الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَيْهِ بِشَرْعٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الرَّسُولِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَسُمِّيَ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ (فَشَرَعَ الشَّرَائِعَ) أَيْ سَنَّهَا (وَفَقِهَ) أَيْ فَهِمَ (فِي الدِّينِ) أَيْ الشَّرِيعَةِ (صَلَّى اللَّهُ) ، وَسَلَّمَ (عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ) ، وَهُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ (، وَصَحْبِهِ) ، وَهُمْ مَنْ لَقُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنِينَ (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيدٌ لِآلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ أَمَّا عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا، وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ.
وَأَمَّا عَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ فَتَبَعًا لَهُ لِخَبَرِ «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» وَيَصْدُقُ عَلَى الصَّحْبِ فِي قَوْلٍ، وَلِأَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ عَلَى الْآلِ غَيْرِ الصَّحْبِ فَعَلَى الصَّحْبِ أَوْلَى، وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ، وَقِيلَ جَمْعٌ لَهُ، وَكَرَّرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إظْهَارًا لِعَظَمَتِهِ، وَجَمْعًا بَيْنَ إسْنَادِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِسْنَادِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا بَيَّنَ الْجُمْلَةَ الْمُضَارِعِيَّةَ، وَالْمَاضَوِيَّةَ، وَلَوْ ذَكَرَ مَعَهَا السَّلَامَ كَانَ أَوْلَى لِيَخْرُجَ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَفْظًا (أَمَّا بَعْدُ) ، وَفِي نُسْخَةٍ، وَبَعْدُ أَيْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ (فَهَذَا) الْمُؤَلِّفُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا إنْ أَلَّفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ خَارِجًا أَيْضًا إنْ أَلَّفَ قَبْلَهَا (كِتَابٌ اخْتَصَرْت فِيهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ) لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رحمه الله (الْمُخْتَصَرَةُ مِنْ الْعَزِيزِ) شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ (وَقَرَّبْته) أَيْ أَدْنَيْته (عَلَى الطَّالِبِ) لِلْعِلْمِ (بِعِبَارَةٍ بَيِّنَةٍ، وَلَفْظٍ، وَجِيزٍ) أَيْ مُخْتَصَرٍ (وَحَذَفْت) مِنْهُ (الْخِلَافَ) الَّذِي فِيهِ تَصْحِيحٌ (وَقَطَعْت بِالْأَصَحِّ) غَالِبًا (وَاخْتَصَرْت اسْمَهُ) أَيْ الْكِتَابَ (مِنْ اسْمِ أَصْلِهِ) ، وَهُوَ رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ (فَسَمَّيْته رَوْضَ الطَّالِبِ، وَأَرْجُو) مِنْ الرَّجَاءِ بِالْمَدِّ، وَهُوَ الْأَمَلُ يُقَالُ رَجَوْت فُلَانًا رُجُوًّا، وَرَجَاءً، وَرَجَاوَةً، وَتَرَجَّيْته، وَارْتَجَيْته، وَرُجِيته كُلُّهُ بِمَعْنَى رَجَوْته قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَيْ أُؤَمِّلُ (أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِي، وَسِيلَةً) أَيْ سَبَبًا أَتَقَرَّبُ بِهِ (إلَى النَّجَاةِ) مِنْ كُلِّ هَوْلٍ (يَوْمَ الدِّينِ) أَيْ الْجَزَاءِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (آمِينَ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ لُغَاتِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)
هُوَ لُغَةً الضَّمُّ، وَالْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبَ كُتُبًا، وَكِتَابَةً، وَكِتَابًا، وَمِثْلُهُ الْكُثُبُ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَمِنْهُ كَثِيبُ الرَّمَلِ لَكِنَّهُ يَنْظُرُهُ إلَى الِانْصِبَابِ، وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أَوْ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ، وَفُصُولٍ غَالِبًا فَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ لَكِنْ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أَوْ اسْمِ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْجَامِعِ لِلطَّهَارَةِ، وَهِيَ مَصْدَرُ طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَضَمِّهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بِضَمِّهَا فِيهِمَا، وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ، وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ، وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82] ، وَشَرْعًا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَعَلَى صُورَتِهِمَا كَالتَّيَمُّمِ، وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ، وَفَوَائِدُ أُخَرُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَأَلْفُ أَلْفٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُونَ نُقْطَةً.
(قَوْلُهُ وَفِي نُسْخَةٍ وَبَعْدُ إلَخْ) الْفَاءُ عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا عَلَى تَوَهُّمِ أَمَّا أَوْ تَقْدِيرِهَا فِي نَظْمِ الْكَلَامِ بِطَرِيقِ تَعْوِيضِ الْوَاوِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ يَوْمَ الدِّينِ) الدِّينُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى الْخَيْرِ بِالذَّاتِ وَقِيلَ الطَّرِيقَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمَشْرُوعَةُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ سُمِّيَتْ مِنْ حَيْثُ انْقِيَادُ الْخَلْقِ لَهَا دِينًا وَمِنْ حَيْثُ إظْهَارُ الشَّارِعِ إيَّاهَا شَرْعًا وَشَرِيعَةً وَمِنْ حَيْثُ إمْلَاءُ الْمَبْعُوثِ إيَّاهَا مِلَّةً
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)(قَوْلُهُ الطَّهَارَةُ إلَخْ) الطَّهَارَةُ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ فَالْعَيْنِيَّةُ مَا لَا تُجَاوِزُ مَحَلَّ حُلُولِهَا كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ وَالْحُكْمِيَّةُ مَا تُجَاوِزُهُ كَالْوُضُوءِ وَالنَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ وَالْقُدْوَةُ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ قَوْلُهُ مَا تُجَاوِزُهُ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ تُجَاوِزُ سَبَبَ مَحَلِّ حُلُولِهَا، وَقَالَ أَيْضًا وَالطَّهَارَةُ عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَيْنِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً. (قَوْلُهُ يُقَالُ كَتَبَ كِتَابًا إلَخْ) قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْكِتَابَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا رَفْعُ الْحَدَثِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الطَّهَارَةُ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِهَا إبَاحَةٌ أَوْ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ. اهـ. وَعَرَّفْتهَا بِشَرْحِي الْمَزِيدَ بِقَوْلِي وَهِيَ شَرْعًا زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ أَوْ الْفِعْلُ الْمَوْضُوعُ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْمَنْعِ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ. (قَوْلُهُ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ إلَخْ) وَشَرْعًا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَبِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ أَوْ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ كَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي لَا جَرَمَ عَرَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُدْخِلًا فِيهَا الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا وَقَوْلُهُ وَعَلَى صُورَتِهِمَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَوْلُنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَرَدْنَا بِهِ التَّيَمُّمَ وَالْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَتَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَسْحَ الْأُذُنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوَهَا مِنْ نَوَافِلِ الطَّهَارَةِ وَطَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسَ الْبَوْلِ اهـ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ وَالرَّفْعُ مِنْ قِسْمِهَا فَلَا تُعْرَفُ بِهِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا نَجِسًا لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا يَرْفَعُهُمَا وَبِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ بِمَعْنَى الزَّوَالِ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَايَاتِيُّ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ لَا يُعْتَرَضُ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ إفْرَادُ وَضْعٍ آخَرَ ش.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْهُ دَلَالَةً (الْمُطَهِّرُ لِلْحَدَثِ) ، وَهُوَ هُنَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ (وَالْخَبَثُ) ، وَهُوَ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ (الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) أَيْ لَا غَيْرَهُ مِنْ تُرَابِ تَيَمُّمٍ، وَحَجَرِ اسْتِنْجَاءٍ، وَأَدْوِيَةِ دِبَاغٍ، وَشَمْسٍ، وَرِيحٍ، وَنَارٍ، وَغَيْرِهَا حَتَّى التُّرَابَ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ فَإِنَّ الْمُزِيلَ هُوَ الْمَاءُ بِشَرْطِ امْتِزَاجِهِ بِالتُّرَابِ فِي غَسْلِهِ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَالْجُمْلَةُ مُفِيدَةٌ لِلْحَصْرِ بِتَعْرِيفِ طَرَفَيْهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» ، وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً.
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غَيْرَ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ، وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ، وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الطُّهْرِ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدٌ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ، وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَحَذَفَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَلَيْسَ بِمَاءٍ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ لَكِنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلْحَدَثِ لَا لِلْخَبَثِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُطَهِّرِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ كَلَامَنَا فِي الرَّافِعِ لَا فِي الْمُبِيحِ فَقَطْ، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ رَفْعُ حَدَثٍ، وَلَا إزَالَةُ نَجِسٍ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَالْمِنْهَاجُ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ، وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى رَفْعِهِمَا لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ الْمَسْنُونَةُ مَثَلًا كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ (وَهُوَ الْعَارِي عَنْ إضَافَةٍ لَازِمَةٍ) أَيْ قَيْدٍ لَازِمٍ فَخَرَجَ الْمُقَيَّدُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَيَّدَ بِإِضَافَةٍ نَحْوِيَّةٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ أَمْ بِصِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ أَيْ مَنِيٍّ أَمْ فَاللَّامُ عَهْدٍ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» أَيْ الْمَنِيَّ، وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُتَغَيِّرِ كَثِيرًا بِمَا لَا يُؤَثِّرُ كَطِينٍ، وَطُحْلُبٍ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَمَّا ذُكِرَ، وَأُجِيبَ بِمَنْعٍ أَنَّهُ مُطْلَقٌ.
وَإِنَّمَا أَعْطَى حُكْمَهُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ لَا إيرَادَ أَصْلًا (وَلَوْ) كَانَ الْعَارِي عَمَّا ذُكِرَ (مَاءً يَنْعَقِدُ بِجَوْهَرِهِ) أَوْ بِغَيْرِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى كَسَبُوخَةِ الْأَرْضِ (مِلْحًا) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدُ (أَوْ) كَانَ (بُخَارُهُ) أَيْ رَشْحُ بُخَارِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً، وَيَنْقُصُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ تَلْوِيحًا فِي الرَّوْضَةِ، وَصَرِيحًا فِي غَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ ثُمَّ قَالَ، وَنَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَقَالُوا يُسَمَّى بُخَارًا أَوْ رَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ (لَا قَلِيلُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُطْلَقِ أَوْ الْعَارِي أَيْ لَا مَاءٍ قَلِيلٌ (مُسْتَعْمَلٌ فِي فَرْضٍ) مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ فَلَا يُطَهِّرُ شَيْئًا لِانْتِقَالِ الْمَنْعِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَجْمَعُوهُ فِي أَسْفَارِهِمْ لِاسْتِعْمَالِهِ ثَانِيًا مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ، وَعَدَمِ اسْتِقْذَارِهِ فِي الطَّهَارَةِ بَلْ عَدَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ قُلْت طَهُورٌ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِوَزْنِ فَعُولٌ فَيَقْتَضِي تَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ قُلْت فَعُولٌ يَأْتِي اسْمًا لِلْآلَةِ كَسَحُورٍ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا كَذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمَ اقْتِضَاؤُهُ التَّكَرُّرَ فَالْمُرَادُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِجِنْسِ الْمَاءِ، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ بِتَرْكِهِ أَمْ لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مِنْ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ، وَصَبِيٍّ) إذْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْأَوَّلُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ دُونَ الثَّانِي، وَلَا أَثَرَ لِاعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَاءَ الْحَنَفِيِّ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ لِأَنَّ الرَّابِطَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ دُونَ الطَّهَارَاتِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِعْمَالِ قَدْ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَغُسْلِ الْمَجْنُونَةِ، وَالْمُمْتَنِعَةِ مِنْ الْغُسْلِ بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَنِيَّةُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَنِّ الْمَأْمُومِ ثُمَّ الْمُسْتَعْمَلُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ، وَغَيْرِهِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ، وَمُطْلَقٌ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} [الفرقان: 48] إلَخْ) السَّمَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْهُ دَلَالَةً) لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّهُورَ غَيْرُ الطَّاهِرِ لِأَنَّهُ سِيقَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَمْتَنُّ بِنَجِسٍ فَيَكُونُ الطَّهُورُ غَيْرُ الطَّاهِرِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الدَّلِيلَ عَلَى الْمَدْلُولِ وَإِنْ كَانَتْ رُتْبَتُهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إذَا كَانَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً مُنْطَبِقَةً عَلَى غَالِبِ مَسَائِلِ الْبَابِ كَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) الْمَاءُ جَوْهَرٌ سَيَّالٌ مُرَطِّبٌ مُسَكِّنٌ لِلْعَطَشِ (قَوْلُهُ ذُنُوبًا مِنْ مَاءٍ) تَعَقَّبْ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَبِأَنَّهُ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الشَّرْطِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ صِفَةَ الْإِطْلَاقِ لَازِمَةٌ لِلَفْظِ الْمَاءِ مَا لَمْ يُقَيَّدْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا حِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَاءُ الْمَأْمُورُ بِهِ مَاءً مُطْلَقًا دَائِمًا فَحِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْأَمْرِ إلَّا بِامْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ إمَّا تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ يُعْقَلُ كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ بُخَارَهُ) قَالَ فِي الْهَادِي وَلَا يَجُوزُ رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ نَجَسٍ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَوْ بُخَارِ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي فَرْضٍ إلَخْ) وَأُورِدَ عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ مَا غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ، وَمَا غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَمَا غُسِلَ بِهِ الْخَبَثُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ، وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ لِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ أَصَالَةً ش.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ وَصَبِيٍّ) وَبَالِغٍ لِصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِ النَّفْلِ (قَوْلُهُ وَغُسْلُ الْمَجْنُونَةِ إلَخْ) وَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّتَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِدَلِيلِ وُجُوبِ إعَادَةِ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ) فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً وَلَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِمَنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ
الْأَكْثَرِينَ لَكِنْ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا فَهُوَ عَلَى هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُطْلَقِ كَمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ الْقَلِيلُ الْمُتَنَجِّسُ بِوُصُولِ نَجَسٍ.
(وَغَسْلٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى حَنَفِيٍّ أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ طَهَارَةِ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ، وَمِنْ غَسْلٍ (بَدَلَ مَسْحٍ) كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ حَاجَتِهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ الْبَارِزِيُّ مِنْ غَسْلِ الْخُفِّ، وَالْجَبِيرَةِ بَدَلَ مَسْحِهِمَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ (أَوْ غُسْلِ مَيِّتٍ) مِنْ زِيَادَتِهِ عِطْفه بَاءَ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ لِلْحَدَثِ بَلْ لِلْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَمَا بَعْدَهُ (وَ) غُسْلِ (كَافِرَةٍ) بِقَصْدِ حِلِّهَا (لِمُسْلِمٍ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا فَيَجِبُ، وَلَوْ عَبَّرَ كَالرَّوْضَةِ بِالْكِتَابِيَّةِ كَانَ أَوْلَى لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ حَرَامٌ، وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرِ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ، وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِالْغُسْلِ لَهُ كَالْمُسْلِمَةِ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافَ ذَلِكَ عَمَلًا بِتَقْيِيدِهِمْ الْحُكْمَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا بِأَنْ يُسْلِمَ (وَ) غُسْلِ (مَجْنُونَةٍ) بِأَنْ غُسِلَتْ بِقَصْدِ حِلِّهَا (لِزَوْجٍ) أَوْ سَيِّدٍ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الَّتِي قَبِلَهَا الْمُسْلِمُ كَانَ أَنْسَبَ (لَا) مُسْتَعْمَلَ (فِي نَفْلٍ) فَإِنَّهُ طَهُورٌ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي فَرْضٍ، وَلَك أَنْ تَقُولَ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يُسْبَقَ بِإِيجَابٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نِدَاءٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (و) لَا فِي (تَجْدِيدٍ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ فَلَوْ قَالَ كَتَجْدِيدٍ كَانَ أَوْلَى. (فَإِنْ جَمَعَ) الْمُسْتَعْمَلَ فَبَلَغَ (قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا) لِخَبَرِهِمَا الْآتِي، وَكَمَا لَوْ جَمَعَ الْمُتَنَجِّسَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ أَوْلَى، وَطَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا، وَقِيلَ بِضَمِّهَا فِيهِمَا.
(وَلَوْ نَوَى) ، وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (نَوَى جُنُبٌ) رَفْعَ حَدَثِهِ الْأَكْبَرِ (وَلَوْ قَبْلَ تَمَامُ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَجْزَأَهُ) الْغُسْلُ بِهِ (فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ) لَا فِي غَيْرِهِ (فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ) مَثَلًا مِنْ الْجَنَابَةِ (ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ لَزِمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْوُضُوءِ بِالنِّيَّةِ) بِمَاءٍ آخَرَ، وَلَا يُجْزِئُهُ مَا انْغَمَسَ فِيهِ، وَهَذَا مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ.
وَأَمَّا الْبَحْثُ فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ صُورَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ إلَى الِانْفِصَالِ، وَالْمَاءُ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ بِمَحِلَّيْنِ فَمَرَّ الْمَاءُ بِأَعْلَاهُمَا ثُمَّ بِأَسْفَلِهِمَا طَهُرَا مَعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ (وَإِنْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ (طَهُرَا أَوْ) نَوَيَا (مُرَتَّبًا) ، وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ (فَالْأَوَّلُ) طَهُرَ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُسْتَعْمَلًا (أَوْ) نَوَيَا (مَعًا فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الِانْغِمَاسِ (لَمْ يَرْتَفِعْ) حَدَثُهُمَا (عَنْ بَاقِيهِمَا) لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ شَكَّا فِي الْمَعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ لِأَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ، وَسَلْبُهَا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ.
(وَ) الْمَاءُ (الْمُتَرَدِّدُ عَلَى عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ و) عَلَى (الْمُتَنَجِّسِ، وَبَدَنِ الْجُنُبِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ) لِلْحَاجَةِ إلَى تَطْهِيرِ الْبَاقِي، وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ جُزْءٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ (فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ) الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ (أَوْ تَقَاطَرَ) مِنْ عُضْوٍ (وَلَوْ مِنْ) عُضْوِ (بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا) لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْعُضْوِ سَوَاءٌ أَتَقَاطَرَ عَلَى عُضْوٍ آخَرَ أَمْ لَا، وَالتَّرْجِيحُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُنُبِ مَعَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ حَاجَتِهِ) ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ مَا يُؤَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ لَهُ حُكْمُ الْوَاجِبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهُ تَطْوِيلُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَبَعِيرُ الزَّكَاةِ عَمَّا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافُ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ مُسْلِمًا لَيْسَ بِقَيْدٍ لِلصِّحَّةِ بَلْ الْخَلِيَّةُ لَوْ نَوَتْ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ صَحَّ فِي حَقِّ مَا يَطْرَأُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي تَجْدِيدٍ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنْ كَانَ النَّفَلُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ كَالتَّجْدِيدِ وَالثَّانِيَةِ فَمُسْتَعْمَلٌ أَوَّلًا كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ فَلَا.
(قَوْلُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ) وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ فِي حَالِ انْغِمَاسِهِ جَازَ وَصَوَّبَهُ قَالَ الشَّارِحُ فِي حَاشِيَتِهِ ذِكْرُ الِانْغِمَاسِ مِثَالٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحْدَثَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخُوَارِزْمِيَّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَافِيهِ لَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ ثُمَّ انْغَمَسَ فِيهِ ثَانِيًا صَحَّ طَهَارَتُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ بِمَحِلَّيْنِ إلَخْ) ، وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ نَزَلَ الْمَاءُ مِنْ الْجُنُبِ إلَى مَحَلِّ الْخَبَثِ وَقُلْنَا مُسْتَعْمَلُ الْحَدَثِ لَا يُزِيلُ الْخُبْثَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي طُهْرِهِ وَجْهَانِ. اهـ. وَنَقَلَهُمَا مَعَ تَصْحِيحِ الطُّهْرِ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي وَصَحَّحَ مِنْ عِنْدِهِ مُقَابِلَهُ وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَوْجَهُ ش (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ مُسْتَعْمَلًا) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ حَكَمْتُمْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا كُلَّهُ مَعَ أَنَّ الَّذِي لَاقَى الْبَدَنَ شَيْءٌ يَسِيرٌ وَقَدْ يُفْرَضْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ مُخَالِفُونَ بَاقِي الْمَاءِ لَمَا غَيَّرَهُ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ فِيهِ فَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ جَمِيعُ الْمَاءِ وَلَمْ يَخْتَصَّ الِاسْتِعْمَالُ بِمُلَاقِي الْبَشَرَةِ لَا اسْمًا وَلَا إطْلَاقًا.
م (قَوْلُهُ فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ فِي الِانْتِقَالِ النَّادِرِ أَمَّا التَّقَاذُفُ الَّذِي يُعَابُ فِي الْمَاءِ كَالْحَاصِلِ عِنْدَ نَقْلِهِ مِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ وَرَدَّهُ مِنْ السَّاعِدِ إلَى الْكَفِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ التَّيَمُّمِ ج.
(قَوْلُهُ أَوْ تَقَاطَرَ مِنْ عُضْوٍ إلَخْ) تَقَاطُرًا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا كَأَنْ شَبَّ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَقَ الْهَوَاءَ. (قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا)