الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْضًا، وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِإِخْرَاجِهِمْ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُمْ لَا تُكْرَهُ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ قَالَ أَعْنِي النَّوَوِيَّ، وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُ: إنَّهُمْ فِي النَّارِ وَطَائِفَةٌ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ وَالْمُحَقِّقُونَ إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ، وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ (فَلَوْ تَمَيَّزُوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُمْنَعُوا) مِنْ الْخُرُوجِ فَيَخْرُجُونَ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ قَالَ تَعَالَى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182]
(وَيُسْتَحَبُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي (أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ) بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ آوَوْا فِي الْغَارِ (وَ) أَنْ يَسْتَشْفِعَ (بِأَهْلِ الصَّلَاحِ) ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ وَكَمَا اسْتَشْفَعَ مُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ يَا يَزِيدُ ارْفَعْ يَدَيْك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ فَثَارَتْ سَحَابَةٌ مِنْ الْمَغْرِبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ وَهَبَّ لَهَا رِيحٌ فَسُقُوا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ (لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْك بِنَبِيِّينَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّينَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
[فَصْلٌ صَلَاة الِاسْتِسْقَاء بِالصَّحْرَاءِ]
(فَصْلٌ وَيُصَلِّيهَا) نَدْبًا (بِالصَّحْرَاءِ) لَا بِالْمَسْجِدِ حَيْثُ لَا عُذْرَ كَمَرَضٍ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانِ وَالْحُيَّضِ وَالْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمْ فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَلْيَقُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْخِصَالِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَاتِّسَاعِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْعِيدِ اهـ وَعَلَى قِيَاسِهِ يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ ثُمَّ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدَيْنِ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اسْتِحْبَابُهَا فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا لِلِاتِّبَاعِ وَالتَّعْلِيلِ السَّابِقَيْنِ وَيَأْتِي بِهَا (كَصَلَاةِ الْعِيدِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ فَيُنَادَى لَهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُكَبِّرُ فِي أَوَّلِ الْأُولَى سَبْعًا وَفِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مُسَبِّحًا حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا وَلَا يَخْطُبُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَيَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأُولَى ق وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ أَوْ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ قِيَاسًا لَا نَصًّا وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْأُولَى سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ضَعِيفٌ وَقِيلَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَالَ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] كَانَ حَسَنًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اقْتَرَبَتْ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا كَالْعِيدِ (إلَّا أَنَّهَا) بَعْدَ اخْتِصَاصِهَا بِالصَّحْرَاءِ كَمَا مَرَّ (لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ) لَا بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقْتٌ لَهَا كَمَا لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ؛ وَلِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَ سَبَبِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ نَعَمْ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِلِاتِّبَاعِ
(فَصْلٌ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَهَا (كَالْعِيدِ) أَيْ كَخُطْبَتِهِ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا (مُبَدِّلًا التَّكْبِيرَ) فِيهَا (بِالِاسْتِغْفَارِ فَيَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْحَالِ وَيُبَدَّلُ فِيهَا أَيْضًا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ (وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِيهَا) حَتَّى يَكُونَ هُوَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ (وَمِنْ قَوْلِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12] وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ فِيهَا أَوْ أَخَّرَهُ كَانَ أَوْلَى وَأَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى الْمَأْخُوذِ، وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ كَمَا قَدَّمْته فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ لِحَدِيثَيْ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِمَا (وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى) جَهْرًا (وَيَقُولُ) هَذَا لِإِفَادَتِهِ سُنَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَيَقُولُ (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ) فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ أَيْ مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إنَّ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بَلْ يَكُونُونَ فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ فَإِنْ خَالَطُوهُمْ كُرِهَ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَمَيَّزُوا إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ حَدَّ الِامْتِيَازِ وَفِيهِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ الْعُرْفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَقِيلَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ بِحَيْثُ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعُوا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُحَرِّضُ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَخْرُجُونَ وَحْدَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَتُظَنُّ ضَعَفَةُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا قُلْنَا خُرُوجُهُمْ مَعَنَا مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ كَذَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي يَوْمٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَصَادَفَ إجَابَتُهُمْ فَتَكُونُ فِتْنَةً لِلْعَوَامِّ قس قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا مَأْخَذٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى دُعَاءِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] وَقَالَ آخَرُونَ قَدْ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ كَمَا اُسْتُجِيبَ لِإِبْلِيسِ دُعَاؤُهُ بِالِانْتِظَارِ
(قَوْلُهُ اسْتِحْبَابُهَا فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) كَمَا مَرَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَصْلٌ خِطْبَة صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]
(قَوْلُهُ أَيْ كَخُطْبَتِهِ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا) فَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَ أَوَّلَ مَا يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ثُمَّ يَقُومَ فَيَخْطُبَ (قَوْلُهُ مَرِيعًا) وَيَرْوِي مُرَبَّعًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَمَرْتَعًا بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقٌ
وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمِنْ الدُّعَاءِ الْمُسْتَحَبِّ مَا ثَبَتَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِي بَلَدَك الْمَيِّتَ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ»
(ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) لِلدُّعَاءِ (فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ) ، وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ فَإِنْ اسْتَقْبَلَ لَهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَعُدَّهُ فِي الثَّانِيَةِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ (وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَيَنْكُسُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ (فَيُجْعَلُ مَا عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ وَ) مِنْ (الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ عَلَى الْآخَرِ) فَالْأَوَّلُ تَحْوِيلٌ وَالثَّانِي تَنْكِيسٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ فِي اسْتِسْقَائِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» زَادَ أَحْمَدُ وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ» وَرَوَى هُوَ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» فَهِمَهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَتَرَكَهُ لِلسَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَيَحْصُلُ التَّحْوِيلُ وَالتَّنْكِيسُ بِجَعْلِ الطَّرَفِ الْأَسْفَلِ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَالطَّرَفِ الْأَسْفَلِ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ.
وَالْحِكْمَةُ فِيهِمَا التَّفَاؤُلُ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إلَى الْخَصْبِ وَالسَّعَةِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] فَيُغَيِّرُوا بَوَاطِنَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَظَوَاهِرَهُمْ بِمَا ذُكِرَ فَيُغَيِّرُ اللَّهُ مَا بِهِمْ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» ثُمَّ كُلٌّ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ عَلَى حِدَتِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَلْبِ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْصُلُ مَعَ ذَلِكَ لَا كَمَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فَاخْتَبِرْهُ تَجِدُهُ صَحِيحًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (هَذَا فِي) الرِّدَاءِ (الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُقَوَّرُ) وَفِي نُسْخَةٍ الْمُدَوَّرُ (وَالْمُثَلَّثِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ) بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْقَمُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيس وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ تَقْتَضِي تَغَايُرَ الْمُثَلَّثِ وَمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ وَلِهَذَا عَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِأَوْ وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَصْحَابُ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا وَيُقَالُ لَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ لَمْ يُسْتَحَبَّ التَّنْكِيسُ يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا وَلَيْسَ مُرَادًا (وَيَفْعَلُونَ جُلُوسًا بِأَرْدِيَتِهِمْ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلُ مَا فَعَلَ الْخَطِيبُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ هُنَا وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ (تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ) إلَى مَا تَقَدَّمَ وَلُمَّا مَرَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ جُلُوسًا مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَفِي التَّتِمَّةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَلَا يَنْزِعُهُ) أَيْ رِدَاءَهُ كُلٌّ مِنْ الْخَطِيبِ وَغَيْرُهُ (إلَّا مَعَ الثِّيَابِ) بَعْدَ وُصُولِهِ مَنْزِلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَيَّرَ رِدَائَه بَعْدَ التَّحْوِيلِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَتْرُكُونَهَا أَيْ الْأَرْدِيَةَ مُحَوَّلَةً إلَى أَنْ يَنْزِعُوا الثِّيَابَ وَعِبَارَةُ الْمَطْلَبِ وَيَدَعُونَ أَرْدِيَتَهُمْ مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ
(وَيُبَالِغُ)، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ (فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا) قَالَ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (وَيُسِرُّونَ) بِهِ (إنْ أَسَرَّ) وَيُؤَمِّنُونَ إنْ جَهَرَ وَمَشَى فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ فَقَطْ فِي اسْتِقْبَالِهِ وَتَبِعَ فِيهِ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ أَنَّهُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَخْتَارُ أَنْ يَقْرَأَ عَقِبَ دُعَائِهِ قَوْله تَعَالَى {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 89] وَقَوْلُهُ {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 84] وَقَوْلُهُ {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْآيَاتِ تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ (وَيَرْفَعُونَ) كُلُّهُمْ (أَيْدِيَهُمْ) فِي الدُّعَاء لِمَا مَرَّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ (قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُشِيرَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ فِي كُلِّ دُعَاءٍ لِرَفْعِ بَلَاءٍ وَبِبَطْنِهِمَا إنْ سَأَلَ شَيْئًا) أَيْ تَحْصِيلَهُ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا إلَخْ) وَفِي الْكَافِي لِلزُّبَيْرِيِّ عَنْهُ عِنْدَ بُلُوغِ النِّصْفِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ (قَوْلُهُ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَيُنَكِّسُهُ) هَذَا مَخْصُوصٌ بِالذَّكَرِ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَلَا (قَوْلُهُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا (قَوْلُهُ إلَى الْخِصْبِ) بِالْكَسْرِ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَهَلْ هُمَا عِبَادَتَانِ) تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ أَوْ لَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ الثَّانِي
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ) أَيْ صَوْتُ تَسْبِيحِهِ
اسْتَسْقَى وَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقِيسَ بِالِاسْتِسْقَاءِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَالْحِكْمَةُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ (وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتنَا اللَّهُمَّ اُمْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَاهُ وَإِجَابَتِك فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا (ثُمَّ) بَعْدَ الدُّعَاءِ (يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ) بِوَجْهِهِ (وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ آيَةً وَآيَتَيْنِ (وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَخْتِمُ بِالِاسْتِغْفَارِ) وَيَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
(وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ لَمْ يَتْرُكْهُ النَّاسُ) مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يَدُلُّ لَهُ لَكِنَّهُ فِي حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ أَكْثَرُ رُوَاةً وَمُعْتَضَدٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى خُطْبَةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ (وَإِنْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ) بِتَثْلِيثِ الْكَافِ أَوْ دَامَ الْغَيْمُ عَلَيْهِمْ بِلَا مَطَرٍ وَانْقَطَعَتْ الشَّمْسُ عَنْهُمْ وَتَضَرَّرُوا بِهِ (سَأَلُوا اللَّهَ) تَعَالَى نَدْبًا (رَفْعَهُ فَيَقُولُوا) مَا «قَالَهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَلَا تُشْرَعُ لِهَذَا صَلَاةٌ) لِعَدَمِ وُرُودِهَا لَهُ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهَا تُسَنُّ لِنَحْوِ الزَّلْزَلَةِ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا نَحْوُهَا فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ
(وَيُسْتَحَبُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ (أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ كَاشِفًا) الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَيَكْشِفُ (مَا عَدَا عَوْرَتَهُ) لِيُصِيبَهُ الْمَطَرُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْت هَذَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ أَيْ بِتَكْوِينِهِ وَتَنْزِيلِهِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ «كَانَ إذَا مَطَرَتْ السَّمَاءُ حَسِرَ ثَوْبَهُ عَنْ ظَهْرِهِ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَطَرُ» «وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ فَقَالَ أَوَمَا قَرَأْت {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9] فَأُحِبُّ أَنْ يَنَالَنِي مِنْ بَرَكَتِهِ» وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَطَرِ أَوَّلِ السَّنَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ الَّذِي اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ آكَدُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ قَالَ: وَظَاهِرُ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فَعَلَهُ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ وَلَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ (وَ) أَنْ (يَغْتَسِلَ فِي) مَاءِ (الْوَادِي إذَا سَالَ أَوْ يَتَوَضَّأُ) مِنْهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ أَخَّرَ جَوَابَنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّر مِنْهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيُغْتَسَلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ الْجَمْعُ ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ قَالَ وَهَلْ هُمَا عِبَادَتَانِ تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الثَّانِي إلَّا إنْ صَادَفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَهُ أَوَّلُ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتُهُ
(وَ) أَنْ (يُسَبِّحَ لِلرَّعْدِ وَالْبَرْقِ) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنَّا مَعَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرْدٌ فَقَالَ لَنَا كَعْبٌ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثَلَاثًا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْنَاهُ فَعُوفِينَا وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ سُبْحَانَ مَنْ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقُ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتَهُ أَوْ صَوْتَ سُوقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَأُطْلِقَ الرَّعْدُ عَلَيْهِ مَجَازًا وَرُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» (وَ) أَنْ (لَا يَتْبَعَهُ بَصَرَهُ) رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْبَرْقَ أَوْ الْوَدْقَ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَالْوَدْقُ بِالْمُهْمَلَةِ الْمَطَرُ وَفِيهِ زِيَادَةُ الْمَطَرِ وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ الرَّعْدُ فَقَالَ وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا إلَهَ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ) فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ «سَأَلَتْ الْيَهُودُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّعْدِ مَا هُوَ قَالَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ بِيَدِهِ مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ قَالُوا فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ قَالَ زَجَرَهُ السَّحَابُ إذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى حَيْثُ أُمِرَ قَالُوا صَدَقْت» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فَالرَّعْدُ اسْمُ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ وَقَالَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَهُوَ الْمَعْلُومُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ الرَّعْدُ رِيحٌ تَخْفِقُ بَيْنَ السَّحَابِ فَتُصَوِّتُ ذَلِكَ الصَّوْتَ وَقَالَتْ الْفَلَاسِفَةُ الرَّعْدُ صَوْتُ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ وَالْبَرْقِ وَمَا يَتَقَدَّحُ مِنْ اصْطِكَاكِهَا، وَهَذَا مَرْدُودٌ لَا يَصِحُّ بِهِ نَقْلٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْبَرْقَ مِخْرَاقٌ حَدِيدٌ بِيَدِ الْمَلَكِ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا هُوَ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ بِيَدِ الْمَلَكِ يُزْجِي بِهِ السَّحَابَ وَعَنْهُ أَيْضًا الْبَرْقُ مَلَكٌ يَتَرَاءَى وَقَوْلُهُ قَالَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مِخْرَاقٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ