الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَحُدُوثِ وَلَدٍ أَوْ جَاهٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ، أَوْ نَصْرٍ عَلَى عَدُوٍّ (أَوْ) عِنْدَ (انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ) كَنَجَاةٍ مِنْ غَرَقٍ، أَوْ حَرِيقٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «سَأَلْت رَبِّي وَشَفَعْت لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «سَجَدَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ» (لَا لِاسْتِمْرَارِهِمَا) أَيْ النِّعْمَةِ وَانْدِفَاعِ النِّقْمَةِ وَفِي نُسْخَةٍ لَا لِاسْتِمْرَارِهَا أَيْ النِّعْمَةِ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الْأَصْلِ كَالْعَافِيَةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِغْرَاقِ الْعُمُرِ فِي السُّجُودِ وَقَيَّدَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ النِّعْمَةَ، وَالنِّقْمَةَ بِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ لِيُخْرِجَ الْبَاطِنَتَيْنِ كَالْمَعْرِفَةِ وَسَتْرِ الْمَسَاوِئِ وَقَيَّدَهُمَا الْأَصْلُ، وَالْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ أَيْ يُدْرَى وَحَذَفَهُ الْمُخْتَصَرُ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِيهِ، أَوْ لَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَتُسْتَحَبُّ لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ) مِنْ زَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ (أَوْ) لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى (بِمَعْصِيَةٍ) مُجَاهِرٍ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدِّينِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ حَضَرَ الْمُبْتَلَى، أَوْ الْعَاصِي فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ عِنْدَ أَعْمَى، أَوْ سَمِعَ صَوْتَهُمَا سَامِعٌ وَلَمْ يَحْضُرَا، فَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا (وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي) بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْبِيرًا لَهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ لَا لِلْمُبْتَلَى؛ لِئَلَّا يَتَأَذَّى، نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَظْهَرَهَا لَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَوْبَتَهُ وَإِلَّا فَلْيُسِرَّهَا، وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا لِحُصُولِ نِعْمَةٍ، أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِهَا لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً، أَوْ ضَرَرًا أَخْفَاهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَعِنْدِي: أَنَّهُ لَا يُظْهِرُهَا لِتَجَدُّدِ ثَرْوَةٍ بِحَضْرَةِ فَقِيرٍ؛ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ حَسَنٌ (وَفِي قَضَائِهَا وَجْهَانِ) كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ كَذَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قَالَ وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ. وَذِكْرُهُ هَذَا فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ عَجِيبٌ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي مَحَلِّهَا وَتَبِعَهُ هُوَ أَيْضًا ثَمَّ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ قَضَائِهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ (وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا) أَيْ مَعَ سَجْدَةِ الشُّكْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (الصَّدَقَةُ، وَالصَّلَاةُ لِلشُّكْرِ) وَزَادَ لَفْظَةَ أَيْضًا لِيُفِيدَ مَا نَقَلْته عَنْ الْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ تِلْمِيذَ الْبَغَوِيّ الذَّاكِرَ لِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ خِلَافَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَقَامَ التَّصَدُّقَ، أَوْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَقَامَ السُّجُودِ كَانَ حَسَنًا.
(وَهِيَ) أَيْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ (كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) الْمَفْعُولَةِ (خَارِجَ الصَّلَاةِ) شَرْطًا وَكَيْفِيَّةً وَلَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا (فَإِنْ سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ) عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِيَسْجُدَ بِهَا لِلشُّكْرِ لَمْ يَجُزْ) وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِسُجُودِهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ (فَرْعٌ لَوْ سَجَدَ لَهُ) أَيْ لِلشُّكْرِ (وَلِلتِّلَاوَةِ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي سَفَرٍ) وَلَوْ قَصِيرًا (جَازَ) بِخِلَافِ الْمَاشِي فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْمُتَنَفِّلِ فِيهِمَا (وَلَوْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ) تَعَالَى (بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَرُمَ) وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةٍ كَمَا يَحْرُمُ بِرُكُوعٍ مُفْرَدٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حُرْمَةُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ، أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى وقَوْله تَعَالَى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] مَنْسُوخٌ، أَوْ مُؤَوَّلٌ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: أَوْ نَصْرٍ عَلَى عَدُوٍّ) أَوْ حُدُوثِ مَطَرٍ عِنْدَ الْقَحْطِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «سَجَدَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ» إلَخْ) وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ فَتْحِ الْيَمَامَةِ وَقَتْلِ مُسَيْلِمَةَ وَسَجَدَ عُمَرُ عِنْدَ فَتْحِ الْيَرْمُوكِ وَسَجَدَ عَلِيٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذِي الثَّدْيَيْنِ قَتِيلًا بِالنَّهْرَوَانِ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُمَا الْأَصْلُ، وَالْمُحَرَّرُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ قَبْضِ رَيْعِ الْأَمْلَاكِ وَجِذَاذِ الثِّمَارِ وَحَصْدِ الزُّرُوعِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا نِعَمٌ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ يَحْتَسِبُ الْعَبْدُ، وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْأَرْبَاحِ بِالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا.
(قَوْلُهُ: وَلِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ، أَوْ بِمَعْصِيَةٍ) لَوْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ، أَوْ الْعِصْيَانِ فَهَلْ يَسْجُدُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يَقْتَضِي السُّجُودَ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَهُ ع وَهُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ:، فَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي) قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ بِالْمُتَظَاهِرِ بِفِسْقِهِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَقْيِيدِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِالْمُجَاهِرِ: وَقْفَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَهَا مَنْ اطَّلَعَ عَلَى حَالِ الْمُسْتَتِرِ الْمُصِرِّ فَهُوَ إلَى الِانْزِجَارِ أَقْرَبُ مِنْ الْمُجَاهِرِ. وَقَوْلُهُ قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَظْهَرَهَا لَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِهَا لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً إلَخْ) هَلْ يُظْهِرُهَا لِلْفَاسِقِ الْمُتَجَاهِرِ الْمُبْتَلَى فِي بَدَنِهِ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ؟ يَحْتَمِلُ الْإِظْهَارَ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالزَّجْرِ، وَالْإِخْفَاءَ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَنَّهُ عَلَى الِابْتِلَاءِ فَيَنْكَسِرَ قَلْبُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُظْهِرَ وَيُبَيِّنَ لَهُ السَّبَبَ وَهُوَ الْفِسْقُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا ع الِاحْتِمَالَانِ الْأَوَّلَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ رَأَى فَاسِقًا مُجَاهِرًا مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ فَهَلْ يُظْهِرُهَا أَوْ يُخْفِيهَا فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ. وَقَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُظْهِرَ وَيُبَيِّنَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ حَسَنٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ قَضَائِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَا نَقَلْته عَنْ الْمَجْمُوعِ) عِبَارَتُهُ يَعْنِي مَعَ فِعْلِ سُجُودِ الشُّكْرِ.
(قَوْلُهُ: عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) ، فَإِنْ نَسِيَ، أَوْ جَهِلَ لَمْ تَبْطُلْ.
[الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]
(الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) هُوَ، وَالنَّفَلُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمُسْتَحَبُّ، وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ، وَالْحَسَنُ بِمَعْنًى، وَهُوَ مَا رَجَّحَ الشَّرْعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ وَجَازَ تَرْكُهُ وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: غَيْرُ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ: تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً، وَسُنَّةٌ، وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا، أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ؛ لِعُمُومِهَا لِلثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْمِ (أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ (الصَّلَاةُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» وَقِيلَ الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَقِيلَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، فَالصَّلَاةُ، أَوْ بِالْمَدِينَةِ، فَالصَّوْمُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ (وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ) وَلَا يَرِدُ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ وَحِفْظُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ، وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِمَا صَرَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّطَوُّعُ (قِسْمَانِ قِسْمٌ تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ أَفْضَلُ) مِمَّا لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ لِتَأَكُّدِهِ بِسَنِّهَا لَهُ وَلَهُ مَرَاتِبُ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ (وَأَفْضَلُهُ الْعِيدَانِ) لِشَبَهِهِمَا الْفَرْضَ فِي الْجَمَاعَةِ وَتَعَيُّنِ الْوَقْتِ وَلِلْخِلَافِ فِي أَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ أَفْضَلُ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرَهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى؛ لِأَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَفِيهِ نُسُكَانِ الْحَجُّ، وَالْأُضْحِيَّةُ. وَقِيلَ: إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (ثُمَّ الْكُسُوفُ) لِلشَّمْسِ (ثُمَّ الْخُسُوفُ) لِلْقَمَرِ لِخَوْفِ فَوْتِهِمَا بِالِانْجِلَاءِ كَالْمُؤَقَّتِ بِالزَّمَانِ وَلِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمَا قَالَ تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} [فصلت: 37] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ لَهُمَا بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ تَرَكَهُ أَحْيَانًا وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ عَلَى الْخُسُوفِ فَلِتَقَدُّمِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ فِي الْقُرْآنِ، وَالْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَخَصَّ الْكُسُوفَ بِالشَّمْسِ، وَالْخُسُوفَ بِالْقَمَرِ بِنَاءً عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَعَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ الْأَجْوَدُ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى (ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ) لِتَأَكُّدِ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا (ثُمَّ التَّرَاوِيحُ وَغَيْرُ الضُّحَى مِنْ الرَّوَاتِبِ) ، وَهِيَ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ (أَفْضَلُ مِنْ التَّرَاوِيحِ) ، وَإِنْ سُنَّ لَهَا الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَى الرَّوَاتِبِ دُونَ التَّرَاوِيحِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ الْإِمَامَ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْ الرَّوَاتِبِ مَا عَدَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَالْوِتْرِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَلَفْظُ غَيْرُ الضُّحَى مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الضُّحَى مِنْ الرَّوَاتِبِ فَلَوْ قَالَ كَأَصْلِهِ، وَالرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ مِنْ التَّرَاوِيحِ كَانَ أَوْلَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ الضُّحَى (وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ) خَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ عِبَادَاتُ الْقَلْبِ كَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالتَّفَكُّرِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالصَّبْرِ، وَالرِّضَا، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالتَّطْهِيرِ مِنْ الرَّذَائِلِ. وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ» إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَقِيمُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهَا تِلْوُ الْإِيمَانِ وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ وَعَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ، وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى إيمَانًا فَقَالَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ مِنْ الْقُرَبِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَاللُّبْثِ، وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالطَّهَارَةِ، وَالسِّتَارَةِ وَتَرْكِ الْأَكْلِ، وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا.
(قَوْلُهُ: فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تِلْوُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْقُرَبِ، وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ وَاعْتِقَادٍ بِالْجَنَانِ (قَوْلُهُ: إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَقَرَّبْ إلَى أَحَدٍ بِالْجُوعِ، وَالْعَطَشِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَحَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ خُلُوَّ الْجَوْفِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ يَرْجِعُ إلَى الصَّمَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالصَّمَدِيَّةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِاخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِخْلَاصِ لِخَفَائِهِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ ظَاهِرَةٌ يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الرِّيَاءُ فِيهَا أَغْلَبَ فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِلشَّرَفِ الَّذِي حَصَلَ لِلصَّوْمِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، فَالصَّلَاةُ إلَخْ) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَفْضَلُهَا الطَّوَافُ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَقَالَ الْقَاضِي الْحَجُّ أَفْضَلُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ الْجِهَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلِيهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْجَائِعِ، وَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِلْعَطْشَانِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَتَصَدُّقُ الْغَنِيِّ الشَّدِيدِ الْبُخْلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حُبِّ الدُّنْيَا.
وَالصَّوْمُ لِمَنْ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» وَبِهِ أَفْتَى وَالِدُ النَّاشِرِيِّ وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّرَاوِيحُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ لَا تَطَوُّعَ غَيْرَ مَا ذُكِرَ تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى تَكُونَ التَّرَاوِيحُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ الْإِمَامَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ
خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى أَيْضًا هُوَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا أَيْ يَسْتَرِيحُونَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ، وَالسِّيرَافِيُّ: كَوْنُهَا عِشْرِينَ أَنَّ الرَّوَاتِبَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً؛ لِيُسَاوُوهُمْ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَدْفِنِهِ وَهَذَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ وَمَنْ اقْتَدَى بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَامَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا بِمَا صَنَعُوا الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ مَكَّةَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الْفَضْلِ لَا الْمُنَافَسَةِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ قَالَ: وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِشْرِينَ مَعَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِمَا يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَفْضَلُ لِفَضْلِ طُولِ الْقِيَامِ عَلَى كَثْرَةِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ أَمْيَلُ وَغَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ أَحْوَجُ إلَى الِازْدِيَادِ فِي الْفَضْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَزَادَ عَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ، أَوْ قِيَامِ رَمَضَانَ هَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الْوِتْرِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَاعَةٍ الصِّحَّةُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ (يَنْوِي بِإِحْرَامٍ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ التَّرَاوِيحَ، أَوْ قِيَامَ رَمَضَانَ) لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا وَأَفَادَ كَلَامُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ يَصِحَّ) لِشَبَهِهَا بِالْفَرْضِ فِي طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَ (بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ) ، وَالْعَصْرِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ (ثُمَّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا فُرَادَى لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ فِي الْخَبَرِ (وَ) فِعْلُهَا (بِالْقُرْآنِ) فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ (أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَثَلًا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ (وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بِالْأَنْعَامِ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا) لِاعْتِقَادِ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ إنَّهُ بِدْعَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَفَاسِدَ وَصَوَّرَهَا فِي التِّبْيَانِ بِأَنْ يَقْرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ، وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَخْذًا مِنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.
(وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الرَّوَاتِبُ) التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ (وَغَيْرِهَا) كَالضُّحَى (وَأَفْضَلُهَا الْوِتْرُ) لِخَبَرِ «أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ «الْوِتْرِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، أَوْ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلِوُجُوبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَوَاتِ وُسْطَى «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْضِيلِ مُقَابَلَةُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ دَلِيلُهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ فَمَعَ اخْتِلَافِهِ أَوْلَى. ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» (وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ إلَخْ) اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ مَعَ قَوْلِهِ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» إذْ كَيْفَ يَخَافُ الزِّيَادَةَ مَعَ هَذَا الْخَبَرِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَكُونَ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ س (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: هَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الْوِتْرِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِثْلُهُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ إذَا أَحْرَمَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ) سُنَّةِ الظُّهْرِ، أَوْ الْعَصْرِ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ كَالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ، أَوْ لَا؟ فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ فَإِذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْهَا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: الَّذِي تَبَيَّنَ لِي وَيُفْهَمُ مِنْ نُصُوصِهِمْ نَصًّا وَتَعْلِيلًا أَنَّ ذَلِكَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ) لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فِعْلِهِ فُرَادَى (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» ) وَلِخَبَرِ «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ حَتَّى صَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ عِنْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ نَوْمِهِمْ يَبْتَدِرُونَ إلَى مَعَاشِهِمْ وَكَسْبِهِمْ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَضْلًا عَمَّا عَسَاهُ يَحْصُلُ لَكُمْ مِنْهَا فَلَا تَتْرُكُوهُمَا وَتَشْتَغِلُوا بِهِ؛ وَلِأَنَّ عَدَدَهُمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَأَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَدَّمَانِ عَلَى مَتْبُوعِهِمَا، وَالْوِتْرُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ هُنَا وَجَزَمَ فِي كِتَابَتِهِ فِي بَابِ الْكُسُوفَيْنِ بِالْمَنْعِ وَأَنَّ جَوَازَ التَّغْيِيرِ بِالنِّيَّةِ خَاصٌّ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. كَاتِبُهُ.
قَوْلُهُ: وَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ أَوْلَى قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الرَّاتِبَةَ الْقَبْلِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَعْدِيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اشْتَهَرَ عَنْ تَقْرِيرِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فَلْيُحَرَّرْ. اهـ.
كَاتِبُهُ