الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
إذا انفرد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النقلة، هل يوجب ذلك رد الزيادة [أم لا]
.
وتحقيق الكلام فيه أن يقال: إن الحال فيه لا يخلو: إما أن يعلم أن المجلس واحد، أو متعدد، أو لا يعلم واحد منهما.
فإن علم أن المجلس واحد باتفاقهم على ذلك، فها هنا اختلفوا: فمنهم من قبله سواء كانت الزيادة لفظية أو معنوية؛ لأنه عدل ثقة جازم بالرواية فوجب قبولها كما لو انفرد بنقل حديث عن جميع النقلة، ويحمل على أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك الحديث في ذلك المجلس مرتين، ولم يحضر في مرة الزيادة إلا ذلك الواحد، أو وإن ذكر مرة واحدة لكن الذين لم ينقلوا الزيادة ربما دخلوا في أثناء الكلام، وهذا يضعف إذا كانت الزيادة في آخر الحديث، أو وإن حضروا من أول المجلس إلى آخره لكن لعلة حدث في أثناء المجلس ما أوجب شغل خاطرهم به، ولم يصغوا إلى كلامه عليه السلام فذهلوا عن تلك الزيادة، وبقي ذلك الواحد مصغيا إلى كلامه، ولم يشتغل خاطره بما حدث، فلا جرم لم يذهل عن تلك الزيادة، أو إن لم يحدث ذلك، لكن لعله عرض لهم ألم أو جوع أو عطش مفرط، أو هم، أو فكر في أمر مهم شاغل لهم عن السماع في ساعة لطيفة فذهلوا عنها، ولم يعرض ذلك لذلك الواحد، أو إن لم يكن شيء من ذلك لكن لعلهم نسوها وغفلوا عنها، وهذه الأمور وإن كانت بعيدة، لكن تكذيب العدل، أو الحمل على أنه سها في ذلك، بأن توهم سماع تلك الزيادة مع أنه لم يسمعها، أو وإن سمعها لكن من
غير الرسول عليه السلام فتوهم سماعها منه فهو أبعد منها، فكان المصير إليها أقرب.
ومنهم من رده؛ لأن السهو والنسيان على الواحد أقرب منهما على الجماعة، والمحامل المذكورة بعيدة جدا، ونحن لا نكذب العدل بل نحمله على أنه سها في سماع ما لم يسمع، وهذا وإن كان أبعد من تطرق السهو إلى ما سمع أنه لم يسمع، لكن يعارضه ما ذكرناه وهو أن سهو الجماعة أبعد من سهو الواحد، وإذا تعارضا تساقطا فوجب أن يبقى على الأصل وهو عدو وجوب القبول، وعدم صدورها منه عليه السلام.
ومنهم من ذهب إلى التوقف؛ لأن في كل واحد من الاحتمالين بعدا كما سبق، والأصل وإن كان عدم الصدور، لكن الأصل أيضا صدق الراوي، وإذا تعارضا وجب التوقف.
ومنهم من فصل وقال: إن الذين لم ينقلوا الزيادة إن كانوا جماعة لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة، ابتداء ودواما لم يقبل، وإلا قبلت.
فعلى هذا إن كان الذين لم ينقلوا الزيادة اثنين أو ثلاثة والزيادة كلمة أو كلمتين لم يقدح ذلك في قبولها؛ لأنه قد يغفل مثلهم عن مثلها.
وهذا كله إذا كان المنفرد بالزيادة واحدا [والذين لم ينقلوها جماعة،
فأما إذا كان / (103/أ) المنفرد بالزيادة واحدا] والساكت عنها أيضا واحدا فمن قبل ثمة، أو فصل، أو توقف، قبل ها هنا؛ لأن التوقف إنما كان لأجل بعد الاحتمالين وهما سهو الجماعة، والسهو في سماع ما لم يسمع، وقد زال أحدهما فوجب ثبوت مقتضى الآخر.
فأما من لم يقبل ثمة، فمنهم من لم يقبله ها هنا أيضا، للتعارض ومنهم من قبله إلا أن يكون الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها.
هذا كله فيما إذا لم تغير الزيادة إعراب الباقي.
فأما إذا غيرت كما إذا روى أحد الراويين: "أدوا عن كل حر أو عبد صاعاً من بر".
ويروى الآخر "نصف صاع من بر".
فالأكثرون على أنه لا تقبل للتعارض؛ لأن كل واحد منهما يروي ضد ما رواه الآخر فيكون نافيا له فيحصل التعارض فلا يقبل إلا بعد الترجيح وليس ذلك كما إذا لم تغير إعراب الباقي؛ لأن مع أحدهما زيادة علم ليس الآخر نافيا له فيقبل.
خلافا لبعضهم كأبي عبد الله البصري فإنه قبلها ما إذا لم تغير إعراب
الباقي؛ لأن الموجب للقبول إنما هو زيادة العلم بذلك الزائد الذي لم ينفيه الساكت عنه، واختلاف الإعراب تابع للاختلاف في ذلك الزائد فلا يكون ذلك مانعا من القبول.
وإن علم أن المجلس متعدد، فها هنا لا خلاف في أن الزيادة مقبولة سواء كانت الزيادة مغيرة لاعراب الباقي أو لم تكن، وسواء كان الساكت عنه، واحدا أو جماعة.
وإن لم يعلم واحد منهما فالخلاف فيه ينبغي أن يكون مرتبا على الخلاف فيما إذا علم أن المجلس واحد.
والأظهر القبول مطلقا؛ لأن المقتضى لقبول قوله وهو صدقه حاصل، والمعارض له غير متحقق لا قطعا ولا ظاهرا فوجب القبول.
هذا كله فيما إذا كان المنفرد بالزيادة واحدا والساكت عنها غيره واحدا كان أو جماعة.
فأما إذا اختلف رواية الواحد في ذلك: فإن روى مرة مع الزيادة وأخرى بدونها، فإن أسند الزيادة إلى مجلس غير مجلس الحديث الناقص قبلت الزيادة مطلقا كما فيما إذا تعدد الرواة.
وإن أسندهما إلى مجلس واحد فإن غيرت الزيادة إعراب الباقي ولم يصرح بنسيانه في تلك المرة ولا بسهوه في مرة الزيادة تعرضت روايتاه كما في الروايين.