الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ وَلَيْسَ مِنْهَا وَادِي عَرَفَةَ، وَلَا نَمِرَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
(فَرْعٌ وَوَقْتُهُ) أَيْ الْوُقُوفُ (مِنْ زَوَالِ) شَمْسِ (يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى) طُلُوعِ (فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ)«؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ خَبَرَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ» وَفِي رِوَايَةِ مَنْ «جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ أَيْ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَرَوَوْا أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ «عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جِئْت مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاَللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْت عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» وَالتَّفَثُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ إزَالَةِ شُعْثٍ وَوَسَخٍ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ ظُفْرٍ.
(، وَلَا دَمَ عَلَى مَنْ دَفَعَ) مِنْ عَرَفَةَ (قَبْلَ الْغُرُوبِ) وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ «فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَلَوْ وَجَبَ الدَّمُ لَكَانَ حَجُّهُ نَاقِصًا مُحْتَاجًا إلَى الْجَبْرِ وَلِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ الْوُقُوفِ مَا أَجْزَأَهُ فَلَمْ يَجِبْ الدَّمُ كَمَا لَوْ وَقَفَ لَيْلًا (بَلْ يُسْتَحَبُّ إنْ لَمْ يَعُدْ) إلَيْهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْغُرُوبِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لِتَرْكِهِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ عَادَ فَلَا اسْتِحْبَابَ (وَيُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ لَيْلًا) لِخَبَرِ عُرْوَةَ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا مَرَّ.
(فَرْعٌ وَإِنْ غَلِطَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ) ضَمَّ الْغَفِيرَ إلَى الْجَمِّ سَهْوًا، وَإِنَّمَا يُضَمُّ إلَى الْجَمَّاءِ بِالْمَدِّ فَفِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ الْمِيمِ: الْجَمُّ الْكَثِيرُ وَفِي بَابِ الرَّاءِ يَقُولُ جَاءُوا جَمَّاءَ غَفِيرًا وَالْجَمَّاءُ الْغَفِيرُ أَيْ جَاءُوا بِجَمَاعَتِهِمْ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ وَكَانَتْ فِيهِمْ كَثْرَةُ الْجَمَّاءِ الْغَفِيرِ يُنْصَبُ كَمَا تُنْصَبُ الْمَصَادِرُ الَّتِي فِي مَعْنَاهُ كَجَاءُونِي جَمِيعًا وَقَاطِبَةً وَكَافَّةً وَطُرًّا وَأَدْخَلُوا فِيهِ أَلْ كَمَا أَدْخَلُوهَا فِي قَوْلِهِمْ أَوْرَدَهَا الْعِرَاكَ أَيْ عِرَاكًا فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ غَلِطَ الْجَمُّ أَوْ جَمٌّ أَيْ كَثِيرُونَ (لَا قَلِيلُونَ) عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْحَجِيجِ (فَوَقَفُوا يَوْمَ الْعَاشِرِ) بِأَنْ ظَنُّوهُ التَّاسِعَ كَأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا عِدَّةً ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْهِلَالَ أُهِلَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ (وَلَوْ) كَانَ وُقُوفُهُمْ (بَعْدَ التَّبَيُّنِ) أَيْ تَبَيُّنِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ (كَمَا إذَا ثَبَتَ) أَنَّهُ الْعَاشِرُ (لَيْلًا، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا) مِنْ الْوُقُوفِ (صَحَّ) الْوُقُوفُ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد مُرْسَلًا «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَرِّفُ النَّاسُ فِيهِ» وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِالْقَضَاءِ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِيهِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلُّوا وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادُ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحِسَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَإِذَا وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا حُسِبَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقِيمُونَ بِمِنًى إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَاصَّةً (لَا) إنْ وَقَفُوا الْيَوْمَ (الثَّامِنَ) فَلَا يَصِحُّ وَفَارَقَ الْغَلَطُ بِالْعَاشِرَةِ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَارَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِغَلَطٍ فِي الْحِسَابِ أَوْ لِخَلَلٍ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ، وَالْغَلَطُ بِالتَّأْخِيرِ قَدْ يَكُونُ بِالْغَيْمِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، ثُمَّ إنْ عَلِمُوا قَبْلَ فَوْتِ الْوَقْتِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَلَا) إنْ وَقَفُوا (الْحَادِيَ عَشَرَ، وَلَا إنْ غَلِطُوا فِي الْمَكَانِ) فَوَقَفُوا بِغَيْرِ عَرَفَةَ فَلَا يَصِحُّ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ (فَيَقْضُونَ لِلْفَوَاتِ) أَيْ لِأَجْلِهِ (وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ) أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (وَوَقَفَ قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ أَجْزَأَهُ) إذْ الْعِبْرَةُ فِي دُخُولِ وَقْتِ عَرَفَةَ وَخُرُوجِهِ بِاعْتِقَادِهِ، وَهَذَا كَمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ.
(فَصْلٌ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةُ)
وَهِيَ مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُقَرِّبُونَ مِنْهَا (نُسُكٌ) لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَوَاجِبٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيَكْفِي) فِي الْمَبِيتِ بِهَا الْحُصُولُ بِهَا (سَاعَةً) أَيْ لَحْظَةً -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ وَقْتُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَة]
قَوْلُهُ «وَأَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» إلَخْ) اللَّفْظُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» مُخَصَّصٌ بِالنَّهَارِ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَتَأْخِيرُهُ صلى الله عليه وسلم الْوُقُوفَ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالزَّوَالِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الْوُقُوفِ مُرَاعَاةً لِفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ دُخُولَ الْوَقْتِ بِالزَّوَالِ تَقْلِيلًا لِلتَّخْصِيصِ، وَلَمْ يُعَلِّقْ بِفِعْلِ الثَّلَاثَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ التَّخْصِيصِ، وَتَقْلِيلُ الْمَجَازِ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.
(قَوْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ إنْ لَمْ يَعُدْ بَعْدَهُ) ، وَقَدْ وَهَمَ مَنْ نَقَلَ أَنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى وُجُوبَهُ.
[فَرْعٌ غَلِطَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ فَوَقَفُوا يَوْمَ الْعَاشِرِ بِأَنْ ظَنُّوهُ التَّاسِعَ بِعَرَفَةَ]
(قَوْلُهُ فَوَقَفُوا يَوْمَ الْعَاشِرِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا وَكَانَ وُقُوفُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَلِمُوا الْحَالَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ اللُّبْثُ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُقُوفِ أَوْ يَجُوزُ النَّفْرُ قَبْلَهُ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْأَقْرَبُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ قَامَ فِي حَقِّهِمْ مَقَامَ عَرَفَةَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَنَفَرُوا لَزِمَهُمْ الْعَوْدُ لِيَكُونُوا بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَهْجَةِ وَلِكَثِيرٍ غَلِطُوا، لَا النَّزْرُ بَيْنَ زَوَالِ نَحْرِهِمْ وَالْفَجْرِ. وَعِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْعَاشِرُ، وَهُوَ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَةَ فَذَكَرَهَا السُّبْكِيُّ بَحْثًا وَعِبَارَةُ الْحَاوِي تَنَاوَلَهَا فَهِيَ مَنْقُولَةٌ لَكِنْ صَحَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي وُقُوفِهِمْ فِيهَا قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ الدَّارِمِيُّ وَإِذَا وَقَفُوا الْعَاشِرَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ يَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ وَثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْوَاقِفِينَ وَمَنْ اتَّحَدَ مَطْلَعُ بَلَدِهِمْ لِبَلَدِ الْوُقُوفِ دُونَ مَنْ اخْتَلَفَ نَعَمْ يَبْقَى النَّظَرُ هَلْ الْمُرَادُ بِمَنْ اتَّحَدَ مَطْلَعُهُ مِمَّنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَوْ أَعَمُّ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ (قَوْلُهُ غَلَطًا) مَفْعُولٌ لَا حَالٌ (قَوْلُهُ وَلَا إنْ غَلِطُوا فِي الْمَكَانِ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الْمَوْقِفِ يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَكَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ لَا يَعْتَدُّ بِحُكْمِهِ.
[فَصْلٌ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ]
(قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ كَمَا سَيَأْتِي) كَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ
كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَبَعْدَ قَطْعِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَالْمُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فِيهَا لَحْظَةً مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ هُنَا بَلْ لِمَا سَيَأْتِي فِي إشْكَالِ الرَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعْظَمِ كَذَا قَرَّرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مُعْظَمُ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبْعِ اللَّيْلِ مَعَ جَوَازِ الدَّفْعِ مِنْهَا بَعْدَ النِّصْفِ (فَمَتَى) وَفِي نُسْخَةٍ وَمَتَى لَمْ يَبِتْ فِيهَا أَوْ بَاتَ لَكِنْ (دَفَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ (وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ) الْأَوْلَى إلَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ.
(وَيَأْخُذُونَ مِنْهَا) نَدْبًا (حَصَى الرَّمْيِ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ جَيِّدٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» وَلِأَنَّ بِهَا جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ إذَا أَتَى مِنًى لَا يُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ فَسُنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ عَنْهُ وَيَأْخُذُونَهُ (لَيْلًا) لِفَرَاغِهِمْ فِيهِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ نَهَارًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَلِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَأْخُذُونَ (لِيَوْمِهِمْ) أَيْ لِرَمْيِ يَوْمِهِمْ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعًا فَقَطْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فَرُبَّمَا سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ (وَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِهِمْ) كَوَادِي مُحَسِّرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
(وَيُكْرَهُ) أَخْذُهَا (مِنْ حِلٍّ) لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ (وَ) مِنْ (مَسْجِدٍ) ؛ لِأَنَّهَا فُرُشُهُ فَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جُزْءٌ مِنْهُ وَالْإِحْرَامُ (وَ) مِنْ (حَشٍّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا الْمِرْحَاضُ لِنَجَاسَتِهِ وَكَذَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ نَجَسٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ غُسِلَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَوْضِعِ النَّجَسِ وَيُؤَيِّدُهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْجِمَارِ قَبْلَ الرَّمْيِ بِهَا سَوَاءٌ أَخَذَهَا مِنْ مَوْضِعٍ نَجَسِ أَمْ لَا (وَ) مِنْ (مَرْمِيٍّ بِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ» وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَى بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَازَ الرَّمْيُ بِحَجَرٍ بِهِ دُونَ الْوُضُوءِ بِمَا تَوَضَّأَ بِهِ قُلْنَا فَرَّقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ كَالْعِتْقِ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَرَّتَيْنِ وَالْحَجَرُ كَالثَّوْبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ صَلَوَاتٍ وَذِكْرُ الْحِلِّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ الْحَصَى بَلْ يَلْتَقِطُهُ «؛؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْتِقَاطِهِ لَهُ وَنَهَى عَنْ كَسْرِهِ» وَلِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّأَذِّي
(وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ بَعْدَ النِّصْفِ) مِنْ اللَّيْلِ إلَى مِنًى لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ أَفَاضَتْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالدَّمِ، وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا» وَفِيهِمَا «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» (وَيَقِفُ غَيْرُهُمْ) نَدْبًا أَيْ يَمْكُثُونَ بِمُزْدَلِفَةَ (فَيُصَلُّونَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ يَرْكَبُونَ) أَيْ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَتَأَكَّدُ التَّغْلِيسُ هُنَا عَلَى بَاقِي الْأَيَّامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ (وَيَقِفُونَ) بِمُزْدَلِفَةُ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءُوا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ) لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ (وَالْأَفْضَلُ) وُقُوفُهُمْ (عِنْدَ قُزَحَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى، وَهُوَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ، وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ بِآخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ مِنْهَا قَالَا، وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ الْوُقُوفَ بِهِ عَلَى بِنَاءٍ مُحْدَثٍ هُنَاكَ يَظُنُّونَهُ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَلَيْسَ كَمَا يَظُنُّونَهُ لَكِنْ يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ عِنْدَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هُوَ بِأَوْسَطِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقَدْ بُنِيَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ، ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ.
ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَبَلِ وَالْمُشَاهَدَةُ تَشْهَدُ لَهُ قَالَ، وَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ لِغَيْرِهِ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْمُرُورِ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ فِي عَرَفَةَ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ وَإِذَا وَقَفُوا (فَيَذْكُرُونَ) اللَّهَ تَعَالَى (وَيَدْعُونَ) فِي وُقُوفِهِمْ (إلَى الْإِسْفَارِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ كَمَا وَقَّفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
عَنْ الْمَبِيتِ بِهَا أَوْ اشْتَغَلَ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَفَاتَهُ مَبِيتُ مُزْدَلِفَةَ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورِ فِي مَبِيتِ لَيَالِي مِنًى وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ مَنْ شُرِطَ مَبِيتُهُ فِي مَدْرَسَةٍ خَارِجَهَا لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ شَيْءٌ، كَمَا لَا يُجْبَرُ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِلْمَعْذُورِينَ بِدَمٍ قَالَ وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْحُسْنَى، وَلَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ كَمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) سَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ مَوْضِعِ أَخْذِ حَصَى الْجِمَار لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ تُؤْخَذُ مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا يَأْخُذُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا مِنْ مِنًى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ.
(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بَقَاءُ الْكَرَاهَةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَقْرَبُ زَوَالُهَا. اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِزَوَالِهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَمَحْمَلُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْهُ وَإِلَّا حَرُمَ) قَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِتَحْرِيمِ إخْرَاجِ الْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَصَاةٍ وَحَجَرٍ وَتُرَابٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِهِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ» إلَخْ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ النِّسَاءِ إلَخْ) عِبَارَةُ