الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّتَابُعَ بِغَيْرِ شَرْطٍ (مَا عَدَا زَمَنَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِيهِ أَمَّا زَمَنُ قَضَائِهَا فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلِأَنَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ مُسْتَمِرٌّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ اخْتِصَاصُ هَذَا بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُهُ فِي كُلِّ مَا يَطْلُبُ الْخُرُوجَ لَهُ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ عَادَةً كَأَكْلٍ وَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَأَذَانِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَوْقِعُ لِلرَّافِعِيِّ فِيمَا قَالَهُ إيهَامٌ وَقَعَ فِي الْوَجِيزِ
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ مَنْ خَرَجَ لِمَا ذُكِرَ (تَجْدِيدُ النِّيَّةِ) بَعْدَ عَوْدِهِ (إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ (كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ) الْوَاجِبِ وَالْأَذَانِ إذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ لَهُ (وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ) وَكَانَ مِنْهُ بُدٌّ لِشُمُولِ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ (وَأُلْحِقَ بِهِ الْخُرُوجُ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَى) أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْمُعْتَكِفِ (وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَجَامَعَ أَوْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِي جَدَّدَ النِّيَّةَ) لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا مَضَى (وَتَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (الْجُمُعَةُ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لَهَا (وَإِنْ خَرَجَ لَهَا بَطَلَ) تَتَابُعُهُ (لِتَقْصِيرِهِ) بِعَدَمِ اعْتِكَافِهِ فِي الْجَامِعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ لَا فِي جَامِعٍ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ لَهَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بِهَا جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لَهَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ جَامِعَانِ فَمَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ تُصَلَّى فِيهِ أَوَّلًا لَمْ يَضُرَّهُ أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
(وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِالْحَجِّ وَخَشِيَ فَوْتَهُ قَطَعَ الِاعْتِكَافَ وَلَمْ يَبْنِ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ ثُمَّ خَرَجَ لِحَجِّهِ
(وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَبَانَ أَنَّهُ انْقَضَى) قَبْلَ نَذْرِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قَدْ مَضَى مُحَالٌ
(وَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ) لِمُنَافَاةِ الْجِمَاعِ لَهُ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمَهْمَا أَرَدْت جَامَعْت لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ
[كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]
(كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، لُغَةً: الْقَصْدُ وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَالْعُمْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ لُغَةً: الزِّيَارَةُ وَقِيلَ: الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ (وَهُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلِقَوْلِهِ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أَفْضَلُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» فَضَعِيفٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ قَالَ وَقَوْلُهُ وَأَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يُغْنِي عَنْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ حَيْثُ يُغْنِي عَنْ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ.
(، وَلَمْ يُفْرَضَا فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ: فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» .
(وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ (ثُمَّ أَسْلَمَ) فَإِنَّهُ لَا يُفْرَضُ إلَّا مَرَّةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ؛ (لِأَنَّهَا) أَيْ الرِّدَّةَ (لَا تُحْبِطُ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
يَنْقَطِعُ الْوَلَاءُ (قَوْلُهُ مَا عَدَا زَمَنِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمُتَابِعُوهُ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْهُ اهـ
(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ) بِأَنْ قَصَدَهُ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ انْتَظَرَ مَجِيئُهُ
(كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)(قَوْلُهُ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ ابْنَ أَرْطَاةَ وَابْنَ لَهِيعَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ) أَوْ سَأَلَ عَنْ عُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ الْغُسْلَ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا حُطَّ عَنْهُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا.
(قَوْلُهُ «لَوَجَبَتْ عَلَيْكُمْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ) وَالْحَجُّ مُطْلَقًا إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ هَاهُنَا أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ أَوْ تَطَوُّعٌ، وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ لَا يَتَوَجَّهَانِ إلَيْهِمْ وَبِأَنَّ فِي حَجِّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ تَطَوُّعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَجِهَةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ مِنْ حَيْثُ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ الْتِزَامُ السُّؤَالِ إذْ لَمْ يَخْلُصْ لَنَا حَجُّ تَطَوُّعٍ عَلَى حِدَتِهِ وَفِي الْأَوَّلِ الْتِزَامُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ ثُمَّ إنَّهُ لَا يَبْعُدُ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَرْضًا وَيَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. يُجَابُ عَنْهُ بِتَصْوِيرِهِ فِي مُكَلَّفِينَ لَمْ يُخَاطَبُوا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِمْ وَقَدْ أَدَّوْا فَرْضَ الْعَيْنِ ثُمَّ تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ وَأَتَوْا بِهِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْبِطُ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا ذُهُولٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى حُبُوطِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ مُهِمَّةُ غَفَلُوا عَنْهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ مَا أُحْبِطَ مِنْ عَمَلِهِ قَبْلَ أَجْرِ عَمَلِهِ لَا إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ فَرْضًا أَدَّاهُ مِنْ صَلَاةٍ، وَلَا صَوْمٍ، وَلَا غَيْرِهِمَا قَبْلَ أَنْ
{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] وَبِهَذَا قَيَّدَ الْأَصْحَابُ بَقِيَّةَ الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5] .
وَإِنَّمَا يُفْرَضَانِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ) فَلَا يُفْرَضَانِ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ، وَلَا غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا، وَلَا فَرْضَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَذَكَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَ مَرَاتِبَ: الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْوُقُوعُ عَنْ النُّذُورِ وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالْوُجُوبُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فَيُشْتَرَطُ) مَعَ الْوَقْتِ (الْإِسْلَامُ) وَحْدَهُ (لِلصِّحَّةِ) الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ، وَلَا عَنْهُ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ وَ (مَعَ التَّمْيِيزِ) دُونَ مَا يَأْتِي (لِلْمُبَاشَرَةِ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَمَعَ التَّكْلِيفِ) دُونَ مَا يَأْتِي (لِلنَّذْرِ) فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُمَا مِنْ كَافِرٍ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا (وَمَعَ الْحُرِّيَّةِ) دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ (لِوُقُوعِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْآتِي بَيَانُهُ (عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَعُمْرَتِهِ فَلَا يَقَعُ عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا مِمَّنْ فِيهِ رِقٌّ لِخَبَرِ «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ؛ وَلِأَنَّ النُّسُكَ عِبَادَةُ عُمْرٍ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَمَالِ فَلَوْ تَكَلَّفَهُ الْفَقِيرُ وَقَعَ فَرْضُهُ لِكَمَالِ حَالِهِ بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ (وَلَا يَتَكَرَّرُ) وُجُوبُهُمَا لِمَا مَرَّ (إلَّا بِنَذْرِ أَوْ قَضَاءٍ) لِتَكَرُّرِ مُقْتَضِيهِ فِيهِمَا.
(فَرْعٌ الِاسْتِطَاعَةُ تَارَةً) تَكُونُ (بِالنَّفْسِ وَتَارَةً) تَكُونُ (بِالْغَيْرِ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) لِتَفْسِيرِ السَّبِيلِ فِي الْآيَةِ بِهِمَا فِي خَبَرِ الْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَتُعْتَبَرُ أَوْعِيَةُ الزَّادِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِلضَّرُورَةِ إلَيْهَا (فَمَنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ، وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ أُمْهِلَ بِهِ) ، وَلَوْ إلَى إيَابِهِ (وَ) عَنْ (نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ اللَّائِقَةُ) بِهِ وَبِهِمْ ذَهَابًا وَإِيَابًا (وَكَذَا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (لِزَمَانَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ) أَوْ نَحْوِهِمَا (أَوْ عَنْ ثَمَنِهِمَا مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤَنِ السَّفَرِ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَمُسْتَطِيعٌ) فَيَلْزَمُهُ النُّسُكُ، وَإِلَّا فَلَا كَنَظِيرِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَتْرُكَ لِمُمَوِّنِهِ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ، وَوَجْهُ اعْتِبَارِ كَوْنِ مَا ذُكِرَ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ أَنَّ الْحَالَّ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَالْمُؤَجَّلَ يَحِلُّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ فِي الْحَجِّ لَمْ يَجِدْ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ.
وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَشْمَلُ مَا ذُكِرَ وَإِعْفَافَ الْأَبِ وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَةِ الْقَرِيبِ وَالْمَمْلُوكِ إلَيْهِمَا وَلِحَاجَةِ غَيْرِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُسَمُّونَهُ نَفَقَةً كَمَا يُسَمُّونَهُ مُؤْنَةً، وَاللَّائِقَةُ صِفَةٌ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ لَا لِفَاعِلِ تَلْزَمُهُ فَتَأَمَّلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ تَنْقَطِعُ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِلْمُتَفَقِّهَةِ السَّاكِنِينَ بِبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالصُّوفِيَّةِ بِالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا اهـ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ بَلْ الْمُتَّجَهُ: أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ غَنِيًّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ (فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ) مُطْلَقًا (أَوْ دُونَهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ) عَنْ الْمَشْيِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ أَوْ يَنَالَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ لَهُ) عَمَّا ذَكَرَهُ (مَا يَصْرِفُهُ فِي الرَّاحِلَةِ) أَيْضًا فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بِزَحْفٍ أَوْ حَبْوٍ وَاعْتَبَرُوا الْمَسَافَةَ هُنَا مِنْ مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْحَرَمِ عَكْسُ مَا اعْتَبَرُوهُ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي التَّمَتُّعِ رِعَايَةً لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِمَا، وَفِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّاحِلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَاتٍ أَكْثَرُ نُظِرَ.
(وَيُسَنُّ لِقَادِرٍ) عَلَى الْمَشْيِ لَا يَجِدُ رَاحِلَةً بَلْ زَادًا أَوْ لَهُ صَنْعَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا مُؤْنَتَهُ، وَهُوَ (لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ أَنْ يَحُجَّ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
يُرِيدَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مُسْلِمًا ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يَرِدْ هَذَا النَّصُّ عَلَى قَوْلِنَا لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْحَجِّ. اهـ. عَلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ مَنَعَ إحْبَاطَ الثَّوَابِ وَقَالَ: إذَا حَجَّ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا فَحَجَّهُ ثَابِتٌ، وَفَائِدَةُ الْحَجِّ الْمَنْعُ مِنْ الْعِقَابِ، وَلَوْ لَمْ يَحُجَّ لَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ وَلَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ ثَوَابًا فَإِنَّ دَارَ الثَّوَابِ الْجَنَّةُ، وَهُوَ لَا يَدْخُلُهَا فَأَمَّا إذَا مَاتَ مُسْلِمًا فَالْحَجُّ قَدْ قُضِيَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالثَّوَابُ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ فَلَا مَعْنَى لِلْإِحْبَاطِ فِي حَقِّهِ أَصْلًا.
. اهـ. (قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ) شَمَلَ مَا لَوْ أَتَى بِهِمَا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَبَانَ بَالِغًا حُرًّا.
(قَوْلُهُ وَالرَّاحِلَةُ) الرَّاحِلَةُ مَا يُرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَالَ الطَّبَرِيُّ وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ حَمُولَةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ يُسَافِرُ فِي الْعَادَةِ عَلَى الْحُمُرِ وَنَحْوِهَا إلَيْهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الطَّرِيقِ دُونَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَى الْمَسَافَاتِ الشَّاقَّةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلَخْ) وَذَكَرُوا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ) وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُهَذَّبِ مَسْكَنٌ بَدَّلَهُ مِنْ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَوَجَدَ أُجْرَةَ رَاحِلَةٍ لَا تَفِي بِجَمِيعِ مَسَافَةٍ بَلْ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى أُجْرَةٍ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَشْيِهَا قَالَ فِي الْخَادِمِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّكُوبُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَفِي بِهِ أُجْرَتَهُ ثُمَّ يَمْشِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ بِالرُّكُوبِ يَنْتَهِي لِحَالَةٍ تَلْزَمُهُ فَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ
بِمَشَقَّةٍ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَخَرَجَا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَلَيْسَ لَهُ صَنْعَةٌ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ كُرِهَ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحَمُّلَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ إلَّا أَنَّهُ لِلرَّجُلِ آكَدُ نَعَمْ فِي التَّقْرِيبِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْعَهَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا الْعَصَبَةُ وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ عِنْدَ التُّهْمَةِ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ التُّهْمَةُ فِي الْفَرْضِ.
(وَالْحَجُّ) لِوَاجِدِ الرَّاحِلَةِ (رَاكِبًا أَفْضَلُ) مِنْهُ مَاشِيًا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى مُهِمَّاتِ الْعِبَادَةِ مَعَ الرُّكُوبِ أَيْسَرُ.
(وَيُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ وَمَنْ يَتَضَرَّرُ بِالرَّاحِلَةِ) أَيْ بِرُكُوبِهَا بِأَنْ تَلْحَقَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ بِأَنْ يَخْشَى مِنْهُ الْمَرَضَ (شِقٌّ) أَيْ وِجْدَانُ شِقٍّ (مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ خَشَبَةٌ يَكُونُ الرَّاكِبُ فِيهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ (إنْ وَجَدَ شَرِيكًا) الْأَوْلَى وَشَرِيكٌ أَيْ وَوِجْدَانُ شَرِيكٍ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مُؤْنَةِ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ قَالَ فِي الْوَسِيطِ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الزَّائِدِ خَسْرَانٌ لَا مُقَابِلَ لَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَتْ الْمُعَادَلَةُ بِهِ يَقُومُ مَقَامَ الشَّرِيكِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الشَّرِيكِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ نَقْلًا عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الْمَحْمِلِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا رُكُوبُهَا بِدُونِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا، أَمَّا غَيْرُهَا فَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَحَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الرَّاحِلَةُ وَشِقُّ الْمَحْمِلِ فَالْمُرَادُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُمَا، وَلَوْ (بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ بِثَمَنِ) الْمِثْلِ فِي الْأَوَّلِ (أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ) فِي الثَّانِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَهَا يُوجِبَانِ الْحَجَّ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ وَلَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ وَقَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَصَحَّحْنَاهُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُجُوبِ نَعَمْ لَوْ حَمَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَهْلِ وَظَائِفِ الرَّكْبِ مِنْ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَدَبَ أَحَدًا لِمُهِمٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا مَرَّ (ذَهَابًا وَإِيَابًا) إلَى وَطَنِهِ (، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) بِهِ (أَهْلٌ) ، وَلَا عَشِيرَةٌ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَلِنَزْعِ النُّفُوسِ لِلْأَوْطَانِ (فَإِنْ تَضَرَّرَ) مَنْ ذُكِرَ بِالْمَحْمِلِ أَيْ بِالرُّكُوبِ فِيهِ (فَكَنِيسَةٌ) تُشْتَرَطُ لَهُ، وَهُوَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ بِجَوَانِبِ الْمَحْمِلِ عَلَيْهَا سِتْرٌ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيُسَمَّى فِي الْعُرْفِ مَجْمُوعُ ذَلِكَ مَحَارَةٌ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَنْسِ وَهُوَ السَّتْرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] أَيْ الْمَحْجُوبَاتِ.
(وَيُصْرَفُ) لُزُومًا (لَهُمَا) أَيْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعَ مَا ذُكِرَ (رَأْسُ مَالِهِ) فِي التِّجَارَةِ (وَضَيْعَتُهُ) أَيْ وَثَمَنُ ضَيْعَتِهِ الَّتِي يَسْتَغِلُّهَا وَإِنْ بَطَلَتْ تِجَارَتُهُ وَمُسْتَغَلَّاتُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ مَصْرِفُهُمَا فِي دَيْنِهِ وَفَارَقَا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ يَتَّخِذُهُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ (وَلَوْ كَانَ دَارٌ وَعَبْدٌ نَفِيسَانِ لَا يَلِيقَانِ بِهِ لَزِمَهُ) إبْدَالُهُمَا بِمَا يَلِيقَانِ بِهِ (وَإِنْ كَفَاهُ الزَّائِدُ عَلَى اللَّائِقِ) بِهِ لِمُؤْنَةِ النُّسُكِ وَمِثْلُهَا الثَّوْبُ النَّفِيسُ كَنَظِيرِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْمَأْلُوفِينَ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِمَا قَدَّمْتُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَلَوْ غَيْرَ نَفِيسَةٍ وَوَفَّى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ النُّسُكِ لَزِمَهُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْجَارِيَةُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ إلَخْ) يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهَا أَوْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا فِي الْأَسْفَارِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ الْخُنْثَى، وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ إنْ وَجَدَ شَرِيكًا) إطْلَاقُهُ الشَّرِيكَ يَشْمَلُ اللَّائِقَ بِمُجَالَسَتِهِ وَغَيْرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِمُجَالَسَتِهِ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْوَلِيمَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ نَصًّا فِيمَا يَعْتَادُهُ عُظَمَاءُ الدُّنْيَا مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ يُسَمُّونَهُ الْمُحَفَّةُ يُحْمَلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَوْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رُكُوبُهُ لِعِظَمِ الْمُؤْنَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ وُجُودَ شَرِيكٍ يَجْلِسُ فِي شِقِّ الْمَحْمِلِ الْآخَرِ، وَقَدْ يُتَخَيَّلُ اغْتِفَارُ ذَلِكَ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لَا بُعْدِهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ إلَّا فِيهِ لِشِدَّةِ الضَّنَى وَالْهَرَمِ وَالْفَالِجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ فِي الْمَحْمِلِ بِلَا ضَرَرٍ وَكَانَ وَاجِدًا لَهُ وَالْمُرْكِبُ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَرْكَبَ الْمَحْمِلَ أَوْ مَا أَمْكَنَهُ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُرْكِبِ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلًا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي إلَخْ) وَهُوَ الْمُتَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ بِالزَّادِ وَنَحْوِهِ لَا تَقُومُ فِي السُّهُولَةِ مَقَامَ الشَّرِيكِ عِنْدَ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ت (قَوْلُهُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِي) أَوْ شِرَائِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُجُوبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ إلَخْ) وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ عُقُوبَةً فِي حَقِّ الزَّانِي.
(قَوْلُهُ وَلِنَزْعِ النُّفُوسِ لِلْأَوْطَانِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَهُ بَلَدٌ نَشَأَ فِيهِ وَاسْتَوْطَنَهُ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ نَفَقَةِ الْإِيَابِ كَذَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَحُكْمُ الرَّاحِلَةِ لِلْإِيَابِ حُكْمُ النَّفَقَةِ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ لِلرُّجُوعِ بِمَنْ لَهُ بِالْحِجَازِ حِرْفَةٌ أَوْ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِمُؤْنَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ نَفَقَةِ الْإِيَابِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْقَوْلِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالْمَحْمِلِ إلَخْ) الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بَيْنَ الْمَحْمِلِ وَالرَّاحِلَةِ