الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّوَابَ فِيمَا ذُكِرَ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ كَمَا فِي الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ.
(فَرْعٌ تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) كَمَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ فِي التَّحَلُّلِ لِلْإِحْصَارِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ:«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا أَنْ نُشْرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلَّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» (وَلَهُمْ الْقِسْمَةُ) أَيْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قِسْمَتَهُ كَسَائِرِ الْمُتَشَابِهَاتِ إفْرَازٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي شَاتَيْنِ) لِلتَّضْحِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَالْهَدْيِ (لَمْ يَجُزْ) اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ وَلِتَمَكُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الِانْفِرَادِ بِوَاحِدَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ إعْتَاقِ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ عَنْ الْكَفَّارَةِ: بِأَنَّ التَّشْقِيصَ عَيْبٌ وَمُطْلَقُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ يُنْقِصُ اللَّحْمَ لَا مُطْلَقُ الْعَيْبِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِاخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ ثَمَّ تَخْلِيصُ رَقَبَةٍ مِنْ الرِّقِّ وَقَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ، وَهُنَا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ بِمَا فَعَلَ (وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ) مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ بَدَلَ شَاةٍ وَاجِبَةٍ (فَالزَّائِدُ عَلَى السُّبْعِ تَطَوُّعٌ) وَ (يَصْرِفُهُ) أَيْ الزَّائِدَ (إلَى أَنْوَاعِ) مَصْرِفِ أُضْحِيَّةِ (التَّطَوُّعِ) مِنْ إهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ (إنْ شَاءَ) ، وَإِنْ شَاءَ فَعَلَ فِيهِ مَا يَفْعَلُ فِي سَائِرِ الضَّحَايَا الْمُتَطَوَّعِ بِهَا مِنْ أَكْلٍ وَإِهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ وَقَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي.
(الشَّرْطُ الثَّانِي الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ (وَهُوَ مِنْ حِينِ يَمْضِي قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَانِ مِنْ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَوْ) كَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ (مَنْذُورَةً)، فَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَقَعْ أُضْحِيَّةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ» وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ لَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالزَّمَانِ أَشْبَهُ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِلنَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي (وَيَقْضِي) الْمَنْذُورَةَ وُجُوبًا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ لَزِمَهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَمِثْلُهَا مَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (دُونَ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا) فَلَا تُقْضَى (فَإِنْ ذَبَحَ الْمُتَطَوَّعُ بِهَا) بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ (فَهِيَ صَدَقَةٌ) إنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَيُثَابُ ثَوَابَ الصَّدَقَةِ لَا الْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ ضَحَّى بِهَا فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقَعَتْ عَنْهَا لَا عَنْ الْأُولَى (وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْأُضْحِيَّةِ وَفِيهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخَطَأَ فِي الْمَذْبَحِ؛ وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَحْضُرُونَ فِيهِ حُضُورَهُمْ بِالنَّهَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا مَعْنًى لِكَرَاهَةِ الذَّبْحِ إذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَتُهُ أَوْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ نَهْيًا أَوْ احْتَاجَ هُوَ وَأَهْلُهُ إلَى الْأَكْلِ مِنْهَا أَوْ نَزَلَ بِهِ أَضْيَافٌ أَوْ حَضَرَ مَسَاكِينُ الْقَرْيَةِ، وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَكْلِ مِنْهَا.
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ الذَّابِحُ) ، وَهُوَ مَنْ تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ وَالْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي) بِنَفْسِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ فَتُسَنُّ مُبَاشَرَتُهَا (أَوْ يُوَكِّلَ) فِي ذَلِكَ (مُسْلِمًا فَقِيهًا) بِبَابِ الضَّحَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ أَيْ فِي ثَوَابِهِ وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجَعَلَهَا فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِم أَهْل لِقُرْبَةٍ وَالْفَقِيهَ أُعْرَفُ بِوَاجِبَاتِ الذَّبْحِ وَسُنَنِهِ وَأَوْ فِي كَلَامِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
نَفَقَتُهُ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْجَارِ غ وَقَوْلُهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّوَابَ فِيمَا ذُكِرَ لِلْمُضَحِّي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
[فَرْعٌ تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةَ]
(قَوْلُهُ، وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي شَاتَيْنِ) قَالَ شَيْخُنَا مِثْلُ الشَّاتَيْنِ الشِّيَاهُ (قَوْلُهُ مِنْ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَخْ) وَيَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَإِنْ ضَحَّى بِعَدَدٍ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا حُسِبَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ، وَإِنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ وَذَبَحُوا يَوْمَ التَّاسِعِ، ثُمَّ بَانَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ التَّضْحِيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَالتَّطَوُّعُ تَبَعٌ لِلْحَجِّ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَأَعَادَهُ كَانَ حَسَنًا اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَمْ أَرَ الدَّارِمِيَّ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْهَدْيَ وَالشَّيْخُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا إثْرَ كَلَامِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَسَبَقَ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا وَنَحَرُوا فَوَافَقَ مَا قَبْلَهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى هُنَا صُورَتَانِ: النِّسْيَانُ وَالْغَلَطُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا أَحْسِبُ الْأَصْحَابَ يَسْمَحُونَ بِالتَّقْدِيمِ عَمْدًا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» ) ؛ وَلِأَنَّ ثَالِثَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ فِي الرَّمْيِ وَتَحْرِيمِ الصَّوْمِ فَكَذَلِكَ الذَّبْحُ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ لَزِمَهُ) فَيَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتٍ يَلْقَاهُ بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بِاللَّفْظِ أُضْحِيَّةً فَتَعَيَّنَ لِذَبْحِهَا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ وَخَالَفَ هَذَا الْمَنْذُورَ وَالْكَفَّارَاتِ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهَا فِيمَا أُرْسِلَ فِي الذِّمَّةِ، وَهَاهُنَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَيْنِ، وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّأْجِيلِ، وَلِهَذَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ بِنَفْسِ النَّذْرِ عَلَى الْأَصَحِّ ر (قَوْلُهُ فَإِنْ ذَبَحَ الْمُتَطَوَّعَ بِهَا إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَرَّجْتُمْ قَضَاءَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قُلْنَا الرَّوَاتِبُ إذَا فَاتَتْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا أَدَاءً فَلَوْ لَمْ نَقْضِهَا لَتَحَقَّقَ فَوَاتُهَا وَالْأُضْحِيَّةُ إنْ فَاتَتْ فِي سَنَةٍ أَمْكَنَ تَدَارُكُهَا فِي أُخْرَى إذْ الْوَقْتُ قَابِلٌ لِأَضَاحِيَّ فَلَا يَنْقَدِحُ مَعْنَى الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ الذَّبْحِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، فَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ كَانَ أَوْلَى نَعَمْ الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَنْ يُوَكِّلَا رَجُلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ التَّوْكِيلِ لِكُلِّ مَنْ ضَعُفَ عَنْ الذَّبْحِ مِنْ الرِّجَالِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِلْأَعْمَى وَكُلِّ مَنْ تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ (وَ) أَنْ (يَحْضُرَ) الذَّبْحَ إذَا وَكَّلَ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِك» (وَيُجْزِئُ كِتَابِيٌّ) أَيْ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلذَّبْحِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَانَ الْمُسْلِم فِي قُرَبِهِ بِالْكَافِرِ كَمَا يَعْتَانُ بِهِ فِي قِسْمَةِ الزَّكَاةِ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ إذْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ (وَيُكْرَهُ صَبِيٌّ وَأَعْمَى) أَيْ تَوْكِيلُهُمَا (وَالْحَائِضُ) أَيْ تَوْكِيلُهَا (أَوْلَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ تَوْكِيلِهِمَا، وَلَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَكَالْحَائِضِ النُّفَسَاءُ وَذِكْرُ الْأَعْمَى مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحَائِضَ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَالصَّبِيُّ) الْمُسْلِمُ أَيْ تَوْكِيلُهُ (أَوْلَى مِنْ) تَوْكِيلِ (الْكِتَابِيِّ) وَمِثْلُهُ الْأَعْمَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ.
(وَلَا بُدَّ) فِي التَّضْحِيَةِ (مِنْ النِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ (وَلَوْ قَبْلَ الذَّبْحِ) عِنْدَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ (وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ) بِأَنْ قَالَ جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً (أَوْ) عَيَّنَهَا (عَنْ نَذْرٍ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ تُجْزَ عَنْ نِيَّةِ الذَّبْحِ) لِلْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَكْفِي تَعْيِينُهَا؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهَا (وَلَوْ نَوَى دُونَ وَكِيلِهِ، وَلَوْ عِنْدَ الدَّفْعِ) أَيْ دَفْعِ الْأُضْحِيَّةِ (إلَيْهِ) أَوْ تَعْيِينِهِ لَهَا (كَفَى) فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الْوَكِيلِ بَلْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُضَحٍّ لَمْ يَضُرَّ (وَيَجُوزُ تَفْوِيضُهَا إلَى الْوَكِيلِ الْمُسْلِمِ) الْمُمَيِّزِ كَمَا يُفَوِّضُ إلَيْهِ الذَّبْحَ، وَكَمَا فِي الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمْ.
(، وَلَا أُضْحِيَّةَ لِرَقِيقٍ) ، وَلَوْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ) سَيِّدُهُ وَضَحَّى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَاتَبٍ (وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ) أَيْ عَنْهُ أَوْ مُكَاتَبًا (وَ) قَعَتْ (عَنْ الْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ تَبَرُّعٌ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ سَيِّدُهُ وَيُوَجَّهُ وُقُوعُهَا عَنْ السَّيِّدِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَدَهُ كَيَدِهِ (وَلِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ أَنْ يُضَحِّيَ بِمَا يَمْلِكُهُ) بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ (، وَلَا يُضَحِّي أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ (مَيِّتًا) فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَقَعَتْ عَنْهُ، وَصُورَةُ الْإِذْنِ فِي الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا» فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَقَعُ عَنْهُ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إذَا ضَحَّى عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (نَعَمْ تَقَعُ عَنْ الْمُضَحِّي) أُضْحِيَّةٌ (مُعَيَّنَةٌ بِالنَّذْرِ) مِنْهُ فَمُعَيَّنَةٌ مَرْفُوعٌ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِالْحَالِيَّةِ.
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ الذَّبْحُ، وَلَا يَحِلُّ حَيَوَانٌ) مَأْكُولٌ (مَقْدُورٌ عَلَيْهِ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا أُضْحِيَّةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا (إلَّا بِالتَّذْفِيفِ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ) حَالَةَ كَوْنِ الْقَطْعِ (مَحْضًا) أَيْ خَالِصًا (وَالْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةٌ لَا بِعَظْمٍ وَظُفُرٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ قَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَأُلْحِقَ بِهِمَا بَاقِي الْعِظَامُ وَسَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ جَمِيعُ تَأْكِيدٍ (وَلَا يُقْطَعُ) الرَّأْسُ (بِإِلْصَاقِ السِّكِّينِ بِاللَّحْيَيْنِ) فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهَا، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ صَدْرُ كَلَامِهِ الْآتِي عَلَى الْأَثَرِ، وَلَوْ جَعَلَهُ مِثَالًا لَهُ كَانَ أَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا أَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ) أَوْ غَيْرِهِ (بِبُنْدُقَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ بَقِيَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ شَيْءٌ (يَسِيرٌ) فَمَاتَ الْحَيَوَانُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ رَفْعِ السِّكِّينِ مَا بَقِيَ بَعْدَ انْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ (فَمَيْتَةٌ وَيَعْصَى بِالذَّبْحِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي بِنَفْسِهِ) وَأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ بِمَشْهَدِ أَهْلِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ التَّوْكِيلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37](قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَفْوِيضُهَا إلَى الْوَكِيلِ الْمُسْلِمِ إلَخْ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ ذَبَحَ الْمُوَكِّلُ أَوْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ مُسْلِمًا آخَرَ أَوْ ذِمِّيًّا
(قَوْلُهُ وَصُورَةُ الْإِذْنِ فِي الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا) هَذَا فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ أُضْحِيَّةٌ مَنْذُورَةٌ وَمَاتَ، وَلَمْ يُوصِ بِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ عَنْهُ (قَوْلُهُ نَعَمْ تَقَعُ عَنْ الْمُضَحِّي مُعَيَّنَةً) يُسْتَثْنَى أَيْضًا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُخْرَجُ عَنْهُ الْفِطْرَةُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الْمَحْجُورِ مِنْ مَالِهِ
(قَوْلُهُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا قَطَعَ الْبَعْضَ وَانْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، ثُمَّ قَطَعَ بَعْدُ فَلَا يَحِلُّ نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَطَعَ ذَلِكَ فِي مَرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ فَلَوْ قَالَا: فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ أَصْوَبَ وَكَتَبَ أَيْضًا الْكَلَامَ فِي الذَّكَاةِ اسْتِقْلَالًا فَلَا يَرِدُ الْجَنِينُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الصَّيْدُ الَّذِي قَتَلَهُ سَهْمٌ أَوْ جَارِحَةٌ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ يَنِدُّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ أَمْكَنَ فَإِنَّ ذَلِكَ ذَكَاةٌ لَهُمَا قَالَ، وَكَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ وَيَحْرُمُ ذَبْحُ رَمَكَةٍ حَامِلٍ بِبَغْلٍ (قَوْلُهُ وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ) الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالْمُسْتَمِرَّةُ وَعَيْشُ الْمَذْبُوحِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ تَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا، فَأَمَّا الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الْبَاقِيَةُ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ إمَّا بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ وَمَعَهَا الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ دُونَ الِاضْطِرَارِيَّةِ كَالشَّاةِ إذَا أَخْرَجَ الذِّئْبُ حِشْوَتَهَا وَأَبَانَهَا، وَأَمَّا حَيَاةُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ فَهِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا إبْصَارٌ، وَلَا نُطْقٌ، وَلَا حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ.
وَمِنْ الْقَفَا وَ) مِنْ (الصَّفْحَةِ) أَيْ الصَّفْحَةِ الْعُنُقِ (وَ) مِنْ (إدْخَالِ السِّكِّينِ فِي الْأُذُنِ) لِزِيَادَةِ الْإِيلَامِ (فَإِنْ وَصَلَ الْمَذْبَحَ) فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ (وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ) هـ (حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ جِلْدَتَهُمَا) أَيْ الْحُلْقُومِ الْمَرِيءِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ الْحَيَوَانِ، ثُمَّ ذَبَحَهُ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَذْبَحَ أَوْ وَصَلَهُ، وَالْحَيَاةُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ فَقَطَعَهُ لَمْ يَحِلَّ (وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي قَطْعِهِمَا) جَمِيعِهِمَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِأَنْ انْتَهَى بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمَا نَالَهُ بِسَبَبِ قَطْعِ الْقَفَا وَالصَّفْحَةِ وَإِدْخَالِ السِّكِّينِ فِي الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ) وَفِي نُسْخَةٍ مَنْ (تَأَنَّى فِي الذَّبْحِ فَلَمْ يُتِمَّهُ حَتَّى ذَهَبَ اسْتِقْرَارُهَا) أَيْ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي التَّأَنِّي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ نُحَلِّلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ.
(وَإِنْ ذَبَحَهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ (وَأَخْرَجَ آخِرَ حِشْوَتِهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ أَمْعَاءَهَا أَوْ نَخَسَ خَاصِرَتَهَا (مَعًا لَمْ يَحِلَّ) ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ قَالَ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَا قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مِمَّا يُذَفِّفُ لَوْ انْفَرَدَ، أَوْ كَأَنْ يُعِينَ عَلَى التَّذْفِيفِ ر وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ الْمُشَارِكُ غَيْرَ مُذَفِّفٍ لَوْ انْفَرَدَ وَتَوَقَّفَ الرَّافِعِيُّ وَمَالَ إلَى الْحِلِّ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ جَرَحَا آدَمِيًّا وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْآخَرِ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا لَكِنْ فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِصْمَةُ الدَّمِ وَالتَّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ التَّحْرِيمُ، وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَتَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذَبْحَيْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَمَحَّضَ الْقَطْعِ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَسْمُومٍ بِسُمٍّ مُوحٍ حَرُمَ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
(وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ) خُرُوجًا وَدُخُولًا (وَالْمَرِيءُ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ (مَجْرَى الطَّعَامِ) وَالشَّرَابِ (وَالْوَدَجَانِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (عِرْقَانِ بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَيْ وَرَاءَهُمَا فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ (يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُمَا) مَعَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَرْوَحُ لِلذَّبِيحَةِ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا مَا يَنْقَطِعَانِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ قَطْعُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُسَلَّانِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَبْقَى وَمَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ (فَإِنْ جُرِحَ الْحَيَوَانُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ سَيْفٌ) أَوْ نَحْوُهُ وَفِي نُسْخَةٍ سَقْفٌ (وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَلَوْ) عُرِفَتْ (بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ) أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ (فَذَبَحَهُ حَلَّ) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ هَلَاكَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (فَلَا) يَحِلُّ لِوُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ مِمَّا ذُكِرَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ وَمَا صِدْت بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ» وَقَوْلُهُ، وَلَوْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ بِجَرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ حَالَةَ الذَّبْحِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ مَعَ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ كَأَصْلِهِ كَانَ حَسَنًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تَتَيَقَّنُ وَتَارَةً تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ فَمِنْهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَانْفِجَارُ الدَّمِ وَتَدَفُّقُهُ (وَلَوْ شَكَكْنَا فِي اسْتِقْرَارِهَا حَرُمَ) لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ (فَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ) مِمَّا ذُكِرَ (بَلْ مَرِضَ) ، وَلَوْ بِأَكْلِهِ نَبَاتًا مُضِرًّا (أَوْجَاعَ فَذَبَحَهُ) وَقَدْ صَارَ (آخِرَ رَمَقٍ حَلَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ قَتْلًا وَمَسْأَلَةُ الْجُوعِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(فَصْلٌ) فِي سُنَنِ الذَّبْحِ (يُسَنُّ تَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ السِّكِّينِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَأَفْهَمَ سَنُّ تَحْدِيدِهَا أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ حَلَّ وَمَحِلُّهُ أَنْ لَا يَكُونَ كَلَالُهَا غَيْرَ قَاطِعٍ إلَّا بِشِدَّةِ اعْتِمَادِ وَقُوَّةِ الذَّابِحِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ يُذَفِّفُ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَحْضًا وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (وَ) يُسَنُّ (الذَّبْحُ بِقُوَّةٍ) بِأَنْ يُمِرَّ السِّكِّينَ بِتَحَامُلٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا لِيَكُونَ أَوْحَى وَأَسْهَلَ (وَكَذَا) يُسَنُّ (الِاسْتِقْبَالُ) أَيْ اسْتِقْبَالُ الذَّابِحِ الْقِبْلَةَ (وَ) الِاسْتِقْبَالُ (بِمَذْبَحِهَا) إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَلَا يُوَجِّهُ وَجْهَهَا إلَيْهَا لِيَتَمَكَّنَ هُوَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ (وَالِاسْتِقْبَالُ) الْمَذْكُورُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَالْهَدْيِ آكَدُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْعِبَادَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي بَعْضِهَا وَاجِبٌ، وَكَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ فِي ذَلِكَ الْعَقِيقَةُ، وَلَعَلَّهُمْ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ بِشِدَّةٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا مَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَرَكَةَ الشَّدِيدَةَ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ (قَوْلُهُ، وَلَوْ بِأَكْلِهِ نَبَاتًا مُضِرًّا) لَوْ انْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ فَذَكَرَ الْقَاضِي مَرَّةً فِيهَا وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ مَرَّةً بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ كَذَا نَقَلَاهُ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَكَلَتْ بَهِيمَةٌ نَبَاتًا مُضِرًّا وَصَارَتْ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فَذُبِحَتْ حَرُمَتْ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ قُرْحَةٌ أَوْ أَكَلَهُ فِيهَا وَصَيَّرَهَا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَذُبِحَتْ قَالَ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ هُنَا لَا يُخَالِفُهُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ بِأَكْلِ نَبَاتٍ حَلَّ إذْ كَلَامُهُ مَفْرُوضٌ فِي بَهِيمَةٍ وَصَلَتْ لِذَلِكَ بِمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ أَكْلَ النَّبَاتِ فَالْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ وَصَلَتْ لِأَدْنَى الرَّمَقِ بِأَكْلِ النَّبَاتِ الْمُضِرِّ فَلَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ