المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانيةفي تعريف الأصل والفرع - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٧

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌النوع الثالث عشرالكلام في الأخبار

- ‌ المقدمة

- ‌المسألة الأولىفي حقيقة الخبر وحده

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةذهب الجماهير إلى أن الخبر لا يخلو عن كونه صدقا، أو كذبا

- ‌الفصل الأول"في الخبر الذي يقطع بصدقه

- ‌القسم الأولفي التواتر

- ‌المسألة الأولىفي معنى التواتر لغة واصطلاحا:

- ‌المسألة الثانيةالأكثرون على أن الخبر المتواتر بفيد العلم مطلقا خلافا للسمنية والبراهمة

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بأن التواتر يفيد العلم، اختلفوا في أن ذلك العلم ضروري أو نظري [

- ‌المسألة الرابعةاستدل على أن خبر أهل التواتر صدق: بأن أهل التواتر إذا أخبروا عن شيء، فإما أن يكونوا قد أخبروا به مع علمهم بكونه صدقا، أو مع علمهم بكونه كذبا، أو لا مع علمهم بالصدق ولا بالكذب بل أخبروا به رجما بالغيب، والقسمان الأخيران باطلان فيتعين

- ‌المسألة الخامسةفي شروط الخبر المتواتر

- ‌المسألة السادسةقد ذكرنا أن من شروطه أن يكون المخبرون عددا لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فهذا القدر متفق عليه، لكن اختلفوا بعد ذلك في أنه هل له عدد معين أم لا

- ‌المسألة السابعةلا يعتبر في المخبرين أن لا يحصرهم عدد، ولا يحويهم بلد

- ‌المسألة الثامنةلا يشترط فيهم أن يكونوا مختلفي الأديان، والأنساب، والأوطان

- ‌المسألة التاسعةلا يشترط أن يكون فيهم معصوم خلافا للشيعة ولابن الراوندي

- ‌المسألة العاشرةلا يشترط في السامعين أن لا يكونوا على اعتقاد نفي موجب الخبر لشبهة، أو تقليد

- ‌المسألة الحادية عشرةفي أنه هل يجب اطراد حصول العلم بالنسبة إلى سائر الأشخاص بإخبار عدد التواتر الذي حصل العلم بخبرهم عن واقعة بالنسبة إلى شخص أم لا

- ‌المسألة الثانية عشرةفي التواتر المعنوي

- ‌القسم الثاني من هذا الفصل

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن القرائن إذا احتفت بخبر الواحد، هل تدل على صدقه أم لا

- ‌المسألة الثانيةإذا أخبر واحد بحضرة جماعة كثيرة عن شيء محسوس بحيث لا يخفى عن مثلهم، وسكتوا عن تكذيبه كان ذلك دليلا على صدقه عند قوم، وخالف فيه آخرون

- ‌المسألة الثالثةإذا أخبر واحد بين يدي الرسول عليه السلام، وسكت الرسول عليه السلام عن تكذيبه، وعلم عدم ذهوله عليه السلام عما يقوله فهل يدل ذلك على صدقه أو لا

- ‌المسألة الرابعةاجماع الأمة على موجب خبر لا يدل على القطع بصدقه

- ‌المسألة الخامسةقال بعض الشيعة:بقاء النقل، مع توافر الدواعي على إبطاله يدل على صحته قطعا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في أن شطر الأمة إذا قبل الحديث وعمل بمقتضاه، أو احتج به في مسألة علمية، والشطر الآخر اشتغل بتأويله هل يدل ذلك على صحته على وجه القطع

- ‌الفصل / (69/أ) الثانيمن كتاب الأخبار

- ‌المسألة الأولىالخبر الذي يكون على خلاف ما علم وجوده بالضرورة

- ‌المسألة الثانيةالواحد إذا انفرد بنقل ما لو وجد لتوفرت الدواعي على نقله؛ إما لتعلق الدين به: كأصول الشرع، أو لغرابته: كسقوط المؤذن من المنارة بمشهد الجمع العظيم والجم الغفير، أولهما جميعا: كالمعجزات، ولم ينقله الباقون فهو أيضا مما يقطع بكذبه عند الج

- ‌المسألة الثالثةالخبر الذي يروى في وقت قد استقرت فيه الأخبار، فلم يوجد بعد الفحص والتفتيش في بطون الكتب، ولا في صدور الرواة ولا يعرفه أحد من النقلة بوجه من الوجوه: علم قطعا أنه كذب

- ‌المسألة الرابعةفي أن الأخبار المروية عنه عليه السلام بالآحاد قد وقع فيها ما يقطع بكذبه

- ‌الفصل الثالثفي الخبر الذي لا يقطع بصدقه ولا بكذبه وهو خبر الواحد

- ‌القسم الأول

- ‌المسألة الأولىفي حقيقة خبر الواحد:

- ‌المسألة/ الثانية: (73/أ)خبر الواحد العدل المتجرد عن القرائن لا يفيد العلم عند جماهير العلماء خلافا لبعض أصحاب الحديث

- ‌المسألة الثالثةذهب الأكثرون في أنه يجوز ورود التعبد بخبر الواحد عقلا، خلافا لجماعة من المتكلمين

- ‌المسألة / (76/أ) الرابعةالقائلون بجواز التعبد بخبر الواحد عقلا اختلفوا في ورود التعبد به

- ‌القسم الثانيفي شرائط وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌الصنف الأول"في الشرائط المتفق عليها

- ‌المسألة الأولىيشترط أن يكون الراوي مكلفا

- ‌المسألة الثانيةإذا كان صبيا عند التحمل، بالغا عند الرواية، متصفا بالشرائط المعتبرة في غيره عند الرواية فإنها تقبل

- ‌المسألة الثالثةيشترط أن يكون الراوي مسلما، فمن لا يكون كذلك ولم يكن من أهل قبلتنا كأهل الكتاب وغيرهم فإنه لا تقبل روايته إجماعا

- ‌المسألة الرابعةيشترط أن يكون الراوي عدلا

- ‌المسألة الخامسةالفاسق الذي ترد روايته وفاقا إنما هو الفاسق الذي يعلم فسقه، فأما الذي لا يعلم فسقه: فإن كان فسقه مظنونا قبلت روايته

- ‌المسألة السادسةيشترط أن يكون الراوي ضابطا لما سمعه، فرواية المغفل الذي لا يضبط حالة السماع، والذي يضبط فيها لكن يغلب عليه السهو والنسيان بعدها، والذي يتساوى فيه احتمال الذكر والسهو والنسيان غير مقبولة

- ‌المسألة السابعةلا يقبل عندنا رواية من لم يعرف منه سوى الإسلام وعدم الفسق ظاهرا بل لا بد من خبرة باطنة بحاله، ومعرفة استقامة سيرته ودينه، أو تزكية من عرفت عدالته بالخبرة له

- ‌خاتمة لهذا الصنف

- ‌المسألة الأولى"اختلفوا في اعتبار العدد في المزكى والجارح على ثلاثة أقوال:

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في أنه هل يشترط ذكر سبب الجرح والتعديل في قبولهما أم لا

- ‌المسألة الثالثةفي أن الجرح هل يقدم على التعديل أم لا

- ‌المسألة الرابعةفي مراتب التعديل

- ‌المسألة الخامسةترك الحكم بشهادته، وترك العمل بروايته ليس جرحا، أي: ليس دليلا على الفسق، وإن كان دليلا على عدم اعتبار شهادته وروايته

- ‌المسألة السادسةفي تعديل الصحابة

- ‌الصنف الثاني

- ‌المسألة الأولىمذهب الأكثرين أنه لا يشترط العدد في الراوي بل يقبل خبر الواحد العدل

- ‌المسألة الثانيةلا يشترط في الراوي أن يكون معروف النسب

- ‌المسألة الثالثةلا يشترط/ كون الراوي فقيها

- ‌المسألة الرابعةالراوي إذا عرف منه التساهل في حديث الرسول فلا خلاف في أنه لا تقبل روايته

- ‌المسألة الخامسةلا يشترط أن يكون عالما بالعربية، وبمعنى الخبر

- ‌المسألة السادسةليس من شرط الراوي أن يكون مكثرا لسماع الحديث، ومكثرا للرواية ومشهورا بمجالسة المحدثين ومخالطتهم

- ‌المسألة السابعةراوي الأصل إذا لم يقبل الحديث وأنكر الرواية [عنه] هل يقدح ذلك في رواية الفرع أم لا

- ‌القسم الثالث"فيما اختلف فيه في رد خبر الواحد

- ‌المسألة الأولىاعلم أن خبر الواحد إذا ورد مخالفا لدليل آخر، فإما أن يكون ذلك الدليل مقطوعا به، أو مظنونا

- ‌المسألة الثانيةإذا روي عن الرسول عليه السلام: أنه فعل فعلا يخالف موجب خبر الواحد:فإن لم يكن لفظ الخبر متناولا له عليه السلام، ولا قامت الدلالة على أن حكمه وحكمنا فيه سواء لم يكن بينهما تناف فلا يرد به الخبر

- ‌المسألة الثالثةعمل أكثر الأمة بخلاف الخبر لا يوجب رده

- ‌المسألة الرابعةإذا انفرد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النقلة، هل يوجب ذلك رد الزيادة [أم لا]

- ‌المسألة الخامسةإذا وجد خبر الواحد مخصصا أو مقيدا لعموم الكتاب، أو السنة المتواترة أو إطلاقه، ولم يعلم مقارنته له ولا تراخيه عنه هل يقبل أم لا

- ‌المسألة السادسةالراوي إذا خالف ظاهر الحديث لم يقدح ذلك في وجوب الأخذ بظاهر الحديث عندنا وعند كثير من العلماء، وهو اختيار الكرخي

- ‌المسألة السابعةإذا اقتضى خبر الواحد علما، وكان في الأدلة القاطعة ما يدل عليه لم يرد بل يجب قبوله

- ‌المسألة الثامنةيجوز للراوي أن ينقل الخبر بالمعنى

- ‌المسألة التاسعةالراوي إذا أراد نقل بعض الخبر وترك البعض الآخر، هل يجوز له ذلك أم لا

- ‌المسألة العاشرةالمرسل هل هو مقبول أم لا

- ‌المسألة الحادية عشرةفي التدليس

- ‌القسم الرابع"في مسند الراوي وكيفية روايته

- ‌النوع الرابع عشرالكلام في القياس

- ‌ المقدمة

- ‌المسألة الأولىفي تحقيق معنى القياس بحسب اللغة، وبحسب الاصطلاح

- ‌المسألة الثانيةفي تعريف الأصل والفرع

- ‌المسألة الثالثةاعلم أنا إذا علمنا أن الحكم في محل الوفاق معلل بكذا، وعلمنا حصول ذلك الوصف مع جميع ما يعتبر في اقتضائه لذلك الحكم في صورة النزاع علمنا حصول مثل ذلك الحكم في صورة النزاع، فهذا النوع من القياس مما لا نزاع فيه بين العقلاء بل الكل أطبقوا

- ‌الباب الأولفي بيان أن القياس حجة في الشرعيات

- ‌المسألة الثانيةفي إثبات جواز التعبد به عقلً

- ‌المسألة الثالثةفي أنه لا يجب وقوع التعبد بالقياس عقلًا

- ‌المسالة الرابعةفي أن التعبد بالقياس واقع سمعًا

- ‌المسألة الرابعةالنص على علة الحكم يفيد الأمر بالقياس

- ‌المسألة الخامسةالمسكوت عنه قد يكون أولى بالحكم من المنصوص عليه

- ‌الباب الثانيفي الركن الأول من أركان القياس وهو الأصل

- ‌المسألة الأولىفي شرائط الأصل

- ‌المسألة الثانيةلا يشترط في الأصل أن يقوم دليل على جواز القياس عليه

- ‌المسألة الثالثةلا يشترط في الأصل أن يكون قد انعقد الإجماع على أن حكمه معلل

- ‌الباب الثالثفي الركن الثاني وهو الحكم

- ‌المسألة الأولىفي شرطه

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في أن النفي الأصلي هل يعرف بالقياس أم لا

- ‌المسألة الثالثةذهب أصحابنا إلى أن القياس يجري في أسباب الأحكام كما يجري في الأحكام خلافًا للحنفية

- ‌المسألة الرابعةذهب أصحابنا وأكثر الأثمة إلى: أنه يجوز إثبات الحدود/ (161/ أ) والكفارات، والرخص، والتقديرات بالأقيسة خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه - رحمهم الله تعالى

- ‌المسألة الخامسةذهب أصحابنا إلى أنه يجوز إثبات أصول العبادات بالقياس خلافًا للحنفية والجبائي من المعتزلة

- ‌المسألة السادسةالأمور العادية والخلقية: كأقل الحيض وأكثره، وأقل مدة الحمل وأكثره لا يجوز إثباته بالقياس

- ‌المسألة السابعةيجوز أن تثبت الأحكام الشرعية بأسرها بالنصوص

- ‌المسألة الثامنةقد عرفت مما سبق من أدلة القياس أن القياس مأمور به، فهو إذن إما واجب، أو مندوب

الفصل: ‌المسألة الثانيةفي تعريف الأصل والفرع

‌المسألة الثانية

في تعريف الأصل والفرع

اعلم أنا إذا قسنا "الذرة" على "البر" في تحريم بيعه بجنسه متفاضلًا فالاحتمالات الممكنة فيما يمكن أن يجعل أصل القياس في هذه الصورة لا يزيد على أربعة:

أحدها: أن أصل القياس هو "البر" وهو مذهب جماهير الفقهاء.

وثانيها: أن أصل القياس هو حكمه، وهو مذهب جماعة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين.

وثالثها: أن أصل القياس هو النص الدال على ذلك الحكم وهو مذهب جماهير المتكلمين.

ورابعها: أن أصل القياس هو علة ذلك الحكم وهي الطعم مع الجنس في مسألتنا على رأينا، وهذا الاحتمال لا نعرف أحدًا ذهب إليه وإن كان من جملة الأقسام الممكنة في ذلك وبعد هذه الاحتمالات لا يبقى في المسألة احتمال آخر البتة.

وأما الفقهاء فقد احتجوا على صحة مذهبهم بوجهين:

أحدهما: أن الأصل يطلق على الشيء باعتبارين:

أحدهما: كونه بحيث ينبني عليه معرفة غيره فيقال: إنه أصل له سواء كانت معرفته غير مبنية على شيء آخر كمعرفة الله تعالى، فإنها أصل لمعرفة

ص: 3037

الرسول من حيث إن معرفة الرسول [تنبني] على معرفة المرسل مع أنها مستقلة بنفسها غير مبنية على شيء آخر، أو لم يكن كذلك بل معرفته أيضًا مبنية على معرفة شيء آخر كمعرفة الرسول فإنها أصل لمعرفة الشريعة، وليست معرفته مستقلة بنفسها بل هي مبنية على معرفة الله تعالى من جنسه كما تقدم.

وثانيهما: كونه بحيث لا تتوقف معرفته على معرفة شيء آخر من جنسه سواء توقف معرفة غيره من جنسه عليه أم لم يتوقف.

مثال الأول: معرفة تحريم الربا في الأشياء الأربعة فإنه يقال: الأصل في تحريم الربا في المطعومات إنما هو الأشياء الأربعة.

مثال الثاني: تحريم الربا في النقدين، وهذان الاعتباران حاصلان في المحل معًا، فإنه يتوقف معرفة حكمه وحكم غيره على معرفته، ولا يتوقف معرفته على معرفة شيء آخر فكان أصلًا.

وثانيهما: أنه لو لم يكن الأصل هو البر لكان الأصل إما حكمه أو النص الدال عليه لئلا يلزم قول آخر لم يقل به أحد لكنهما باطلان.

أما الأول: فلأن المحل موصوف والحكم صفة له فيكون تابعًا له فيكون تسمية المحل الموصوف به الأصل أولى من تسميته به.

وأما الثاني: فلأنا لو فرضنا كوننا عالمين بحرمة الربا في البر بالضرورة، أو بالدليل العقلي لأمكننا أن نفرع عليه حكم الذرة تفريعًا قياسيًا، ولو فرضنا أن النص دل على الحكم من غير تخصيص بصورة خاصة لم يمكن أن نفرع عليه الحكم تفريعًا قياسيًا، وإن أمكن ذلك تفريعًا نصيًا.

وإذا كان كذلك لم يكن النص أصلًا للقياس، وإذا بطل هذان القولان

ص: 3038

تعين أن يكون الأصل هو البر.

واعلم أن الأقرب إنما هو قول من قال: إن الأصل هو الحكم؛ لأن النص الدال عليه لا يجوز أن يكون هو الأصل لما تقدم، ولأن النص طريق إلى إثبات الحكم فلو كان النص أصلا ًكذلك لكان قول الراوي أولى أن يكون أصلًا للقياس؛ لأنه طريق إلى ثبوت النص الذي هو طريق إلى الحكم فكان أولى بذلك منه، لكنه باطل بالاتفاق، فكذلك كون النص أصلًا.

ولا يجوز أن يكون الأصل هو البر؛ لأنه لو لم يوجد البر أو وجد لكنه لم يوجد فيه الحكم لم يكن تفريع الحكم عليه، ولو وجد ذلك في غيره لأمكن تفريع القياس عليه، فإذن الحكم المطلوب إثباته في الذرة غير متفرع على البر أصلًا بل على حكمه فلا يكون البر هو أصل القياس بل/ (121/ أ) حكمه.

وبهذا ظهر ضعف الوجه الأول أن ما ذكروه أن معرفة حكم غيره تتوقف على معرفته باطل إن أرادوا به التوقف بالأصالة من غير وساطة شيء آخر، وإن أرادوا به التوقف بطريق التبعية فهو صحيح؛ فإن معرفة حكم غيره تتوقف على معرفة الحكم الحاصل فيه، ومعرفة الحكم الحاصل فيه تتوقف على معرفته، لكن ذلك لا يقتضي أن يكون هو أصل القياس بالذات بل بالعرض، وليس كلامنا فيه بل فيما هو أصل القياس بالذات من غير وساطة شيء آخر، ولو كان البر أصلًا بهذا الاعتبار لكان النص الدال على الحكم أصلًا أيضًا بهذا الاعتبار؛ فإن معرفة ذلك الحكم الذي هو أصل القياس تتوقف على معرفة النص الدال عليه بل تسمية النص أصلًا بهذا الاعتبار أولى من تسمية البر أصلًا؛ لأن توقف الحكم على النص كتوقف المعلول على العلة وتوقفه على البر توقف المشروط على الشرط، ومعلوم أن النوع الأول من التعلق والتوقف

ص: 3039

أقوى وأشد فكان تسميته أصلًا أولى وأنتم لا تقولون به.

ومنه أيضًا ظهر ضعف الوجه الثاني، فإن الحكم الحاصل في البر وإن كان تابعًا للبر والبر أصل له لكن ذلك يقتضي أن لا يكون الحكم أصلًا للقياس فإن الشيء قد يكون تابعًا لشيء ويكون أصلًا لغيره ولا يقتضي أيضًا أن يكون تسميته بالأصل بالنسبة إلى القياس أولى من تسمية حكمه به؛ وهذا لأن حكمه أصل للقياس من غير واسطة وهو أصل له بواسطة حكمه وما يثبت للشيء بغير واسطة يكون هو به أولى من الذي يثبت له بواسطته فيكون الحكم أولى بالأصالة من محله.

ومما تقدم يعرف أن لقول الفقهاء والمتكلمين وجهًا أيضًا، فإنه ظهر أن كل واحد من المحل والنص أصل للحكم الذي هو أصل القياس وأصل الأصل أصل فيكون كل واحد منهما أصلًا بهذا الاعتبار وتسمية المتكلمين النص بالأصل وإن كان أولى من تسمية الفقهاء المحل به للوجه الذي تقدم لكن تسمية الفقهاء المحل بالأصل أولى من وجه آخر وهو أن كل واحد من النص والحكم متوقف على حصول المحل بخلاف حصول المحل فإنه غير متوقف لا على النص ولا على الحكم.

وأما الفرع فهو محل الحكم المتنازع فيه عند الفقهاء، ونفس الحكم فيه عند جماهير المحققين وليت شعري بماذا يفسره المتكلم فإنه إن فسره بأحد التفسيرين المذكورين فإنه يلزم منه ضعف مذهبه؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون الأصل ما يقابله إذ الفرع ما يقابل الأصل ويضاده، وإن فسره بالعلة فضعيف جدًا، لأن العلة أصل الحكم في المحل المتنازع فيه؛ فإنه ما لم يعلم العلة فيه أولًا، ثم يعلم الحكم فيه فهي بمنزلة النص الدال على الحكم في محل الوفاق فكانت أصلًا لا فرعًا وهي ليست فرعًا في محل النص من حيث إنها لا تعلم

ص: 3040

إلا بعد العلم بالحكم فيه فإنه ما لم يعلم الحكم أولًا في محل النص لا يطلب علته ولا يمكن استنباطها ضرورة أنه لا طريق إلى استنباطها حيث لا حكم فإن طرق استنباطها كلها نحو الإيماء، والمناسبة، والدوران، والطرد وغيرها مخصوصة بصورة وجود الحكم لكن لا يمكن جعلها فرعًا بهذا الاعتبار، لأنه يقتضي اجتماع الأصل والفرع في محل واحد وهو باطل وفاقًا فثبت أنه لا يمكن جعل العلة فرعًا لا في محل الوفاق ولا في محل الخلاف بل هي أصل في محل الخلاف، وهذا إنما يتأتى على رأي من يجعل الحكم في محل النزاع فرعًا وهو الصحيح، فأما من يجعل المحل فرعًا فلا؛ لأن العلة ليست أصلًا للمحل بوجه من الوجوه حتى يمكن جعلها أصلًا في الفرع بل هي فرع له لكونها صفة له وهذا يضعف مذهب الفقهاء في أنهم جعلوا المحل فرعًا فإن العلة أصل في الفرع.

ثم أعلم أنا قد ذكرنا أن لما ذهب إليه الفقهاء من تسمية المحل أصلًا وجهًا على تقدير أن يكون الأصل هو الحكم الحاصل في محل الوفاق فذلك الوجه يضعف في تسمية محل الخلاف فرعًا على تقدير أن يكون الفرع هو الحكم الحاصل في محل الخلاف؛ لأن محل الوفاق أصل للحكم الذي هو أصل القياس فيكون أصلًا للأصل فيكون أصلًا، لأن أصل الأصل أصل بخلاف محل الخلاف فإنه أصل الفرع فلا يلزم أن يكون فرعًا؛ لأن أصل الفرع لا يلزمه أن يكون فرعًا فكان تسمية محل الوفاق بالأصل أولى من تسمية محل الخلاف بالفرع.

ص: 3041

وبالجملة النزاع في هذه المسألة آيل إلى اللفظ، والأظهر إنما هو مذهب المحققين لما عرفت، ونحن حيث أطلقنا لفظ الأصل والفرع في هذا الكتاب أردنا منهما ما أراده الفقهاء مساعدة لهم على مصطلحهم لئلا يلزم تغيير المألوف.

ص: 3042