الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَيَرْفَعُ) نَدْبًا الرَّجُلُ (صَوْتَهُ) بِالتَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ (بِحَيْثُ لَا يُتْعِبُهُ) الرَّفْعُ «قَالَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ نَحْرُ الْبُدْنِ أَمَّا رَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ فَلَا يُنْدَبُ بَلْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحْرِمِ (وَالْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (تُسْمِعُ نَفْسَهَا) فَقَطْ نَدْبًا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ جَهَرَتْ) بِهَا (كُرِهَ) وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَانِهَا حَيْثُ حُرِّمَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْإِصْغَاءِ إلَى الْأَذَانِ وَاشْتِغَالِ كُلِّ أَحَدٍ بِتَلْبِيَتِهِ عَنْ سَمَاعِ تَلْبِيَةِ غَيْرِهِ (وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ اسْتِئْنَافًا وَفَتْحُهَا تَقْلِيلًا، قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْكَسْرُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُلْكَ وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ، وَهُوَ مُثَنَّى مُضَافٌ - الْإِجَابَةُ لِدَعْوَةِ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا أَوْ أَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ (فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ (ثُمَّ يُصَلِّيَ) وَيُسَلِّمُ نَدْبًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تَلْبِيَتِهِ (عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي (بِصَوْتٍ أَخْفَضَ) مِنْ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْهَا قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَيُصَلِّي عَلَى آلِهِ أَيْضًا كَمَا فِي التَّشَهُّدِ (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَسْأَلُ رِضْوَانَ اللَّهِ وَالْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُهُ) تَعَالَى (مِنْ النَّارِ) نَدْبًا كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ (وَيَدْعُو) بَعْدَ ذَلِكَ نَدْبًا (بِمَا أَحَبَّ) دِينًا وَدُنْيَا قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَسُولِك وَآمَنُوا بِك وَوَثِقُوا بِوَعْدِكَ وَوَفَّوْا بِعَهْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِكَ الَّذِينَ رَضِيتَ وَارْتَضَيْتَ وَقَبِلْتَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ.
، (وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّلْبِيَةِ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (إلَّا بِرَدِّ السَّلَامِ) فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا أَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ) فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَطْعُهَا (وَإِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ) نَدْبًا « (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ» وَرَأَى جَمْعَ الْمُسْلِمِينَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الْهَنِيَّةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ إذَا رَأَى مَا يُهِمُّهُ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ فِي أَسَرِّ أَحْوَالِهِ وَفِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فَالْأَوَّلُ فِي وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، وَالثَّانِي فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ (وَيُتَرْجَمُ) بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (الْعَاجِزُ) عَنْهُ لَا الْقَادِرُ كَمَا فِي تَسْبِيحِ الصَّلَاةِ.
(بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ)
-
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إلَخْ) اسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ الرَّفْعِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ إذَا حَصَلَ بِهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوِهِمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ جَهَرَتْ بِهَا كُرِهَ) هَذَا إذَا كَانَتْ عِنْدَ الْأَجَانِبِ فَإِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا أَوْ بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحَارِمِ أَوْ النِّسَاءِ فَتَجْهَرُ بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا تَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ذَكَرَهُ هُنَاكَ النَّوَوِيُّ.
(قَوْلُهُ قَالَهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَدَعْوَاهُ ثُبُوتَهُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ هُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَاهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَةِ» ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ.
[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]
(بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا) ، وَقَدْ «دَخَلَهَا صلى الله عليه وسلم لَيْلًا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ» كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا نَعْلَمُ دُخُولَهَا لَيْلًا فِي غَيْرِهَا وَفِي مُسْلِمٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ لَفْظُهُ «كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا» وَكَتَبَ أَيْضًا مَكَّةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي تَفْضِيلِهِ الْمَدِينَةَ، دَلِيلُنَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ مَكَّةَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ «إنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي سُوقِ مَكَّةَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْ أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» وَمَحَلُّ التَّفَاضُلِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمَّا هُوَ فَأَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ قَالَ شَيْخِي وَوَالِدِي وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَعْبَةَ الْمُشَرَّفَةَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ الْمَدِينَةِ قَطْعًا مَا عَدَا مَوْضِعَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ وَبَيْتَ خَدِيجَةَ الَّذِي بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مَوْضِعٍ مِنْهَا بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي إيضَاحِهِ الْمُخْتَارِ اسْتِحْبَابُ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَحْذُورَةِ وَقَوْلُهُ، وَأَمَّا هُوَ فَأَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ شَيْخُنَا وَأَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَمِنْ الْجَنَّةِ فَإِنْ قِيلَ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام يُنْقَلُ مِنْ أَفْضَلَ لِمَفْضُولٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تِلْكَ التُّرْبَةِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهَا لَخُلِقَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ «إنَّ صَدْرَهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا شُقَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ» فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهُ لَغُسِلَ بِذَلِكَ الْأَفْضَلِ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَإِنْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً زَالَ الْإِشْكَالُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَيْنِيَّةِ مَا بَيْنَ ابْتِدَاءِ قَبْرِي أَيْ وَمِنْ آخِرِهِ وَمِنْبَرِي حَتَّى يَكُونَ الْقَبْرُ دَاخِلًا فِي الرَّوْضَةِ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ مَكَّةَ بِالْمِيمِ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ، وَبِالْبَاءِ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ، وَقِيلَ بِالْمِيمِ لِلْبَلَدِ وَبِالْبَاءِ لِلْبَيْتِ مَعَ الْمَطَافِ وَقِيلَ بِدُونِهِ (يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ) بِالْحَجِّ (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ كَمَا فَعَلَ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ وَأَنْ يَدْخُلَهَا (مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ، وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ) يَعْنِي ثَنِيَّةَ كَدَاءٍ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْهَا (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ) لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَرَجَ إلَيْهَا قَصْدًا» ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ تَخْصِيصَهُ بِالْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِلْمَشَقَّةِ وَأَنَّ دُخُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا كَانَ اتِّفَاقًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْغُسْلِ بِذِي طُوًى.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي كَدَاءٍ مِنْ الْحِكْمَةِ أَيْ الْآتِيَةِ غَيْرُ حَاصِلٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا وَفِي الْغُسْلِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ النَّظَافَةُ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ نَعَمْ فِي التَّفْرِقَةِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعَرِّجَ لِلدُّخُولِ يَنْتَهِي إلَى مَا يَدْخُلُ مِنْهُ الْآتِي مِنْ الْمَدِينَةِ وَرُبَّمَا يَمُرُّ بِذِي طُوًى أَوْ يُقَارِبُهُ جِدًّا كَالْآتِي مِنْ الْيَمَنِ فَإِذَا أُمِرَ الْمَدَنِيُّ بِذَهَابِهِ إلَى قِبَلِ وَجْهِهِ لِيَغْتَسِلَ بِذِي طُوًى، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى خَلْفٍ فَأَمْرُ الْيَمَنِيِّ، وَقَدْ مَرَّ بِهِ أَوْ قَارَبَهُ بِالْأَوْلَى وَأَقُولُ لَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ قَبْلَ تَعْرِيجِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ لِيَغْتَسِلَ بَلْ لِيَدْخُلَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِالْغُسْلِ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْرِيجَ لِيَدْخُلَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِذِي طُوًى) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ هَذَا إنْ كَانَتْ بِطَرِيقِهِ بِأَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَإِلَّا اغْتَسَلَ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَلَوْ قِيلَ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعْرِيجُ إلَيْهَا وَالِاغْتِسَالُ بِهَا اقْتِدَاءً وَتَرْكًا لَمْ يَبْعُدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ أَيْ مَبْنِيَّةٍ، وَالطَّيُّ الْبِنَاءُ (وَ) أَنْ (يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى) بِأَسْفَلِهَا أَيْ مَكَّةَ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْمَعْنَى فِيهِ، وَفِي دُخُولِهِ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ بِالْفَتْحِ الذَّهَابُ مِنْ طَرِيقٍ وَالْإِيَابُ مِنْ أُخْرَى كَالْعِيدِ وَغَيْرِهِ لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِيَ الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ وَلِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام حِينَ قَالَ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] كَانَ عَلَى الْعُلْيَا كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ أَيْضًا كَاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ، وَالْيَسَارِ لِلْخَارِجِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عِبَادَةً فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَرِدْ نَقْلٌ بِدَفْعِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرَ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ وَأَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك.
(وَدُخُولُهُ) مَكَّةَ (نَهَارًا وَمَاشِيًا) وَحَافِيًا، وَلَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ، وَلَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ رِجْلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (أَفْضَلُ) مِنْ دُخُولِهِ لَيْلًا وَرَاكِبًا وَمُتَنَعِّلًا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ وَأَرْفَقُ بِهِ وَأَقْرَبُ إلَى مُرَاعَاتِهِ الْوَظَائِفَ الْمَشْرُوعَةَ، وَدُخُولُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَلَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا فَوَاتُ مُهِمٍّ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ كَمَا مَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ، ثَمَّ؛ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ فِي الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لِإِيذَاءِ النَّاسِ بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّةِ الْمَشْيِ بِمَنْ لَا يُشَقُّ عَلَيْهِ، وَلَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوَظَائِفِ وَيُشْبِهُ أَنَّ دُخُولَ الْمَرْأَةِ فِي هَوْدَجِهَا وَنَحْوِهِ أَوْلَى، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الزَّحْمَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُهُ مَكَّةَ بِخُشُوعِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِ جَوَارِحِهِ دَائِمًا مُتَضَرِّعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ مَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُكَ جِئْت أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِكَ وَرَاضِيًا بِقَدَرِك مُسَلِّمًا لِأَمْرِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْكَ الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَكَ» قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَيَقُولُ آيِبُونَ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَهُ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الْحَقُّ
(قَوْلُهُ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا) بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ نَوَّنَهُ جَعَلَهُ نَكِرَةً وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْهُ جَعَلَهُ مَعْرِفَةً (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّتِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَيُشْبِهُ أَنَّ دُخُولَ الْمَرْأَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.