياس حينئذ أيضًا بل لابد منه؛ لأن ذلك الاجتهاد ليس من قبيل القياس بل هو من قبيل تحقيق المناط وهو ليس من قبيل [القياس المختلف فيه على ما عرفت ذلك من قبل] هذا إن أراد بقوله الصور لا نهاية لها: الصور الجزئية المندرجة تحت الجنس الذي هو معنى عام.
وإن أراد به أن نفس الأجناس التي يثبت الحكم الشرعي فيها لا نهاية لها فهذا ممنوع؛ وهذا لأن الأجناس متناهية عندنا، ولو سلم أنها غير متناهية فالتي يثبت فيها الحكم الشرعي على خلاف البراءة الأصلية متناهية.
سلمنا عدم التباهي، لكن لا نسلم عدم اختصاص الحكم بالبعض دون البعض حينئذ، ولا نسلم أن الأنبياء عليهم السلام حينئذ كانوا مأمورين بتعميم الحكم في كل الصور بل في الذي يقدر على تبليغه بطريق المخاطبة فيها.
سلمناه لكن لا نسلم أنه لا طريق إلى ذلك إلا بالقياس؛ وهذا لأن البراءة الأصلية طريق إلى ذلك أيضًا وهي أولى لما عرفت.
وثانيها: أن العقل لما دل على العلل العقلية دل على العلل الشرعية بواسطة مناسبة الأحكام لعللها مناسبة عقلية مصلحية وذلك يقتضي وجوب
ورود التعبد بالقياس وإلا لزم تجويز حصول العلم بالعلة مع جواز أن لا يحصل العلم بالمعلول.
وجوابه: منع دلالة العقل على/ (129/ أ) العلل الشرعية؛ وهذا لأن دلالته عليها فرع التحسين والتقبيح العقلي وهو باطل، ولا نسلم وجوب مناسبة الأحكام لعللها مناسبة عقلية ومصلحية؛ وهذا فإن من الأحكام ما لا يناسب عللها أصلًا، فضلًا عن أن تناسب عللها مناسبة عقلية بل تعرف عليه علتها بغير المناسبة، ولو سلم انحصار طريق المعرفة في المناسبة، لكن لا نسلم وجوب مناسبتها لها مناسبة عقلية مصلحية بل وجوب مناسبتها لها بحسب مقاصد الشرع، ولو سلم ذلك لكن لا نسلم اقتضاء تلك العلل لتلك الأحكام لذواتها حتى يلزم استحالة تخلف المعلول عنها بل بجعل الشارع إياها علة بأن اعتبر تلك المناسبة العقلية وجعلها أمارة على العلية وحينئذ لا يلزم استحالة التخلف لعدم تحقيق العلية قبل الشرع.
وثالثها: أن القياس يفيد دفع الضرر المظنون لما تقدم فاقتضى العقل وجوب العمل به دفعًا للمضرة كما يجب القيام من تحت حائط ظن سقوطه لفرط ميله وتخلخل بنيانه.
وجوابه: منع حكم الأصل عقلًا.